45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 26 مايو    ترامب يوافق على تأجيل فرض الرسوم على الاتحاد الأوروبي إلى 9 يوليو    ترامب: قد يكون لدينا أخبار سارة مع حماس بشأن غزة    اعتقال شخص أمريكي ألماني بزعم محاولته حرق السفارة الأمريكية في إسرائيل    الاتحاد الأوروبي يسعى لاتفاق تجاري مع واشنطن قبل 9 يوليو المقبل    الأهلي يحصل على توقيع صفقة من العيار الثقيل.. كريم حسن شحاتة يكشف التفاصيل    أرجوكم كفاية.. تامر أمين عن مصرع حفيد نوال الدجوي: «العين فلقت الحجر» (فيديو)    تامر حسني ل "فيتو": مش عايز حد يعيش معاناتي ونفسي أعمل مسلسل جديد    أبطال فيلم "ريستارت" يدخلون على السجادة الحمراء ب " عربية ربع نقل"    تحذير من البريد المصري.. حساباتك في خطر في هذه الحالة    ترتيب الدوري الإسباني والمتأهلون إلى دوري أبطال أوروبا رسميا    السياحة: 17.6 ألف حاج يصل إلى الأراضي المقدسة حتى الآن لأداء مناسك الحج    كلب شرس يصيب نجل الفنانة «زينة» بالشيخ زايد    لاستكمال سماع الشهود.. تأجيل محاكمة سفاح المعمورة لجلسة الثلاثاء    التصريح بدفن جثة شخص ألقى بنفسه من الطابق السابع هربا من النيران ببنها    خناقة في المواصلات.. حبس المتهم بالتعدي على جاره ببنها    أولى جلسات محاكمة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف هند عاكف| اليوم    ساعر: أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية سيقابل بفرض السيادة على الضفة    تكريم أبطال وصناع مسلسل وتقابل حبيب في حفل «كأس إنرجي للدراما»    «بلاش تتابعني».. كيف ردت داليا البحيري على مطالبات متابعيها بارتدائها الحجاب؟    مع اقتراب يوم عرفة.. نصائح للحجاج لأداء المناسك    أفكار سفرة مميزة للعزومات في عيد الأضحى 2025    العيد الكبير على الأبواب.. قائمة التسوق الذهبية في عيد الأضحى    بعد قرار البنك المركزي.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وماكينات الATM    وصول جثامين متفحمة لمجمع الشفاء جراء استهداف مدرسة في قطاع غزة بصاروخين    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 26-5-2025    هاني سعيد يهاجم رابطة الأندية: 90% من الفرق خارج حساباتهم وتأجيل مباراة سيراميكا "أصبح مملًا"    محمد صلاح يكشف الصعوبات التي واجهها في بداية مشواره الاحترافي    ملف يلا كورة.. تصريحات صلاح.. عودة حمدي فتحي.. وقرعة كأس العرب    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مخدرات بواسطة مسيّرتين في جنوب البلاد    منها العائد المادي والاعتداء على الأطقم الطبية.. وزير الصحة الأسبق يكشف أسباب هجرة الأطباء    سعر الفراخ والبيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الإثنين 26 مايو 2025    حُسمت.. الفرق الإيطالية المتأهلة إلى دوري أبطال أوروبا 2025-2026    موعد مباراة النصر ضد الفتح اليوم الإثنين في الدوري السعودي للمحترفين    دار الإفتاء توضح حكم تحمل الزوج تكاليف حج زوجته    "ختام دوريات أوروبا".. نتائج مباريات يوم الأحد 25 مايو    تنفيذًا لحكم قضائي.. المحامي المتهم بتزوير توكيل عصام صاصا يسلم نفسه لقسم شرطة الجيزة    «تستحمى الصبح ولا بليل»؟ سبب علمي قوي يجنبك فعلها في هذا التوقيت    عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 26 مايو في الصاغة (تفاصبل)    لا تتمسك بما لا يخدمك.. برج الجدي اليوم 26 مايو    عمرو أديب عن إرث نوال الدجوي: «قصر واحد على النيل يعيش العيلة في نعيم مدى الحياة»    حدث بالفن | أزمة هيفاء وهبي والموسيقيين والعرض الخاص لفيلم "ريستارت"    محمد صلاح: «مكة بتحب التمثيل.. ومش عاوزها تمثل عشان بنتي»    الخارجية الروسية: سنُقدم مذكرة احتجاج إلى السويد بعد هجوم على سفارتنا    كلب شرس يطارد ابن زينة في الشيخ زايد    النائب أحمد السجيني: تحفظات كثيرة على مشروع قانون الإيجار المقدم من الحكومة    مجلس إدارة التعليم المدمج بالأقصر يناقش استعدادات امتحانات الترم الثاني خلال اجتماعه الدوري    التعليم تحسم الجدل: مدراء "المبادرة الرئاسية" مستمرون في مناصبهم -(مستند)    معجزة طبية في الفيوم: استخراج فرع شجرة من جسد طفل دون إصابات خطيرة    إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    عاجل- وزارة الكهرباء تُطمئن المواطنين: لا تخفيف للأحمال في صيف 2025    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يري أن من يركز علي الأحداث الأخيرة فقط
يريد مدارة قضية عمرها أكثر من مائة عام
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 04 - 2014

نحن يتم تهجيرنا، والاستهزاء بنا، واهانتنا، منذ مائة عام وعندم يصرخ أحد الشباب تتهمه بأنه عنصري..أنت العنصري. أين كنت طوال المائة عام الماضية؟ أنت تشبه الصهيوني الذي استولي علي أراضي الفلسطينيين، ويبني مستعمرات علي أراضيهم، وعندما يقاوم أحد الفلسطينين يصرخ الصهيوني" "إرهابي"
عندما هاتفت الكاتب الكبير حجاج أدول كي أستفسر منه حول ما يحدث في أسوان كان غاضبا، ثائرا من انفجار الوضع بهذا الشكل، من التركيز فقط علي الحوادث الأخيرة وترك أصل المشكلة، من التجاهل الحكومي المستمر لمطالب النوبيين بعودتهم إلي المنطقة النوبية، من الفساد الحكومي الذي يخصص أراضي المنطقة لغير النوبيين فيما يراه أدول مخططاً لتذويب النوبيين- حتي بعد إقرار مادة تكفل حق العودة للنوبيين في الدستور الجديد - غضب حجاج كان مضاعفا لأنه حذر قبل أعوام طويلة من مثل هذه الانفجارات، ولكن لم يستمع إليه أحد واتهم بالانفصالية. ما يحدث في أسوان بالنسبة لصاحب "ثلاث برتقالات مملوكية" لا يمكن أن يتم اختصاره في عبارات كتبها صبية، تحولت إلي نزاع دموي بين عائلات، الموضوع له جذور تعود إلي بدايات القرن العشرين، أكثر من مائة عام من المطالبات النوبية، والوعود الحكومية التي لا تتحقق، والصفقات السرية التي تود بيع أراضي النوبة للمستثمرين، بدون إلتفات لأصحاب الأرض، ما حدث في أسوان بالنسبة لحجاج سيكون بداية لانفجارات أشد عنفا وغير متوقعة، مالم يتم معالجة الجرح النوبي المفتوح منذ أكثر من مائة عام
حجاج أدول:كل اللوم علي السلطة
العاجزة التي أوصلت الأمور إلي هذه النقطة
ماذا يحدث في النوبة الآن؟
لو نظرنا فقط إلي ما يحدث الآن، فسنكون أشبه بمن يقرأ آخر السطر فقط ويظن أنه فهم الجملة كلها، وهكذا سنظلم القضية، وسيكون الهدف ساعتها أن نشوش علي ما يحدث، ونداري عليه، وستكون النتيجة خيبة جديدة.
لابد أن نعرف الإشكال منذ بدايته، وهو أن هناك شعباً نوبياً تعرض لأربع تهجيرات، الأولي 1902، والثانية 1912،والثالثة 1932 والرابعة حيث رمينا في الصحراء كانت في 1964، وكل هذه التهجيرات زعزعت المجتمع النوبي تماما.
