صوت الناس.. "محمد" يستغيث بالمسئولين لبحث شكوى قبل فوات الآوان    جامعة قناة السويس: تكريم الفرق الفائزة في كرة القدم الخماسية    رئيس العراق يستقبل وزير الري المصري على هامش مؤتمر بغداد الدولي الرابع للمياه    حزب "المصريين": افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية يُسطر مرحلة جديدة في مسيرة التحول الرقمي    وزارة التموين : وفرنا السكر بالمنافذ وليس لدينا أزمة إنتاج .. والمشكلة كانت في التوزيع    بعد 204 يوما على حرب غزة.. ازدواجية الإعلام الأمريكي في تناول الكارثة الإنسانية.. نيويورك تايمز وجهت صحفييها بتقييد استخدام مصطلحات "الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والأراضى المحتلة"    وفد من «حماس» يصل القاهرة غدا لتسليم رد الحركة بشأن مقترح التهدئة بقطاع غزة    دخول 176 شاحنة مساعدات غذائية عبر معبر كرم أبو سالم    بسبب المجاعة.. استشهاد 30 طفلا في غزة    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل نظيره البحريني والوفد المرافق له    كاف يطلب من الزمالك التوجه إلى ملعب مباراة دريمز الغانى مبكراً .. اعرف السبب    بعد واقعة مباراة مازيمبى.. الأهلى يقرر توقيع عقوبة على السولية والشحات بسبب اعتراضهما علي قرارات كولر    تورينو ينظم ممرا شرفيا للاعبي إنتر احتفالاً بتتويجه بالدوري الإيطالي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل نجل لاعب الزمالك السابق عمر كشمير    حملات تفتيشية مكبرة على الأسواق والمخابز بالمنيا    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يفتح باب الاشتراك في دورته الثانية .. اعرف المواعيد    وصل الإجمالي ل 57 مليون .. فيلم شقو يضيف 500 ألف جنيه لإيراداته ليلة أمس    أستاذ جهاز هضمي: الدولة المصرية صنعت دواء يعالج فيروس سي (فيديو)    «التنمية المحلية»: 40 ورشة عمل للقائمين على قانون التصالح الجديد بالمحافظات    محافظ بني سويف يُشيد بالطلاب ذوي الهمم بعد فوزهم في بطولة شمال الصعيد    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    احتفال الآلاف من الأقباط بأحد الشعانين بمطرانيتي طنطا والمحلة.. صور    جامعة بني سويف تستقبل لجنة المراجعة الخارجية لاعتماد ثلاثة برامج بكلية العلوم    الطقس في الإسكندرية اليوم.. انخفاض درجات الحرارة واعتدال حركة الرياح    «التعليم» تحدد ضوابط تصحيح امتحانات النقل للترم الثاني 2024    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    فرق 60 دقيقة عن المواصلات.. توقيت رحلة المترو من عدلي منصور لجامعة القاهرة    سفير روسيا بالقاهرة: موسكو تقف بجوار الفلسطينيين على مدار التاريخ    لن أغفر لمن آذاني.. تعليق مثير ل ميار الببلاوي بعد اتهامها بالزنا    «قصور الثقافة» تختتم ملتقى أهل مصر لفتيات المحافظات الحدودية بمطروح    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    بلينكن يزور مستوطنة بئيري بعد هجوم 7 أكتوبر    بنك QNB الأهلي وصناع الخير للتنمية يقدمان منح دراسية للطلاب المتفوقين في الجامعات التكنولوجية    انطلاق فعاليات البرنامج التدريبى للتطعيمات والأمصال للقيادات التمريضية بمستشفيات محافظة بني سويف    البنية الأساسية والاهتمام بالتكنولوجيا.. أبرز رسائل الرئيس السيسي اليوم    أحمد مراد: الخيال يحتاج إلى إمكانيات جبارة لتحويله إلى عمل سينمائي    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    رئيس هيئة الدواء يجتمع مع مسؤولي السياسات التجارية في السفارة البريطانية بالقاهرة    نجم الأهلي: أكرم توفيق انقذ كولر لهذا السبب    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    المصري الديمقراطي الاجتماعي يشارك في منتدى العالم العربي بعمان    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن لمن تخطوا سن ال65 عاما    وزير الصحة: «العاصمة الإدارية» أول مستشفى يشهد تطبيق الخدمات الصحية من الجيل الرابع    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في عيد ميلاده ال80 متأملا تجربته:
بهاء طاهر: لم انبهر بالغرب ولم انسحق أمامه
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 01 - 2015

بشر به يوسف ادريس منذ أن كان طالبا يدرس في كلية الآداب جامعة القاهرة، ونشر له أولي قصصه القصيرة »المظاهرة« ومنها وحتي »واحة الغروب« تاريخ طويل وعمل دءوب، استطاع من خلاله أن يكون قارئا ومعجبا ومحبا لأدبه ولشخصه أيضا، هو الذي لا يكف عن التجديد وخوض المناطق التي لم يسبقه إليها أحد.
