كيف أصبحت كاتباً؟ - أظن أن الأمر يتعلق بالواقع الاجتماعي الذي نشأت فيه. لقد كانت عائلتي تنتمي إلي الطبقة الدُنيا، وكنا نعيش في شقة صغيرة مكونة من حجرتين. لم يكن لي أنا وأختي حجراتنا الخاصة، أو حتي مكاناً خاصاً بنا. وكنت أضع كتبي في زاوية بحجرة المعيشة، هي وغيرها من الأشياء التي تخصني. وكثيراً ما كنت أتخيل الأشياء التي أحتاجها. وتعلمت أن أقرأ مُبكراً وسط الضوضاء. وبدأت أكتب وأرسم في عمر مبكر كذلك. وكانت النتيجة أنني أصبحت من هواة جمع الغرف الآن. لدي حجرة مكتب في أربعة أماكن مختلفة. أخاف العودة إلي الوضع السابق في طفولتي وشبابي، والجلوس في ركن بغرفة صغيرة. وما الذي جعلك تتجه إلي القراءة والكتابة في هذا الوضع بدلاً من الاهتمام بالرياضة أو غيرها من الاهتمامات؟ - كنت أكذب كثيراً في طفولتي. ولحسن الحظ، كانت أمي تحب أكاذيبي. وبدأت أدون تلك الأكاذيب، وحرصت علي تلك العادة. وبدأت كتابة رواية وأنا في الثانية عشرة من عمري عن أقلية الكاشوبيان، والتي تحولت بعد عدة سنوات إلي روايتي "طبل الصفيح"، وفيها تنتمي جدة "أوسكار" إلي أقلية الكاشوبيان مثل جدتي. إلا أنني أخطأت في الرواية الأولي: لقد كانت كل الشخصيات قد ماتت قبل انتهاء الفصل الأول، ولم أتمكن من مواصلة الكتابة. وكان هذا هو الدرس الأول في الكتابة: احترس في التعامل مع شخصياتك. وما هي الأكاذيب التي تستمتع بها؟ - الأكاذيب التي لا تؤذي. الأكاذيب التي لا تهدف إلي حمايتك أو إلحاق الأذي بغيرك. الحقيقة مملة في الغالب، ولا أحتمل الامتناع عن الكذب طويلاً. ولا أري ضرراً في هذا. ولقد لاحظت أن أكاذيبي لا تؤثر سلباً علي الواقع. لو أنني كنت قد كتبت عن الأزمات السياسية التي تواجه ألمانيا الآن، لقال الناس حينها: يا لك من كاذب! وماذا فعلت بعد أخفقت في إنجاز روايتك الأولي؟ - أصدرت كتابي الأول. كان عبارة عن أشعار ورسوم. مزيج بين قصائدي الأولي ولوحاتي الأولي، تختلط فيه الصور بالكلمات. وعندما كنت في الخامسة والعشرين، اشتريت آلة كاتبة، وكتبت عليها رواية "طبل الصفيح". هل تكتب العمل بنظام صارم؟ - كلا، أنا أكتب المرة الأولي بسرعة شديدة، وقد أترك الفجوات لما بعد. ثم أعيد الكتابة للمرة الثانية، علي نحو تفصيلي ودقيق ومطول وكامل، لكن الكتابة تسم بالجفاف. أما في المرة الثالثة، أحاول استعادة تلقائية وعفوية المرة الأولي، والإبقاء علي ما هو جوهري في المرة الثانية، وهو أمر شاق للغاية. وما نظام عملك اليومي؟ - عندما أكتب المرة الأولي، أكتب بمعدل سبع صفحات يومياً، بينما أكتب بمعدل ثلاث صفحات يومياً في المرة الثالثة. تفضل الكتابة ليلاً أم نهاراً؟ - لا أفضل الكتابة ليلاً علي الإطلاق. لا أحب الكتابة ليلاً لأنها تأتي بسهولة ويسر. كما أن القراءة صعبة أثناء النهار. أتناول إفطاري بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً، وأقرأ قليلاً وأنا أستمع إلي الموسيقي. بعدها أشرع في العمل ولا أتوقف إلا بعد الظهر لتناول بعض القهوة. أبدأ العمل من جديد حتي الساعة السابعة مساءً. كيف تعلم أنك انتهيت من كتاب ما؟ - أنا أعمل علي كتابة أعمال طويلة، وهي عملية تستغرق وقتاً طويلاً. قد أعمل علي مسودات الكتاب لمدة أربعة أو خمسة أعوام. ولا أتوقف عنها وأعتبر أنني أنجزت الكتاب إلا بعد أن أشعر بالإنهاك. كان بريخت يعيد كتابة كتبه من جديد، حتي بعد نشرها، ولم يعتقد أبداً أنه انتهي من كتاب ما. - لا أظن أن بمقدوري فعل هذا. كل كتاب مرتبط بفترة ما من حياتي. تخرج الكتب إلي النور وفقاً لشعوري وطريقة تفكيري في ذلك الحين. أنا علي قناعة تامة بأنني سوف أدمر رواية "طبول الصفيح" إذا قمت بإعادة كتابتها. كيف تميز بين كتبك الأدبية وكتبك غير الأدبية؟ هذا الأمر لا يعنيني. قد يعني الناشرين وباعة الكتب من أجل تصنيف الأعمال وفق نوعها. ولكن هناك فارق طبعاً بين المقال والقصة في الأسلوب والتقنيات. أنت تختلق مواقف في القصة، ولكن في المقال تواجه حقائق لا يمكن تغييرها. كيف توازن بين نشاطك السياسي وبين إبداعاتك؟ - لا يقتصر اهتمام الكاتب علي مشاعره الداخلية، حياته الذهنية، بل يمتد ليشمل الأمور اليومية. بالنسبة لي؛ يعد الرسم، والكتابة، والسياسة بمثابة ثلاثة اهتمامات مُنفصلة، لكل منها حضوره المستقل والمتمايز. تصادف أنني أهتم علي نحو خاص بشؤون المجتمع الذي أعيش فيه، وتصادف أيضاً أنني أكتب وارسم، ومن الطبيعي أن تختلط السياسة بأعمالي شئت أم أبيت. لا أعمل وفق خطة لإبراز مواقفي السياسية فيما أكتب، ولكنها تحدث عفوا، ودون ترتيب. تتسم أعمالك بأنها تدمج عدة أجناس أدبية معاً.. التاريخ، والوصفات، القصائد الغنائية... - والرسم، والشعر، والحوارات، والاقتباسات، والخطب، والرسائل. حين تتعامل وفق تصور ملحمي، سوف تجد من الضروري استخدام كافة جوانب اللغة المتاحة، وأغلب أشكال التواصل اللغوي. ولكن تذكر، أن بعض كتبي هي شكل أدبي واحد فقط، مثل روايتي القصيرة "قط وفأر". يري البعض أن أسلوبك فريد في الربط بين الكلمات والرسوم - الرسم والكتابة هما المكون الأساسي لأعمالي؛ ولكنهما ليسا المكون الوحيد. أحياناً أصنع المنحوتات حين أجد وقتاً لذلك. وأري وجود علاقة تبادلية بين الفن والكتابة. وتتراوح هذه العلاقة قوة وضعفاً من حين لآخر، ولقد لاحظت قوتها في الأعوام الأخيرة. لم يكن كتابي "اظهر لسانك" ليخرج إلي النور دون رسوم. لقد كتبته في مدينة "كلكتا"، والفقر في تلك المدينة يقود المرء إلي مواقف تعجز فيها اللغة عن التعبير. الرسم يساعدني في العثور علي الكلمات. في ذلك الكتاب، لا تظهر القصائد مطبوعة فقط، بل هناك قصائد مكتوبة بخط اليد، إلي جوار الرسوم. هل أصبحت الكلمات في هذا الكتاب عناصر تشكيلية تخدم الرسم؟ - تكونت بعض عناصر القصائد نتيجة للرسم أولاً، وعندما واتتني الكلمات بعد ذلك، بدأت أكتب بخط يدي فوق الرسوم، فتضافرت الكلمات مع الخطوط. وأحياناً تكون الكلمات المكتوبة بخط اليد مسودة تم تنقيحها بعد ذلك، ولكني أتركها مع الرسم كما هي. كان هذا الكتاب تجربة صعبة، وانتابني شك في القدرة علي إنجازه. لماذا؟ - ربما كان هذا بسبب موضوعه؛ مدينة "كلكتا". لقد زرت المدينة مرتين. كانت المرة الأولي أشرع في الكتاب بأحد عشر عاماً، وكانت تلك هي زيارتي الأولي للهند. قضيت بضعة أيام في "كلكتا" وهالني ما رأيت. كان فيها ما دفعني للعودة إليها مرة أخري، للبقاء فيها مدة أطول، ولرؤية المزيد، وكتابة ملاحظات. ذهبت في رحلات إلي أماكن أخري في أفريقيا وآسيا، وحين كنت أري الأحياء العشوائية في مانيلا وهونج كونج، وجاكارتا، كنت أتذكر "كلكتا" علي الفور. إنها المكان الوحيد في العالم، الذي تختلط فيه مشاكل العالم الثالث بمشاكل العالم الأول، بهذا الوضوح. حين رأيت المدينة للمرة الثانية، فقدت قدرتي علي استخدام اللغة. لم أتمكن من كتابة كلمة واحدة، برزت أهمية الرسم هنا، كان طريقة بديلة لالتقاط حقيقة المدينة. تمكنت من الكتابة بمساعدة الرسم. وإذا طالعت الكتاب، ستكتشف أن الرسوم والشعر والنثر تتناول المدينة في إطار مترابط، ولكن بطرق مختلفة. وما العنصر الأكثر أهمية في الكتاب؟ - بالنسبة لي الشعر هو الأهم. ميلاد الرواية يبدأ بقصيدة. لن أقول أن الشعر له أهمية قصوي وحاسمة، ولكن سأكتفي بقول أنني لا أستطيع العمل بدونه. أحتاج إليه كنقطة انطلاق. أهو أرفع مكانة من الأنواع الأدبية والفنية الأخري بالنسبة لك؟ - كلا، كلا، كلا.. يقف الشعر والنثر والرسم علي قدم المُساواة وبطريقة ديمقراطية في أعمالي. هل هناك شيء فيزيائي وحسي في فعل الرسم ولا يوجد في الكتابة؟ - أجل، الكتابة بالأساس عملية تجريدية. والبهجة التي تسببها تختلف كلية عن الرسم. حين أرسم، أكون علي وعي تام بخلق شيء ما علي قطعة من الورق. إنه فعل حسي، وهو أمر لا ينطبق علي الكتابة. في الواقع، أهرب من الكتابة إلي الرسم. هل الكتابة عملية غير مريحة ومؤلمة بالنسبة لك إلي هذا الحد؟ - إنها تشبه النحت إلي حد كبير. عليك أن تعمل علي المنحوتة من كافة الجوانب. إذا قمت بتغيير شيء ما هنا، فعليك تغيير شيء في الجانب الآخر. وهو ما يحدث مع الكتابة، تتغير الخطط طوال الوقت. يمكن ان أعمل عدة أيام علي فقرة أو جملة أو عبارة أو مسودة. أظل أعمل وأعمل، وأحس بثقل ورتابة، وبعد إنجاز بعض التغييرات، اشعر بالسعادة.. سعادة تدوم لثانية أو ثانيتين، ثم أنتقل لفقرة جديدة، وهكذا. بالنسبة للشعر، هل تختلف القصائد التي تضمنها في رواياتك عن القصائد المُستقلة؟ - كنت تقليديا في الماضي فيما يتعلق بكتابة الشعر. اعتقدت أنك حين تكون لديك قصائد جيدة، فعليك أن تبحث عن ناشر لها. ويكون لديك ديوان شعر، معزول وقاصر علي مُحبي الشعر. ومنذ رواية "من مذكرات حلزون"، بدأت أمزج الشعر والنثر في كتبي. ولهذا الشعر نغمة مختلفة. لا أري مُبرراً لعزل الشعر عن النثر، خاصة وأن لدينا في الثقافة الألمانية تقاليد أدبية شهدت مزجاً رائعاً بين الشعر والنثر. أصبحت مُغرماً بوضع الشعر بين فصول الروايات، واستخدامه في تأطير النثر. إلي جانب إتاحة الفرصة لقارئ النثر الذي يشعر أن الشعر ثقيل القراءة أن يُطالع شعراً، أبسط من النثر في بعض الأحيان. كم يفقد القارئ الانجليزي حين يقرأ كتبك مترجمة إلي اللغة الانجليزية؟ - هذا سؤال لا يمكنني الإجابة عليه، فلست أحد القراء بالانجليزية. ولكني أحاول المساعدة في ترجمة كتبي. ولقد أضفت شرطاً في عقدي مع الناشر لتوفير لقاء بيني وبين مترجمي كتبي. وأعتقد أن في هذا عون كبير. وأشعر بسعادة لأن المترجمين يعرفون كل شيء عن الكتاب، ويسألون أسئلة رائعة، وربما يعرفون عن الكتاب أكثر مني شخصياً. ويتبادلين المترجمون إلي الفرنسية والإيطالية والأسبانية الملاحظات حول الكتب في تلك اللقاءات، واكتشفت أن التعاون بينهم يؤدي إلي تحسين الترجمة. وأفضل علي المستوي الشخصي أن أقرأ كتاباً لا يظهر بوضوح أنه مترجم، نظراً لتجربتي مع قراءة أعمال أدبية عالمية إلي الألمانية. هل غضبت لأن ترجمة روايتك إلي الانجليزية بعنوان "الفأر" لا تظهر أنك تقصد "الفأرة" - ليس لدينا في الألمانية أيضاً كلمة تشير إلي أنثي الفأر، ولكنني اخترعتها، ودائماً ما أشجع المترجمين علي اختراع كلمات جديدة، إن لم تكن موجودة في لغتهم. لماذا كان الفأر أنثي في تلك الرواية؟ أهو لأسباب جنسية أم نسوية، أم سياسية؟ - اكتشفت بعد أن كبرت في السن أنني ضحيت بنفسي من أجل النساء، ولن أغير هذا الآن. لا يهم إذا كانت الأنثي من البشر أم من الفئران. كما تري، تواتيني الفكرة فأقفز وأرقص، ثم أبحث عن الكلمات والقصص، ثم أبدأ في الكذب. لا أجد متعة في الكذب علي رجل، أو الجلوس مع رجل.. لا تحلو الأكاذيب سوي مع النساء. يتمحور عدد من كتبك حول حيوانات، أهناك سبب لذلك؟ - ربما. أشعر دائماً أننا نتحدث كثيراً عن البشر. هذا العالم يحتشد بالبشر، وكذلك بالحيوانات، والطيور والأسماك والحشرات. وهي كائنات موجودة علي الأرض قبل ظهور الإنسان. علينا أن نتعلم أننا لا نعيش وحدنا علي هذا الكوكب. فقد نجم عن سيطرتنا علي الأرض نتائج وخيمة. هل تعلمت من النقد الذي تم توجيهه إلي أعمالك؟ - أحب أن أكون تلميذا مُجتهداً، ولكن النقاد ليسوا معلمين جيدين دائماً. ولكن هناك فترة في حياتي، تعلمت فيها من النقاد، هي فترة "المجموعة 47"، حيث كنا نقرأ النصوص بصوت مرتفع، وندير نقاشاً حولها. تعلمت حينها مناقشة الأعمال الأدبية، وإبداء أسباب الرأي الذي كونته عنها، وعدم الاكتفاء بقول "أنا أحب هذا العمل". أعتقد أن هناك توقعات للنقاد عن الطريقة التي يجب أن يستخدمها الكاتب في الكتابة. وكانت تجربة الالتقاء بين الكتاب والنقاد تجربة ثرية ومفيدة. في