السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    السبت 7 يونيو 2025.. نشرة أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    استمرار ذبح الأضاحي بالمجازر في الوادي الجديد خلال ثاني أيام العيد    النقل تصدر توجيهات لقائدي المركبات بشأن الأتوبيس الترددي    أوكرانيا: سقوط ضحايا في أقوى هجوم روسي على خاركيف شرقي البلاد    واللا العبري: الولايات المتحدة تدرس تقديم نصف مليار دولار لصندوق إغاثة غزة    بتصويت ساحق.. فلسطين تحصل على صفة عضو مراقب في منظمة العمل الدولية    مصادر: الحكومة اللبنانية كانت على علم ببناء حزب الله مسيرات قبل أسبوع من الضربة الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية    زلزال بقوة 4.3 درجات يضرب إيران    ديانج ينضم لمعسكر الأهلي في ميامي    مراكز الشباب والرياضة بالغربية تواصل احتفالات العيد لليوم الثاني بمبادرة «العيد أحلى بمراكز الشباب»    خالد الغندور: 14 لاعبا سيرحلون عن الزمالك    إقبال سياحي كثيف على جنوب سيناء في ثاني أيام العيد.. إشغالات كاملة ورحلات بحرية وسفاري    الآلاف يحتفلون بثاني أيام عيد الأضحى في حدائق كفر الشيخ    "الداخلية" تحتفل مع الأطفال الأيتام بعيد الأضحى المبارك وتوزع الهدايا عليهم    الخلاصة.. أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة    مات فيها شاب.. تفاصيل "خناقة بالسلاح" بين عائلتين في حلوان    أسما شريف منير تعلن زواجها برسالة خاصة "كلمت ربنا كتير وكان عندي يقين إنه هيعوضني"    فيلم "ريستارت" يتصدر تريند جوجل.. تفاصيل    الرعاية الصحية: مستمرون في تقديم خدمات آمنة ومتميزة خلال العيد    محافظ أسيوط يعلن عن تشغيل غرفة طوارئ بالتأمين الصحي خلال عيد الأضحى المبارك    الصحة: تكلفة علاج 1.4 مليون مصري على نفقة الدولة تتخطى 10 مليارات    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 4493 قضية سرقة كهرباء ومخالفات لشروط التعاقد خلال 24 ساعة    من الصداقة للعداء.. خلاف «ترامب» و«ماسك» يُسلط الضوء على التمويل الحكومي ل«تسلا» و«سبيس إكس»    في ثاني أيام العيد.. مصرع شخص وإصابة آخر في انقلاب سيارة بأسيوط الجديدة    أسعار البيض والفراخ اليوم السبت 7 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    الأسهم الأمريكية ترتفع بدعم من بيانات الوظائف وصعود «تسلا»    هل ترتفع اسعار اللحوم بعد العيد ..؟    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    رسميًا.. جون إدوارد مديرًا رياضيًا لنادي الزمالك    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    10 نصائح لتجنب الشعور بالتخمة بعد أكلات عيد الأضحى الدسمة    ترتيب مثالي لثلاجتك في عيد الأضحى: دليلك الذكي لفوائدها الصحية    استقرار أسعار الذهب في مصر خلال ثاني أيام عيد الأضحى 2025 وسط ترقب الأسواق العالمية    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    مها الصغير عن تصدرها التريند: «السوشيال ميديا سامَّة»    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسام عبد الله قصة غير معروفة
نشر في أخبار الأدب يوم 06 - 03 - 2014


هل تعرف حامد عبد الله؟
ربما! ..
لكن الأكثر شيوعا عدم معرفة الرجل، وعلي الخصوص بين الاجيال الشابة من الفنانين والمتابعين للحركة الفنية في مصر، فالرجل "1917 1985" الذي يعد أبرز فناني الجيل الثاني في الحركة التشكيلية المصرية الحديثة، تضاءل وجوده في الذاكرة المصرية لسبب ما، ربما لأنه غادر مصر في 1956 للدانمارك وبعدها إلي فرنسا؟ هل سبب ذلك معارضته لقمع عبد الناصر ثم لسياسات السادات؟ ..ربما، أيضا ربما يرجع ذلك للإهمال الذي ينهش ذاكرتنا باستمرار، والذي جعل ادارات متحف الفن المصري الحديث المتعاقبة تحتفي بثلاثين عملا للفنان الكبير بوضعها في قبو المتحف منذ ان أهداها الفنان في اواخر حياته للمتحف؟ بالتأكيد تحالفت تلك الاسباب جميعا في اخفاء الرجل عن عيوننا كل هذه الفترة.
