قرية ميت رهينة هي القرية التي أقيمت على أطلال العاصمة الأولى لمصر، والتي حملت إسم منف أو ممفيس، وهي العاصمة الأولى لمصر، والتي وحّد فيها الملك مينا الوجهين القبلي والبحري عام (2950 ق. م - 2180 ق. م)، وكانت العاصمة بدءاً من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثامنة الفرعونية. واستمرّت منف في الصدارة مدة 535 سنة، وتلتها 19 عاصمة، قبل أن تصبح القاهرة هي العاصمة، منذ عام 969 م في عصر الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وتعتبر المدينتان، بالإضافة إلى طيبة والإسكندرية، هي المدن الرئيسية في تاريخ مصر، وكانت مركز الحكم في مصر قروناً طويلة. ومع كل تغيير سياسي أو ديني أو اقتصادي تشهده البلاد كان يتم تغيير عاصمة الكنانة ؛ فبعد منف انتقلت العاصمة إلى إهناسيا بمحافظة بني سويف، وكانت تسمى هيركليوبوليس، وذلك خلال الأسرتين التاسعة والعاشرة، في حين قرّرت الأسرة الحادية عشر أن تنقل العاصمة إلى إحدى أشهر العواصم التي شهدتها مصر؛ "طيبة" بالأقصر، ثم قرّرت الأسرتان ال 12 وال 13 نقل العاصمة إلى منطقة اللشت، والتي تقع بين الفيوم وبني سويف، وللمرة الأولى تنتقل العاصمة من جنوب مصر إلى شمالها؛ حين قررت الأسرتان ال 14 و15 نقل العاصمة إلى أورايس، والتي توجد مكانها الآن مدينة زوران بمحافظة الشرقية. وما لبثت العاصمة أن عادت إلى طيبة مجدداً، خلال حكم الأسر ال 17 وال 18 وال 19، وحتى بداية عهد رمسيس الثاني، الذي قرّر نقل العاصمة إلى منطقة برمعسيس، التي تقع شرق الدلتا، وتعني بيت رمسيس محبوب آمون المعظم بانتصاراته، وتوجد حالياً في منطقة قنطير بالقرب من محافظة الشرقية. واختارت الأسرة 21 أن تقسم القيادة إلى قسمين؛ أحدهما إداري في تانيس بالشرقية، والآخر ديني في طيبة بالأقصر، في حين نقلت الأسرتان 22 و 23 العاصمة إلى منطقة تل الضبعة بشرق الدلتا، وانتقلت بعدها العاصمة إلى منطقة صالحجر غرب الدلتا، في عهد الأسرة 24، وفي عهد الأسرة ال 25 عادت العاصمة إلى منف مرة أخرى، ثم إلى "صالحجر" في عهد الأسرة 26. وإلى منف مرة أخرى عادت العاصمة على يد الأسرة 27، ثم انتقلت إلى منطقة تل الربع بمدينة المنصورة الحالية في عهد الأسرة 28، ثم قررت الأسرة 29 إنشاء عاصمة للبلاد في منطقة منديس، وأنشأت الأسرة 30 عاصمتها في منطقة سبينيتوس، والتي تقع مكانها الآن مدينة سمنود بمحافظة الغربية. وخلال العهدين الروماني واليوناني، أصبحت الإسكندرية هي العاصمة الرسمية للبلاد، وحين دخل المسلمون مصر أنشأ عمرو بن العاص مدينة الفسطاط لتصبح العاصمة، وكانت تقع على ساحل النيل الشمالي الشرقي. أما العباسيون فقد قرّروا أن تكون العسكر هي العاصمة، وبعد أن بنى أحمد بن طولون مدينة القطائع اختارها لتصبح عاصمة مصر، وتقع مكانها الآن منطقة قلعة الكبش، ثم انتقلت العاصمة إلى القاهرة، والتي استمرت أطول فترة في التاريخ. رغم أن المسافة الآن بين منف والقاهرة لا تزيد عن 23 كيلومتراً، فإن آلاف السنين فصلت بين اختيار المدينتين لتصبح كل منهما عاصمة للبلاد. منف هي أقدم عاصمة في التاريخ، ويصل عمرها إلى نحو 5 آلاف عام، وظلت عاصمة لمصر مدة 535 عاماً، ولا تقلّ أهمية الآثار الموجودة بها عن الأقصر، خاصة معبد "الإله بتاح"، الذي بُني في عصر الدولة الحديثة، ومعبد التحنيط، ومعبد حتحور، ومقصورة سيتي الأول، والقصور المدفونة في تل العزيز، الذي يؤكد بعض الأثريين أنه ضم قصر وسجن سيدنا يوسف عليه السلام، إلا أن هذا الأمر غير محسوم تاريخياً. ويضم المتحف الموجود بمدخل القرية الآن تمثالاً ضخماً لرمسيس الثاني، وزنه نحو 100 طن، بالإضافة إلى تمثال "أبو الهول" المصنوع من حجر المرمر. وعرفت المدينة باسم الجدار الأبيض حتى القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، إلى أن أطلق عليها المصريون اسم "من نفر"، وهو الاسم الذي حرّفه الإغريق إلى "ممفيس"، ثم أطلق العرب عليها منف. وكانت منف مقرّاً للمقوقس زعيم أقباط مصر عندما كان يتفاوض مع عمرو بن العاص عند قدومه إلى مصر لفتحها، وكانت ترسانة مصر، ويُصنع بها العتاد الحربي، وتسلّح وتموّن السفن القتالية، فضلاً عن أنها كانت مركز التوزيع الرئيس والتجاري بمصر، وحجّ إليها الإسكندر الأكبر. وذكر"منف" كل من هوميروس صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسا الشهيرتين، والمؤرّخ العربي ابن عبد الحكم القرشي، واليعقوبي، وجمال الدين الأفغاني، بالإضافة إلى علي باشا مبارك. والآن تقع "منف" أسفل قرية "ميت رهينة" بالبدرشين، التابعة لمحافظ الجيزة، وتعاني نقصاً شديداً في الخدمات والمرافق، كما تعاني الآثار التي ما زالت تحتفظ بها من إهمال شديد، وتتكرّر السرقات منذ سنوات طويلة حتى الآن. أما القاهرة فهي إحدى العواصم الأطول عمراً على مستوى العالم، وهي نتاج تزاوج 4 عواصم أنشئت في العهد العربي؛ "الفسطاط، والعسكر، والقطائع، والقاهرة القديمة. وتضم القاهرة كنزاً من المناطق والمعالم الأثرية التي تجذب الأجانب والعرب والمصريين على السواء، ويغلب على آثارها الطابع الإسلامي، ومن أشهر مناطقها: شارع المعز، وقلعة الجبل، في حين تضم آلاف المساجد؛ أشهرها: الأزهر، وأحمد بن طولون، والرفاعي، والسلطان حسن، بالإضافة إلى مناطق شعبية ساحرة؛ منها الحسين، والغورية، والجمالية، وغيرها، وكان يحيط بها عدد من الأبواب؛ منها: باب زويلة، وباب النصر. ورغم أن جوهر الصقلي هو الذي أنشأ القاهرة، فإن الخليفة المعز لدين الله هو الذي أطلق عليها هذا الاسم، بعد أن كان اسمها المنصورية.