ماذا تقصد بالزعزعة؟
أي أن منظومة العادات والتقاليد النوبية أي الثقافة النوبية، أي وجهة النظر النوبية في التفكير والحياة بدأت تنقلب رأسا علي عقب، وبدأ يحدث تحول ل"أهل السلام والنيل" كما كانوا يطلقون علينا، بدأ الشباب يقولون لقد كفرنا بالنوبي الطيب، ويجب أن نتحول للشراسة، فعندما تعيش في مكان الجميع يحمل فيه سلاحا، وانت لا تحمله، ستصبح الطرف الضعيف والمذلول.
منذ حوالي عشرين عاما نظم مركز ابن خلدون مؤتمرا للاقليات، وعلي هامش المؤتمر عقد لقاء بالإسكندرية، حضره المحافظ ساعتها، وفي احدي الجلسات مع عدد من الصحفيين والأدباء أثير موضوع النوبة، وساعتها قلت لهم لا تخشوا من جيلي شيئا، ولكن خافوا من الأطفال في المرحلة الابتدائية، هؤلاء الأطفال كبروا الآن وقالوا لي ولجيلي، أنتم دائما تتحدثون بالمنطق وعن القانون وحقوق الإنسان، لكن لا السلطة ستفهم هذا ولا الأهالي من حولنا سيفهمون هذا، فالسلطة تستخدم ضدنا المؤامرات، والأهالي يستخدمون ضدنا السلاح، إذن لا حل إلا الشراسة ضد الشراسة. وصار أهالينا يحملون السلاح، لأنهم أدركوا أن اللغة الوحيدة المفهومة هي لغة القوة. ومنذ ثلاث سنوات في لقاء جماهيري بمنشية النوبة بأسوان، قلت بلساني ناقلا رأي الشباب "الآن أنا النوبي الشرس ولست النوبي الطيب".
ولماذا هذا التحول؟
لاستمرار مؤامرات التذويب، بأشكال مختلفة، مرة كانت بناء 18 قرية في المنطقة النوبية حول البحيرة، باسم "بشائر الخير" ولم يتم تسمية القري بالاسماء النوبية القديمة ولكن تم ترقيمها بشائر 1، بشائر 2...إلخ كل قرية تحتوي علي 100 مسكن، وكل مسكن يخصص له خمسة فدادين، أي كل قرية تضم 500 فدان، وكما جاء في الإعلان عن المشروع أن يتم تخصيص القري لأبناء جمهورية مصر العربية، ولكن الشرط الخفي ألا يتم منح أي نوبي مكانا في المشروع. وبالفعل تم بناء ثلاث قري القرية الثالثة منها في منطقة قريتي توماس وعافية وقام عدد من الشباب والشابات بتقديم 333 طلباً، ولم تقبل الحكومة منهم أي طلب، بل تم تسكين 100 من غير النوبيين في نفس المنطقة. وقتها تأكدنا أن السلطة المصرية مصرة علي التطهير العرقي للنوبيين. وعندما هاج الشباب، غيروا اسم القري لتصبح كلابشة، جرف حسين، وتوماس وعافية، وتوقف المشروع الاستيطاني الحقير، بعد أن تم تسكين 300 أسرة غير نوبية. وسأخبرك بكارثة حكومية أخري منذ 1964 وهناك 5221 مسكنا لم يتم تسليمها، وقالت الحكومة سنبنيها في وادي النجرة بجوار كوم أمبو، فرفضنا، وطالبنا ان تكون المساكن في المنطقة النوبية وبجوار أرض صالحة للزراعة، كي نستطيع العودة، وكنا أحضرنا خبراء نوبيين وغير نوبيين وحددوا 13 مكانا صالحا للسكني والزراعة فرفضت الحكومة وتمسكت برأيها، وساعتها قال سمير يوسف محافظ أسوان الأسبق إذا لم توافقوا سنبني لكم مساكن شعبية، فتم الرد عليه بأننا فلاحون فكيف سنعيش في المساكن الضيقة، فكان رده إذا رفضتم فعليكم الانتظار 45 سنة أخري! فلم نوافق، فقال: من يريد العودة للنوبة القديمة فعليه أن ينزل 80 مترا تحت مياه البحيرة ولما رفضنا وبدأنا نهدد بمواثيق حقوق الإنسان العالمية ليس عن طريق تدويل قضية النوبة كما أطلق علينا أمن الدولة شائعاته ولكن بالضغط علي الدولة لتطبيق تلك المواثيق التي شاركت مصر في كتابتها والتوقيع عليها، والتي هي بمثابة قانون داخلي، يجب علي الدولة تطبيقه.