نقطة النور، وخالتي صفية والدير، والحب في المنفي، وقالت ضحي، وبالأمس حلمت بك، وأنا الملك جئت..إنجاز ضخم يصعب معه المفاضلة، ليس فقط من ناحية الكم، فالكم والكيف كلاهما يصب في صالح بهاء طاهر، الذي أكمل عامه الثمانين منذ أيام، وننتظر منه رواية جديدة في الشهور المقبلة، ذهبنا إليه لنكون برفقته ونستمع له، ففتح قلبه وتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل.
هو محمد بهاء الدين عبدالله طاهر، نشآ في أسرة كبيرة العدد، متوسطة الحال، كان والده مدرساً للغة العربية، أنجب تسعة من البنات والبنين؛ كان هو أصغرهم، عندما بلغ الخامسة استقروا في الجيزة، حيث أحيل أبيه إلي المعاش وتقلص راتبه، وتسبب ذلك في أزمة مادية شديدة لكنه لم يؤثر علي تعليمهم، ورغم أن مسقط رأس والديه هو قرية الكرنك بالأقصر، إلا أنه لم يعش فيها إلا إجازات قصيرة، ومع ذلك عرف عنها أدق التفاصيل والتطورات، فقد كانت قريته هي أمه، التي تركتها في السادسة عشرة من عمرها وتنقلت مع زوجها في عدة مدن، ولكن ظلت القرية تعيش في داخلها حتي نهاية عمرها، وكانت تمتلك موهبة غريزية في حكاية القصص، رغم أنها لم تتعلم القراءة ولا الكتابة، فكانت هي المصدر الذي تعلم منه حب الحكايات وحب الصعيد، لذا أهدي أول رواياته »شرق النخيل« إلي ذكراها، بالإضافة إلي مكتبة والده الذاخرة بكتب التراث.
يقول عنها: »كانت أمي هي قريتي، فأنا لم أعش في الصعيد، ولكنها كانت صعيدية مائة بالمائة ولم تغير حتي لهجتها إلي أن توفت، فكانت تعيش بوجدانها في الصعيد، وكانت جميع حكاياتها معي عن حياتنا هناك وأهلنا، فهي من جعلتني أعيش في الصعيد كأنني ولدت فيه، حتي إن إبراهيم عيسي كتب في مقال من قبل أن بهاء طاهر يشبه أمه، لأنني عشت أيضا في الخارج سنوات طويلة ولم أتغير كمصري، كما عاشت هي خارج الصعيد ولم تتغير، وإهدائي «شرق النخيل» إلي روحها، لم يكن فقط لذلك، ولكن لأنها من حكت لي تلك الحادثة، عن رصاصة الثأر التي أصابت أبا وابنه في وقت واحد«.
