من جديد عادت قضية الأقفاص السمكية في مجري النيل إلي الضوء لتفرض نفسها علي المهتمين بالبيئة والغيورين عليها وتحديدا في محافظة دمياط التي عانت لسنوات طويلة من انتشار هذه الأقفاص التي لوثت مياه النيل وأثرت علي قدرة محطات الشرب علي معالجة المياه مما أدي إلي عدم قدرتها علي تنقية المياه وانتشار الميكروبات الضارة في مياه الشرب. آخر الدراسات العلمية أكدت عودة الأقفاص السمكية إلي مجري النيل بدمياط بعد أن استغل أصحابها الانفلات الأمني بعد ثورة يناير وعادوا لممارسة نشاطهم دون رادع من قانون أو خوف علي صحة المواطنين مفضلين مصالحهم الخاصة. كما أكدت الدراسة ارتفاع الأمونيا في المياه نتيجة الملوثات الناتجة عن الأعلاف المستخدمة لتغذية الأسماك وتفاعلها مع الكلور المستخدم في محطات مياه الشرب للقضاء علي الميكروبات ليصبح عديم التأثير والجدوي. ويقول الدكنور رفعت عبد الوهاب أستاذ بحوث تلوث المياه بالمركز القومي للبحوث و مدير عام البحوث والتطوير بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي, أن ظاهرة الأقفاص السمكية بنهر النيل كان قد تم القضاء عليها بفرع دمياط نهاية2005 حيث تمت إزالة1398 قفصا سمكيا بعد جهد كبير من الوزارات المعنية وهي الري والإسكان والبيئة وبعد ضغوط شديدة من الرأي العام ووسائل الإعلام, ولكن استغلال البعض لما تمر به البلاد في الآونة الأخيرة من ظروف ومعاودة وضع الأقفاص السمكية بفرع دمياط بمجري النيل, أمر في منتهي الخطورة ويجب التعامل معه بحزم. ويؤكد الدكتور رفعت أن شركة مياه الشرب والصرف الصحي بدمياط التابعة للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي قامت بعمل مسح كامل لمنطقة الأقفاص السمكية بفرع دمياط وتبين ارتفاع نسبة الأمونيا بمعدل أربعة أضعاف النسبة المسموح بها وذلك طبقا لما هو وارد بالمادة رقم(60) من القرار الوزاري رقم402 لسنة2009 بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون رقم48 لسنة1982 والخاص بالحالة التي تبقي عليها المسطحات المائية العذبة. ويشرح خطورة الوضع قائلا إن ارتفاع تركيزات الأمونيا الناتجة من وجود الأقفاص السمكية عند مآخذ محطات تنقيه مياه الشرب تؤثر علي عمليات في محطات مياه الشرب حيث أن نسبة كبيرة من الكلور اللازم لعملية التطهير يتم استهلاكه بتفاعله مع الأمونيا ويصبح غير متاح لعمليات التطهير اللازمة للتخلص من الميكروبات الممرضة الأمر الذي يؤثر سلبا علي المواصفات القياسية لمياه الشرب. كما أن أصحاب المزارع السمكية يستخدمون أعلافا من مخلفات مجازر الدواجن وغيرها الأمر الذي يؤدي إلي رفع أحمال التلوث ووجود تركيزات عالية من الفوسفور والنتروجين الناتج من مخرجات الأسماك وبقايا المغذيات التي تضاف لتغذية الأسماك هذا بالإضافة إلي الأسماك النافقة الأمر الذي يسهم نمو سلالات من الطحالب وزيادة الأحمال الميكروبية عند مآخذ محطات مياه الشرب حيث أن التكنولوجيات المستخدمة لتنقية مياه الشرب في مصر والمتبعة في معظم دول العالم غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه الأحمال من التلوث وإزالة مثل هذه الملوثات تحتاج إلي تكنولوجيات إضافية تحتاج إلي تكلفة باهظة لذا يجب منع التلوث عند المنبع بدلا من إهدار الموارد. ومما يجعل الأمر في غاية الخطورة هو أن هذه الأقفاص تلوث مصادر المياه لترعة السلام شريان الحياة لشبه جزيرة سيناء وهو2.1 مليار متر مكعب سنويا من فرع دمياط مختلطة نحو1.9 مليارمتر مكعب من مصرف حادوث الملوث أصلا بالمخلفات الصناعية, والقادمة من مصرف المنصورة والمصارف الأخري الحافلة بالعديد من مصادر التلوث منها علي سبيل المثال وليس الحصر مصنع الراتنجات الذي تحتوي مخلفاته السائلة علي مركبات الفينولات الذائبة والتي تعتبر من المخلفات الخطيرة وكذلك الصرف الزراعي مما يتسبب في تدهور مواصفات مياه ترعة السلام ولخطورة هذا الأمر قامت وزارة الموارد المائية والري بتحرير محاضر مخالفات وإصدار قرارات الإزالة للأقفاص السمكية وأرسلت مذكرة لكل من وزارة الداخلية ووزارة التنمية المحلية للتنسيق مع الإدارة العامة لحماية مياه النيل بفرع دمياط لسرعة تنفيذ قرارات الإزالة في ضوء القرارات الصادرة عن اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ2011/2/13 ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء حتي الآن, بل توجه أصحاب الأقفاص السمكية بدمياط لرئيس مجلس الوزراء بالشكوي عندما أرادت المحافظة إزالة التعديات علي نهر النيل ورفع الأقفاص السمكية الذي اقترح بدوره تشكيل لجنة من وزارة الزراعة لدراسة ما إذا كانت الأقفاص السمكية تؤثر سلبا أو من عدمه علي مواصفات مياه النيل ولقد أقرت اللجنة برفع الأقفاص فورا. ولكن قام وزير الزراعة الحالي بالإطاحة بكافة القوانين والقرارات الملزمة للجان السابقة وقرر تشكيل لجنة أخري بناء علي شكوي أصحاب الأقفاص, معيدا كل شيء إلي نقطة الصفر وهو أمر في غاية الخطورة ويجب عدم السكوت عليه ولقد سبق تشكيل مثل هذه اللجان وأقرت عدم جواز وجود مثل هذه التعديات وأن الأقفاص السمكية في مجري النيل فرعي دمياط ورشيد غير مقبولة ومخالفة للقوانين والتشريعات البيئية, وكان يجب علي الوزير الحالي للزراعة الإطلاع علي ملف الموضوع بالكامل وعد الانصياع لضغوط فئة منتفعة علي حساب الصالح العام والصحة العامة للمواطنين. وأخيرا يقول د. رفعت عبد الوهاب إنني كعضو في هذه اللجنة التي شكلت حديثا وكأستاذ بحوث تلوث المياه بالمركز القومي للبحوث ومن واقع مسئوليتي كمدير عام البحوث والتطوير بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المعنية بجودة مياه الشرب في مصر أطالب برفع الأقفاص السمكية من مياه النيل فرعي دمياط ورشيد وفورا, و وزراء البيئة, والري, والزراعة بتحمل مسئوليتهم نحو حماية نهر النيل من التلوث باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والتنفيذية لإزالة هذه التعديات علي نهر النيل شريان الحياة في مصر وكفانا لجانا وإصدار قرارات وقوانين معطلة ومدمرة للبيئه.