وبدأت الدولة في التراجع، ولكن بدلا من إعادتنا لمناطقنا القديمة، تم تخصيص 1500 مسكن في منطقة "وادي كركر" التي تنتمي لأسوان ولكنها لا تحتوي علي أراض زراعية، وبالتالي من ناحية التعويض الذي انتظره منذ خمسين عاما جاء أخيرا ولكن في منطقة قاحلة لا يوجد بها عمل، فماذا يمكن ان افعل..ٍ سأبيع البيت، لكني لن أعيش هناك،وهذا هو هدف الحكومة أن أبيع بيتي أو أهجره بدلا من وضعنا في الثلاثة عشر منطقة الصالحة للزراعة، وضعونا في منطقة جدباء، وهذه هي المؤامرة الحكومية الأخيرة علي النوبيين لإفشال مسألة العودة.
بعد الثورة ألم يتغير تعامل الدولة المصرية مع القضية النوبية؟
بعد الثورة حدثت تغيرات ظاهرية، فبعد فضيحة كركر وبشائر الخير، زاد غضب النوبيين وقام الشباب في سبتمبر 2011 بحصار محافظة أسوان، وكان هذا أول تحرك نوبي ثوري، وأحدث هذا التحرك رجة كبيرة، ساعتها كانت حكومة عصام شرف تدير البلاد، طلبنا الاجتماع معه، وأعددنا جيدا لهذا الاجتماع، وذهب وفد من عشرة نوبيين، تكلمنا بالعقل، وعرضنا الدلائل، وحذرت في هذا الاجتماع من أن عدم حل الموضوع سيفجر مشاكل أكبر، وفي الختام قال رئيس الوزراء: لم نجتمع من قبل بجماعة متحضرة مثلكم!
وكان من مكاسب هذا الاجتماع، أن خرج قرار بإنشاء مجلس أعلي لتعمير المنطقة النوبية حول البحيرة، والعمل علي عودة النوبيين، علي أن يتم البدء بقري الشلال وهي القري التي تم تهجيرها وقت بناء خزان أسوان وهنا كانت بداية
الاعتراف بحق العودة، وهنا أعلنت للنوبيين أن مهمتي كحجاج أدول قد انتهت، لأني عندما بدأت الحديث في القضية النوبية عام 1986 كان هدفي الوصول لحق العودة، وإذا بدأنا في الوصول لهذا الحق قررت الانسحاب إلي كتابتي. لكن القرار السابق لم يتم تفعيله بأي شكل، وأصبح مجرد ورقة.
ولماذا تعثر هذا المشروع؟
مشروع عصام شرف توقف لأننا من ناحية كنوبيين عاجزون حتي الآن عن خلق إئتلاف نوبي قوي يمكنه أن يضغط علي السلطة، وهذا يعود بشكل أساسي لمسألة الزلزلة التي كنت أتحدث عنها فنحن كنا نتحرك من قبل بنظام العشائر والقبائل، وبمنظومة من التقاليد، ولم تم نقلنا من مكاننا الاساسي وإلقاؤنا في الصحراء. المنظومة النوبية كلها تغيرت، وأصبح منصب العمدة بالتعيين، والمحليات بالتزوير، وبالتالي تفكك النظام القبلي القديم، ولم يتم خلق نظام جديد، ومثلما أصبحت مصر في حالة سيولة وترهل، هكذا اصبح النوبيون، أيضا منظومة الفساد الكبري التي تغولت وتوحشت في عهد الفاسد مبارك، فبعد أن تم الاستيلاء علي منطقة الساحل الشمالي وزرعها بالقري السياحية، بدأوا في الاتجاه جنوبا، إلي أراضي النوبة ولك أن تتخيل أن مساحة مشروع "مدينتي" وكل الضجة من حوله تقريبا عشرة آلاف فدان، بينما تم تخصيص أراض في النوبة لشركات وهمية، فهناك شركة تم تخصيص 83 ألف فدان لها، وأخري20 ألف فدان ولما حصلنا علي الوثيقة التي تثبت تلك التخصيصات، خرج المحافظ وقال إنها مزورة، بعد الثورة وبعد إقالة مبارك، خرج المحافظ ليعلن إلغاء تخصيص 230 ألف فدان، وأتمني أن يتم معرفة لمن تم تخصيص كل هذه الأراضي، علما بأنه لم يكن هناك فدان واحد تم تخصيصه لنوبي. فكان الهدف أن يتم الإعلان عن قري بشاير الخير، التي لم يقبل فيها نوبيون وباقي الأرض يتم بيعها لشركات المحاسيب، وتنتهي القضية النوبية في هدوء وهذا المخطط يشبه تماما مشروع الاستيطان الصهيوني.