تعلم القراءة والكتابة وحفظ جزءاً من القرآن في أحد الكتاتيب، ثم ألتحق بالمدرسة، في زمن يري أن نظام التعليم به كان جيدا، فلم تكن هناك دروس خصوصية ولا غش في الامتحانات، ولا مدرسة مشاغبين أو هزل في التعليم من أي نوع، كان الأمر ببساطة أنهم يذهبون إلي المدرسة للتربية والتعلم، إلي جانب حصص الأشغال والفلاحة والرسم والهدايات، حتي التحق بمدرسة »السعيدية الثانوية« بمكتبتها الثرية..يعود فيتذكر: »من يحب القراءة كان يذهب إليها، كما أن وزارة المعارف كانت توزع علينا أعمالاً أدبية للقراءة الحرة وليس للاستذكار والاختبارات، من ضمنها »يوميات نائب في الأرياف« لتوفيق الحكيم، »الأيام« لطه حسين، ورواية »المهلهل« لفريد أبو حديد، فكل هذا جعلنا نحب القراءة ونرتبط بها، وهو ما لم يعد موجودا الآن للأسف«.
كانت مدرسته تشهد حصارا في السنوات القليلة التي سبقت الثورة، أيام حكومات النقراشي وإبراهيم عبد الهادي، ولكن مع مجئ حكومة النحاس باشا، اختفي حصار الشرطة الدائم الذي كان مضروبا حولها وحول الجامعة، ويعبر طاهر عن ذلك: « كانت مظاهراتنا تخرج في أمان نسبي وهي تطالب النحاس بإلغاء معاهدة 36 وبالكفاح المسلح في القناة ضد الإنجليز، ولم تكن الأخطار تبدأ إلا حين تتعرض الهتافات للملك، وكان من بيننا في «السعيدية» طلاب وفديون وإخوان مسلمون وشيوعيون وكل الألوان، لكن الغالبية العظمي من الطلاب كانت مثلي تحب النحاس باشا وتستهويهم شعارات الاشتراكية دون أن يهتموا بالانضمام إلي حزب أو تيار معين».
ربما لهذا السبب، ولأنه شهد تلك الفترة من التعددية والتنوع، يري أن ما كان يحدث السنوات السابقة خلال النظام الأسبق لم يكن حرية رأي، وإنما كما يصفها حرية » ا لهوهوة « أو الصراخ، فالحرية لابد أن يكون بها نوع من النظام والحوار بين الآراء المختلفة، رغم أنه لم يضع للحرية تعريفا محددا، يوضح:»عشت فترة بها تعدد للحوار والآراء، فقبل ثورة 1952، كان هناك الوفد بمواقفه المعروفة وغيره من الأحزاب، وكل منهم كانت له منابره الصحفية، فكان هناك نوع من تبادل الخبرات والآراء، والحكم للقارئ، وظهرت وقتها دعوات الاشتراكية، أما في السنوات السابقة، فالصحافة تحولت من سلطة رابعة إلي سلطة راكعة، فالصحافة والإعلام لم يلعبا دورهما الحقيقي حتي الآن كمنابر للديمقراطية، بمعني أن تفسح المجال للرأي والرأي الآخر، وللحوار والنقاش، الآن لديها فرصة جيدة لأن تعود للعب ذلك الدور مع تعدد التيارات، فالأمل يتوقف علي الشباب، بأن يصروا علي أن يكون الإعلام حرا وديمقراطيا«.