الأن يعود حامد عبد الله علي استحياء مرة أخري، إذ قامت اسرة الفنان الراحل بإخراج كتاب »عين الروح الرسام حامد عبدالله« بالعربية والفرنسية والإنجليزية يضم أعماله ومسيرة حياته قامت بإعداده الناقدة اللبنانية رلي الزين، ونجحت الأسرة وأصدقاء الفنان الراحل في اقناع إدارة المتحف بإخراج الأعمال المدفونة في قبو المتحف لعرضها علي الجمهور المصري في معرض مقام بقاعة "أبعاد" ينتهي المعرض في الأول من مارس كما قامت السفارة الفرنسية بالقاهرة بعرض جدارية من أعمال عبد الله خلال الاسبوع الماضي، ثم انتقلت الجدارية إلي المركز الثقافي الفرنسي في الاسكندرية بعدها بأيام.
المعرض المقام الآن من المفترض أن يتبعه معرض آخر في بيروت هذه الأيام، استعدادا لإقامة معرض كبير لحامد عبد الله في نهاية هذا العام، يتم فيه جلب أعمال لم تعرض للجمهور المصري من فرنسا، علي سبيل استعادة الرجل.
نحاول في بستان هذا العدد التعرف علي المحطات التي مر بها عبد الله من المنيل إلي جاليرهات وسط القاهرة في الاربعينات ثم إلي كوبنهاجن وبعد ذلك إلي باريس. نحاول معرفة الرجل..ربما تأخر الوقت، ولكنه حتما لم يفت بعد.
"كلا يا سيدتي العزيزة، ليست لي مرجعية فنية.. كان والدي فقيرين وكانا يطمحان أن أصبح حرفيا ماهرا. وبما أنني كنت منعزلا غالبا وحالما دوما، قررا إلحاقي بقسم الحديد المشغول في معهد الفنون التطبيقية المجاني بالجيزة. في الواقع، كنت أكثر التلاميذ فشلا في الرسم. كان المدرس يطلب منا رسم عصفور. يرسمه أولا بالحبر الصيني، ويطلب منها تقليده، كان بشعا للغاية. وأنا لم أكن أحب موضوعه ولا طريقه معالجته. كنت أكره تقليد طريقته في الرسم ولهذا أصبحت كسولا. فأبعدني هذا الرجل الطيب إلي أقاصي القاعة لمعاقبتي وأمرني برسم القباقيب والشباشب لأيام وأيام. لم يرد بخاطره البتة أنني كنت سعيد جدا في الشبب بدلا من التقليد الخانع لرسومه."
من مقابلة في Journal d Egypte مايو 1949
أبصر حامد عبدالله النور في القاهرة 1917، لعائلة من الفلاحين سكنت منذ مطلع القرن العشرين ضواحي القاهرة.. تلقي حامد تعليمه الأولي في الكتاتيب حيث تعلم اللغة العربية وحفظ القرآن. ومنذ ذلك الحين لفت حامد الانتباه إلي براعته في كتابة الخط، ثم مارس الرسم في سنوات شبابه الأولي.
يلتقي عبدالله في مقهي حي المنيل مع ياناكاكيس المصري اليوناني، تاجر السفنج والمناضل الشيوعي الذي أنتبه للشاب ولبراعته الفنية ولاحظ اختلافه عن بقية رواد المقهي. ومنذ ذلك الحين انعقدت أواصر صداقة أعطت لحامد فرصة الانفتاح علي المجالين السياسي والثقافي. أدهشته صور أعمال جريكو التي اكتشفها في بيت ياناكاكيس ودفعته ليعمق معرفته بالفن. كان يقرأ بغزارة عن فنانين من مراحل مختلفة كما انه اكتشف بشغف تقاليد مصر وتراثها الثقافي. وفي ذات الوقت ظل يرسم أقرباءه بطريقته الخاصة.