ولكن ألا تمثل عضويتك كممثل للنوبيين في الدستور، والمادة التي تنص علي حقوق النوبيين، تغيرا في طريقة تعامل الدولة مع النوبة، لماذ لم تلطف هذه الأجواء الوضع في الجنوب؟
المرة الأولي التي يتم فيها تمثيل النوبة في كتابة دستور مصر، كانت مع مشاركة الأستاذة منال الطيبي في "دستور الذقون"، وجوبهت بأفكار ظلامية دفعتها للاستقالة، بخطاب قوي، وكانت استقالتها ساعتها لأنها مصرية نوبية، تخاف علي هذا الوطن. ولما تم اختياري في لجنة كتابة دستور 2014 كانت الظروف أفضل بكثير، ولكني أيضا قطعت مشوارا طويلا من أجل اقناع أعضاء اللجنة بعدالة قضية النوبة، لنصل في النهاية عند التصويت علي المادة النوبية مادة 236- كان عدد الحاضرين 47 عضوا، وافق منهم 41 علي المادة، واعترض أربعة أعضاء فقط، ومعني هذا أن جزءاً كبيراً من فئات المجتمع المصري بدأت تقتنع بالحقوق النوبية وهذا مكسب ليس للنوبة ولكن لمصر كلها، أن المجتمع بدأ يفهم بشكل مختلف، المصيبة أن بعض المسئولين الكبار لا يريدون أن يفهموا، وخصوصا علي مستوي وكلاء الوزارات ومديري الإدارات الذين علي صلات برجال الأعمال الفاسدين، مازالوا يوصلون مخططاتهم من أجل تذويب النوبيين، عبر مزادات تخصيص الأراضي حتي بعد اقرار الدستور الجديد. فمن المسئول عن مثل هذه المزادات، وهل قام بذلك عن جهل أم عن اتفاق، وكيف يوافق محافظ أسوان علي ذلك. وكيف تترك الشرطة مجموعات تحمل السلاح وتهدد أسوان بأكملها وليس النوبيين فقط، وعندما ينفجر النوبيون يريدون أن يحملوهم وحدهم المسئولية. أنا ألوم السلطة العاجزة التي تركت الأمور تستفحل لدرجة أن المنطقة التي وقعت فيها الاشتباكات تجد تقريبا سلاحا في كل بيت.
لماذ تفعل الدولة المصرية ذلك مع النوبيين ؟
لا تسألني هذا السؤال، وجهه للمسئولين، لكن رأيي أنهم يخافون في قرارة أنفسهم، ان تطالب النوبة يوما بالاستقلال او الانفصال، أليس هذا ما تخاف منه الدولة؟ ولكن لماذا تتهموننا؟ هل رأيتم نوبي خان مصر؟ كل ما نطالب به أن يتم رؤية تهجير النوبيين مثل تهجير أهالي القناة بين حربي 1967 -1973 ، فوقت انتهاء العدوان الصهيوني قامت الدولة ببناء مدن القناة الثلاثة ليست قري مثل النوبة ولكن مدن كاملة ودعت الأهالي للعودة إلي بيوتهم مرة أخري، وهناك من أهالي القناة من احتفظ ببيته في القاهرة أو الاسكندرية، وهناك من رفض العودة واختار حياته الجديدة، وهناك من عاد إلي مدينته. نحن نطالب فقط بالمثل، ومن يريد العودة فليعد، ومن لا يريد فهو اختياره، وبعد ذلك فالمنطقة شاسعة من يريد أن يذهب إلي هناك من غير النوبيين فليأتي، ولكن تبقي الأولوية للنوبيين. وإذا كنا نحن من ندعو باقي أهالي مصر كي يعمروا معنا النوبة، فكيف يتم اتهامنا بالانفصالية. كيف نتهم بالرغبة في الانفصال، وأكثر من نصف النوبيين يعيش خارج المنطقة النوبية. سيفترض أحدهم أن يظهر جزء يفتعل المشاكل ويطالب بالانفصال، فليكن ولكن دعنا نبدأ بوضع الأسس التي تخلق تلاحما قويا وعميقا بين النوبيين وغير النوبيين، وكي نخلق مستقبلا طيبا للجميع.
