شيخ الجامع في صلاة الجمعة حكي حكاية خزعبلية حدثت لواحدٍ من أصحابه (لكل شيخ عادة صاحب، هذا الصاحب بطل حكايات خزعبلية لا حصر لها) صاحب الشيخ أودع في مستشفي وكان يجاوره في سريره رجل له عشرون عاما (للرقم عشرين سحر خاص في كل الأوقات) هذا الرجل لمرضه وليس لسبب آخر لم يركعها طوال العشرين عاما، وطبعا ولأن صاحب الشيخ مُسخّر من الله للدعوة فما أن كلّم الرجل المريض حتي اهتدي من فوره، بعدها قام صاحب الشيخ ليدخل الحمام فلما عاد لقي الرجل قد مات. مات وهو ساجد. تكبير! هذه الحكاية الخزعبلية هتف لها عشرات المصلين في جامع في حي المعادي، عشرات ممن تلقوا تعليما جيدا. أغلب الناس في مصر يحبون الحكايات التي من هذا النوع، ليس تقوي فيما أظن بقدر ما هو إعجاب شديد بفكرة أن يعيش الإنسان (خصوصا لو كان رجلا، أو تحديدا إذا كان رجلا) حياته كلها بالطول وبالعرض ثم يتدخل الله في اللحظة الأخيرة لخلاص روحه. هذا الإعجاب يعكس تركيبة المصري خصوصا ابن الطبقة الوسطي الذي يرغب في نيل حظه من كل الملذات، ويرغب في الخلاص أيضا، يرغب في أن يعصي الله وأن ينال رحمته أيضا، أن لا يبذل أي مجهود وأن يكتشف أن له قريبا غنيا في النهاية يترك له كل ثروته، ألا تكون لديه أية إلتزامات تجاه أي شيء وأن تتكفل به أية قوة عليا، الله.. الدولة.. قريبه الذي في البرازيل.. المهم أن "يقضيها" وأن يدخل الجنة! لهذا فإن فكرة التوكل علي الله أو علي الدولة أساس تفكيره طول الوقت، ولهذا تحالفت كل الأنظمة تقريبا مع الأصولية الدينية (في نسختها النظرية)، الأنظمة تتكفل بالدنيا والدين يتكفل بالآخرة. في مثل هذه منظومة لا يمكن الترحيب بأي فاعلية فردية، الفاعلية الفردية أساسا خطوة لا نتيجة لها إلا "بأمر الله". يمكنك أن تعمل ولكن لن يكون لعملك مردود إلا إن كان هذا المردود خيرا كان أو شرا "مكتوب" لك، أو عليك. وفي النهاية ما دامت هذا الفاعلية لا فاعلية لها إلا بأمر السماء فعلي الجميع انتظار أمر السماء، أو أمر الحاكم. في مثل هذه المنظومة القيمية، باستدراجها للسياسة، سوف يكون كل حادث مدبر، وكل ثورة مؤامرة وكل ثورة مضادة مؤامرة علي المؤامرة، وكل حكم قضائي مشمول بتوصية من الرئيس أو مشمول بعناية من الله، وكل عبارة عابرة جزء من "المكتوب" الإلهي أو المكتوب الدولاتي، وكل انحراف عن هذا المكتوب الإلهي أو المكتوب الدولاتي هو خيانة، هو كفر. ليس من حق مفكر أن يعيد النظر فيما سبق وأن قاله وإلا اُحتسب انحرافه عن صورته القديمة كفرا أو توبة، بحسب موقع الحَكَم. فما دام لكل منا صاحب، وهذا الصاحب بطل لحكايات خزعبلاية، وما دام هذا الصاحب يتدخل في التوقيت المناسب لتعديل العالم فعلي الجميع انتظاره، وإلي أن يأت فعلي الجميع أن يتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله وليترقبوا مباراة كرة القدم القادمة.