لم تكن حكاية مسرحية "الهواء الأسود" التي نشرها أحمد رجب في مجلة الكواكب بتاريخ 26 مارس 1963هي الحكاية الوحيدة التي وضعته في صفوف الكتاب المشاغبين والمشاكسين، كتّاب جرّ الشكّل، وكتّاب كشف العورات الثقافية والاجتماعية والثقافية والفنية، وبعد خمسين عاما من قضية المسرحية المزعومة "الهواء الأسود"، والتي تحدثنا عنها وتحدث غيرنا كثيرا، لا بد أن نتأمل الحدث، والحكاية التي كان بطلها أحمد رجب، الذي كتب مسرحية عنوانها "الهواء الأسود"، وزعم أنها من تأليف الكاتب السويسري "دورينمات"، وعرضها علي أربعة نقاد من جهابذة النقد آنذاك، وهم المخرج سعد أردش، والدكتور عبد القادر القط، والناقد الفني عبدالفتاح البارودي، والناقد الأدبي رجاء النقاش، وهؤلاء الأربعة كتبوا آراءهم بحسن نيّة، وبعضهم أبدي تحفظات مثل عبد الفتاح البارودي الذي قال : "لأول مرة أسمع عن دورينمات كمؤلف مسرحي في مسرح اللامعقول، وإن هذا هو الشئ الوحيد اللامعقول، ولكنه كزملائه الثلاثة استغرق في إجراء قراءة فنية ونقدية للنص المسرحي القصير، وبعد أن قدموا قراءاتهم كتب أحمد رجب تعقيبا تحت عنوان "أنا المؤلف الأوحد لمسرحية "الهواء الأسود"، وقال في بدايته :"أنا الموقع أدناه أحمد رجب أقر وأعترف بأنني كاتب مسرحية "الهواء الأسود" وأنني مؤلفها الأوحد، وأن الخواجة فردريك دورينمات الكاتب المسرحي السويسري لا علاقة له إطلاقا بهذه المسرحية، وأن ليس له إنتاج مسرحي بهذا الاسم"، واستطرد رجب في تقريع النقاد والحركة النقدية، ولم يكن غرضه سوي مشاغبة هؤلاء النقاد، وتحويلهم إلي مسخرة، وإنشاء مقلب ساخن في حياة ثقافية باردة، تنشغل بالأجنبي والعبثي واللامعقول، علي حساب المحلي والطبيعي والمنطقي، وانشالت الحياة الأدبية وانهزت، وكتب كثيرون شامتين في هؤلاء النقاد، وسري شعور بين الناس بأن ماحدث كشف عن زيف هؤلاء النقاد، حتي لو كانت خديعة أحمد رجب واضحة، وتحول الأمر إلي معركة ضارية تبادل فيها الجميع لكمات وكلمات من الوزن الثقيل، ولما سمّي أحمد رجب الموضوع "فضيحة الموسم"، علّق عبد الفتاح البارودي قائلا :"فضيحة فنية ؟ للتافه الأوحد!"، وأصرّ سعد أردش علي رأيه، وقال :"لن أسحب رأيي"، بينما تحفظ عبدالقادر القط، وقال بأنه لم يمدح المسرحية، ولكن رجاء النقاش رد علي رجب والكواكب بأن ماحدث ماهو إلا فضيحة للمجلة ومحررها، وعلق رجب تحت عنوان "عقدة الخواجة"، وتدخل رئيس التحرير وكتب تعليقا قصيرا يصف ماحدث بأنه مذبحة، ولكن تتالت الآراء من طه حسين وتوفيق الحكيم واحسان عبد القدوس وعباس العقاد وآخرين، وكأن ماحدث جنازة وأشبعت المثقفين سخرية، ولم يكن العقل هو الذي يحكم المسألة، ولكن من يتأمل بعض التعقيبات سيدرك أن هناك شمتانين وفرحانين فيما حدث، زاعمين بأن هؤلاء النقاد مزيفون وغير صادقين، وفي الحقيقة لم يكن الأمر كذلك، وكان مجرد مداعبة ثقيلة الظل، ومشاغبة حادة جدا، لم تكشف إلا عن فراغ في الحياة الثقافية، والمثقفون يريدون أن يفرّغوا مخزونا من الشماتة والغلّ في مسألة لا تؤدي إلي سجن ولا إلي معتقل، ولم يكن ذلك جديدا علي أحمد رجب، ولكنه منذ بداياته كان مثيرا ومشاكسا كبيرا، وكان يدخل عرين الحياة الثقافية والفنية دون أن يهاب أن تأكله هذه الحياة. مع العقاد وأبرز ما كان يميزه عندما كان يعمل في مجلة الجيل، وحواراته القصيرة المستفزة، والتي كانت تخلق معارك ضارية علي ضفاف الحياة الثقافية والصحفية، ففي العدد الصادر من مجلة الجيل في 4 ابريل عام 1959، أحمد رجب حوارا مع عباس العقاد، ووضع له عنوانا يقول :"أعنف حرب يعلنها العقاد علي المرأة"، ولم يكن ذلك مجهولا علي العقاد، فقد أثار هذه القضية عدة مرّات علي مدي عمره، وبدأرجب موضوعه الحواري قائلا:"أستاذنا الكبير عباس محمود العقاد يعلن علي المرأة حربا ساخنة لا تترفق!، إنه يضربها بالنار والقنابل والصواريخ وكل القذائف المبيدة!، وقعت المرأة مع من لا يرحم مع العقاد، ولن نجد من يسمّي عليها!"، وكان رجب قد أثار القضية قبل هذا الحوار بأسبوعين إذ نقل رأيا للعقاد كان قد قاله منذ أكثر من 33 سنة عن حب المرأة وقال فيه بالنص:"إن المرأة تحب لتهب وتستسلم، وإن ليس للمرأة سعادة في قرارة نفسها أكبر من سعادة الطاعة، ولا أمل أرفع من حب الرجل الذي تطيعه وتلقي بنفسها بكل مافيها من ذخر حلاوتها بين يديه، وليقس هذا الرجل أو يرحمها ويعذبها أو أو ينعم بالها، فإنها سعيدة بالطاعة إن وجدت من يطاع ويقيل عذابها وراحتها ويتلقي عزّتها وذلّتها علي السواء، وتلك هي الحقيقة وعلينا ألا ننخدع عنها بما نسمع في هذا العصر من جلبة الحرية ولغط الحركة النسائية وصريخ المطالبة بالمساواة وحقوق الانتخاب، فإنما الذي يفقده هؤلاء النسوة في جميع أنحاء العالم هو الطاعة لا الحرية وهو الرجل السيد لا الند، المساوي لهن في كل شئ، ولو وجد هذا (الرجل السيد)، لما كان للحركة النسائية ولا سمع للنساء صوت غير صوت الغبطة والقناعة والحبور"، ولم تكن بالطبع الأسباب الكامنة خلف استعادة هذا الرأي أي براءة، لأن هذا العام 1959 حفل بصيحات نسائية كثيرة ومؤتمرات وندوات، ودخلت عالم الصحافة المرأة بكثافة، وكانت هناك حركة للمرأة ملحوظة وقوية، فكان لزاما أن يأتي صحافي شاب ويريد إضفاء حيوية علي الحياة الثقافية والاجتماعية، واختار قطبا كان مثيرا، وهدفا لكل الحركات الاحتجاجية الجديدة، في الأدب والثقافة والفكر وكذلك مسألة المرأة المزمنة، ولذلك نشر أحمد رجب هذا الرأي القديم لاستعادته من مكامنه، والاستفسار من كاتبه عن كونه مازال يري في هذا الرأي صحة الآن، حتي بعد ارتياد المرأة آفاقا كثيرة في الثقافة والأدب والعلوم والصحافة والتربية، ولم يكن مفاجئا الرأي الذي قاله العقاد، بل انتهزها فرصة ليؤكد علي رأيه وزيادة، فقال لرجب :"إنني أؤكد رأيي هذا مرة أخري، إن كل هذه السنين التي مرّت زادتني به اقتناعا..إنني لا أستطيع أن أفهم هؤلاء الرجال الذين يهللون للمرأة...المرأة...المرأة..ماالذي "فلحت" فيه المرأة هذه"؟، ولكن رجبا لا يستسلم، بل يحاول شدّ العقاد إلي مناطق وعرة ومثيرة، فيجيب علي العقاد بأنها غزت كل الميادين مثلها مثل الرجل، وأصبح الرجل غير منفرد بشئ كما كان يحدث في الماضي، ولكن العقاد يزأرحسب وصف رجب، ويستطرد:" المرأة مكانها البيت فقط، قد تقول إن المرأة أحيانا تضطر إلي العمل لكسب قوتها بحكم ظرف ضروري، هذا كلام فارغ.زهراء..لقد كان اشتغال الأطفال في وقت ما قاعدة مطردة في المجتمع، كان الأطفال يضطرون إلي العمل لكسب قوتهم بحكم الظروف الضرورية، ولكن المشّرع تدخل ليحمي الأطفال ويمحو هذه النقيصة من المجتمع، إن اشتغال المرأة لكسب قوتها نقيصة في المجتمعات التي تسمح بذلك كاضطرار الأطفال تماما، والنقيصة ليست أساسا نبني عليه القانون والتشريع والعرف، إن المرأة تنتظرها وظيفة طبيعية أخري أهم من كل ذلك هي الأمومة والحضانة وتربية الأطفال، إن هذه ليست مهمة سهلة"، ويطول الحوار بين رجب والعقاد، فيعمل رجب الصحفي الشاب علي استدراج الكاتب "العملاق" "الشاعر الجبّار"، والمفكر المغوار، ومقررلجنة الشعر بالمجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب، هذا الاستدراج الذي يعرف رجب، بل إنه متأكد سيأخذ العقاد إلي مناطق وعرة، وهنا نسأل هل كان رجب يريد خدمة العقاد، أم أنه كان يريد إثارة الرأي العام عليه، ولكن بطريقة ناعمة وذكية، وتحت أقنعة حوارية يعلم رجب تماما أين ستؤدي؟، أم أنه مثلما فعل فيما بعد في مسرحية "الهواء الأسود"، يريد تسخين هذا الواقع الذي يراه باردا وساكتا، فيعمل علي إنطاقه، وإخراجه من هذا الصمت، أو الكلام الصامت كما يقولون؟، ونجحت حملة أو خطة أحمد رجب في إثارة الناس، وتحركت قوافل متمردة نحو ميناء العقاد القديم، وأطلقت عليه قنابل من الكلام المخيف، وبالتأكيد أن رجبا لم يكن بريئا تماما، بل كانت له أغراض، إذ أنه في عدد تال من مجلة الجيل كتب موضوعا آخر، ووضع له عنوانا مثيرا يقول:"العقاد يثير الرعب في قلوب النساء"، واستهله قائلا:"تهنئة حارة للأستاذ العقاد، ! كل السيدات اللاتي التقيت بهن ومنهن مشتغلات بالشئون العامةلم يستطعن أن يكتمن ثورتهن علي ما أعلنه العقاد وهو يهاجم المرأة هجوما قاسيا، وعرضت هذه الصفحة علي معظم السيدات ليكتبن ردودهن علي الكاتب الكبير..فرفضن خوفا وهلعا ! عرضت عليهن أن أتولي أنا نقل ردودهن... فاستحلفنني بالله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والنبيين ألا أشير إلي حتي مجرد أسمائهن حتي لا يأكلهن العقاد!"، وهنا تبدو خطة رجب الكاملة في تصوير عباس العقاد علي أنه وحش كاسر ومخيف، فضلا عن أنه يقول هذه الآراء في ظل تطور الحركة النسائية، وفي ظل دخول المرأة كافة الميادين، وأدركت المجلة غرض رجب الدفين، فحاولت إعادة الاعتبار لهذا المفكر الكبير، والشيخ الذي أفلت لسانه وأطلق كل هذه الفقاعات التي لن تفعل سوي فرقعات فارغة، فانتهزت إدارة المجلة فرصة عيد ميلاد العقاد السبعين، وأرسلت المحررة الشابة صافيناز كاظم لتغطية احتفالية السبعين، وقدمت المجلة بانوراما سريعة تعيد للكاتب هيبته وتقديره بين الناس، وتنشر صوراً له غاية الانسانية، وتختار مانشيتات من طراز "أعجب قصة كفاح عمرها 70 سنة"أو "كان العقاد متخصصا في إغلاق الصحف"، أو "أخذنا من المفكر العملاق 74 كتابا ولم نعطه شيئا"، وضمن التغطية تورد المحررة الشابة بضعة آراء لمحبيه وتلاميذه وأصدقائه مقال زكي نجيب محمود، وهو أحد المتيمين بالعقاد، وكان ينتصر له شاعرا ومفكرا وانسانا، وكذلك رأي تلاميذه أنيس منصور وعبد الفتاح الديدي والفنان صلاح طاهر وغيرهم، وكان الموضوع كله احتفالية كبيرة بالعقاد، وذلك جاء في سياق مخطط أحمد رجب لإثارة الرأي العام عليه. معارك صغيرة وكما فعل مع العقاد، وبعد ذلك مع النقاد الأربعة في مأساة الهواء الأسود، كان يخترع تقنيات خاصة به، ليدلي بآرائه الحقيقية والحادة، والتي لا يجد لها مجالا سوي إنشاء هذه التقنيات، وكانت تقنية "رسائل القراء"، أنسب التقنيات التي يورد من خلالها مايريد أن يقوله في هذا أو ذاك من الكتاب، وهنا توقف عند رسالة إحدي القارئات التي راحت تسأله عن البدايات العاطفية للكتّاب، ورغم أن رجب يذكر بأن الراسلة لم تذكر له أسماء كتّاب معينين، إلا أنه تبرع هو بالرأي في كتّاب هو اختارهم بنفسه، وأنا علي يقين بأنه كان يريد أن يقول ما قال، فأنشأ هذه الطريقة البسيطة، فقال مثلا في كمال الملاخ:"يفتح الحديثبمناسبة وبدون مناسبةعن اللغة الهيروغلوفية، ويذكرعمداكلمة "نفر نفر نفر"، وتتساءل الفتاة عن معني الكلمة التي يقحمها الملاخ فيقول لها معناها جميلة جدا، ومنها اشتق اسم نفرتيتي، ثم يصف الفتاة بأنها نفر نفر نفر!!..وهكذا يبدأ الغزل عند الملاخ"، وعن أنيس منصور يقول :"يحدثها عن فلسفة الحرية ثم يضرب لها الأمثلة قائلا :أنت مثلا حرة في أنك تحبينني أو لا تحبينني، وهكذا يبدأ حديث الحب"، أما مصطفي محمود فيقول عنه:"يستعرض أدبه كأديب وطبه كطبيب وفنه كفنان ثم يمسك بالعود ليعزف لها مجموعة من "البشارف" القديمة، يصرّ كمال الطويل علي تسميتها بالقباقيب القديمة"، أما عن فتحي غانم فيقول: "يتصنع لها الذهول والتثاؤب كالثالب ويحاول أن يغرقها في غموض شخصيته..لتكتشفه !!"، ثم يدرك رجب أنه دخل في الغريق، فيقول :"وكفاية كده يا آنستي العزيزة"، ونحن ندرك بالتالي إن أحمد رجب لا يريد سوي أنه يريد أن يقول هذا الكلام، ولا بد أن يجد له طريقة أو مناسبة ليقوله، وهذا يعني شغبا لطيفا يضفي قدرا ما علي خشونة الحياة الصحافية التي تتكدس بالقضايا الجهمة والكئيبة، وربما هذه الجهامة كانت تجلب كافة أشكال العنف اللفظي والحقيقي والمعنوي، وهذا اللطف الذي كان يؤيد رجب أن يضفيه، كان يتدخل في كثير من مجالات الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والصحافية، وأعتقد أنه قبل أن يهتدي إلي اختراع "نص كلمة"، كان يفعل ذلك دون تسمية ذلك بهذا العنوان، وربما يكون هذا العنوان متأثرا بالمجلة الصغيرة التي كان يصدرها الشاعر الغنائي مأمون الشناوي، وكان عنوان مجلته أو مطبوعته الصغيرة هو "كلمة ونص"، وإن كان أحمد رجب في بداياته لم يتطرق إلي السياسة بشكل مباشر، ولم يدل بآرائه بوضوح، إلا أنه كان يختفي تحت أقنعة عديدة، ويعمل علي تسريب مايريد أن يقوله من خلال هذه الأقنعة. مع الفنانين ولم يقتصر شغب أحمد رجب مع الكتاب والمفكرين فحسب، بل إنه وصل إلي الفنانين، وهو كان شغوفا بعالم الفنانين، ولديه كتابات وأسرار وأحاديث عنهم كثيرة، يقول :"رأيت الفنانة زوزو ماضي في إحدي الحفلات وسط خمسة وعشرين رجلا وعشر سيدات وآنسات، كلهن جميلات، كلهن أنيقات، كلهن كالعيدان الخضراء التي تتدلي منها ثمار شهية ملونة!