وقلت هذا الكلام منذ سبع سنوات: أبعدوا الموظفين عن التحكم في شئون البلاد، ولتأتي مجموعة من العلماء النوبيين والمصريين ومعهم مسئول عن الأمن القومي المصري ليضعوا للمنطقة النوبية كلها رؤية مصرية من قلبها البند النوبي، أليس هذا حلا يمكنه أن يمحي أي تخوف.
وقلت في كتابي "اللامعقول في بلاد الأتر والفول" أن النوبة يمكن أن تشكل جسرا مصريا للوصول إلي السودان ومن ورائها القارة الإفريقية كلها، وخصوصا دول حوض وادي النيل، لأن هناك حرب مياه بدأت بالفعل، والنوبة يمكن أن تكون القوة الناعمة التي تشارك بها مصر في حفظ مصالحها. هكذا نفكر نحن، وهكذا يخوننا المسئولون.
وفي نهاية الثمانينيات أو بداية التسعينيات أرسلت مقترحا بمشروع ثقافي لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسني لتنمية منطقة معابد أبو سمبل/ نفرتاري، لتصبح مثل مشروع "أصيلة" في المغرب الذي يجمع ما بين أوربا وإفريقيا، فتصبح منطقة تعاون ثقافي مشترك بين مصر ودول إفريقيا، فيكون هناك مهرجان للسينما الإفريقية أخذوا الفكرة ونفذوها في الأقصر بشكل مختلف مهرجان للمسرح الإفريقي، مهرجان للألعاب التقليدية الإفريقية- الألعاب المحلية وليس العالمية ان تضم المنطقة منطقة تكنولوجية عالية المستوي، ومستشفيات، ومدارس وجامعات ، كلية ألسن للغات الأفريقية علي سبيل المثال، وفروعاً للأزهر، وللكنيسة، بحيث تتحول المنطقة لمنطقة جذب ثقافي وفني واقتصادي وسياحي، فيأتي الطلاب الأفارقة ليدرسوا في هذه المنطقة ويعودوا لبلادهم وقد تشبعوا بالثقافة النوبية المصرية، وهذا يخلق قاعدة ثقافية تمكن الاقتصاد المصري القوي من فتح ساحات جديدة للمصالح المشتركة خاصة مع دول حوض النيل، وهكذا ستتلافي مشاكل المياه مع دول حوض النيل لأن تلك الدول هي التي ستحافظ علي علاقتها بمصر نظرا للاحترام المتبادل وأيضا للفوائد الاقتصادية التي تعود علي الجميع. هذا ليس كلاما جديدا، ولكني كتبته منذ سنوات، فبعد كل هذا نتهم بالانفصالية. نحن أحد أهم أصول مصر، كيف نتهم بالانفصال، هل ننفصل عن أنفسنا، هل ننفصل عن البيت الكبير الذي ساهمنا في إنشائه؟ هل من المطلوب من النوبيين أن يتركوا أرضهم للصوص هم الذين يتهموننا بأننا خونة ونريد الانفصال؟.
هل للإخوان يد فيما يحدث في أسوان؟
لقد حاولت شرح أصل المشكلة، ولا يمكنني أن أؤيد ذلك أو أنفيه، ولكن معروف أن حركة الإخوان ضعيفة في أسوان، لذا أطالب الداخلية بأن تقدم دلائل تثبت بها كلامها، بشكل عام أنا لا أثق في الإخوان، فهم في غاية الخبث، ولكن علي من أتهم أن يأتي بالدليل علي اتهامه.