الواقع، كانت هذه التجربة علي قدر كبير من الأهمية بالنسبة للأدب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. لقد كان هناك تشوش كبير في فترة ما بعد الحرب، خاصة في الدوائر الأدبية، فقد عاني الجيل الذي نشأ أثناء الحرب من عدم التعليم أو سوء التعليم، وأصاب اللغة نوع من التدني، كما هاجر الكتاب الكبار. لم يكن أحد يتوقع أي شيء من الأدب الألماني حينها. لقد وفرت تجربة "المجموعة 47" فرصة لنا، مكنتنا من إعادة إحياء الأدب الألماني. وماذا عن النقد المطبوع في الصحف والمجلات؟ - لا أتعلم منه شيئاً، ولكني أتعلم من الكُتاب الآخرين. كان ل "ألفريد دوبلن" أثراً كبيراً عليّ، مما دفعني لكتب مقال بعنوان "أستاذي دوبلن". يمكنك التعلم منه دون أن تقوم بتقليده. هو بالنسبة لي أهم من "توماس مان". رواياته ليست نمطية، وليست كلاسيكية الطابع مثل روايات "توماس مان"، وكان يميل إلي المجازفة والتجديد. رواياته ثرية، ومتعددة الدلالات، وبها الكثير من الأفكار. وماذا عن الكتاب الأمريكيين؟ - لطالما أحببت "ميلفل"، وأستمتع بقراءة "وليام فوكنر"، و"توماس وولف"، و"دوس باسوس"؛ الذي لا يقاربه أحد في نظري، بقدرته علي تصوير الجماهير. لكنني أفتقد البُعد الملحمي الذي كان موجوداً في الرواية الأمريكية في السابق. ما رأيك في الفيلم المأخوذ عن روايتك "طبل الصفيح"؟ - لقد صنع "شلانروف" فيلماً جيداً، رغم عدم تمسكه ببنية الرواية. ربما كان ما قام به ضروريا لأن "أوسكار"، الراوي، كان يحكي القصة عبر قفزات زمنية من زمن إلي آخر، قد لا تصلح للفيلم. ماذا عن شخصياتك الروائية؟ - شخصياتي الروائية، خاصة البطل الذي يحمل الرواية علي عاتقه، هي مزيج من الكثير من الأشخاص والأفكار والتجارب، يتم وضعها في حزمة واحدة. عليك كذلك أن تخترع وتخلق شخصيات من الخيال، سواء كنت تحبها أم لا. المهم أن تكون عملية الخلق ناجحة، يعتمد هذا علي قدرتك علي الغوص في أعماق هؤلاء الناس. إن لم أفهم دواخل شخصياتي، التي خلقتها بنفسي، لن تكون سوي حبر علي ورق. هل تشعر أن شخصياتك الروائية تكتسب وجوداً مُستقلاً؟ - حين اشرع في كتابة رواية، أضع تصورات لعدد من الشخصيات المختلفة. ومع تطور العمل، تبدأ تلك الشخصيات الروائية تعيش حياتها الخاصة. علي سبيل المثال، لم أخطط لتقديم السيد "مازيراث"، في رواية "الفأرة" باعتباره رجلاً في الستين من العمر، ولكنه من قرر هذا، وألح كثيراً كي يحضر داخل النص قائلاً: "لا زلت موجوداً هنا، هذه قصتي"، كان مصراً علي التواجد في الرواية. ولقد اكتشفت أن تلك الشخصيات التي أخترعها، سرعان ما تعبر عن احتياجاتها، وتعارضني، وحتي ترفض أن يتم استغلالها علي هذا النحو أو ذاك. علي الكاتب أن ينتبه ويحذر من شخصياته الروائية، وأن يستمع إليها في ذات الوقت. ويؤدي هذا إلي أن ينشأ حوار، قد يحتدم أحياناً، إلا أنه نوع من التعاون بيننا في النهاية.