بعد أن تحدثنا عن أهمية الوقت في المقال السابق كان لا بد أن نتحدث عن الوسائل التي تساعدنا على تنظيم الوقت، وهذه الوسائل كالآتي: 1-تحديد مواعيد الأشياء الثابتة في كل يوم: مثل تحديد موعد النوم - تحديد موعد الوجبات - وتحديد موعد الزيارات- وتحديد موعد القراءة والمطالعة... إلخ. 2- التخطيط للمشاوير: نحن نجد أن المشاوير التي نذهب إليها يوميًّا تأخذ وقتاً من حياتنا، ولذلك لا بد أن يفكر الإنسان قبل أن يخرج في مشوار ما، ماذا سيفعل؟ وإذا كان عنده أكثر من حاجة يشتريها يفكر قبل أن يخرج ما هي جميع الحاجات؟ 3- عليك أن تعرف سرعتك.. أي تعرف فعليا الوقت الذي يتطلبه أداء نشاط معين، وذلك حتى يمكنك أن تخطط فعليا لأنشطتك المستقبلية. 4- خطط يوميا حسب الأولوية، خذ وقتا يوميا كل ليلة لتستفيد من اليوم القادم، وسجل قائمة بكل ما لديك لتفعله، ثم اختر أي الأشياء ذات الأولوية لتفعله في يومك التالي. بدون تخطيط لليوم من الممكن جدًا أن ترتبك، تحتار ويصرف انتباهك للعديد من الأشياء غير النافعة، وإن لم يكن متيسرا لدينا ما نود فعله فسنفعل ما تيسر لنا. 5- تجنب التسويف والتأجيل: أكثر الخطط فعالية هي ما تتضمن فقط ما عليك أن تفعل، وأن تظل تعمل عليه حتى تنتهي منه، ولا تسوف أو تؤجل ذلك العمل. 6- اعمل على شيء واحد أمامك، وهو ما يعني ألا تدع الأشياء الأخرى تربكك وتلهيك عن الشيء المحدد الذي تقوم بإنجازه. دع بقية الأشياء بعيدا عن ذهنك، بعيدا عن مجال رؤيتك. إذا فعلت ما عليك فقط فستجد لديك العديد من الأعمال المنجزة، بما يعني إنتاجية عالية وإنجازا عاليا، وهو ما يدفعك لمزيد من الاندفاع، وبالتالي المزيد من الإنجاز، وهكذا تدور الدائرة. 7- استثمر وقتك في تعلم كيف تؤدي الأعمال بكفاءة وفعالية، حدد دوما موضوعات للتنمية الشخصية، واعمل على تحقيق ذلك. 8- لا تخطط لكل دقيقة من وقتك، لكن فقط حدد الأشياء المهمة التي عليك إنجازها، واعرف -بعد ملاحظتك- كم تنفق من الوقت لأداء كل عمل، لتعرف ما الذي يمكن أن يستوعبه يومك فعليا، واترك مسافات بينية مناسبة بين كل نشاط وآخر. 9- بعد المراقبة والمعرفة والتخطيط يجيء العمل بهمة وحماس على ما قررت عمله.. استعن بالله ولا تعجز.. قم فورا لتحقق ما تحلم به!. ما هي الأشياء التي تضيع الأوقات؟ 1- النوم، والأكل، والكلام، فالإسراف فيها مضيعة للوقت فإذا زادت عن حدها صارت مضيعة للوقت، النوم مثلا نعمة من نعم الله لولا النوم لعشنا في شقاء، الإنسان مطلوب منه أن يعطي جسده حقه "وإن لجسدك عليك حقا"، ولكن ليس معنى هذا أن ينام الإنسان الساعات الطويلة المتواصلة، فبعض الناس يحتاجون ثماني ساعات فعلاً، وبعض الناس تكفيهم ست ساعات، وبعض الناس يكفيهم أقل، وبعض الناس يكفيهم أكثر، والمسألة تعتمد كثيراً على التعود، وتعتمد على طبيعة جسم الإنسان وعلى نوع الوظيفة التي يقوم بها وهكذا. ومن الأمور المهمة في النوم: القيلولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((قيلوا فإن الشياطين لا تقيل))،.. ففي الوقت الذي يكون الشيطان فيه سارحاً يمرح المفروض أن نكون نحن في نوم، ولا نتأخر في السهر، فهو عليه الصلاة والسلام قد كره السهر بعد العشاء الآخرة إلا للعلم، أو للأشياء المهمة، أو للضيف مثلاً. نحن الآن انعكست عندنا الآيات، في وقت نشاط الشياطين نحن ننشط ونشتغل ونعمل، والمفروض أن ننام ولكننا نستفيق، ووقت ما ينبغي أن نكون مستفيقين ننام!! وهكذا، صحيح أن طريقة الحياة المعاصرة تجبرنا على نظام للاستيقاظ، يعني مثلاً انظر الآن في قضية الدوام وقضية الحصص و... إلخ، تجد أن الحياة مصممة على أنك تستيقظ في وقت القيلولة، ومع ذلك لو استطعت أن تقيل فافعل، ولو استطعت أن تنظم جدولك بحيث تنام في وقت القيلولة فافعل. 