أخذنا الحديث بطبيعة الحال إلي الأوضاع الراهنة، فعاد بنا إلي أول الحكاية.،حكاية المثقف والسلطة، قال: »كان أهل الصعيد يحبون الملك فاروق، لأنه جاء لزيارة الصعيد وأكل عدس مع الفلاحين، فأطلقوا عليه وقتها «أمير الصعيد»، وكانت تلك الفترة هي الأزهي للمثقفين، ورغم ذلك هتفنا ضده وعارضناه، أما في عصر عبد الناصر؛ أغلب المثقفين كانوا موظفين، ثم جاء السادات واعتبرهم أعداءه، بينما مبارك فلم يسمع بوجودهم، فعلي مدار أكثر من عشرين عاما في معرض الكتاب كانت تتم دعوتي للمؤتمر الذي يقيمه هناك، ودائما ما كنت أوجه له سؤالا واحدا عن الديمقراطية، ولم تتم إجابته أبدا، وإن وجهت سؤالا للرئيس السيسي الآن سيكون هو نفسه، فالديمقراطية لابد أن يبدأ مفهومها من المرحلة الابتدائية«
لا يثق أبدا في الإخوان، ولا يصدق أنهم نبذوا العنف أو سينبذونه يوما ما، لأنه جزء أساسي من تفكيرهم، فما يحدث الآن من إرهاب يعود لفكرهم بالتأكيد، حتي أن داعش نفسها في رأيه تنبثق من أفكارهم، لذا يري أن الدعوة التي وجهها السيسي علي الثورة الدينية في محلها، ولكن: »يجب إشراك أجهزة الإعلام فيها، لأنها التي تلعب الدور الرئيسي في إبراز الشيء أو خسوفه، فالخطاب الديني مسئولية كل من لديه نوع من السلطة أو النفوذ، ولكنه بالمقام الأول مسئولية الإعلام، وبالذات المرئي؛ لأن تأثيره علي الناس كبير، والدليل ما تسبب فيه مشايخ الفضائيات من مصائب، وتجديد الخطاب الديني يعني الرجوع به إلي أصل الدين الحقيقي، وليس الفقه أو الفتاوي، بل إلي النبع الأصيل الذي خرج منه الدين، فأي اختلاف في فتوي أو اجتهاد لا يستدعي التكفير«.
التحق بالجامعة في عام الثورة 1952، التي فرحوا بها كثيرا هو وزملاؤه، لقد شاركوا في صنعها ونزلوا إلي الشارع يحمون الدبابات بأجسادهم من غدر الملك والإنجليز، فالثوار شباب مثلهم، لا يكبرونهم سوي بسنوات قليلة، خرجوا يضحون بحياتهم لتحقيق أحلام الجميع، ولكن تلك الفرحة لم تدم طويلا، فبعد تحقق الأحلام الكبيرة من خروج الملك وصدور قانون الإصلاح الزراعي وتطهير جهاز الحكم من الفاسدين والمرتشين، الضباط لم يريدوا أن يشاركهم أحد الرأي، فتحول موقف الطلبة إلي أعداء للثورة مثل عدائهم للملك، رغم أن وجدانهم كان لايزال مؤيدا لما تفعله الثورة من أجل استقلال الوطن والنهوض به، وقد كان لهذا المناخ من المشاعر المزدوجة والمتضاربة دوره فيما كتبه هذا الجيل وهو منهم.
التقي طاهر خلال فترة دراسته في الجامعة بمجموعة من الطلبة، هم مبدعو مصر ومثقفوها فيما بعد، من بينهم رجاء النقاش وشقيقه القاص وحيد النقاش، القاص مصطفي أبو النصر، الكاتب صبحي شفيق، الشاعر محمد سليمان وأخوه الفنان التشكيلي حسن سليمان، معوض بولس ويوسف السيسي، ثم سليمان فياض والقاص الأردني غالب هلسا، لذلك؛ ورغم أنه عاصر فترات متعددة وأجيالا مختلفة بالأدب، ولكن رؤيته لتلك المرحلة كانت مختلفه: »ليست هناك مقارنة أو تفضيل بالطبع لفترة عن أخري، ولكني شخصيا أري أن فترة الستينيات شهدت خصوبة أدبية كبيرة، فقد كان يكتب فيها نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعبد الحليم عبدالله، وكنا وقتها نحن جيل الشباب الصاعدين، فمعظم الأسماء التي لمعت فيما بعد بدأت من الستينيات، وقد كان محفوظ أكثر من أثر فيّ عندما بدأت قراءة الأدب، ثم يحيي حقي، وبعدها يوسف إدريس«.
