سنوات ود.رءوف يؤسس لحلمه، وتطبيق فكرته عن (التقدم الأسي) علي (مركز الإتاحة الحيوية) الذي أسسه داخل هيئة الرقابة والبحوث الدوائية عام 1990، ليكون مركزا علميا لتقييم فاعلية الأدوية المصنعة في مصر أو المستوردة.. وما إن بدأ نجاح المركز، حتي تكالبت عليه قوي الفساد.. خاض الرجل معارك لفضح الفساد في هيئة الرقابة الدوائية.. وتحولها من هيئة رقابية إلي هيئة لخدمة شركات الأدوية، تلك المعركة وصلت حينها للصحافة فكتب عنه د.يوسف إدريس مقالا مطولا في (الأهرام) جاء فيه: "إلي رءوف حامد الذي لم أقابله، وإلي كل رءوف حامد في مصر أمضوا في طريقكم ضد الفساد". وبرغم ذلك اضطر د.رءوف لتقديم استقالته 1994 بعد أربع سنوات فقط من تأسيسه للمركز.. لكن الفاسدين لم يكتفوا بذلك إنما قاموا بعزله أيضا من منصبه، كرئيس لشعبة (الفارماكولوجي) بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية في مايو 2008.. د.رءوف صدر له 23 كتيبا في مجالات ثقافية معرفية مختلفة، إضافة لأبحاثه العلمية المنشورة في كبري الدوريات العالمية، ومقالاته السياسية في العديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية.. وبمناسبة قرب صدور كتابه الجديد: (25 يناير أصالة شعب وضبابية نخبة) كان لنا معه هذا الحوار. حدثنا عن رؤيتك للنخبة وفق طرح الكتاب؟ ثورة 25 يناير جاءت كتغير في شخصية المواطن العادي، فأثناء فترة الثورة من 25 يناير إلي 11 فبرابر جسد الشعب في ميادين التحرير بمصر، سلوكيات راقية: نبذ التحرش رغم الزحام، وحرص علي نظافة الميادين، وحرص علي التعاون والجماعية، كل ذلك أظهر أصالة الشعب، التي لم يواكبها ارتقاء النخبة إلي جماعية الشعب، فالنخبة السياسية ونخبة المفكرين لم يؤسسوا قيادة جماعية لتهدي الجميع، وتكون وسيطا بين القوي المجلس العسكري والشعب، كان كل فرد من النخبة جزيرة منعزلة، فاقدا للرؤية، لهذا وصلنا إلي ما حدث خلال السنوات الماضية، وهو ما أحلله وأصفه في كتابي. ما إشكالية النخبة وما سبب تخاذلها؟ إشكالية النخبة افتقاد الرؤية للتغيير، إضافة للانتهازية، التي بدأت منذ الانفتاح أيام السادات، وطول عهد مبارك فلم تتجمع النخب وتعترض علي مسار الدولة، التي أجهزت علي ثروات مصر من المصانع والشركات، وبالتالي الشعب تخطاهم.. واستمرت النخبة في انتهازيتها بعد الثورة وأثناء المراحل الانتقالية الثلاثة، مرحلة حكم المجلس العسكري، ومرحلة حكم الإخوان، ومرحلة عدلي منصور.. النخب كانوا ومازالوا يبررون لرغبات خاصة، ولم يجتمعوا علي رأي، ولا يجيدون إلا (الردح) لبعضهم في وسائل الإعلام، وهو الأمر الذي أوصل الإخوان للحكم، وبمساندة الكثير من النخب. إذن النخبة فقدت دورها في تطور مصر بعد أن فشلت في الفترة السابقة؟ لا يمكن أن تستغني دولة عن نخبتها، نعم أنتقدت كثيرا من النخب، لكن لم أقل إن الجميع كذلك، فهناك نخب تملك رؤية وحساً وطنيا عاليا.. نحن بحاجة لهؤلاء لوضع منظور متكامل للتغيير، برعاية وقيادة الدولة في الفترة الانتقالية الرابعة بقيادة الرئيس السيسي، والتي أتمني أن تكون هي التي تحقق مسار الثورة، وتنتقل بمصر للمرحلة التالية، التي بعدها يمكن للتغيرات أن تحدث تلقائيا بدون الحاجة إلي مظاهرات، ويتم فيها تمكين المواطن العادي ونبث الأمل فيه، أن مصر للجميع وليست لفئة معينة. ما فكرة التقدم الأسّي ولماذا نحن بحاجة إليه؟ النهضة الغربية حدثت علي مدار ثلاثة قرون.. اليوم نقول إن الصين تنافس النهضة الغربية رغم أن الصين بدأت نهضتها بعد ثورة (ماو) منذ حوالي نصف قرن، بما يعني أن الصين قفزت في خمسين سنة ما حققه الغرب في ثلاثة قرون، إذن (التقدم الأسي) يعني تقدما متسارعا.. بتيسير الإمكانيات البشرية والمادية واستخدام كل خصائصنا المرتبطة بالمكان والزمان والعلاقات الدولية، لجعل تقدمنا يحدث بشكل أسرع من المعتاد، لنتجاوز الهوة بيننا وبين الغرب، لنصل لمنافسة الدول المتقدمة.. هذا الحلم ممكن؟ بالطبع ممكن، وإمكانية تحقيقه موجودة.. ففي الفترة الحالية هناك شعور بالحاجة للتقدم الأسي، وإن لم يسم أسيا، فقيادات الدولة العليا لديها رغبة لعمل إنجازات كيفية وكمية بشكل سريع، ومعظم المصريين الآن مستعدون لعمل المستحيل من أجل مصر.. لكننا بحاجة لقيادات في قطاعات الدولة المختلفة، تعمل علي إيقاع أهداف الثورة، وتنقلها للقيادات الأدني، فالأدني وهكذا لتصل للمواطن العادي.. وبالتالي تؤثر مصر في تطور الإقليم العربي والأفريقي، الجميع ينتظر دورا إيجابيا من مصر.. سؤال الآن كيف يحدث التقدم الأسي أو المتسارع؟ أول شروط (التقدم الأسي) هو (المنظومة) بمعني أن تكون الدولة كلها منظومة كبيرة، وكل منظومة تضم عدة منظومات أدني، وتقوم تلك المنظومات علي أساس البحث والتفكير العلمي.. فالمدرسة والمصنع والمستشفي والجامعة منظومات، وكل منظومة من تلك المنظومات داخلها منظومات أصغر (أقسام وقطاعات) وكل تلك المنظومات ترتبط بالمنظومة الأكبر فالأكبر إلي أن نصل لرئاسة الدولة، والمنظومات الكبيرة لابد أن ترتبط بالمنظومات المشابهة لتساعد كل منها الأخري علي أداء دورها.. لن يأتي التقدم الأسي قبل أن نكون جميعا أعضاء في منظومات متعاونة. العمل المنظومي بحاجة لإدارة، ونحن لدينا مشكلة في الإدارة، إذن فكيف يمكن التغلب علي تلك المعضلة؟ علينا جميعا الاعتراف أننا كلنا جدد علي العمل المنظومي، لكننا جميعا نريد أن تكون مصر أفضل، إذن نبدأ بالفكر المنظومي علي أعلي مستوي في الدولة، ومنها سينتقل للمستوي الأدني فالأدني، هنا لا يمكن أن يفسد انحراف موظف صغير العمل المنظومي، لأن حينئذ القيادات العليا المؤهلة ستعالج الانحراف سريعا. هل يمكن للغرب والدول المتربصة أن تترك مصر تبني نهضتها وهناك سيناريوهات الإسلام السياسي وداعش تتربص للعودة بالمنطقة للقرون الوسطي؟ قبل (داعش) كان هناك تخطيط لتفتيت المنطقة العربية بالكامل، ولنعلم أن كل جماعات الإسلام السياسي هي صناعة أمريكية، أمريكا تنشئ الجماعات وتتركها تلاعب بعضها وتحطم دولها، وقد فطنت النخبة الأمريكية لذلك، وقد جاء في كتاب (مستقبل الثورات): أن وراء كل انحراف في العالم جهدا أمريكيا.. إذن ما العمل؟ فقط علينا السير في طريق الديمقراطية، وتنمية العقلية الجماعية، وإقامة المشاريع الوطنية هذا يحمي مصر من أي سيناريوهات عدائية محتملة، رغم ما حولنا، قلت بالبحث وبالتفكير العلمي يمكن أن نتطور لكن البعض يعتقد أن (الإسلام) من الممكن أن يكون عائقاً أمام العلم فما رأيك؟ ما نراه حولنا إرهابا لا علاقة له بالإسلام.. لهذا لابد لنا أن نتعامل مع كل التحديات بشكل منظومي، علي سبيل المثال ولو فرضنا أن هذا التحدي عبارة عن صندوق، أريد أن أدخل فيه مبادئ معينة بحيث يخرج منه حل مناسب، هذه المبادئ هي أفكار علمية مستمرة من كل أنواع العلوم الطبيعية أو الإنسانية وأيضاً مدخلات خاصة قائمة علي التراث والثقافات الشعبية والأديان، فلو كان الدين مدخلاً واحداً، ضمن مدخلات أخري لم تكن هناك مشكلة، المشكلة حين يهيمن الدين علي كل هذه المدخلات، ويتحول الدين من عامل مساند إلي أيديولوجيا مهيمنة ومعيقة، فاليابانيون استندوا إلي ديانتهم (الشانتويه) لتعظيم فكرة العمل وتقديم مصلحة المجموع علي مصلحة الفرد. شاركتم مع د.حسام عيسي وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق في محاولة ربط البحث العلمي بتطوير الصناعة ..كلمنا عن تلك التجربة؟ كانت لدي د.حسام رؤية أن دعم البحث العلمي قوة دافعة لتطوير الصناعة، وهو أمر غائب من زمن، وبدأنا بأبحاث تطوير صناعة الدواء لأنها تعتمد علي البحث العلمي بشكل أساسي، وتخدم المواطن المصري، وفيها قيمة مضافة، وكانت رؤيتي دعوة رجال صناعة الدواء ورجال البحث العلمي، وطرح فكرة التطوير عليهم، لأن صناعة الدواء في مصر نموذج قديم للغاية، وأوضحت لرجال الصناعة أن التطوير لن يغير مصانعهم إنما سنضيف بعض التطور، وبعد نقاشات أتضح أن هناك مقاومة للتغيير، رجال البحث العلمي مندهشون لأن منذ عشرات السنين أبحاثهم محصورة في أبحاث أكاديمية للترقيات.. ورجال الصناعة لا يريدون المساهمة المادية في التطوير، وهنا كانت المحصلة النهائية في المناقشات في يناير 2014، هي إنشاء مركز ابحاث وطني مهمته تطوير صناعة الدواء، بإدارة من نوع جديد يعمل بالتشارك مع مراكز البحوث، والمصانع، ونظرا لعدم رغبة رجال الصناعة في المشاركة المادية، وصلنا لفكرة تكوين مجلس أعلي للدواء، لوضع السياسة الدوائية والتمويلية التي تناسب كل الشركاء، ويوفر الدواء للمرضي، ويعمل تحت مظلته مركز بحوث الدواء، ليخدم كل منهما الآخر، بالتعاون مع وزارة الصحة. إلي أين وصلتم وماذا عن هذا الحلم بعد تغير الوزارة؟ هناك فكر ورؤية طرحت، وإذا القيادة السياسية الآن، طلبت سنعيد طرح الفكرة مرة أخري للمصلحة العامة، هل حقا اشترطت علي د.حسام أن تعمل متطوعا بلا أجر؟ نعم بل طلبت أن يصدر قرارا مكتوبا بذلك، لأن من يخدم وطنه لا ينتظر الثمن. رءوف أنت تساهم في التطوير التعليم والبحث العلمي في (إريتريا) ومصر الآن بحاجة لجهدك؟ ذهبت إلي (إريتريا) بناء علي طلب من شخصية عربية كبيرة، ولأني رأيت أن تلك الدولة بحاجة لي.. ذهبت لأعمل شيئا مفيدا لدولة نامية، رغم الراتب الضئيل، وظروف الحياة الصعبة، لكن يسعدني أنه شعب يجل التعليم. ومع ذلك لو مصر بحاجة لجهدي سأنزل فورا، كما حدث مع د.حسام عيسي.