هشام نوار: قبل الصالون لم يكن هناك اعتراف بفنان في هذه السن خمسة وعشرون عاما مرت منذ الإعلان عن أول الفائزين بجوائز صالون الشباب، هؤلاء الشباب الذين اختفي بعضهم من علي الساحة التشكيلية، وتألق بعضهم الآخر ليصبحوا اليوم أسماء لامعة في الحركة التشكيلية. الفنان هشام نوار الذي تم اختياره مؤخرا عضو لجنة تحكيم صالون الشباب في يوبيله الفضي، كان أحد أوائل الشباب الذين شاركوا في الصالون في دورته الأولي بل ومن الفائزين بإحدي جوائزه الكبري، وكان نوار الشاب محط الأنظار، لعدة أسباب أولها صغر سنه حيث لم يكن أتم عامه الثاني والعشرين بعد، وثانيها فوزه بجائزة العمل المركب وهو مجال لم يكن منتشرا آنذاك. هشام نوار أستاذ مساعد في قسم الفنون بالجامعة الأمريكية، وقد تحدثنا معه عن ذكرياته بالنسبة للصالون الأول حيث قال: بحكم تواجدي في الحركة منذ عام 1986، رأيت الإعلان عن الصالون منذ اللحظات الأولي، وكان عنوان الصالون وقتها" الصالون التجريبي الأول للشباب تحت 35 سنة"، وقد تم حذف كلمة التجريبي من العنوان في الدورات التالية -وكانت الصيغة تتحدث عن تقديم تجارب فنية غير مسبوقة، ورأيت صعوبة المشاركة فيه لأنه من الصعب الحكم علي أي تجربة بذلك، وقررت عدم المشاركة علي الأقل في الدورة الأولي لأري ما سيتم تقديمه فيها. ويضيف هشام: بعد فترة ليست بالقصيرة سألني الفنان الكبير الراحل عبد الهادي الوشاحي رحمه الله، إن كنت سأشارك أم لا، فأجبته بأنني لن أشارك لغموض المكتوب في الإعلان عن التجريب، فقال لي: كل عمل فني يعد تجربة خاصة وفريدة طالما كان حقيقيا، واقتنعت بكلماته، وسحبت الاستمارة من قاعة النيل وبقيت عقبة شرط عضوية النقابة الذي كان موجودا وقتها، وبعد أن اكتشفوا أن معظم الشباب ليسوا أعضاء بالنقابة تم عمل تصريح لهم من النقابة بالمشاركة، وكنت قد قلت للوشاحي بعد أن اقتنعت بالمشاركة أن لدي فكرة أحلم بها منذ عام ونصف العام ولم أنفذها لصعوبة إيجاد فرصة لعرضها، وحدثته عنها وأعجبته، وبدأت التنفيذ. ولكن المفاجآت توالت علي الفنان هشام نوار فقد قرر تسليم عمله آخر يوم، حتي لا يراه أحد قبل العرض، لذلك كانت صدمته كبيرة عندما تم تأجيل الموعد الأخير لأسبوعين آخرين فكان يذهب يوميا للاطمئنان علي العمل.. وتدور فكرة العمل الذي تقدم به هشام نوار حول السقوط الذي يتم بفعل فاعل، أي أن يتم التخلص من شخص بإلقائه من مكان مرتفع، وكما يحدث في حوادث الطرقات حيث يتم تغطية الجثة بأوراق الصحف، كأن الشخص الملقي مغلف بأوراق الصحف قبل موته. ويعلق الفنان علي العمل الذي تقدم به قائلا: كانت اللحظة التي قررت إيقافها من الحادث، تلك اللحظة التي مازال فيها في الهواء لم يصطدم بالأرض بعد، أي أنه مازال حيا، يصرخ، ويبحث بإحدي يديه عن شيء ربما يقابله في الهواء يتشبث به، ويده الأخري تستعد لاستقبال الأرض، واستلزم ذلك أن يكون التمثال معلقا، وكانت المرة الأولي التي