عمل وهو طالب في السنة الأخيرة بالجامعة مترجما في مصلحة الاستعلامات، والتي كانت متخصصة في الدعاية للثورة، في الوقت الذي كانت كتاباته معادية للكثير من توجهاتها، لذا أخفي اهتمامه بالكتابة عن زملائه في العمل، وبعد التخرج؛ اجتاز اختبارات العمل في الإذاعة عام 1957، واختار أن يعمل في البرامج الثقافية البعيدة عن مجال الدعاية، لبعدها عن الأضواء والمهرجانات السياسية، فانضم للبرنامج الثاني الثقافي.
حصل عام 1973 علي دبلوم بالدراسات العليا من كلية الإعلام، نشر أول قصة قصيرة له عام 1964 في مجلة الكاتب، والتي عمل فيها فيما بعد محررا لباب المسرح، ثم أخذ ينشر في أكثر من جريدة، لكنه لم يذع أي من قصصه في البرنامج الثاني، حيث اعتبر ذلك استغلالا للنفوذ، ورغم أن أدبه بدا في ظاهره أنه رجعة للرومانسية القديمة، إلا أنه أفزع بعض النقاد ربما أكثر من الأدب السياسي المباشر، وراحوا يحرضون السلطة عليه وعلي غيره من الكتاب باعتبارهم شيوعيين ومخربين، فتم إبعاده حينها ومنعه من الكتابة في منتصف السبعينيات، فتحتم عليه بعد أن طال هذا الأمر أن يترك مصر ويبحث عن عمل خارجها، فتركها في أول الثمانينيات ليعمل بالترجمة في الأمم المتحدة في جنيف.
يستطرد بهاء طاهر متذكرا: »في عهد الرئيس السادات كان وزير الثقافة الكاتب الكبير يوسف السباعي، وقد قال وقتها أن من ليس معنا فهو ضدنا، ووجدني لست معهم، فاعتبرني ضدهم وأبعدني عن العمل بالإذاعة، فكان لابد أن أسافر لأنه لم يكن لدي مورد رزق آخر، رغم أنني لم أفكر في السفر خارج مصر قبل ذلك علي الإطلاق، حتي عندما سافرت؛ كنت أعتقد أنني سأمكث شهرين أو ثلاثة، لم أتخيل أبدا أن ذلك سيستمر لأكثر من عشرين عاما«.
ورغم أنه درس التاريخ، لكنه عشق الترجمة منذ سنواته الأولي في الجامعة، وبعد المنع كانت هي المنقذ ومورد الحياة بالنسبة له، لقد كان رب أسرة ولديه أبناء، عمل بالترجمة قبل الأمم المتحدة في أكثر من منظمة بأكثر من دولة، كمترجم حر، ذهب إلي فيينا، داكار بأفريقيا وسيريلانكا بآسيا، كأعمال مؤقتة في مؤتمرات، والتي يصفها بأنها من أغرب الفترات في حياته.
تنقل بين قارات العالم القديم الثلاث، وترجم الكثير من الأعمال التي جعلته أكثر قربا ودراية بهم، وكان من أهم ما توصل إليه أن دول العالم الثالث متشابهة، يقول: »هناك قصة شهيرة جدا ليوسف إدريس عن زيارته لفيينا، يقول فيها «اكتشفت أن الفقر هناك مثل الفقر هنا»، فما اكتسبته من تلك التنقلات والأعمال المتقطعة هو الإحساس بفكرة أن العالم الثالث هو عالم واحد مهما اختلفت القارات والدول، بمشاكل واحدة، هي الثلاثي الشهير؛ الفقر والجهل والمرض، وهذا الظلم جاء بالطبع نتيجة الاستعمار الطويل الذي تعرضت له بلاد آسيا وأفريقيا«.
