القَدْرُ والقَدَر كلمتان متماثلتان تماما في الحروب، ولكنهما مختلفان كليا في المعنى والمغزى، فلكل إنسان قَدْره وقَدَره، يتضحان مع مرور الأيام فيمكن أن يعلو قدر الإنسان تارة ويهبط أخرى، لكن القَدْر يظل ملازما للإنسان منذ لحظة الميلاد وحتى وفاته. أمر آخر تستدعيه ذاكرتي يضفي وضوحا علي ما سبق, فكل يسر لما خلق له, وبالتالي يبرع إنسان دون آخر في العمل نفسه, تبرز من تلك المعاني دلالات مهمة, تبدو أهمها إلي الآن جنازة الدكتور خالد جمال عبدالناصر التي استدعت مشاهد كثيرة تحتاج إلي إعمال العقل والتدبر في أمور كثيرة تحوطنا, فخالد عبد الناصر هو الابن البكري للزعيم الراحل, وبدون الخوض في تفاصيل حياته التي يعرفها الكثيرون, ظهر لنا وبوضوح الفروق الكثيرة بين أولاد عبدالناصر وأولاد مبارك, وبينهم أولاد السادات. توفي عبدالناصر بعد توليه سدة الحكم لمدة ثمانية عشر عاما, وبرغم اختلافي الفكري مع بعض سياساته, إلا أنني أشهد له بالطهر والعفاف, امتلك كاريزما فريدة مكنته من احتلال قلوب الملايين في أرجاء الأرض شرقا وغربا, حتي أصبح زعيما حقيقيا له قدر غير مسبوق, وبرغم كثرة قراراته المصيرية علي المستويين المصري والعربي, إلا أنني لم أذكر أن أيا منها كانت لغرض ما غير مصلحة شعبه ووطنه حتي وإن لم يصب أحدها التوفيق. مات عبدالناصر تاركا إرثا كبيرا لأولاده, إرث من نوع خاص لم نعهده في هذه الأيام لم يكن يتضمن أموالا ولا عقارات ولا أمورا متشابهات, لكنه كان تاريخا عظيما سيظل راسخا أبد الآبدين, وللحق لم يعبث أحد من أولاده بهذا الإرث ولم يلوثه. هكذا كان الأمر.. وهكذا كانت مصر هي محط الاهتمام الأول والأخير, ولم يكن هناك تفكير في تكوين ثروات أو تدخل أحد أفراد الأسرة في أمور البلد أو تفكير في مشروع توريث, هكذا عاش أولاد عبدالناصر كباقي المصريين يتصارعون مع الحياة وتتصارع معهم وهم يحافظون علي الإرث النظيف الذي تركه والدهم الراحل. لم يختلف الأمر مع خلفه الرئيس الراحل أنور السادات بطل الحرب والسلام الذي ترك إرثا سياسيا وتاريخيا ربما يختلف عليه البعض, لكنه بالمثل لم يترك لأولاده تركة مادية من الأنواع المعهودة ورحل السادات بعد أن حكم مصر أحد عشر عاما حقق فيها نصرا عسكريا ومعنويا أعاد للمصريين كرامتهم وعزتهم. رحل السادات وكان له ما له وعليه ما عليه. ولكن إحقاقا للحق لم يطعن أحد في ذمته ولا في ذمة أولاده من بعده فقط حافظوا علي تاريخ والدهم وحاولوا الابتعاد عن الأضواء كأولاد عبدالناصر, فكان للسادات قدره الذي لا يمكن الاختلاف عليه. مع بداية تولي الرئيس مبارك زمام الأمور عام 1981 قدم وعودا وعهودا للمصريين, وقال جملته الشهيرة: الكفن ليس له جيوب, وتعشم المصريون في حياة تحقق أحلامهم وآمالهم في الغد المشرق.. ومرت الأيام والسنون وتطورت الحياة وكبر الأولاد وامتدت فترة الحكم وأمد الله في عمره ليتولي الحكم لمدة ثلاثين عاما وصلت فيها مصر لمرتبة متقدمة في الدول التي ينخر فيها الفساد, ومع التقدم الاقتصادي الذي ظهر من خلال خفض معدل التضخم, فإن المستفيدين منه كانوا قلة قليلة من الشعب المصري, فقد ارتفع عدد الفقراء حتي بات أكثر من04% من سكان مصر تحت خط الفقر. لقد كان غرضه وغرض أسرته توريث الحكم لجمال مبارك مهما كان الثمن. وقد كان الثمن باهظا, حيث جري هدم أحلام وطموحات الأكفاء من الشعب وضاعت أحلام الكثيرين بسبب انتشار المحسوبية والفساد, بعد أن تولي أمورنا أهل الثقة الامناء علي مشروع التوريث وليس أهل الكفاءة, لم يستوعب هو أو نظامه المحيط المستفيد إن للصبر حدودا, وأنه قد تجاوز الحدود بكل المعايير, فقد انفجر الشعب ضد ذلك النظام الفاسد, وأصبح مبارك أول رئيس مصري سابق لينال قدرا لم يناله أحد من قبله, هكذا كان قدر مبارك, ومع علمنا بقدري عبدالناصر والسادات يبدو قدر مبارك غير واضح حتي الآن في ظل قبوعه تحت المحاكمة الجنائية بتهمة قتل المتظاهرين الأبرياء. تَحوُّل جنازة خالد عبدالناصر إلى جنازة شعبية يوضح الفرق الشاسع بين قَدْر مبارك وقَدْر عبدالناصر، كما يلقى الضوء على أن السلطة المٌطلقة مفسدة مُطلقة.. رحم الله خالد عبد الناصر ومن قبله والده الزعيم الراحل طيب الذكر ورحم كل مخلص.. آمين، ولعنة الله على كل فاسد ومفسد أثيم. المزيد من مقالات عماد رحيم