يتم فيها عرض تمثال بهذا الشكل، معلقا في سقف القاعة، ولكن كانت هناك تجارب سابقة في مجال العمل المركب شاهدت منها مثلا عملا للفنان زكريا الزيني في المعرض العام حيث قام برسم صندوق قمامة كبير من الصناديق الموجودة بالشوارع ووضع أمامه كمية من العلب الصفيح والنفايات الحقيقية، وجعل فوق حافته مرآة وقد لصق عليها صوراً لأجزاء بشرية، والواقف أمام العمل يري نفسه وكأنه داخل هذا الصندوق، وكان هذا العمل قبل صالون الشباب ببضعة أعوام فيما أذكر، ولكن لم يكن هناك تصنيف رسمي لهذا النوع من الأعمال، فالفروع المعترف بها كانت التصوير والنحت والرسم والحفر فقط، ولأول مرة في الصالون الأول كان هناك اعتراف رسمي بهذا النوع من الفن، بل كان رد الفعل هائلا حتي علي مستوي لجنة التحكيم لدرجة أن الفنان والناقد الراحل محمود بقشيش -رحمه الله- وكان عضوا باللجنة أخبرني وكتب بعد ذلك في مقال عن الصالون أن عملي كان الوحيد الذي فاز بإجماع لجنة التحكيم. وعن تأثير الصالون في تلك الفترة يتذكر نوار قائلا: كان الصالون محفزا لي بل ولكثير من الشباب، فقبل الصالون لم يكن هناك اعتراف بفنان في هذه السن، وكان من يقال عنهم: الفنانون الشباب هم الذين تخطوا الأربعينيات، وكان من الصعب جدا التواجد بقوة لمن هم أصغر من ذلك، كما أضاف الصالون للحركة الفنية في مصر، وأظن أن الجرأة التي قدمها الشباب في تجاربهم بالصالون أثرت في كبار الفنانين، لأنهم وجدوا أن عليهم أن يلاحقوا سرعة إيقاعهم وإلا سيجدون أنفسهم علي هامش الحركة، وسيطويهم النسيان، فأرادوا أن يثبتوا أنهم مواكبون للتطور وليسوا متأخرين عن الشباب الذين هم تلاميذهم سواء بحكم فارق السن والتجربة أو التدريس الفعلي لهم، مما أجج الحركة الفنية وزادها إيجابية وتفاعل حتي علي مستوي التواصل مع العالم، وسهل ذلك وجود وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت كل تجارب العالم مكشوفة أمام الجميع، فقديما كان الفنان الذي ينقل عملا من فنان أجنبي يستمر ربما لعشرة أو عشرين عاما حتي ينكشف أمره، أما الآن فالأمر أصبح بسيطا جدا وربما ساعات قليلة ويفتضح أمره. الغريب أن هشام نوار حرص علي المشاركة في الدورة الثانية من الصالون، إلا أن عمله رفض، وكانت صدمة كبيرة له، لكنه أصر العرض خارج التحكيم وتم قبول طلبه.. يقول: كانت تلك المرة الوحيدة التي يحدث فيها ذلك، وكان عزائي أن ردود الفعل أثناء العرض كانت مخالفة لرأي اللجنة، والطريف أنني فزت بجوائز في الدورة الأولي والثالثة والسادسة، وتم رفضي من العرض في الدورة الثانية وفي الدورتات الرابعة والخامسة كنت أتقدم بعملين فيعرضون الأصغر ويرفضون الأكبر. طارق الكومي: نفتقد صناعة النجم في الوسط التشكيلي وبينما يظهر إنسان هشام نوار -في العمل الذي تقدم به في أول دورة- ساقطا من عل نري إنسان طارق الكومي غارقا لا تظهر منه سوي أياد تطلب النجدة أو مشدودا إلي ما يشبه المشنقة..