واستطرد: »لذلك كان جمال عبد الناصر يسعي إلي أن تتوحد تلك البلاد بشكل ما، ليس بالضرورة أن تكون الوحدة سياسية، ولكن لابد أن يكون هناك وحدة مصالح، ذات مرة كنت بالهند في مؤتمر أدبي، وأبديت اندهاشي الشديد، لأننا لا نعرف الأدب الهندي إلا من خلال ترجمته للإنجليزية، وكذلك هم يعرفون الأدب المصري بنفس الطريقة، فلم يكن هناك أي تبادل بين مصر والهند، وإلي أن تزول تلك الغمة ونستطيع أن نتواصل بشكل مباشر لن يكون هناك وحدة المصالح تلك «.
أما في أوروبا، وتحديدا جنيف التي عاش بها أكثر من 14 عاما في الفترة بين 1981 و1995، فقد كان الوضع مختلفا، يوضح: »لأننا نعيش عصر المركزية الغربية وهيمنة الغرب علي العالم، وأنا سافرت إلي أوروبا ليس للدراسة في سن صغيرة كغيري، ولكني كنت خريجا وأعمل، فلم يكن لدي الانبهار بالغرب أو الانسحاق أمامه، خاصة وأنني عملت بالبرنامج الثاني ولدينا باستمرار الأدب الأوروبي، كنت أري الحقيقة، وانعكس ذلك في كتاباتي، مما دفع إحدي أساتذة الجامعة نرويجية إلي الكتابة عن صورة الغرب في قصتين لي، وهما «بالأمس حلمت بك» و»حديقة غير عادية»، حيث رأت أنني في هاتين القصتين قدمت الغرب بصورة مختلفة تماما عن بقية الكتاب، كتوفيق الحكيم ويحيي حقي، كنت أري المشاكل بشكل موضوعي، ما يجمعنا بهم وما يفرقنا عنهم، لذا أرفض تماما مسألة الصراع بين الغرب والشرق في الأدب، فأناس كثيرون تكتب أن أعمالي تتناول الصراع بين الشرق والغرب وهذا غير صحيح، فأنا أتناول العلاقة بينهما بما فيها من إيجابيات وسلبيات، فالمشكلة بالنسبة لي في العلاقات الإنسانية بين الناس هنا وهناك، والتي بها أوجه تشابه بالتأكيد وأوجه اختلاف، وبناء عليه لا يمكن أن نصدر أحكاما عامة بأن الشرق روحاني مثلا والغرب مادي وهكذا«.
إذن؛ لم يكن هناك مواقف مسبقة لدي الآخرين تجاهنا، فطاهر يري أن المسألة تتوقف علي من نتصل معهم في الغرب وما العلاقات التي تنشأ بيننا وبينهم، ليس هناك مواقف أو حلول جاهزة، بل تتوقف علي كل طرف من الطرفين.
ولأن كل غربة تؤثر علي الإنسان، حتي إن كان من مكان لآخر في نفس البلد، فكيف استطاع صعيدي أن يعيش بجنيف؟، فتلك بالطبع كانت نقلة صعبة جدا له، وربما هو عبر عن ذلك في إحدي قصصه عندما كتب »الإنسان مثل الزرع، يلزمه تربة معينة حتي ينمو فيها، عند تغيير تلك التربة الزرعة لن تصلح«.
