دائما ما أؤكد أن مشكلة الناشر المصري ليست مع القارئ ولكنها بالأساس مع التوزيع. فهناك عدد لابأس به من القراء، متوافر وموجود وحريص علي اقتناء الكتاب والوصول إليه، لكن المشكلة الحقيقية هي في كيفية الوصول إليهم. فهناك قارئ في المغرب، أعلم أنه مولع بكتاب من كتبي ولكني لا أستطيع الوصول إليه، وقارئة أخري في الخليج تلح في طلب كتاب معين، ولكنها لا يمكن أن تحصل عليه داخل المملكة لمشاكل في الرقابة أو ما يطلقون عليه هناك "الفسح". صحيح أن هناك بعض المحاولات للتعامل مع هذه المشكلة من خلال شركات التوزيع في مصر بدءا من الشركة القومية للتوزيع مرورا بالأهرام والأخبار، لكنها في النهاية لم تستطع التغلب علي المشكلة، خاصة في ظل تكبيلها بقيود البيروقراطية وغياب ثقافة التعامل مع الكتاب كسلعة لها طبيعة نوعية خاصة، بالإضافة طبعا إلي إرجاء بل تعمد تأجيل سداد المستحقات وتسوية المديونيات والتعامل بشفافية ووضوح ودقة في سداد متأخرات حساب الناشرين أو الجهات التي يقومون بتوزيع الكتب لحسابهم. علي الجانب الآخر، ثمة محاولات أو مبادرات شخصية سعي إليها بعض أصحاب دور النشر الصغيرة لخلق "مؤسسة" تحاول القيام بمهمة التوزيع لحسابهم وبالاتفاق مع بعض دور النشر والكيانات الصغري لتوزيع أعمالهم أيضا، انطلاقا من مبدأ "الاتحاد قوة"، لكن هذه المحاولات لم يكتب لها نجاح كبير ولا تركت أثرا في السوق نستطيع أن نقول عنه "تجربة جديدة" أو "رائدة"، ولعل ذلك يعود بالأساس إلي عدم توافق المصالح، وقلة خبرة هؤلاء الناشرين. أحد الحلول المطروحة الأخري، هي البيع عن طريق الإنترنت من خلال مواقع متخصصة علي شاكلة موقع "أمازون" العالمي الشهير. ميزة هذا الطرح أن الكتاب يمكن أن يصل إلي أي مكان، وبإمكانك عرض عدد كبير من الكتب دون النظر إلي مشكلة احتلال مكان أو البحث عن مساحات للتخزين. مثل هذه المواقع تغلبت عمليا علي مشكلة المسافات عن طريق الاتفاق مع شركات البريد السريع، ولكن في الوقت نفسه، أدي هذا إلي ارتفاع تكلفة الكتاب علي القارئ، أيضاً لم تهتم هذه المواقع بعرض وتسويق الكتب لضعف نسبة الربح منها علي عكس التليفونات المحمولة أو البارفانات. محاولة أخري لكسر حاجز التوزيع كانت عن طريق الكتاب الإلكتروني، ولكن طريقها طويل لأنها تستلزم تغيير طريقة القراءة أساساً ولها مشاكلها الأخري مثل القرصنة. قصة توزيع الكتب في ألمانيا: تتمتع المانيا بأفضل نظام توزيع كتب في العالم، فأنت تستطيع أن تطلب أي كتاب من أي دار نشر من أي منطقة في ألمانيا وتضمن وجوده في المكتبة والحصول عليه في اليوم التالي مباشرة. والسبب وراء ذلك قصة طريفة. فالشركات التي كانت توزع الأدوية لاحظت أن حجم الأدوية الموزعة داخل عربات التوزيع ضئيل جدا، وأن باقي المساحة في العربة غير مستخدمة. ولتحقيق الاستخدام الأمثل للإمكانيات (عادة ألمانية لا نستخدمها في مصر) قرروا أن يوزعوا شيئا آخر بجانب الأدوية، وكانت الكتب أنسب شيء لعدم إضرار الكتب للأدوية. وبما أن الأدوية من السلع الواجب توافرها كل يوم في كل الصيدليات علي مستوي ألمانيا، أدي هذا بالتبعية إلي انتشار الكتب علي نفس النحو وفي نفس الوقت. ومع تقدم سوق النشر، استقلت شركات توزيع الكتب عن الأدوية واستمر التسليم خلال 24 ساعة لأي كتاب في ألمانيا. الطريف أنه عند سؤال أي ألماني ما هي الحاجة الملحة التي تجعلك تحتاج إلي كتاب في خلال 24 ساعة تكون الإجابة دائما وبعد تفكير: لا أعرف ولكن طالما الميزة موجودة لماذا لا أستفيد منها؟ إن الحاجة إلي شركة توزيع كبيرة علي مستوي العالم العربي ككل هي من الأشياء التي ستساهم في تطوير مهنة النشر بشكل كبير جدا. فعندما يكون الكتاب مربحا للناشر سيهتم بشكل كبير بإنتاجه وبمؤلفه وبالمادة المتضمنة فيه. وبالتالي سيستفيد الكل من وراء هذا خصوصا المؤلف. ولكن حتي الآن ورغم محاولات كثيرة من الداخل والخارج لم تقدم شركة علي هذا وذلك لعدم ربحية مثل هذا المشروع وضخامة حجم الاستثمارات ولكن بالمعدل الحالي أتوقع أن يتم هذا في وقت قريب جدا (من ثلاث إلي خمس سنوات) مما سيغير من خريطة النشر بشكل كبير وغير مسبوق.