في عام 1938 وعندما كان في سن الواحد والعشرين أخد قرارا شجاعا بعرض بعض أعماله علي لجنة تحكيم صالون القاهرة. كتب جابريل بكتور هاوي الفن ومؤسس مجلة "صور" :" رأينا لأول مرة في صالون القاهرة حضور وفد من سكان حي المنيل بجلالبيهم الجديدة التي تتناسب وجلالة الحدث. جاءوا ليشاهدوا صورهم معلقة ومعروضة أمام حشد كبير من الزوار".
"أشترت مني وزارة المعارف لوحتين، كما دعاني طه حسين للتدريس فرفضت لأني فضلت الحفاظ علي استقلالي، فانا لم أكن أحب المدارس وأكره برامجها وطرقها التربوية"
بدأ عبد الله أسفاره الأولي في مصر وخاصة في النوبة وأسوان باحثا عن اكتشاف الأوجه المختلفة لبلده. يقول حامد "استطعت توفير بعض المال للقيام برحلة إلي الصعيد ويالانبهار! ستة أشهر من النور، ستة أشهر من التواصل مع سادة العالم: الفراعنة".
في 1941 نظمت جمعية أصدقاء الثقافة الفرنسية معرضه الخاص الأول في صالة "حورس" في القاهرة. وشهدت الفترة التالية عملا دءوبا من الشاب الذي أقام العديد من المعارض الفردية في القاهرة والاسكندرية وبورسعيد والاسماعيلية.
في 1943 كتب الناقد جون بالمر في "جازيت مصر" عن أحد المعارض الجماعية التي شارك فيها حامد عبد الله:
"أما بالنسبة لحامد عبدالله يصعب علي أن أفي هذا الفنان الشاب حقه وذلك من عدة نواح، فهو لا يحب البهرجة ولا ينتمي إلي مدرسة فنية محددة. ينفر من التشاطر ومن الصبغة التجارية لصالات العرض القاهرية. لا يعتمد في عمله علي الحيل وهو غير مدع وغير متثاقف كأصحاب الياقات الحمراء والأرجوانية الذين ينظرون بتعال إلي جمهور متأخر عشرين عاما عن زمنه.فهو ليس أكثر من فنان متواضع ولكنه واسع الخيال وشديد الحساسية ويمتلك قدرة ومهارة ليوصل أشكاله وما يختلج في ذاته للاخرين، وهو لا ينتمي إلي تيار فني محدد. يرسم بالضبط كما يستطيع أن يفعل. والذي يستطيع أن يفعله يؤهله حتما لأن يكون ذائع الصيت".
في 1943 أفتتح مع تحية حليم تلميذته »ثم زوجته الأولي لاحقا« مرسم حامد عبد الله" في وسط المدينة في شارع "مارييت". استقبل مرسمه العديد من الفنانين من بينهم جاذبية سري ومنير كنعان وانجي أفلاطون والملكة فريدة زوجة الملك فاروق الأول.
بعد ذلك حصل الشاب ببعض الاعتراف ففي عام 1949 أكد الناقد بدر الدين أبو غازي وزير الثقافة لاحقا قائلا: " بفضل جهوده الخاصة وكفاحه الدائم أوجد حامد عبدالله مدرسة فنية مصرية جديدة لها قوانينها وشخصيتها المميزة".
في 1950 عرض جاليري "برنهايم للشباب" في باريس أعمال حامد عبد الله، استقبل المعرض بحفاوة بالغة، وتحدث ناقد بالجيل الجديد« روبيرت فرينات عن نضج حامد عبدالله ورسوخه قائلاً: بمما يجعل كثيرين من الفنانين الذين في مثل سنك- 33 عاماً- يحسدونك علي ذلك النضج« .
