عام 2005 وفي وسط نقاش مفتوح ومستمر بين المسرحيين عن "أزمة المسرح"، والتي كان غياب الجمهور أحد أهم ملامحها، فوجئنا جميعا بافتتاح ساقية الصاوي، المركز الثقافي الذي تم افتتاحه حرفيا "تحت الكوبري". في فترة قصيرة تمكنت الساقية من جذب قطاع مهم من الجمهور، وأعني به قطاع الشباب. هذا الحدث دفعنا جميعا للمقارنة بين حال مركز أسفل الكوبري وبين حال المسارح الحكومية التي ظلت تعاني غياب الجمهور لدرجة أن صناع أي مسرحية كانوا مضطرين لشراء تذاكر علي حسابهم الشخصي لكي يتم مد عرض مسرحياتهم أسبوعا جديدا أو أسبوعين لعل وعسي أن يمر عابر سبيل من أمام المسرح. هذه المقارنة المحتومة وصلتّنا لاستنتاجات لها علاقة بالفارق بين مؤسسة "حكومية" يديرها موظفون بالأقدمية غير مشغولين إلا بالبقاء في مناصبهم للحفاظ علي "البدل" الذي يتقاضونه دونما عناية بمستوي ما يقدمونه، ودونما رغبة في أن يزيدوا عدد رواد مؤسساتهم فردا جديدا، وبين مؤسسة خاصة (حتي لو كانت مؤسسة ثقافية) يديرها أكفاء يحرصون كل الحرص علي النجاح، ويبحثون طوال الوقت عما يضاعف أعداد رواد مؤسساتهم (حتي ولو بمفهوم الزبون) ويضعون طوال الوقت خططا للدعاية والترويج للمؤسسة ولنشاط المؤسسة. فارق جعلنا نفكر أنه في المؤسسات الحكومية لا يهم أن تكون ناجحا بقدر أن تكون مستوفيا الأوراق. قبل عام من الآن اتصل بي الزميل أحمد السيد، دعاني لعضوية لجنة تحكيم في مهرجان يدعي "كيميت" بمسرح "أوبرا ملك". لم أكن قد سمعت بوجود مسرح بهذا الاسم. حين ذهبت للمسرح فوجئت بمشهد لم أره منذ زمن في مسرح الدولة. كانت مسرحية "رجالة وستات" تُعرض، ومئات الشباب الذين لم يلحقوا بالعرض في الشارع. اضطر أحمد السيد أن يقدم العرض مرة أخري. في مكتبه شاهدت صورا للمسرح الذي كان مغلقا منذ عقود، مجرد خرابة كانت يوما من الأيام محض "صالة" من صالات ما قبل ثورة يوليو. بإمكانيات محدودة، وبمساعدة أصدقاء تطوعوا بجهودهم تم تجديد المسرح وتجهيزه ليكون قاعة للعرض. لكن طموح أحمد السيد كان أكبر من ذلك بكثير، في شهور قليلة حوّل المسرح لمركز ثقافي مهم. ورش فنية قُدّمت بالمجان، مهرجانات مسرحية غير تقليدية (كمهرجان الممثل الواحد ومهرجان 20 ومهرجان المايم)، مسابقات للتصميم، للبانتومايم، للرقص، التعاون مع فنانين أجانب لتقديم عروض شعبية خاصة ببلدانهم. مسابقات ومهرجانات كان يشكل لجان مشاهدتها ولجان التحكيم بها من فنانين وأكاديميين كبار كانوا كلهم يأتون متطوعين بعد تسلل حماس السيد والشباب الذين يعملون معه بالتطوع أيضا إليهم. تجربة أحمد السيد في إدارة مسرح ملك أطاحت بالمقارنة الساذجة بين مؤسسة حكومية ومؤسسة خاصة. بإمكان المؤسسة الحكومية إذا أن تكون ناجحة إذا ما توفرت لها القيادة الشابة الثورية، إذا ما استطاعت هذه القيادة الشابة جمع المحبين والمخلصين والمتحمسين من الشباب، إذا ما ألغيت التراتبية الوظيفية وتعامل الجميع كبارا وصغار باعتبارهم مسئولين عن التجربة. كل هذا لم يشفع لدي وزير الثقافة الجديد لكي يقدم دعمه لهؤلاء، بل إنه مكافأة منه لكل هذا الحماس قرر ضم المسرح للبيت الفني للمسرح وإلغاء جميع الفاعليات من ورش ومسابقات وعروض فنية، والاكتفاء بأن يكون قاعة من قاعات العرض المسرحية لتلحق بمنظومة الفشل التابعة للوزارة الفاشلة.