وهي مقارنة عقدها الناقد محمود بقشيش بين منحوتة طارق الكومي الحائز علي الجائزة الكبري في النحت وهشام نوار صاحب الجائزة الكبري في العمل المركب..ولأن تأثير العمل الفني لا يمحي فقد كتب الناقد الفنان صلاح بيصار في مقدمة الكاتلوج الصادر في الاحتفال بحصاد 25 سنة من الصالون تعليقا علي عمل الكومي الفائز في أول دورة قائلا: يطل إنسان طارق الكومي يحمل وجها بلا ملامح مجرد تشكيل وكأنه يمثل صورة رمزية لإنسان القرن العشرين المسكون بالعجز والحيرة والممزق بفعل الصراع والضغوط. وقد شارك الفنان طارق الكومي الذي أثبت جدارة فائقة في التحكم في أدواته في ثلاث دورات متتالية من الصالون حيث فاز في الدورة الثانية بجائزة تشجيعية في مجال النحت، وفي الدورة الثالثة حصل علي الجائزة الأولي في فرع العمل الفني المركب عن علاقة الإنسان بالتكنولوجيا. وعن هذا الأمر يقول الفنان طارق الكومي كنت قد شعرت أنني اكتفيت بعد ثالث دورة وبعد حصولي علي عدة جوائز، لأن الفنان لابد أن ينطلق من نقطة لأخري طوال الوقت، ويستعيد الكومي ذكرياته مع أولي دورات الصالون قائلا: سمعت عن الصالون عن طريق إعلان قطاع الفنون التشكيلية وكان أحمد نوار رئيس القطاع وقتها، وتحمست جدا وبدأت تجهيز أعمال لأشارك بها خصيصا في الصالون، وقد اشتركت بعملين وحصلت علي جائزة النحت وقيمتها ثلاثة آلاف جنيه، وكنت سعيداً للغاية بأول جائزة أحصل عليها بعد تخرجي. يضيف الفنان طارق الكومي : كان عمري وقتها خمسة وعشرين عاما، وقد شجعتني الجائزه وقيمتها المادية علي شراء خامات وأدوات والتحضير لأعمال جديدة، وبدأ مشواري الفني يأخذ الشكل الجاد ومن يومها وأنا لم أتوقف عن الفن. وعن دور الصالون في النهوض بشباب الفنانين علق الكومي قائلا إن الصالون شكل دفعة أدبية وفنية لشباب الفنانين، فالفنانون وخاصة الشباب بحاجة لدفعة مادية لتوفير خامات، خاصة أن الخامات الفنية مكلفة جدا. صلاح المليجي: لم يكن لدينا متنفس غيره الأمر نفسه الذي أكد عليه الفنان صلاح المليجي قائلا إن هناك كثيراً من الفنانين يواجهون مشكلة تكلفة الخامات، وربما كان هذا هو أحد الأسباب وراء اختفاء فنانين ممن فازوا بجوائز في عدد من دورات الصالون بخلاف أولئك الذين جاء فوزهم بالصدفة، ولذا لابد من وجود فكرة أن تكون هناك مؤسسة تدعم الفنان وهو أمر معروف وشائع في العالم ككل، وهنا في مصر ليس هناك مؤسسات تدعم الفنان وتسوق له وتأخذ نسبة من بيع أعماله، وأضاف: لابد من التركيز علي فكرة صناعة النجم في الوسط التشكيلي، ولذا خلال فترة رئاستي لقطاع الفنون التشكيلية حرصت علي بدء المقتنيات للبنوك أثناء صالون الشباب حتي ندعم المزيد من الشباب للاستمرار في الحركة التشكيلية. الفنان صلاح المليجي أحد أكثر الأسماء ارتباطا بالصالون فقد شارك في الصالون منذ الدورة الأولي وفاز بجائزة تشجيعية، ثم حصل في العام التالي علي الجائزه الأولي في مجال الرسم، وفي الدورة