في عام 1952، كان من الطبيعي أن تحمل رياح الثورة ، حامد عبدالله إلي المشاركة بمصرنة الحركة الثقافية، فقام بإبعاد سيدات المجتمع البرجوازي والأميرات اللواتي كن يتعلمن الفن تحت أستاذيته ليتفرغ تماماً للثورة الجديدة. في بمرسم القاهرة« ابتدأ بعقد مؤتمرات ولقاءات ناطقة باللغة العربية للمرة الأولي وقام بتنظيم معارض لفنانين مصريين. عمل بجهد لتحسين وضعية فناني بلده ولكن لم يطل به الوقت كثيراً لكي يصاب بالإحباط من عبدالناصر وبيروقراطية الدولة. وحملت أعمال من تلك الفترة عناوين مثل بالاستبداد« أو بالسجناء«.. كما كتب مؤنس عبدالله: بصدم حامد عبدالله من القمع العنيف ولم يسامح عبدالناصر أبداً علي إرسال الدبابات لمواجهة العمال المضربين في كفرالدوار وكذلك الحكم بالإعدام شنقاً للعاملين المضربين خميس والبقري"
في عام 1956 قام حامد عبدالله بجولة في عدد من بلدان العالم. عرضت أعماله في مدن أوروبية كباريس وامستردام وروتردام وكوبنهاجن.. وفي معارض جماعية في نيويورك وسيول. وهو نفس العام الذي شهد انضمام بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إلي حملة اجتياح السويس. ومن مكان إقامته في باريس شاهد حامد عبدالله الحملة الإعلامية الشعواء ضد عبدالناصر والتي تم فيها مقارنته بهتلر في النشرات السينمائية لتلك الفترة. لم يكن باستطاعته كرجل حقيقي أن يكون متناقضاً مع نفسه. إذ رغم سخطه علي النظام فقد دافع عن عبدالناصر بشراسة. ولكنه رغم مشاعره الوطنية الجياشة ظل بعيداً عن وطنه مصر. واختار لاحقاً الإقامة في الدانمارك مع كرستن بلاش. ممرضة دنماركية شابة كان قد التقاها لتوه في باريس ثم تزوجها بعد أن طلق تحية حليم.
وسرعان ما انخرط في الحياة الفنية الدنماركية وأجري بعض المقابلات مع الصحافة المحلية. وعن سؤال متعلق بوضع الفنانين في مصر أجاب: "إنه سييء كما في كل مكان. إذ إن الناس لا يملكون المال لشراء الأعمال الفنية. فبالنسبة لي كنت أعطي دروساً في الرسم وكان من بين طلابي سويديون ونرويجيون شجعوني علي زيارة البلاد الاسكندنافية. أعتقد أن الفن يخلق علاقات صداقة".
منذ البداية نظمت لأعماله معارض فردية في عدة مدن دنماركية. أحدها كان في سكيف حيث كتبت الجريدة المحلية:
»كيف وصل الفنان حامد عبدالله إلي الدنمارك؟ فقط الآلهة تعرف ذلك ولكن من حسن الحظ أنه هنا لأنه من النادر جداً أن تتوفر لنا الفرصة لكي نعجب بفن يأتينا من الجهة الأخري للمتوسط. إن ما نشاهده هنا هو فن خالص في اختياره لمواضيعه يتناغم حامد عبدالله مع شيء ما ذو أصالة مصرية. الفنان منشغل بمواضيعه الحميمة ولكن المستوي الذي يرفعها إليه يجعلها ذات صبغة كونية. وهذا ما يسمح للوحات بأن ترتقي إلي ما هو أكثر من صورة أو رؤيا".
وانطلاقاً من الدنمارك تابع حامد عبدالله سفره ومعارضه في مختلف العواصم الأوروبية. وبمناسبة معرضه في باليرمو، تمخضت تلك الرحلة إلي صقلية عن بدء حامد عبدالله بالعمل علي إنجاز مجموعة جديدة من اللوحات باسم »وجوه« مستلهمة من الرسوم الجدارية المكتشفة في كنيسة بلاتين.
تلك كانت البداية لما أطلق عليه الفنان اسم »ارتجالات خطية« أي عندما بدأ بإدخال الخط العربي إلي لوحاته وبني منطلقاً من بحث في الوجه ابتكاره ل»كلمة- شكل«.
لكن بحث حامد عبدالله في أماكن العبادة الإسلامية ودراساته المعمقة للأشكال التي تزينها كانت قد بدأت قبل ذلك. تتذكر زوجته كرستن بأنه كان يشتري كميات كبيرة من الكتب عن الفن الإسلامي وكان يهتم بشكل خاص بالفخار.
