فاطمة البودى - محمد هاشم هل قرر رئيس اتحاد الناشرين القيام بدور الأب بالنسبة للناشرين؟ السؤال له ما يبرره، بعد التصريحات التي أدلي بها محمد رشاد. رئيس الاتحاد تبرأ من الناشرين المصريين المشاركين في معرض إيران، وقال إنهم ذهبوا بمفردهم دون أن يكون للاتحاد أي صلة تنظيمية بهم، وهو ما يطرح سؤالاً آخر حول العداء المصري-الإيراني، الذي لا أساس له، بل خلقته السلطة الفاسدة في عهد الرئيس المخلوع. تصريح رشاد أشبه بمن ينفي عن نفسه التطبيع مع دولة معادية، رغم أن العلاقات الثقافية يجب أن تمتد من جديد. ثم يأتي المؤتمر الأخير لاتحاد الناشرين ويطرح العديد من التوصيات المنطلقة من قضية تزوير الكتب، لكنها تبدو نابعة من الحس البطريركي أكثر منها مفيدة في حل مشكلة الكتاب. التوصيات أثارت بعض الجدل فيما يخص سلطات الاتحاد، بل وحول الهدف من إنشائه، بالإضافة بالطبع لشروط الانضمام إليه، فكيف يُمكن لاتحاد يدعي أنه يدافع عن حقوق المؤلف والناشر والكتاب السماح بضم دور نشر كل ما تنتجه كتب عن عذاب القبر والمسيخ الدجال؟ وكيف يطارد نفس الاتحاد دور النشر التي ترفض الاحتماء بمظلته حتي لو كانت تنويرية وفي المقابل يضم تحت لوائه دور نشر ظلامية؟ اتحاد الناشرين لا يهتم بتلك الأسئلة، ولا بأسئلة أخري تخص صميم المهنة، ولا يبحث عن حلول طويلة المدي للمشكلات التي تواجه الناشرين، ويركز جل اهتمامه علي حجب المواقع الإليكترونية التي تقوم بتحميل الكتب من باب الحفاظ علي حقوق المؤلف (وهي القضية المثارة في أوروبا منذ أكثر من عام دون التوصل لحل لها) وكانت هذه هي التوصية الخاصة بالكاتب في مؤتمره الأخير، والتي تطرح سؤالاً حول حجب المعرفة في نفس الوقت، فأغلب القراء يفضلون الكتاب الورقي، لكنهم يلجأون في كثير من الأحيان للمواقع الإليكترونية لعدم توافر الكتاب، سواء لأن طبعته قد نفدت مثل كتب التراث والكتب القديمة، أو لعدم توافر مكتبات، خاصةً أنها موجودة فقط في المدن الكبري، أو ربما لارتفاع سعر الكتاب بما لا يتلاءم مع الوضع الاقتصادي للمصريين. أما فيما يخص الناشر، فقد أوصي الاتحاد دار الكتب بعدم إعطاء رقم إيداع وترقيم دولي للناشرين غير المقيدين بالاتحاد، بل والاتفاق مع شركات الشحن بعدم التعامل مع نفس الناشرين غير المقيدين به. وهو ما يطرح سؤالاً آخر حول سلطات الاتحاد في منع الناشرين من هذين الحقين، ويوحي بالضغط عليهم لينضموا إليه. محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين، يري أنه "لا يصح التعدي تحت أي ظرف علي حقوق الملكية الفكرية، سواء حدث ذلك بتزوير الكتاب أو بالقرصنة من خلال المواقع الإليكترونية التي تقوم بتحميل الكتب". ويضيف:"حل مشكلة قلة المكتبات العامة والخاصة يكون بزيادتها، علي الدولة أن تدعم ذلك". وفيما يخص الكتب غير الموجودة ورقياً؟ يجيب رشاد:"التوصية تنصب فقط علي الكتب التي لها حقوق ملكية فكرية، أما الكتب التي مر خمسون عاماً علي صدورها فلا تدخل في هذا المقترح". التوصية إذن ليست لحجب هذه المواقع، بل تقنين عملها؟ يقول رشاد:"بل حجبها، وهذا لا يمكن تطبيقه إلا علي المواقع المصرية، أما المواقع الأجنبية فهي خارج السيطرة". الحل الأمثل إذن هو الحجب، لأن الاتحاد لن يستطيع مراقبة هذه المواقع ولا معرفة الكتب القديمة والجديدة منها. في نفس الوقت يقترح رشاد أن تستعد دور النشر للكتاب الإليكتروني، يقول:"في خلال ثمانية أعوام ستكون الدار التي لا تمتلك الكتاب الإليكتروني خارج السباق". سألت رئيس اتحاد الناشرين عن حرمان الناشر غير المقيد باتحاده من الحصول علي رقم الإيداع والترقيم الدولي، ألا تري أن هناك فرضاً للسلطة؟ إجابة رشاد جاءت جازمة:"القانون هو الذي يحدد ذلك، فالمادة الخامسة تحرم النشر علي من ليس عضواً في اتحاد الناشرين" وينفي عن نفسه "أي نية لفرض السلطة". لكنّ هناك ناشرين لا يريدون الانضمام للاتحاد لأسباب تخصهم، ولا يريدون الحصول علي مزايا الانضمام، ألا يحق لهم الحصول علي حقهم كناشرين؟ يؤكد رشاد:"ليس من حق الناشر الحصول علي رقم الإيداع ولا شحن الكتب ما لم يكن عضواً في الاتحاد، وفي ذلك محافظة علي الكتاب من التزوير". لكنّ المزورين ليسوا في حاجة للحصول علي رقم الإيداع ولا يشاركون في المعارض الدولية، يجيب رشاد:" بل يفعلون ذلك". الدكتورة فاطمة البودي، صاحبة دار العين، أوضحت في البداية أن هذا المؤتمر مؤتمر علمي تنظمه كلية الاعلام، وأن اتحاد الناشرين استضافه بالتعاون مع لجنة النشر بالمجلس الأعلي للثقافة. سألتُ البودي عن رأيها في منع الناشرين من الحصول علي رقم الإيداع والمشاركة في المعارض الخارجية، فرفضت ذلك تماماً وقالت:"ليس من حق الاتحاد أن يفعل ذلك، بل إن منع الحصول علي رقم الإيداع سيزيد من فرص التزوير". ورأت صاحبة العين أن هذه "محاولة لتكتيف الناشرين" وأضافتْ:" الاتحاد يسعي لتحقيق مصالح مجلس الإدارة فحسب، لا المصلحة العامة، كما أن موضوع تزوير الكتب نفسه موجود منذ سنوات ولم يتحرك الاتحاد إلا عندما مس رئيسه". وطرحت البودي سؤالاً:"ما علاقة تزوير الكتب بالشحن والمشاركة في المعارض الخارجية؟ ولماذا يجب أن تتم المشاركة بالمعارض الخارجية عن طريق اتحاد الناشرين؟". الأسئلة منطقية جداً وتكشف الطريقة التي يريد بها الاتحاد فرض سلطانه، فبالإضافة لذلك، من يزور الكتاب "يزوره كما هو حتي برقم إيداعه" بعبارة البودي. فاطمة البودي تري أيضاً أن هناك أولويات حالياً تسبق محاربة الناشرين غير الأعضاء بالاتحاد، وتسأل البودي:" لماذا لم يتحدث رئيس الاتحاد في إلغاء الجمارك علي الورق والأحبار وهو من صميم المهنة؟ وتختم بأنها تؤيد الدفاع عن حق الناشر والمؤلف ضد تزوير الكتب أو قرصنتها عن طريق المواقع الإليكترونية، لكنها أيضاً تري الالتفات لمشاكل أخري خاصة جداً بالمهنة نفسها. مصطفي الشيخ، مدير دار آفاق، يري أن توصيات اتحاد الناشرين:" مجرد محاولات للحد من التزوير، وجاءت في سياق طرح قضية تزوير الكتب، لكنّ ذلك لا علاقة له بمنع دار النشر من حق الحصول علي رقم الايداع والترقيم الدولي، فالمزور لا يحصل علي رقم ايداع". ويضيف الشيخ أنه يري من خلال هذه التوصيات أن "الاتحاد يريد أن يفرض سيطرته وسلطته" ويشير إلي أن "معظم دور النشر لا تتبع الاتحاد". ويشير إلي نقطة هامة أيضاً، وهي أن دار الكتب من حقها قبول هذا الاقتراح أو لا، وأن شركات الشحن لا يجب أن توافق بالضرورة، خاصةً أن ذلك قد يكلفها خسائر. يتفهم الشيخ مقاصد رئيس الإتحاد، ويقول:" كلما حصل أعضاء جدد علي العضوية زادت قوة الإتحاد، وربما من هنا يأتي الضغط لضم الناشرين غير المقيدين". لكن بعض دور النشر لا تري أن للاتحاد أهمية، أو يفضلون الاستقلال عنه لأسباب تخصهم؟ يتفق الشيخ في ذلك، لكنه يضيف:" الإتحاد يسهّل أشياءً كثيرة، منها خصم الأرضيات في معرض القاهرة والمعارض الخارجية، كما أنه يساهم في حل مشاكل الشحن، وينظم هذه العملية". محمد هاشم، صاحب دار ميريت، لم يكن عضواً في اتحاد الناشرين، لكنه انضم له مؤخراً. في بداية كلامه، لفت هاشم إلي أن شرط عضوية الإتحاد أن يكون للناشر إصدارات، لو كان الأمر كذلك كيف يُمنع ناشر جديد من الحصول علي رقم إيداع للكتاب، وبالتالي عدم النشر، ثم يُطالب بالانضمام للاتحاد؟ اتحاد الناشرين إذن، لو كان هذا صحيحاً، يريد حصر الناشرين في عدد محدود، وهو ما يضر بالكتاب والمعرفة والكاتب بالضرورة. بعيداً عن هذه النقطة، يرفض صاحب ميريت حرمان الناشر من الحصول علي رقم الإيداع، رغم أنه يؤيد مطاردة المزورين، الذين ربما يكونون معروفين ومن أعضاء الإتحاد نفسه. ويري أن "الرقابة أفضل طريقة، ليس فقط لمنع الكتب المزورة، بل أيضاً لمراجعة المادة الفكرية التي يقدمها الناشر، فلا يصح أن يكون عضواً في اتحاد الناشرين ويقدم كتباً عن عذاب القبر والمسيخ الدجال". هاشم إذن يتحدث عن دور الاتحاد في الإسهام في تنوير المجتمع والثقافة، وليس فقط في ملاحقة الكتب المزورة. وعن المنع من المعارض الخارجية، يقول هاشم إنه يري في المعارض الخارجية "أشباه ناشرين" لا يشير هاشم إلي الأعضاء أو غير الأعضاء، بل يخص ناشرين لا علاقة لهم بتطوير الكتاب ولا يعتنون بمحتواه وقيمته، يقول:"علي الاتحاد تنظيم المعارض بشكل فعال، والعمل علي وجود ناشر يقوم بتطوير الكتاب ويقدم مادة فكرية حقيقية". ويختم هاشم بأنه ليس ضد وجود معايير للمهنة، شرط أن تكون لهذه المعايير منطق، وأن يلعب الاتحاد دوراً مهنياً". في بداية كلامه، يطرح إسلام عبد المعطي، صاحب دار "روافد" سؤالاً عن صفة اتحاد الناشرين: هل هو نقابة أم أنه جهة لتنظيم المهنة؟ يضيف:" بناءً علي ذلك يجب مناقشة قانون الإتحاد من أول وجديد". يري عبد المعطي أن مقترحات الإتحاد "لا يجب أن تكون اجتهادية بل مدروسة" ويضيف:" أنا ضد أن تجبر أي نقابة أعضاءها علي الاشتراك فيها، وبالتالي فمن حق الناشر الانضمام للاتحاد من عدمه". يقول صاحب روافد إنه:"يفهم أن هذا الكلام محاولة لوقف التزوير، لكن لهذا آليات أخري غير منع الناشر من ممارسة المهنة؛ افترض أنني ملتزم ولا أزور الكتب وأحترم ما يخص كل حقوق الملكية الفكرية وحقوق الدولة من ضرائب، لكن لا أريد الاستفادة من مزايا الإتحاد، أنا إذن حر في اختياري، كما أن الإتحاد ليس جهة حكومية لتجبرني بالانضمام إليها، في المقابل من حقي كناشر أن أمارس مهنتي". أما ما يخص المعارض الخارجية، قال:" شركة الشحن لها علاقة بالدار وليس بالاتحاد". يري عبد المعطي أن الاتحاد:" اختار الحل الأسهل، فمن الممكن أن أكون عضواً فيه وأمارس التزوير، ما المانع؟". وحكي ما حدث في معرض أبو ظبي، حيث أغلق المعرض بمطالبة من اتحاد الناشرين صالات لناشرين مصريين اتهموهم بالتزوير، "وهم أعضاء في الإتحاد ولم يتخذ معهم أي إجراء آخر". يري عبد المعطي أن الأولوية للمهنة، والحفاظ عليها من خلال معايير منطقية، والضغط علي أجهزة الدولة لدعم الكتاب والتفكير في مشاريع خاصة بالتوزيع وهي مشكلة كبيرة، والتأسسيس للحفاظ علي المهنة دون محاربتها. سألت صاحب روافد، وماذا لو أن القانون هو من يحرم ذلك؟ قال:" لو القانون يقول عدم ممارسة المهنة ما لم أكن عضواً بالإتحاد، فانا ضد هذا القانون، فربما أكون مهندساً ولا انتمي لنقابة المهندسين، ونفس الأمر يطبق علي إتحاد الكتاب، فالكاتب ليس بالضرورة عضواً فيه" ويقيّم عبد المعطي الاقتراحات الأخيرة بأنها:"محاولة لفرض سلطة غير حقيقية، فالنشر ليس مهنة يمارسها شخص، إنه مؤسسة، نشاط تجاري وصناعي، كما أنه ليس هناك شروط لممارسة هذه المهنة". ويسأل في ختام كلامه: كيف كان يعمل الناشرون قبل إتحاد الناشرين؟ ويضيف:"الموضوع في حاجة لرؤية أوسع، ويجب توريط الدولة فيه، فالإتحاد يسير في سكة المنع لا سكة السماح والرقابة". وعن المواقع الإليكترونية التي تحمل الكتب، أبدي عبد المعطي رفضه لوجودها ما لم تسقط الملكية الفكرية عن الكتاب بمرور خمسين سنة علي صدوره، وقال إن:"نفاد الطبعة لا يعني السماح بانتهاك حق المؤلف والناشر". حجب المواقع الإليكترونية المختصة بتحميل الكتب، والتي يري رئيس اتحاد الناشرين أنها ضرورية للحفاظ علي حقوق المؤلفين، لم تجد ترحيباً من المؤلفين أنفسهم، خاصةً الكُتّاب الشباب الذين يتعاملون بشكل مباشر مع هذه المواقع لتنزيل الكتب المختفية من السوق، وخاصة الكتب المترجمة خارج مصر وكتب التراث. الروائي منتصر القفاش يري من خلال تجربته الشخصية أن "هذه المواقع تقدم خدمة عظيمة لأنها تقدم الكتاب والمعرفة، خاصة الكتب غير المتاحة أو التي طُبعت منذ سنوات واختفت، أو صدرت في دول يصعب أن تصل لمصر" ويضرب القفاش مثالاً بالكتب التي تصدر في الجزائر وتونس والمغرب، أو حتي لبنان" ويضيف:" أن أسعار الكتب التي تكون أحياناً فلكية ومبالغ فيها توفرها هذه المواقع لتساعد في نشر المعرفة". ويلفت منتصر أيضاً إلي أن:"هذه المواقع لا تؤثر كثيراً علي بيع الكتاب الورقي، فلا يزال الكتاب الورقي مطلوباً وسيظل، بل يحدث أحياناً أن أقرأ كتاباً علي هذه المواقع وأجده هاماً فأبحث عن النسخة الورقية، بالتالي يمكن اعتبارها كشكل من أشكال الدعاية". يري صاحب "مسألة وقت" أن حل المشكلة لا يكمن في الحجب، بل في:" تخفيض أسعار الكتب وحسن توزيعها علي نطاق أوسع، كما أنني أرفض فكرة الحجب بشكل عام، ولا أجدها مناسبة لطبيعة العصر، ولو تم ذلك، ستظهر وسائل أخري". القاص والروائي الشاب محمد الفخراني يقول إنه:" يفضل الكتاب الورقي بشكل عام، ولا يلجأ للكتب الموجودة علي المواقع الاليكترونية" لكنه في المقابل يري أن وجودها هام خاصة في حالة عدم توافر الكتاب ورقياً". يرفض الفخراني بشكل عام "فكرة المطاردة" ويري أن"مطاردة هذه المواقع لا يأتي في مصلحة الكتاب ولا المؤلف". ومن رؤيته ككاتب شاب، يري صاحب "فاصل للدهشة" أن:" الموضوع ليس خطيراً علي الكاتب لهذه الدرجة، فالخسارة موجودة في كل الأحوال". ويعود مرة أخري إلي أهمية هذه المواقع فيقول:" هذه المواقع تخدم القارئ فيما يخص الكتب القديمة والجديدة علي حد سواء، لا يجب أن نتوهم أن نسبة المقروئية في مصر عالية، ولا يجب أن نفترض أن هناك خسائر كبري". ويضيف:" هناك مشاكل أكبر من ذلك فيما يخص العلاقة بين المؤلف والناشر، يجب الالتفات لها أولاً". والسؤال في النهاية، ماذا لو تحققت مطالب رئيس اتحاد الناشرين، فحُجبت المواقع وطورد الناشرون؟ هل سيتحقق بذلك نهضة الثقافة؟