ولكنه صلح، رغم أن حياته تغيرت تماما عما كان يخطط له، فقد أراد أن يبقي في بلده دائما وللأبد، لم يفكر أن يترك مصر أبدا، وخطط أن يعمل بالكتابة، فكان يكتب قبل سفره واستمر فيها بعدما سافر وبعد عودته، ومع ذلك فهو يؤمن بقدره: »هناك شيء مهم جدا في ذلك، أن الإنسان يخطط لحياته بأي طريقة ولكن هناك إرادة الله التي تملك الحكم النهائي، إما أن تقوده في الطريق الذي يريده أو تذهب به في طريق آخر، المهم أن يتقبل الشخص الواقع كما هو، فالعشرون عاما الذين قضيتهما كان لهما تأثير كبير في كتاباتي، وقد وضح ذلك جليا في رواية «الحب في المنفي» و»وقالت ضحي» وحتي «واحة الغروب»، ولا أعلم إلي أين أوصلني أو سيوصلني ذلك أو حجم ما أنا عليه الآن، كل ما أعرفه أنني اخترت طريق الكتابة وسرت به ومازلت، طمحت في شبابي أن أكتب جيدا وقد كان، حصلت علي جوائز كثيرة في مصر وخارجها، لكني لا أعتبرها معيارا علي جودة الكاتب أو أهميته، فالحكم الأول والأخير للقراء، بدون وساطة«.
ولأن الحكم للقراء، فالأمر بات أكثر صعوبة الآن، فالمواهب لم تقل، بل إنها علي حد تعبير طاهر متوافرة بكثرة، ولكن الناس هي التي لم تعد تقرأ، فالإبداع هائل، ولكن لا أحد يسلط عليه الأضواء، ويستطرد: «»فأنا قرأت روايتين هذا العام جديدتين جدا، ومن الأقصر أيضا، الأولي لأشرف الخمايسي «منافي الرب» والثانية لأدهم العبودي «متاهة الأولياء»، وأيضا ثالثة عمانية بعنوان «التي لا يحب جمال عبد الناصر»، وجميعها أعمال جميلة جدا، فهناك عدد ضخم من الأعمال ولكن غياب الوعي هو الذي يجعل الناس لا تستطيع الاختيار الجيد لقراءته، وهي ليست مشكلة الكاتب أو القارئ، فدائما في الإبداع يوجد مبدع وقارئ ووسيط، هذا الوسيط هو الناقد والإعلام، الذي يسلط الضوء علي الجيد وينبه للردئ، وقد كنا محظوظين كجيل أن لدينا نقاد عظماء كالدكتور محمد مندور، الدكتور عبد القادر القط، الدكتور لويس عوض، وغيرهم، هذا الوسيط الضروري ما بين المبدع والمتلقي لم يعد موجودا للأسف «.
ولكنه أيضا ليس من المعجبين بالكتابات التي تخرج من العاصمة باستمرار وتحصل فورا علي لقب الأكثر مبيعا، ففي رأيه هم لا يعطون شيئا للقارئ سوي الاستجابة لرغباته، وهذا لا يؤثر إيجابيا علي الوعي الوطني والإنساني، كما أن بعض الكتابات الجديدة الرائجة بها إهدار للغة، والأدب والفكر هما اللغة، فإذا كانت الكتابات تتسم بلغة ركيكة لا تعبر عن فكر يكوّن الوعي، لا يعتد بها أبدا مهما كان توزيعها، وهو يرجع ذلك إلي أن: » التعليم ردئ جدا، إذا عدنا لكتب جيلنا والأعمال الأدبية التي كنا ندرسها، سنجد أنها كانت تحببنا في اللغة والقراءة، أما المقررات الآن فهي شيء مؤسف للغاية«.
وبذلك، يكون شعراء العامية براء من تهمة أنهم أحد أسباب تردي اللغة، وكما قال طاهر، هم منهم الرائعين كالأبنودي وسيد حجاب وغيرهم من الشعراء الكبار، وهناك أيضا كلمات لا تستحق الورق الذي تكتب عليه: »الأمر ليس له علاقة بالعامية والفصحي«.
بالرغم من سنوات غربته الطويلة بالخارج، إلا أن مصر كانت هي الملهم دائما لبهاء طاهر في كتاباته، وربما ظهر ذلك جليا في روايته الشهيرة ذائعة الصيت «خالتي صفية والدير» التي فازت بجائزة جوزيبي أكيربي الإيطالية عام 2000، والتي تناولت الوحدة الوطنية والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وعبرت بصدق عن مقوله «من الحب ما قتل»، من خلال صفية التي امتلأ قلبها بحب حربي وملك عليها عقلها وكيانها، إلي درجة أن انتقامها منه لعدم شعوره بهذا الحب جاء قويا مميتا مثلما كان حبها وكتمانها.
ورغم ما أحدثته تلك الرواية من ضجة كبيرة، خاصة بعد تحويلها إلي عمل درامي من بطولة بوسي وممدوح عبد العليم، وإن كان رأيه يتفق تماما مع مقولة نجيب محفوظ بأن العمل الأدبي عندما يتم تحويله دراميا، تنتهي علاقة الروائي به، » لأن العمل الدرامي ملك لصانعيه وليس للمؤلف، يمكن أن يأخذ كاتب الدراما من العمل الأدبي 10٪ ولكن البقية تكون إبداعه » إلا أنها لم تكن الأصعب بالنسبة لطاهر في كتابتها، فقد أخذت رواية «لحب في المنفي« وقتا طويلا أثناء كتابتها عن بقية إبداعاته، لأن العمل نفسه كان صعبا للغاية، فقد كان يتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي ومذبحة صبرا وشاتيلا بالذات، وكان لايزال بالخارج وليس في مصر أو المنطقة العربية، فأخذ كثير من الوقت للبحث والدراسة، ورغم ذلك؛ إلا أنه كقارئ يستغرق وقتا أطول بكثير، لأنه كما صرح: »أنا قارئ بطئ ومتمعن، أعطي لكل عمل حقه من الاهتمام والدراسة «.
صحيح أن شهرته الأوسع جاءت مع رواياته، ولكنه أحب القصة القصيرة، فهي بالنسبة له أرقي فنون السرد، لذا يعتز بقصصه أكثر من رواياته، لأنها تجربة يتم تكثيفها في عدد محدود من الصفحات ما يمكن أن يكون موضوع لرواية، كما أن لغة القصة القصيرة أقرب إلي لغة الشعر، ولكن السبب الأقوي بالنسبة له: «إني أدين للقصة القصيرة بأنها السبب في عودتي لمصر مرة أخري، من خلال قصة » بالأمس حلمت بك»، بعد أن نسيني الناس نهائيا لغيابي الطويل خارج مصر، وقد كتبت هذه القصة لأخرج من حالة الحزن علي موت أمي، ولا أعرف سبب خروجها بهذا الشكل«.
ولكنه أيضا لا يعترف بالقصص القصيرة جدا، التي لا تتجاوز سطور، بالضبط كعدم اعترافه بقصيدة النثر، حيث يقول: » قليلين جدا من ينتجون فيها إبداع جيد، وما يعجبني منها أتحدث إلي صاحبه وأخبره بذلك، وقد كان يسري حسان آخر من فعلت معه ذلك «.
أما آخر أعماله الروائية، فقد كانت «واحة الغروب» التي حصلت علي الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009، والتي أخذ عنها مؤخرا عرضا مسرحيا تحت عنوان «أرملة الصحراء» للمخرجة سالي أحمد، وذكر فيها أنه »يمكن أن تحكم الناس بالخوف والقمع، لكن الخائفين لا يمكن أن ينتصروا في حرب، في ساحة الحرب يجب أن يكونوا أحرارا«، وهو ما يؤكد أننا في حرب أكتوبر 1973 لم يكن لدينا خوف، فقد كانت هناك رغبة في التضحية، ولكن اليوم! ماذا لو تكرر ذلك؟: » أعتقد أننا لو خضنا حربا اليوم سننتصر أيضا، لأن الشعور بالوطنية المصرية الآن في أوجه وعنفوانه، وهناك مثل يقول (لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتوه فأثبتوا)«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.