الخامسة تم اختياره عضو لجنة التحكيم، ثم تم اختياره قومسيرا للدورة الحادية عشرة، بينما كان يتولي منصب رئيس الإدارة المركزية في الدورات 18 ، و19، و20 ، وأخيرا تولي رئاسة قطاع الفنون التشكيلية في الفترة من سبتمبر 2011 حتي مايو 2013 ، ثم أغسطس 2013 وحتي يوليو 2014 أي خلال آخر ثلاث دورات لصالون الشباب. وعن دوره في صالون الشباب خلال فترة توليه رئاسة القطاع قال المليجي كنت حريصاً علي أن أقوم بزيارة المحافظات وأتعرف علي شباب الفنانين لضمهم للصالون، وهناك الكثير من المواهب التي قدمها الصالون من المحافظات، فالصالون هو أحد أهم الفاعليات التشكيلية التي ينظمها قطاع الفنون التشكيلية ولذا فإن الاحتفال باليوبيل الفضي للصالون من الأمور المهمة للغاية، ولذا كنت قد تركت خطة للاحتفال بمرور 25 سنة قبل مغادرتي القطاع، ومنها تكريم رمز الصالون وفاروق حسني وأحمد نوار ومحسن شعلان وأحمد فؤاد سليم وفاطمة إسماعيل. ومن رئاسة القطاع نعود للماضي حيث مشاركته الأولي في صالون الشباب .. يقول المليجي لقد بعت العمل الذي فزت به في الدورة الأولي منذ زمن بعيد، أتذكر أنه كان يتناول موضوع البعث والنشور، وأنا ميال لفكرة الدراما في الموت، أما العمل الذي لا يزال الفنان يحتفظ به هو العمل الفائز بالجائزة الأولي في مجال الرسم في الدورة الثانية من الصالون. أحمد عبد الكريم: انتقال الصالون إلي مجمع الفنون غير من توجهاته كان للفنان أحمد عبد الكريم رأي مخالف في عدة أمور أولها أنه يري أن الفترة التي انتقل فيها صالون الشباب من قاعة النيل ذ لتجديدها- إلي مجمع الفنون غير من توجهات الصالون ووضعه تحت وصاية أحمد فؤاد سليم وفاطمة إسماعيل مما تسبب في اقصاء عدد من الفنانين الشباب. ثانيا بالرغم من فوز الفنان أحمد عبد الكريم بجائزة تشجيعية في الدورة الأولي من الصالون عن مجال الرسم، إلا أنه شعر بالاستياء حيث كان قد تقدم بعمل ينتمي إلي التجهيز في الفراغ وقد رفضته لجنة التحكيم، لأنه يري أن اللجنة في ذلك الوقت لم يكن لديها القدرة علي تقييم الأفكار الحداثية، حيث كانت ثقافتهم عن المعاصرة وفن التجهيز في الفراغ محدودة، وقد كان العمل الذي استغرق من الفنان وقتاً وجهداً كبيرين يتناول ظاهرة الإدمان. يقول: لشدة اهتمامي بالموضوع تعمقت في أصول فن التجهيز في الفراغ، وقدمت العديد من الأوراق البحثية التي تناولت هذا الموضوع، كذلك فإن الفنان قدم في كتابه الذي يحمل عنوان "نظم تصميم الفنون البصرية"، مجموعة من البحوث النقدية الميسرة لبعض القضايا الخاصة بنظم تصميم الفنون البصرية بداية من دور الرسوم التحضيرية ومصادرها وأهميتها ودورها البناء عند التفكير البصري لبدايات تصميم اللوحات الزخرفية والجداريات، وكذلك دور السلوك القصدي والتلقائي عند المصمم وعلاقته بسطح التصميم واستخلاص الأسس البنائية عند تصميم وتنفيذ فن التجهيزات في الفراغ المعد - ودور الفكر المعاصر في التصميم.