أحبُ السُونتيانات التي عليها مضرب تنس وكُور صغيرة ودباديب محندقة ،أُحب ذاك الأبيض بالنُقط الحمراء الزاهية ، أحب خيط "موف" يحتضن أخر أبيض في حمّالة تُحزِم كتفك الممتع . وأحبك .. حينما تلتف يديكِ حول "تي شيرت" البيت وترفعينه بخجل ،أحب الكُبشة مقفولة ..وقلِقة.. تنتظر لمسة أصابعي المُدّربة .. السّاحرة كي ينفرط رومان وعنب ورائحة حليب . أنتِ منتهي خيالي ومتعتي .. كيف تُضحين بعظيم مثلي يجلس الآن وحيداً يفكر كيف يقوم ليصنع لنفسه قهوة تاركاً جمالك يهرب من عينيه ؟! انا وحيد يا "دينا" .."دينا " اسمك كان يبدو غريبا عليّ قبل أن أعرفك ،" دينا "، أين كان محفوظا هذا الاسم طوال تلك السنين ليصبح بهذا الحجم في حياتي ؟!.. إن اسمك العظيم يمتد في نهر رائق مع رائحة نهدك .. وأنت غبية وحمقاء ،وأنا أبكي كطفل !. هل تعرفين معني بكاء كاتب عظيم مثلي أمام صورك الآن ؟! هل كانت أمك تحلم برجلٍ مثلي يهب ابنتها كل هذا الحب والسحر ،بينما هي البنت نفسها ستقف في وجهه ذات يوم لتصفه بالكسول والخائب والفاشل؟! ،أنا فاشل يا حمقاء ؟! ،ماذا كنت ِتنتظرين مني سوي الصفعة الرائعة التي هوت علي وجهك .. لقد كانت قوية وعنيفة ولاتقل روعة عن مشاهد السينما. ليتني ما فعلتُ !، لكنك تستحقين! ،كنتِ سخيفة جداً وتشبهين "أم ولاء " جارتنا التخينة في شقة العمراينة تذكرينها بالطبع كنتِ تشمئزين من رائحة عرقها ومن الشعر الكثيف تحت إبطها ، كنتٍ نسخة منها يا دينا!!، ما هو موقفك الآن وأنتِ نسخة منها؟! رأيتك فجأة ضخمة وأردافك مكببة وبقايا صلصة ورائحة تسبيكة علي جلابيتك اللبني الباهتة التي قلت لك مراراً إنني لا أحبها ،ومع ذلك كانت عليك في ذلك اليوم ..وكنتِ تشبيهين أم ولاء بالفعل!. لقد قطعتِ ليلتها خيالاً متدقفا كان يتجمع في رأسي .. كنت سأخذك لطعم أول قُبلة وريقك الذي سال في خفة ولذة ومتعة علي سطح شفتك السفلي ،شفتك التي لمعت مع ضحكتك .. كنتِ تخجلين وتدارين وجهك بيدين صغيرين ممتلئين .. تُزينها خواتم فضة متنوعة ورقيقة. من حافظ لك عليهما ؟! من كشفّ عن جمال أصابعك ؟ ألا تذكرين كيف كنتُ أبحثُ كالمجنون عن "جوانتي" يحميهما أثناء غسيل المواعين ؟، رأيته في اعلانات التليفزيون ، واشتريته ،وضعته أمامك في عربة بعجلات كنا نجرها أمامنا ونحن نتجول لأول مرة في "كارفور" ،مائتا جنيه كانت جيبي في ذلك اليوم !،ماذا كانت تنقصها حياتنا لتتخذي قراراً أحمق ، أنتِ حمقاء يا "دينا" بلاشك !حمقاء وقاسية يا حبيبتي ،وقاسٍ البيت بدونك ، احتاجك بكل غبائك ،آه لو هلتْ رائحتُك في الشارع الآن !.. آه لو تفعلينها يا "دينا"، سأكتب قصة أسطورية علي جسدك ،هل تجئين كي تستمتعي بكل هذا الحب ؟!، لن تأتي، أعرفُ، فالأغبياء لا يحققون الأمنيات !. استقر علي هذه المقدمة وهزّ رأسه هزّات متتالية :"قشطة جدا " . كان الأستاذ "أمين السيد" قد أنهي علبة سجائر وعدداً هائلا من فناجين القهوة ،انه يعيش لحظات عظيمة لايصح أن تمضي هكذا دون تأمل وتفكير وشرب أكبر عدد من السجائر ،إن لم يشرب الآن فمتي إذن ؟ حبيبته .. زوجته الصغيرة الجميلة ارتدتْ الخمار قبل أن تأخذ قراراً نهائيا وتطلب منه أن يطلقها وبطريقة محترمة باعتبارهما متحضرين "ومش لازم نبهدل بعض ". استسلم "أمين" للأمر ، كان خجلا وغير قادر علي الكلام وهي تقف امامه هادئة بينما دموعها تسيل وشفتاها ترتعشان :"شوفت انت عملت ايه فينا ؟!". انه علي أعتاب ضياع حقيقي وطلاق حقيقي ونهاية كان واضحا أن دينا مصممة عليها . حملتْ دينا حقيبتها ومضتْ ، ووقف أمين أمام مرآة الحمام وشعر بتوهان غريب وكأن شخصاً أخر يحدث معه كل ذلك ،وقال:" أنا السكينة سارقاني"!.
الشقة صامتة وهو لا يعرف إن كان حزينا أم سعيدا ، لكنه علي أيه حال مطعون بكلمات "دينا" ، لقد وبّخته وأهانته وما هذه السجائر التي تملأ الطفاية إلا تعبيرا عن حزن وألم من طعنات حروف كلمة "فاشل "! ،كما إنها عندما وقفتْ امامه وهي تبكي وترتعش شفتاها كانت تفتح باب الثلاجة وكانت الثلاجة مظلمة تماما وتشبه خرابة صغيرة لم يتبق سوي أن تأتي الفئران لتبحث عن بقايا بسطرمة وجبنة رومي ولانشون علي أرففها !،وتلك إهانة أكثر ألماً وتوبيخاً. جلس علي الكنبة وفكر في فنجان قهوة، لكنه أمسك الورق وأعاد قراءة ما كتب عن دينا و"جوانتي دينا" ، وشخّر شخرة قبيحة :" أنا فاشل يا بنت الكلب؟!.. وحياة أمي لأكتب رواية ما حصلتش وأوريكي مين الفاشل". أشعل سيجارة جديدة ، وراح يفكر في الشخصيات وفي حياته مع دينا ، كانت الأحداث والذكريات تتدفق كمشاهد سينمائية رائعة ، وشعر أنه كاتب عظيم بالفعل ،لكن النعاس كبّس عليه فجأة !، صحيح انه قاوم وظل يكلم نفسه عن أهمية الإبداع والفكر في الهدوء وفي تلك اللحظات العصيبة في مسيرة حياته ، لكنه استراح لفكرة الكتابة في الصباح .. ونام !. فصل من رواية تصدر قريبا بالعنوان نفسه