بداية من سكارليت جوهانسون إلي توني بلير إلي الملكة اليزابيث، تمنع الأعراف الأدبية النبيلة إقحام شخصيات حقيقية عند كتابة روايات خيالية، بهذا المفهوم أقامت الممثلة سكارليت جوهانسون دعوي قضائية ضد كاتب فرنسي، تتهمة باستغلال اسمها وصورتها الذهنية، لأن إحدي شخصيات روايته الأخيرة مطابقة لتفاصيل شخصيتها الحقيقية. إلا أن جون مولان كتب في الجارديان البريطانية متسائلا حول مدي جدية جوهانسون في هذا الإجراء القانوني الذي يوحي بتمتعها بحس الفكاهة الإلتفافي، وهل كل شخص يملك حق نشر وطبع شخصيته؟ وكانت جوهانسون قد تقدمت بدعواها ضد الكاتب الفرنسي جريجوار ديلاكورت، لأنه اختار أن تكون الشخصية المحورية لروايته "من أول نظرة نحوه" هي عارضة أزياء تدعي " جانين فوكامبريز" اعتمدت في حياتها علي تركيبها الجسماني المشابه لجوهانسون، فوجدت نفسها قادرة علي تقمص شخصية نجمة هوليوود، ثم تطور الأمر في آخر المطاف إلي نهاية حزينة. وكان ديلا كورت قد وصف روايته عند صدورها أنها:" تحية للجمال الأنثوي"، إلا أن فينسنت توليدو محامي جوهانس لم يجد في ذلك شيئا من الإطراء مطالبا بتغريمهل لأن الرواية تحمل: "انتهاك واحتيال واستغلال غير مشروع لاسم موكلته وسمعتها وصورتها". وأكد توليدانو أنه مع حرية الفن بكل جوانحه إلا أن ما دعاه للتحرك ضد الروائي أن ما كتبه يدل علي أهداف تجارية بحتة، إلا أن محرر الجارديان تساءل: "هل قرأت جوهانسون شيئا من الرواية التي لم تترجم بعد إلي الإنجليزية"؟ إلا أن قراءة الرواية لا صلة لها بالموضوع، فهي ليست أول من يجد نفسه مكتوبا في رواية، فالمشاهير الأكثر حكمة في نفس الظروف يختارون إما تجاهل الموقف برمته أو التباهي بتحويلهم إلي شخصيات روائية، وإذا توقع الروائيون أن مثل ذلك الإجراء القانوني سيتخذ ضدهم فقد يختلف تاريخهم الأدبي نوعا ما، فالروايات دائما مزدحمة بشخصيات من الواقع، لا يستعان بهم كأشخاص مساندة، لكن غالبيتهم أموات، ففي رواية "دون ديليليو" : "برج الميزان" يصطحبنا فيها داخل عقل أوزوالد قاتل جون كينيدي، وليس من الشائع الاستعانة بشخصية علي قيد الحياة، ذلك يحدث فقط مع السياسيين، ممن عليهم أن يكونوا أقل حساسية من جوهانسون، فمارجريت تاتشر كانت علي قيد الحياة، وذات حساسية بلا شك، عند ظهورها المهيب في حفل فوز آلان لينجهرست بجائزة البوكر سنة 2004 عن روايته "صف الجمال" وتدور أحداثها في بريطانيا خلال فترة الثمانينيات في القرن الماضي، حين فازت تاتشر بمقعد رئاسة الوزراء، بطل الرواية "نيك جست" انتشي بالكوكايين الذي شمه بالمرحاض الخاص به، وحين وجد المرأة الحديدية مستريحة نوعا ما علي الكنبة، طلبها للرقص، حين قفزت فرحا شاهد أعضاء حزب المحافظين ذلك بعين الحسد المرعب، لترقص مع بطلنا الشاذ علي أنغام أغنية " أنزل من غيمتي" لفريق الرولنج ستون، مع كل التقديرات ربما تعتقد أن الحلقة لا تسيء إلي صورتها ، نيك نفسه أخذ بجريرتها. رئيس الوزراء في وقت لاحق " توني بلير" ظهر في رواية "إيوان ماكيوان" "السبت" ويظهر خلالها شخصية الفنان هنري بيرون في أحد المعارض، حين قابل بلير الذي شد علي يده شارحا مدي إعجابه بأعماله قائلا: "في الحقيقة لدينا لوحتان لك علي جدران مجلس الوزراء، وأنا أعشقهما". ماكيوان أكد أن هذا تسجيل لمقابلة جرت بينه وبين توني بلير، وإن لم يكن واضحا تماما إن كان ذلك يجعلها أكثر أو أقل سخرية، لا يمكنك تخيل هؤلاء السياسيين تتحرك لهم شعرة، رغم انه أشار إلي معرفة حكومة بلير بأمر لوحته الساخرة من خنوع رئيس الوزراء البريطاني الموالي لأمريكا في رواية "الشبح"، وقد اعترف روبرت هاريس بينما في عينيه بصيص من القلق: " يبدو اليوم، أن أمرا قد يأتي عبر هذا الباب، لكني أشك في ذلك، من معرفتي به" وهناك لينك فيديو علي الإنترنت يظهر فيه مكيوان في مقابلة مع توني بلير يقول فيه: "لديه لوحاتي معلقة في داوننج ستريت". أعضاء العائلة المالكة البريطانية يتم تناولهم بالكتابة بانتظام لكن لحسن الحظ فهم ملتزمون بعدم الرد. في القصة القصيرة التي كتبها "آلان بينيت" تحت عنوان "قراء غير مألوفين"، أصبحت الملكة مهووسة به، والعنوان يلعب علي القارئ العادي، الذي يهوي القراءة من أجل المتعة، وليس الناقد أو الباحث، هل ظلت حاكمتنا تكافح من أجل الحصول علي الروايات التي تعثر عليها في مكتبة الموبايل بينما تركن سيارتها خارج قصر باكينجهام؟ استخدام شخصية حقيقية في الرواية قد يكون نوعاً من المباهاة إلا إذا كانت جوهانسون عليها الإحاطة علما بأفضل معالجة، كما حدث مع موضوع أحدث روايات آيان ماكيوان "معسول اللسان"، هناك قواعد داعمة من ناشره الأول توم ماشلر وصديقه وزميله الروائي مارتين أميس ، كلاهما له آداء لافت في الحقيقة، حين أنتجت هيلين فيلدينج رواية "حافة العقل" سنة 2004 والتي تعد تتمة روايتها "بريدجت جونز" قدمت بطلتها المتعثرة إلي الممثل "كولين فيرث" الحقيقي وأصبح التضاد بينهما اكتشافاً منطقياً لمحاكاتها "كبرياء وتحامل"، وحين ظهرت فيرث ك"مارك دارسي" في نسخة الفيلم المأخوذة عن أول رواية، اكتملت دائرة الإعجاب المتبادل، وتلك كانت النسخة الهزلية لديللا كورت والتي كانت أكثر استكشافا لعقيدة نجمة الإغراء. في الواقع فجوهانسون لم تكن أول من يلجأ للقانون بسبب الظهور في الروايات، رواية ديفيد بيس "المتحدة الملعونة" لم تقدم فقط مدير كرة القدم بريان كلوج، بل احتلت كل تفكيره، في صوت داخلي استثنائي رائع ابتكره بيس لنفسه، دبّر لاعب خط الوسط ليذر يونايتد مكيدة للتأكد من فقد كلوج لعمله في ليذر، بالرغم من أن الروائي في إمكانه قول أن ذلك كله يمكن رؤيته عبر خيال كلوج، إلا أن جوني جايلز الحقيقي بوضوح كان لديه القليل من الوقت لمثل تلك الجماليات الأدبية الحساسة، وأصدر إجراءات ضد بيس وناشره فابر آند فابر الذي وافق علي التعديلات في الطبعات التالية من الكتاب، شملت النسخ القليلة الأحياء ممن ادعوا تعرضهم للاستغلال أو التشويه عن تناولهم في كتابة الأدب الخيالي، يبدو أن الموت هنا لعب دورا عادلا إلا أن هناك بالتأكيد عددا من الأحفاد يمكنهم الإدعاء أنه تمت الإساءة إلي سمعة آبائهم لمصلحة الأديب المالية، إلا أن الشخصيات الحقيقية التي تتضمنها الروايات يتم عادة وضعها تحت إسم مستعار، وهي حيلة قديمة، أكثرها تميزا الشخصيات الهزلية في رواية تشارلز ديكنز " البيت الكئيب" ومنها شخصية هارولد سكيمبول الطفيلي الدمث المنافق الذي يستغل الآخرين بينما يحترف السذاجة، وقد تعرف عليه النقاد علي الفور، وهو الكاتب والمحرر لييز هانت، وفي تحفظ أكد ديكنز كشف هويته قائلا:" أعتقد أنها أكثر الصور التي رسمت له تدقيقا عن أي وقت مضي، وإعادة صياغة لرجل من الواقع". إذا تعرفت علي شخصية فأنت تؤكد دقة الوصف ومن الأمثلة الناجحة رواية "الروماني كليف": التي لم يعلن مؤلفها عن اسمه، الشخصية المحورية بها لمنافس علي الرئاسة ديمقراطي يدعي جاك ستانتون، يتمتع بجاذبية لاحدود لها وسجل حافل من العلاقات المحرمة، من الواضح أنه بيل كلينتون خلال انتخابات 1992 وزوجته سوزان هي هيلاري كلينتون، يبدو أن الرواية فضحت قسوة كلينتون ونجحت في ذلك، للحد من الإضرار بسمعته وإخفاء الخلافات الزوجية، إلا أنها مجاملة غير رسمية.... فيما بعد استنتج أن المؤلف هو الصحفي السياسي جو كلين الذي أكمل بمجموعة من الروايات علي نفس المنوال. ونجد في روايات الكوميكس خدعة التظاهر بإخفاء شخص حقيقي بين ثنايا أسماء خيالية، يبدو في كثير من الأحيان أن ذلك يتم مجاملة لشخص علي قيد الحياة. في روايات لديفيد لودج مثل "تغيير الأماكن"، و"عالم صغير" تعرف موريس زاب وهو أستاذ الأدب الأمريكي علي زملائه بالمهنة.. وهناك قائمة طويلة لغير المشاهير الذين أضيروا بسبب العثور علي أنفسهم داخل الروايات، إلا أنهم لا يدافعون عن أنفسهم حيث لا يجدون مبررا بسبب عدم وجود صورة ذهنية عنهم لدي جمهور عريض مثل المشاهير، فهناك الكثير من الأدب الروائي الذي يعج بالشخصيات الحقيقية من أكثرهم تناولا لهم فيليب روث الذي يعلق علي ذلك قائلا: " الانتهازية ورطة كبيرة. الروائيون مخلوقات انتهازية، وربما علينا أن نصبح مرتابين قليلا نحو استجابة ديلاكورت للبلاغات المقدمة من محامي جوهانسون"، مضيفا توقعه إذا تناولها بالكتابه ضمن شخصياته: " أعتقد أنها قد ترسل لي زهورا، فإن ذلك بمثابة الإعلان عن الحب نحوها، إلا أنها لم تفهم" مضيفا : لا يوجد أفضل من أن تصبح مصدرا للوحي".