2-وسائل اللهو من البرامج والمسلسلات، والألعاب والمباريات والمسابقات، وغيرها، فإنها كثيراً ما توقع في المحرمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا حدث عنه ولا حرج، والخوض في هذا يدعو للأسى: كيف يضيع التلفزيون أو المسلسلات الأوقات؟ أو هذه المجلات الفارغة التافهة المنتشرة في الأسواق كيف تضيع الأوقات؟ هذا شيء في غاية العجب!!! 3- قضية التسويف، والتسويف هذه مشكلة كبيرة، داء كبير يحرم من خيرات كثيرة دنيوية وأخروية، والتسويف عادة يحدث للمهمات الضخمة والصعبة، متى يبدأ الناس يؤجلون ويسوفون؟ عندما تكون المسألة صعبة، فلذلك يجد في نفسه دافعًا للتأخير. ولا بد أن نعلم الفرق بين التسويف والتريث، فالتريث يعني أنك تنتظر الفرصة المناسبة، قد تكون الإمكانات والأدوات عندك غير متوفرة، لم يحن الوقت المناسب بعد، بينما التسويف أنت تدفع الأمر مع استطاعتك أن تعمله الآن، والحاجة إليه قد قامت، ووقته قد حان، ولكنك تتعذر بأعذار واهية، تقول: ما عندي وقت، لا أستطيع أن أفعله وحدي، أنتظر من غيري أن يساعدني، سأحاول.. سأحاول. وهناك بعض الناس يشغلون أنفسهم بقضايا تشعرهم أنهم يستفيدون، مع أنهم غفلوا عن أمور أساسية كثيرة، فيتهرب من الشيء المهم ويؤجله، ويشغل نفسه بأشياء تافهة وجانبية، فلو أن إنسانا عنده غدًا امتحان، المفروض أن ينشغل به، ولكنك تجد أنه يرتب الطاولة والخزانة والكتب، وينشغل بهذه الأشياء، ويقنع نفسه أنه يفعل شيئا مهما، بينما هو غافل عن الشيء الأساسي. الوقت أغلى أم الذهب؟ قالوا قديما "إن الوقت من ذهب". ولكني أقول مع النظرة الثاقبة لهذه المقولة نجد أن الوقت أغلى من الذهب!! كيف ذلك؟ الوقت إذا ضاع لا يمكن إرجاعه، أما الذهب فمن الممكن أن تعوضه إذا فقدته؟ فالوقت إذن أغلى من الذهب وليس من ذهب كما يقولون. فنصيحتي أن نتقي الله في عمرنا، فكل يوم تطلع شمسه في هذه الدنيا ينادي ابن آدم بقوله: "أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لن أعود إلى يوم القيامة!". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا". وأخيرا.. أقول حقا إننا عندما غفلنا عن قيمة الوقت لقبنا بالعالم الثالث، عندما فقدنا أخلاقيات ديننا في العمل تراجعنا، وصرنا في آخر القائمة، فلا بد من العودة والنهوض بمقومات التقدم واحترام الوقت، ورحم الله الشاعر الدرعميّ هاشم الرفاعي إذ قال: ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا وأصبح لا يرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا وآلمني وآلم كل حُرّ سؤال الدهر: أين المسلمون؟ ترى هل يرجع الماضي؟ فإني أذوب لذلك الماضي حنينا شباب ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام دينا تعهدهم فأنبتهم نباتا كريما طاب في الدنيا غصونا هم وردوا الحياض مباركات فسالت عندهم ماء معينا إذا شهدوا الوغى كانوا كماة يدكون المعاقل والحصونا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا ولم تشهدهم الأقداح يوما وقد ملئوا نواديهم سجونا وما عرفوا الأغاني مائعات لكن العلا صنعت لحونا وقد دانوا بأعظمهم نضالا وعلما، لا بأجزلهم عيونا فيتحدون أخلاقا عذابا ويأتلفون مجتمعا رزينا فما عرف الخلاعة في بنات ولا عرف التخنث في بنينا ولم يتبجحوا في كل أمر خطير، كي يقال مثقفونا كذلك أخرج الإسلام قومي بابا مخلصًا حُرًّا أمينا وعلمه الكرامة كيف تبنى فيأبى أن يُقيَّد أو يهونا دعوني من آمانٍ كاذبات فلم أجد المنى إلا ظنونا وهاتوا لي من الإيمان نورا قوّوا بين جنبيّ اليقينا أمد يدي فأنتزع الرواسي وأبني المجد مؤتلقًا مكينا المزيد من مقالات جمال عبد الناصر