ظل عمله حول »كلمة شكل« يتطور إلي أن أخذ انتاجه الفني، ابتداء من العام 1958، يصب في منحي هذا البحث يتحدث ادوارد خراط عن »تيار الحروفية« عند حامد عبدالله قائلا:
"لا أظن أن فنانا مصريا استطاع أن يسيطر علي مراحل فنه المختلفة، مرحلة بعد مرحلة، بأستاذية وبالهام لا يخطيء، علي تنوع المراحل، واتساقها في آن، مثل ما فعل حامد عبدالله. كان طموحه الفني هو أن يعبر الهوة بين بالمعني اللفظي الدقيق للكلمة وبين »التجسيد« التشكيلي لهذا المعني - بغض النظر عن الحروف التي تكون الكلمة العربية"
رغم نجاح أعماله ومعارضه وأنشطته المتعددة قرر حامد عبدالله أن يغادر الدنمارك عام 1966 وفي مقابلة مع إحدي الصحف الدنماركية قبل ذلك بعدة سنوات قال موضحا:
" كنت أطمح ومازلت أن يكون عملي بطريقة ما جسرا بين عالمينا وأن يساعد علي خلق تفاهم مشترك.. إقامتي في الدنمارك ساعدتني إلي أن أعرف إلي أي مدي كنت عربياً«.
بعد عشرة أعوام أمضاها في تلك البلاد شعر بمحدوديتها ورغب بالاقتراب أكثر من مركز الحياة الفنية العالمية. انتهي به الأمر لينتقل مع عائلته إلي باريس حيث كان محاطا أكثر بأصدقائه العرب والمصريين«. وهذا ما أدلت به زوجته كرستين التي أضافت:
" في بيتنا حيث كان لحامد مرسمه كنا نستقبل دائما أصدقاء من الذين يمرون بباريس أو آخرون من المقيمين ومن هذا المنطلق كان يبدو أقل عزلة«.
تابع حامد عبدالله نشاطاته في مختلف البلاد كما في سوريا حيث نظم معرضا استعاديا له عام 1967 في المتحف الوطني بدمشق. وفي محاضرة حول أعماله شارك فيها الفنان السوري فاتح المدرس والمؤرخ عفيف بهنسي وكتب عنه الكاتب والصحافي ميشيل كيلو في مجلة »المعرفة« الدمشقية:
"لقد قدم حامد عبدالله فنا عربيا متطورا مدروسا يمثل محاولة لتمهيد الطريق، طريق العالمية أمام الفن العربي، وقد نجح في المحاولة، وإن تكن الطريق أمام عالمية الفن العربي، ماتزال طويلة وشاقة«.
ولكن في حزيران عام 1967 عندما تم الإذلال بسبب الهزيمة العربية أمام إسرائيل كان حامد عبدالله شديد الاضطراب بل أنه أنهار تماما يتذكر ابنه سمير عبدالله:
"عرضت وسائل الاعلام الغربية صورا لمئات الأحذية العائدة لجنود مصريين متروكة في الصحراء - تبين لاحقا بأنها كانت صورا ملفقة - ولهذا السبب منع أبي عنا التليفزيون في البيت وهكذا حرمنا من الشاشة الصغيرة لمدة عشر سنوات. وعندما اكتشف أن أصحاب صالات عرض وفنانين دعموا اسرائيل أثناء الصراع العربي الإسرائيلي انقطع كليا عن تجار الفن. كان يحنق بدون توقف ضد الدكتاتوريين البيرقراطيين العاجزين الذين يقودون العالم العربي وكان يعلن حقدا شرسا ضد الأمريكان وحلفائهم"
بعد ذلك بثلاثة أعوام أصابه حدث آخر في الصميم إنه وفاة جمال عبدالناصر في العام 1970، ويتذكر سمير عبدالله أن والده جمع أولاده في غرفة الجلوس لدي سماعه الخبر وقرأ معهم الفاتحة ترحما علي روح الرئيس.
