ربما لا يصدق كثير من المصريين الحد الذي يصل إليه الاهتمام العالمي بمحاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك. علي الأقل كان ذلك ما تعرفت عليه قبل المحاكمة في أثناء سلسلة من الزيارات لعواصم أوروبية مختلفة. ومن موقعي الآن في مدينة بوسطن الأمريكية حيث يوجد أكبر تجمع للجامعات المحترمة في الدنيا كلها, وربما يري بعضنا أن أوروبا, وأمريكا ليسا هما العالم, وأن الكرة الأرضية أكبر كثيرا من كلتيهما; ولكن ذلك لا ينفي الفكرة لأن الزوار والمشاركين في المؤتمرات والمحاضرات يأتون تقريبا من العالم أجمع ومن دول كبري بحجم الصين والهند, ودول صغري بحكم لوكسمبرج. العالم بالفعل ينظر إلينا خاصة العالم الديمقراطي الذي يقيس حضارة الدولة بقدرتها علي إدارة القانون فيها وتطبيقه. ومهما كان الرأي في رئيسنا السابق كديكتاتور أو زعيم سلطوي, فإنه من زاوية أخري كان أحد مشاهد العلاقات الدولية والشرق أوسطية خاصة علي مدي ثلاثة عقود, وبقدر ما يثير مشهده علي سرير المرض وهو داخل المحكمة الكثير من علامات التعجب الإنسانية قبل القانونية; فإن الأهم دائما هو كيف تجري الإجراءات سواء كان من جانب ممثل الاتهام, أو ممثلي الدفاع, ومع هذا وذاك المناخ العام للمحاكمة كلها, وعما إذا كانت تجري تحت ضغوط من سلطة, أو من الرأي العام, وبقدر ما أثار تحويل الرئيس السابق إلي القضاء الطبيعي من احترام, فإن المشاهد المنقولة خارج المحكمة وفيها من الاضطراب والتشاحن والقتال ما فيها, وداخلها حيث المحامون دائما بعيدون عن وقار المحكمة, واضطرار القاضي المحترم إلي رفع الجلسة عدة مرات حتي يعود النظام, لا يعطي أبدا انطباعا إيجابيا. الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أننا جميعا في اختبار, الثورة السلمية ومدي احترامها للقانون, وأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته, وهيئة الاتهام والدفاع وكيفية التعامل مع تقاليد العدالة وموازين العدل, والمجتمع والدولة وهما يحتضنان القيمة الحضارية للقانون, الذي هو الفارق الأساسي ما بين الحضارة والبربرية. أعرف أن هناك كثرة منا مصابين بداء نفاد الصبر, وهؤلاء يريدون القفز فوق تقاليد العدالة لتطبيق ما يرونه أحكاما عادلة تعطي للقصاص معناه. ولكن لهذا كانت المحاكم, ولذلك كان القضاء, وبدونهما لكان الأمر فوضي, والثورة مجزرة, والعدل ظلما. لصالحنا أولا ثم لصورتنا أمام العالم ثانيا, علينا أن نترك العدالة تأخذ مجراها حتي نثق في أنفسنا ويثق العالم فينا. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد