«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استخدام الحياة
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 08 - 2014

لا يعني هذا أنه لم تكن هناك أيام جميلة في القَاهرةِ، كان هناك أيام ساحرة تتوزع علي مدار السنة؛ بعضها في الصيف الطويل، والكثير منها في الشتاء القصير، وجميعها تشترك في أنها أيام عطلة أو تعطل. يقولون إن المدينة لا تنام، تنفجر من مخارجها. المدينة تتمحور. المدينة تتشعب. المدينة تنسكب وتندلع. النمل يجري في كل مكان، مصانع، شركات، مطاعم، مقاهي، مساجد، كنائس. بشر يبيعون ويشترون ويتبولون وعجلة الإنتاج دائماً تسير رغم الزحام. هكذا يبدو المشهد من فوق إذا كنت نسرًا محلقًا، لكن إذا كنت شابًّا أو فأرًا صغيرًا يلف عجلة الإنتاج فأنت في الحقيقية لا تتحرك من مكانك. تذهب إلي العمل وتنجزه، تتقاضي راتبًا قد يكون معقولاً كذلك. لكنك لا تحس أبداً بالنتيجة وإذا حدثت فهي لا تحرك شيئاً. سواء تعمل أو لا تعمل فالعجلة ستسير والتيار سيحملك.
أذكر مثلاً بعد حفلة يوسف بزي ذهبت أنا ومود وموني ومجموعة قليلة من الأصدقاء لشقة مود بجاردن سيتي، أكملنا السهرة حتي الصبَاح في تدخين الحشيش بطرق مُتعددة تبدأ بالدبابيس وتنتهي بالجوينتات، تسابقنا علي إنهَاء زُجَاجة فودكا كَاملة. رأيت الموسيقي تتحول إلي قرود مُلتصقة بالسقفِ. كان هناك فتاة ألمانية شقراء تهز ساقها اليسري علي الإيقاع. انتصابات متقطعة في البلبل. شابُ أمريكي فلسطيني لا يتقن العربية ويتحدث كثيراً عن العنصرية. دُخَان، سجَائر، حشيش، ثم دخان.
كيكو تلتفت نحوي عيونها غائبة تحت طبقات من اللون الأحمر:
- بسام دخان في عيني.
- سلامة عينك يا بيبي.
أتناول منديلًا ورقيًا، أضعه علي عينها ثم أنفخ ببطء. الفتاة الألمانية تشاهد باستغراب، أزيح المنديل ومسام كفي تتشرب نعومة بشرة «كيكو» السمراء. أطبع قبلة خفيفة علي شفتيها. الألمانية تتحدث بالإنجليزي:
- هل تعلم أن هناك نوعًا من الفيتِش الجنسي، يدعي فيتش لعق حدقة العين؟
- كيف يحدث هذا؟
مود يتدخل في الحديث:
آه نعم قرأت عن الأمر ذات مرة.
كيكو تبدي اعتراضها وهي تلف ذراعيها حولي:
إيه القرف دا يا بيسو؟
ما الذي يفعله الشباب في مرحلة العشرينيات في القاهرة؟
هل يلعق حدقة العين، أم يلعق الكس، أم يمص الزبر، أم يلحس التراب، ويستنشق الحشيش المخلوط بالأدوية المنيمة؟ وإلي متي سوف يظل أي فعل من تلك الأفعال الفيتشية مثيراً ومجدداً، مُنشطاً للحيَاةِ. الجالسون الآن في هذا الغرفة، جربوا الكثير من المخدرات في شبابهم في المرحلةِ الْجَامعية وبعدها، لكن هاهم جزر مُنفصلة في الوقت ذاته لا يجدون معني لأيامهم غير الاجتماع سوياً، نعيش هنا علي امتصاص البهجة من بعضنا البعض.
موني مي واقفة بجوار السماعات، عيونها مُغمضة باتساع كأن روحها مع قرود الموسيقي في السقف، وجسدها تحركه الذبذبات الصوتية المتدفقة من السماعات.
لكن مع الوقت بدا واضحاً كم هي مُملة المخدرات. أو للدقة لا تكفي. وإذا ترك الواحد منّا نفسه يقع حتي النخاع في حب المخدرات، فحياته ستنتهي في أشهر معدودة. هذا ما يقوله العلم والتجربة. نحن الباقين في هذه الغرفة أجبن من أن ننهي حياتنا بهذه الطريقة أو بأي طريقة أخري، ربما لأننا معلقون بالأمل، مربوطون بالمحبة، بالصداقة.
مقابل كل ما تفعله القاهرة في قاطنيها، لا تمنحهم سوي صداقات حتمية موثقة لا بحرية الاختيار بل بضرورات القدر. يقول القائل «يا ذاهب إلي القاهرة، ستجد فيها مثلك». لا معني لأن تدخن وحيداً، ولا طعم للطعام إذا لم يكن هناك من تنظر لوجهه تتأمل حركة فمه وهي تلوك المواد الغذائية مرحلة الكبت الجنسي، يجدون نفسهم في مسافة لا يمثل فيها الجنس إلا فرعاً صغيراً من فروع الصداقة. يتحول الجنس إلي ما يشبه اللبوَنة الدائمة. كيكو تداعب ظهري، وأشعر بالإثارة بين فخذي.
وحينما اقترب الفجر دخل مود لحجرته، ذهب الجميع إلي منَازلهم، بينما تَكاسلت أنا عن العودة ل6أكتوبر وفضلت النوم علي الكنبةِ، استيقظت مُبكراً شاعراً بالصدَاعِ الخفيف، نمل يسير بين الجمجمة والمخ دبيب أقدامه يهيج الخلايا العصبية. دخلت الحمام وتناولت واحدة من حبوب مود التي يستوردها من الخارج لمقاومة «الهنج أوفر»، أخذت حمَاماً طويلاً بالمَاءِ الدفيء، أجريت اتصَالاً تليفونياً بينما أرتدي ملابسي، تواعدت مع السيدة ملعقة علي الإفطارِ في مطعم توماس بالزمالك.
في الطريق كانت الشوارع مَغسولة خَالية من السيارات والمارة، اليوم عطلة ربما هو رأس السنة الهجرية، أو عيد النصر، أو عيد الثورة، أو عيد قرموط البحر. المهم أن المدينة كانت خَاملة والبشر في غفوة قصيرة. لا أعرفها في تلك اللحظات، وحينما أقطع المسافة من شارع القصر العيني إلي الزمالك في أقل من 20 دقيقة، أشعر كأنها تتودد لي فجأة، تبتسم ابتسامة ماكرة. بين السطور أقرأ صوتها «في أي لحظة قد أتركك محشوراً في إشارة مرور لأكثر من ساعة، لا شيء تفعله سوي تذكر أحزانك وهواجسك، بينما طاقتك تمصها الضوضاء، وعمرك يتسرب ببطء. شرايين مفتوحة يهطل الدم منها في البانيو.
تقابلت مع السيدة ملعقة أمام باب المحل، حضرت مرتدية فستانًا طويلًا أبيض يكشف ذراعيها وجزءًا من صدرها الصغير، قبلتني علي الوجنتين:
- رائحتك جميلة.
- استعملت عطر مود.
أحببتها بسبب رقبتها، تكبرني بحوالي 9 أعوام لكنها مع ذلك تحافظ علي شبابها، تمارس الرياضة بانتظام، وتتناول الطعام الصحي، جميلة، مرحة، نَاجحة مهنياً في مهنتها بشركة الإعلانات، لكنها مسيحية من طائفة البروتستانت، وللأسف تحب مصر. بالتالي ففرص ارتباطها بشخص من نفس القَائمة يرغب في الإقامة بالقاهرة ضعيفة. درست في الخارج، ثم قضت فترة طويلة من حياتها خائفة من الزواج والارتباط الأبدي، أحياناً تشتاق للأولاد. تَعودت علي مُصَاحبة الرجَال الأكبر منها في السن، لكن فجأة لم يعودوا يهتمون بها، ومن يهتمون بها لا تهتم هي بهم، كانت هذه أول مرة تصاحب شخصاً أصغر منها، وكانت تشعر بالخجل حينما تصرح لأصدقائها عن علاقتنا.
اسم السيدة ملعقة أطلقته عليها "موني مي" شاهدتها مرة في أحد الحفلات الموسيقية وكانت تضع في أذنيها حلقًا علي شكل ملعقة.
نفس الحلق كانت تضعه الآن وكان يهتز مع حركة يدها وهي تقطع الخبز بالسكين. حلقي جاف، ومع ذلك أواظب علي التدخين منذ الاستيقاظ، للسجائر طعم مختلف مع رائحة هواء الصباح في الزمالك. طعم يشبه البهجة، الشوق، النعومة، البنفسجي، البرتقالي.
تناولنا إفطاراً مكونًا من البيض بصحبة شرائح من أجود أنواع لحم الخنزير المستوردة، عسل ومربي، عصير برتقال، ثم ها أنا إنسان جديد. يقول الشاعر «إنت مش إنت وإنت جعان». كأنما أفيق من النوم علي بسمتها، أستيقظ تحت فراش أبيض في مطعم توماس.
تمشينا في شوارع الزمالك باتجاه بيتها، حول قدمها سلسلة رفيعة فضية. أظافر قدميها مطلية باللون الأحمر، أحياناً نمشي متشابكي الأيدي، وأحياناً أحيط خصرها. تحت ظلال الأشجار نضحك. نبتسم لعساكر الحراسة أمام السفارات المختلفة، لكن تجهمهم لا يتغير.
أفكر هل أحبها؟
بالطبع أحبها، لا أستطيع أن ألمس امرأة لا أحبها. ثم ما الحب؟ إنه فقط انشراح في القلب، سكينة في الروح، دفء في المعدة. مثل كل حب في القاهرة مُعرض دائماً للزوال. مُحب للرفقة.
في شقتها، دخنا سيجارة حشيش. داعبت ركبتها وهي تَعبث بالكمبيوتر بحثاً عن أغنية قديمة لمادونا، رفعت الفستان إلي ما فوق ركبتها ثم نزلت علي الأرض. جلست بين فخذيها، ثم رفعت قدمها، أخرجت لساني من بين شفتي ومددت طرفه ليلمس بشرة أصبع قدمها الأكبر، ثم مشيت بطرف لساني في نقرات متباعدة علي جلد ساقيها، حتي وصلت لركبتها وأخذت أقبل النتوءات البارزة من صابونة الركبة، ضحكت وهي تقول بالانجليزية «بيزغزغ»، فقبلت ركبتها بشفتي ثم أكملت رحلة لساني علي فخذها. طبعت قبلة كأثر فراشة علي قماش كيلوتها ذي الخيوط الرفيعة، ثم سحبته بيدي. غطست بلساني داخل كسها. شربت كثيراً تلك الليلة شربت حتي شعرت بالعطش. أوصلتها أول مرة بلساني في وصلة كاملة من المص بلا انقطاع، ثم دخلنا إلي غرفة النوم مارسنا الجنس ببطء وتمهل. منحتني ظهرها، وضعت أصابعي داخل فمها، بللتها بلعابها ثم وضعت إصبعي داخل كسها. تزليق ومنزلقات. أدخلته من الخلف. أمسكت شعرها القصير وجذبته ناحيتي. رهزتها بعنف ثم ارتميت فوقها لثانيتين أو أكثر. قمت من علي السرير ونزعت «الكاندوم» رميته مُلوثا في سلة النفايات. ابتسمت لها، فرن جرس الموبيل.
- ألو أنت فين يا مان
- موني.. ازيك، أنا في الزمالك
- طيب مش عايز تشرب بيرة الغروب
- ممكن..
- أنا معايا سميرة ورايحين المقطم
- معاكم عربية يعني؟
- آه
- طيب ما تعدوا علي في الزمالك.
- امتي؟
قامت من علي السرير وعلي شفتيها ابتسامة رقيقة. الجنس الآن انتهي، تتبقي علي الوجه المودة، لوحة الصداقة وطيبة القلب، في الخارج يأكلون بعضهم البعض فلم لا نكون أكثر لطفاً مع بعضنا.
- نقول ساعة مثلاً.
- خليها ساعة ونص مثلاً.
- باي.
- مع السلامة.
أخذت دشاً سريعاً، ثم قبلتها ويدي تودع مؤخرتها لمسة امتنان ربما. خرجت إلي الشارع وشعري لا يزال مبلولاً. تَمشيت إلي مكتبة ديوان وأنا أدندن إيقاع الكلمات الثلاثة أوكيه.. باي.. مع السلامة». دخنت سيجارة وأنا أتمشي أمام واجهة مكتبة ديوان التي احتلتها مجموعة من الكتب الإنجليزية الرديئة تحقق أعلي المبيعات في المطارات ومحلات البقالة السريعة تترك الدهون في العقل وتبقع القلب بالزيت قريباً سوف يبيعون مع هذه الكتب قطع دجاج كنتاكي. حاولت الاتصال بموني لكنها لم ترد ثم ظهرت من نافذة سيارة سميرة، رأسها ويداها خارج النافذة، الهواء يطير شعرها وإن كنا لا نعرف هل هو الهواء أم صوت الموسيقي العالية المنبعثة من الراديو. الأعلام ترفرف، والسيارة تقف، أركب في الباب الخلفي، واسلم باليد علي الاثنتين.
لكي نذهب للمقطم كان يجب أن نعبر أشلاء المدينة القديمة، علي غير العادة لم يستغرق الطريق من الزمالك إلي شارع عبد الخالق ثروت أكثر من سبع دقائق، في يوم معتاد قد نقضي ساعة ونصفا حتي نصل إلي مطلع كوبري الأزهر في نهاية شارع عبد الخالق ثروت، لكن في يوم غير عادي مثل اليوم تبدو القاهرة وكأنها توزع الهدايا علي السائرين في شوارعها.
الفراغ الذي يظهر في الشوارع نتيجة قلة «الرجل» في أيام الإجازات. يظهر الشوارع خصوصاً في منطقة وسط البلد بمظهر وشكل جديد. موني ترتدي جيب قماشيا خفيفا وطويلا. أشب برأسي بين الكرسيين، فأشاهد ساقيها، حيث رفعت الجيب لتكشف ساقيها ووضعت عليها ورقة مقطوعة من مجلة وقد أخذت تفرك التبغ وتلف سيجارة حشيش. ركبتها تلمع أسرح فيها غير مُنتبه، سميرة ترفع صوت الموسيقي حيث جيتار جيمي هندريكس يتألم كفرخة تبيض بيضتها الأولي. أفتح النافذة ونحن فوق كوبري الأزهر، يخيل إلي للحظة أني أشم روائح كمون وفلفل وبهارات. نهبط من فوق الكوبري إلي منطقة الحسين. فأشم رائحة بن محروق، دون أن أكون خبيراً أعرف أنه بن رديء لكن مع ذلك رائحته تملأ أنفي. في المقابر بين بيوت مدينة الأموات نسير ورائحة الكبدة المقلية في زيت السيارات تنتشر في الجو كسحابة ممطرة. نصعد من طوفان الروائح التي تغرق القاهرة حتي سفح هضبة المقطم.. جلسنا في بار فرجينيا وطلبنا بيرة.
تحدثنا فقط عن الأمور والمواضيع المبهجة، الأفلام الجيدة التي شاهدتها مؤخراً، الموسيقي المثيرة التي استمعت لها، المزيد من قصص الغرائب والعجائب في حكايات سائقي التاكسي مهرجو المدينة.
الشمس في طريقها للغروب، والقاهرة مَبسُوطة كرقعةِ، صورة ثُنَائية الأبعاد من «جوجل إيرث». وسط ركام الأطباق اللاقطة، والبيوت البشعة، والأبراج العالية تظهر واحدة من بركها القديمة. بقعة مياه صغيرة، آخر ما تبقي من برك سبق أن تركها النيل في المدينة قبل أن تتم عملية ختانه بالسد العالي في الستينيات، صوت محمد محيي في الخلفية يغني أغنية قديمة للريس حفني أحمد حسن.
تهب نسمةُ خفيفةُ، الندي يتكثف علي الزجاج الخارجي لزجاجة البيرة الخضراء، قطرات من المياه تبلل اليد عند إمساك الزجاجة، مُصَافحة بالسوائل موثقة بالمحبة بين البيرة وشاربها.
سميرة تعبث في الموبيل، موني تمسك زُجَاجتها، نضرب الزجاجتين في بعضهما البعض. بسمتها. خصلة من شعرها يطيرها الهواء. القاهرة في الخلفيةِ وقت الغروب. للحظات قليلة أشعر بما يشبه السعادة
الانتقَام لا ينتمي للعصورِ الحديثة2
زُرت المخبأ السري المدفون تحت مَجري النيل أمام كورنيش جاردن سيتي مرتين. الأولي مع إيهاب حسن، والثانية بعد بدَاية العَاصفة في مُحَاولة للاحتماء من العَاصفةِ ومن عشرات الأرواح الشريرة التي تطاردنا في شوارع القاهرة، كنت أنا وهو ومدام دولت.
المكان سري حتي علي الكثيرين من أعضَاءِ المنظمة. جزء من فَلسفةِ الجمعية ذ هي في نفس الوقت مُنظمة لا أعرف الفارق بين الكلمتين- هو الحفاظ علي المعرفةِ موثقة لكن في الوقت ذاته موزعة، مجزأة، مفرقة، وبذلك تظل الأسرار الْمعرفية والْعلمية للمنظمةِ التي حفظت علي مدَار التاريخ، موزعة في مُختلف بقَاع الأرض لا يمتلك أحد إدرَاكها كَاملة فتظل قوتها/ ثروتها موزعة إلي الأبد. محفوظة ومكشوفة لكن غير معلوم مكانها، موجودة وموثقة وتتطور لكن لا يمكن إدراكها مجتمعة، نورها يغشي الأبصار.
إيهاب مثلاً يعرف عن المقر السري من خلال وثيقة عن إنشاء نظَام الصرف الصحي في القَاهرةِ، والهوس السري لأحدي مدَارس العمارة السرية في الجمعيةِ والمتمثل في إنشاء شبكات مُعقدة تحت المدن من الممرات والمتاهات السرية التي تؤدي فقط إلي غرفِ مُصمتة، ولا توصل ببعضها البعض. الكثير من هذه الممرات والشبكات اختفي مع مرور الوقت؛ بعضها انهار، بعضها غرق في المياه الجوفية، لكن بعضها ظل موجوداً. وحينما وصلت هذه المعلومات إلي أحد كبار أعضاء المنظمة في الخمسينيات كون منظمة شقيقة وسرية في ذات الوقت مُهمتها رعاية وجود مثل هذه الممرات تحت بعض المدن الكبري، القاهرة، ضواح فرعية في لندن، واشنطن دي.سي، ريو دي جانيرو، بعض أحياء نيويورك خارج جزيرة مانهاتن، بورسعيد، سانتياجو. وغيرها. إيهاب يعرف كل ذلك، لكن ولا شخص من المجلس الإداري الجمعية بمن فيهم بابريكا يعرف بأمر هذه المقرات إلا المشهور منها كتلك الموجودة تحت مقابر شوارع باريس.
في المرة الأولي حكي لي إيهاب حكاية شبهه الكاملة بداية من الجد فيلسوف العمارة والتجسيد المثالي لمجانين ومهاويس عصر النهضة المصري ذ هكذ يسمونه بكل هطل وتفاهة - وحتي موقفه الحالي كرئيس إداري للمنظمةِ يَقود حرباً يري خسارة جبهته فيها كَارثة بالنسبةِ لكل ما سبق وما سيأتي، لم أفهم لماذا يخبرني بكل هذا، وحينما صارحته بذلك قالها ببساطة من يفرك قشر سوداني:
لأنك شخص ذكي، خارج المنظمة ومحل ثقة.
طلبه ببساطة كان:
أريد أن أنشئ موقع إنترنت.
طبيعة الموقع بعد محاولات طويلة من الشرح، أن يكون أشبه بموقع اويكيليس»، ولم أكن أحتاج لكثير من الذكَاء لأسألة:
- أتريد أن تكشف المنظمة؟
- أتريد أن تلعب مثل هذه اللعبة معي؟ أعني أنت شاب ملول نعم، لا مبالي بالطبع، لكن علي الأقل لديك رغبة في أن يكون لديك حكاية لتقصها؟
قبلت العرض ربما لأني فعلاً كنت أخاف أن أعبر الخامسة والعشرين قبل أن أمتلك حكاية كبيرة يمكنني أن أقصها، تمر حياتي كأنها لون واحد.. لون السأم. اللعبة كانت بابًا جديدًا فتح في مسار حياتي، والإثارة الناجمة عنها كانت كفيلة بمنحي قدرًا من الطاقة يعينني علي ما ليس لي به طاقة.
موني كانت تلح في هذا الوقت علي مدي قرفها من عملها في شركة البرمجيات المحلية التي تعمل بها، عرضت عليها الأمر كسبوبة مَحتملة. إيهاب وعد أنه سيدفع، كاش ومن حسابه الخاص، موني تذمرت في البداية:
- يا مان أنا مبشتغلش مواقع، أنا آي. تي فاهم يعني إيه آي. تي.
بس إنتِ عملت مواقع؟
- زمان بقه أيام الجامعة.
- طيب تعالي قابلي الراجل، واهوه معرفة وخلاص.
أجزم القول بأن ملامح الانبهار والدهشة التي رأيتها علي وجه اموني» أول مرة زرنا فيها إيهاب حسن كانت أفشخ علامات وآيات الانبهار التي رأيتها طوال حياتي، لا أشك أنها قد وقعت في حبه من النظرة الأولي، إيهاب أيضاً كان يبتسم من فترة لأخري وأخرج أعتق زُجَاجة نبيذ رأيتها في حياتي، كان هذا لوحده كفيلا بمداعبةِ بُظر موني باللسان.
زأنا أصرخ من الإثارة.س تقول بصوت نائم في العسل.
أنا أحتَاج أيضاً للإثارة، ولا أشعر بها حتي لو قَام أحدهم بمص زبي، أحتاج لمنبع إثارة آخر، أحتاج أن يحفر أحدهم بئرًا جديدًا في جسدي، يكشف الطبقات عن حَاسة مَطمورة تحت الجلد و سأم وبيضان إيقاع الوقت. أحتاج للإثارة اموني ميس. لا أصدق ما يقوله ولا أكذبه، لكن ما يقوله إيهاب نسَائم تداعب وجهي، أري أشياء جديدة في الأفق.
زلنتبع الضوء ونحترق كالفراشات يا بيسو» تقول موني.
قبلت موني العودة إلي هوايتها القديمة في تَصميم المواقع، بالطبع قَابلت إيهاب كثيراً دون وجودي، بالطبع نَشأت بينهما علاقة. هل شعرت بالغيرة؟
بالطبع لا. كان الأمر جميلاً وسَاحراً لدرجة جعلتني غير مهتم إلا بتلك السعادة التي تشع من وجه الاثنين حينما أقابلهما، كانت رؤية شهيتها مفتوحة علي الحياة تبعث في نفسي قدرًا من التفاؤل، أقول لنفسي اسأنجح يوماً ما، سأصير ما أريد».
أحياناً فقط كنت أتمني أن أكون شريكاً في هذه العلاقة، ضلعاً ثالثاً. نفس الأمنية كنت أتمناها مع ريم وبابريكا، رغبت فقط أن أكون موجوداً وسطهما، شعرت لأول مرة أن هذا النوع من العلاقات ذات الطرف الثَالث الْمُعلق علي الخيطِ الرابط بين ما هو واقع وما هو مُتوهم هو نوع العلاقات التي ترضيني، هو نوع الحب الذي طالما رغبت فيه. وحينما قابلت ريم لتخبرني بموضوع الفيلم الثالث المطلوب تَنفيذه شعرت لأول مرة أن الجمعية قد أكلت حياتي كاملة، وأن حياتي كلها ما هي إلا سر، لغز، شبكة متاهات تحت القاهرة صممها قديماً أحد معماريي الجمعية.
هذه المرة تقابلنا في فرع مقهي سيلانترو بالدقي، المفاجأة الأولي كان حضورها لوحدها مُنفردة دون بابريكا، المفَاجأة الثانية كان ارتداؤها وشاحًا أحمر فوق رأسها عرفته بعد ذلك بالحجاب، المفاجأة الثالثة فيلم 45 دقيقة عن حياتها هي ريم السعيد.
طلبت سيجارة من علبة سجائري اأصلي بحاول أبطل تدخين»، أشعلتها من ولاعة خضراء كانت معي، نفثت دخانها بعيداً والنادل يرفع القهوة من علي الطَاولةِ.
مقطع من راية تصدر قريباً بالعنوان
نفسه عن دار التنوير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.