وظهر كما لو أن حنينه إلي بلده أصبح أكثر قوة بعد تلك الخسارة، فعاد حامد عبدالله إلي مصر زائرا عام 1971 وعمل في تلك الفترة بدون كلل:
"كان يبدو كما لو أن حامد عبدالله يقاوم جسديا ضد الاكتئاب فقد كان يرسم أكثر من عشرة أعمال في اليوم الواحد. سنوات السبعينيات كانت الأكثر خصوبة في حياة الفنان« كما قال سمير.
كان حتي وهو بعيد في فرنسا تطاله مجريات الأحداث التي تقع في بلاده. فمعاهدة كامب ديفيد عام 1978 وما تبعها من عزل مصر عن العالم العربي أحزنت حامد عبدالله كثيراوهو الذي كان داعما سياسيا للقضية الفلسطينية.
استعادت أعماله في تلك الفترة عناوين سابقة مثل بالاستسلام« و»العار«. شارك في تلك السنة في بالمعرض العالمي من أجل فلسطين« الذي أقيم في بيروت ثم عرض عام 1980 في متحف الفن الحديث في طهران منضما إلي مجموعة فنانين آخرين أقاموا معرضا جماعيا تحت عنوان بالمعرض الفني للمقاومة الفلسطينية« وفي عام 1982 شارك في معرض جماعي في مقر اليونيسكو في باريس لدعم صمود المقاومة في وجه الاجتياح الإسرائيلي.
"علي الصعيد العام كان حامد عبدالله يرفض الاعتراف بالهزيمة ويبحث عن كسر العزلة، جال في العواصم العربية بين عامي 1979و 1983 قبل أن يهيء لعودته إلي مصر. ولكنه وجد في بلده مجتمعا خاملا ومتحجرا، فثار علي حالة البؤس التي غرق فيها شعبه. كان يعرف حجم المسئولية التي تقع علي عاتق النظام وكذلك كل الفئات السياسية وخصوصا اليساريين ومعهم المثقفين.. ورغم ذلك عزم علي الاقامة في مصر. كان يبدو حائرا" هذا ما أفاد به ابنه سمير.
ظهرت في تلك المرحلة آثار التغيير جليا في أعماله بل وقد أخذت بعدا آخر، إذ قل فيها العنف وازداد الصفاء والشفافية. وقد كتب ادوارد الخراط عن أعمال تلك المرحلة الأخيرة قائلا:
"تشي باتساق فريد، بين الألم والوداعة، بين المكابدة ولوعات العذاب وبين المقدرة علي تصفية هذه اللواعج وتنقيتها وتقبلها - وتجاوزها - بل تجاوزها من دون إنكارها. وفي أعماله الأخيرة كذلك عودة إلي أصول صرحية تظل ماثلة في عمله كله، مع تجريد ظل حامد عبدالله طول حياته يناوشه ويغازله ويهفو لغوايته من دون أن يسلم لها قياده تماما، بل يناوئها ويقاومها من دون أن ينفيها«.
يتذكر عدلي رزق الله لهفة حامد وهو يتحدث عن الفن وعن مشاريعه لإعطاء دروس في الفن للفنانين المصريين الشباب كما كان يفعل في سنوات الأربعينيات والخمسينيات، ويحكي عدلي رزق الله عن لقاء ضمه مع حامد عبدالله بحضور الفنان زهران سلامة في مقهي في بولاق. أخرج أوراقه وبدأ يرسم الرجال والنساء بأستاذية بهرتنا. عندها ملت علي صديقي زهران هامسا " لقد عاد حامدنا"
هذه العودة المأمولة لم تتحقق ، إذ أن حامد عبدالله أصيب بسرطان في البلعوم وكان مضطرا للاستشفاء في فرنسا. وقد توفي في آخر يوم لعام 1985 في مستشفي بلان في باريس وهو المستشفي الذي كانت تعمل فيه زوجته.
يعود عدلي رزق الله للشهادة المريرة التي أدلي بها الفنان جورج البهجوري الذي يعتبر نفسه أيضا تلميذا لحامد عبدالله:
"كنا نمر أمام المستشفي وعندها أخبرني جورج كيف أن حامد عبدالله ضم يديه صارخا "لن تهزمني" كان يحدث الموت وكان هذا قبل رحيله بيوم واحد«".
جميع نصوص البستان من كتاب
»عين الروح الرسام حامد عبدالله«
من اعداد رلي الزين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.