من ناحية هناك من يقول أن "الهلايل" هم أحد أذرع الداخلية السرية التي تستخدمهم لإفساد التظاهرات، وإحكام السيطرة علي أسوان؟
سمعت هذا الكلام من بعض أهالي أسوان نوبيين وغير نوبيين - بل إنهم يشتركون في مظاهرات الجانبين ضد الإخوان ومع الإخوان - وأرجو من لديه صور أو فيديوهات تثبت ذلك أن ينشر ما لديه حتي تصبح الأمور أكثر وضوحا، لأني لا أريد أن أتهم أحدا بدون دليل واضح. يجب علي الداخلية أن تعرض ما لديها من معلومات حقيقية حول من شارك في الاحداث الأخيرة، نوبيون وغيرهم، من سبق القبض عليه في قضايا إجرامية، ومن المسجلين الخطرين.
هناك حالة من المفاجأة من رد فعل النوبيين، خصوصا علي مواقع التواصل الاجتماعي ويتم وصف رد الفعل النوبي بأنه عنصري؟ كيف تفسر ذلك؟
أفسره بأن الضغط علينا قوي وقديم، نحن نواجه اتهامات منذ قرن كامل، فهل إذا تهور أحد الشباب تحت تأثير الانفعال يتم محاسبته؟ عقود طويلة والنوبي يشتم بأنه بربري، وأسود الكلب، إلي آخر القاموس العنصري، حتي في الأعمال الدرامية يتم شتم النوبيين وتعتبر هذه كوميديا!
فهل عندما يتهور أحد الشباب نترك كل شيء، ويتحول الموضوع إلي أن النوبيين عنصريون؟ من يفعل ذلك هو جاهل أو عنصري يريد إخفاء عنصريته عبر اتهام النوبيين بأنهم هم العنصريون.
نحن يتم تهجيرنا، والاستهزاء بنا، واهانتنا، منذ مائة عام وعندم يصرخ أحد الشباب تتهمه بأنه عنصري..أنت العنصري. أين كنت طوال المائة عام الماضية؟ أنت تشبه الصهيوني الذي استولي علي أراضي الفلسطينيين، ويبني مستعمرات علي أراضيهم، وعندما يقاوم أحد الفلسطينين يصرخ الصهيوني" "إرهابي"، نفس الشيء يقوم به المصريين الصهاينة الذين يتهمون النوبيين بالعنصرية.
في 1989 كتبت مقالا في جريدة الوفد بعنوان "إنهم يزرعون الشوك ومصر ستحصد القلاقل" حذرت فيه مما يحدث اليوم في أسوان، وساعتها هوجمت هجوما مريرا علي ما كتبته، السلطة لا تريد الاستماع، لأنها مازالت سلطة مبارك.
أليس كل المصريين يتعرضون للفقر والفساد والقمع، فلماذا يشعر النوبيون بهذا الظلم المضاعف؟
النوبي يشترك مع المصري في كل المتاعب التي نعاني منها جميعا بالاضافة إلي التعب النوبي، هل غرقت قرية أبيك وأجدادك؟ نحن غرقت قرانا. هذا هو الفارق، نحن نشترك في حمل كل الآلام المصرية، بالاضافة إلي ألمنا الخاص.
المواطن المسيحي يعاني مثل غيره من المواطنين، ولكنه يحمل ألما اضافيا كون ديانته مختلفة عن دين الأغلبية، فإذا علا صوت المسيحي المصري بمشاكله فيجب تفهمه وليس مطالبته بالصمت "لأن كلنا تعبانين". أنت متعب مثل البدوي السيناوي أو ابن مطروح لكنه يحمل تعبا اضافيا. لقد قلت في احدي الجلسات العلنية أثناء كتابة الدستور، وكنا قبيل العيد، الآن سيذهب كل واحد إلي قريته أو مدينته الأصلية، لكني سأذهب إلي قري التهجير" هذا هو تعبنا الإضافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.