، لكن زوزو ماضي استطاعت أن تجتذب حولها الرجال! كل واحد يتقرب إليها! كان واضحا أنها تسيطر علي المجلس، كامرأة، وهمست في أذنها :"قولي لي السر: كيف تحتفظ المرأة بأنوثتها نضرة.. فواحة..معطرة...لها إشعاعات تسيطر وتتسلط، قالت :"أنوثة المرأة أشبه بالخمر ! هناك خمر جيدة يزداد سحرها كلما مضت عليها أيام العمر ولياليه، وهناك "طافية" تتحلل وتتلف كلما مر عليها الزمان، قلت لها وماهي صفات الخمر الجيدة التي تزداد سحرا علي مر الزمانم ؟!قالت :"هذه أسرار")، بالطبع أحمد رجب لا يريد أن يطلق آراء زوزو ماضي لأنها زوزو ماضي، ولكنه يريد أن يقول رأيه في أخريات كن يقفن معها، ويريد أن يقول أن زوزو ماضي تفوقهن أنوثة وجاذبية وجمالا وسحرا. وفي لقاء بينه وبين فايزة أحمد يسألها سؤالا خبيثا: لماذا ترفضين أن تغني "علي الهواء" في الحفلات الساهرة، فتجيب لأن الملايين يستمعون إليّ وهذا ينسيني كلمات الأغنية، فأضرب "لخمة"، فيسألها مرة أخري :ولماذا لا تنسين كلمات الأغنية إذا عرفت أن صوتك ليس علي الهواء مباشرة"، فتجيب :هيك ياشعر!، فيحاصرها :والحل؟، فتقول :يضحكوا عليّ، يفهموني أن صوتي وقت الإذاعة ماهو علي الهوا...باغني حلو كتير. وعن فاتن حمامة يتحدث عن انزعاجها كثيرا من بعض مايظنه الناس بها، إذ قالت له مرة منزعجة:"تصور أنني اكتشفت أن بعض الناس يظنون أنني "قمارتية"، ..ألعب "القمار"، ، فيسألها رجب ويريد أن يسافر أكثر: وكيف؟، فأجابت :سيدة مسنة من معارفنا مثلا شاهدت صوري في مباريات البريدج فضربت بيدها علي صدرها وهي تشهق صارخة : "ياندامتي"، ..الراجل عمر علّم البنية القمار"، وتستطرد فاتن بأنها راحت تفهم السيدة بأن البريدج لعبة رياضية عقلية أشبه بالشطرنج، واستفاضت فاتن في الشرح، فما كان من السيدة بعد كل هذه المحاضرة الطويلة العريضة إلا أن مصمصت شفتيها و قالت :"ياخسارتك يافاتن يابنتي...في البريدج"، ومن الواضح أن أحمد رجب كان يضيف إلي حواراته كثيرا من الفكاهة والسخرية، ولم تكن هذه السخرية خالية من الغرض، أو من الغمز واللمز، وكان أسلوبه يتمتع بهذه العبارات المكثفة، التي تنتشر بينها المعاني والأفكار، وكان يتقاطع مع الكتّاب والفنانين والساسة، وأعتقد أنه تدرب في مدرسة الصحافة، التي أوصلته إلي مدرسة الدراما السينمائية، قبل أن يلتقي برفيقه مصطفي حسين، فيبدعا موضوعات في كافة المجالات السياسية والاجتماعية، وهما في كل ما صنعاه كانا مصدرا للبهجة والمرح، حتي لو كنت تختلف مع بعض التوجهات السياسية التي كانا يجنحان إليها. ص18-19 نص مسرحية »الهواء الأسود« لأحمد رجب