لويس ميجيل كانيادا (الحسيمة 1964) أحد أهم المستعربين الإسبان، يشغل منصب مدير مدرسة المترجمين بطليطلة التابعة لجامعة كاستيا لا مانشا وهو مترجم معروف أيضا قدم للغة الإسبانية ترجمات لكل من عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وبدر شاكر السياب ومحمد بنيس ومريد البرغوثي بين آخرين. حصل مؤخرا علي جائزة خادم الحرمين العالمية للترجمة في دورتها السادسة. يطلق علي مدرسة المترجمين بطليطلة هذا الاسم ليس لكونها كانت مدرسة بالمعني الفيزيقي، كبيت الحكمة علي سبيل المثال الذي أسسه المأمون، ولكن بمعني الحركة فمن المعروف أنه كانت هناك حركتان في غاية الأهمية في القرون الوسطي في طليطلة الإسبانية وصقلية الإيطالية لنقل التراث الفلسفي والعلمي في العصور القديمة الكلاسيكية الإغريقية. وقد شهدت مدرسة طليطلة حقبتين هامتين الأولي في عهد رئيس الأساقفة دون رايموندو في القرن الثاني عشر والحقبة الثانية في القرن الثالث عشر في عهد الملك ألفونسو العاشر الملقب بالحكيم. وقامت الحركة بترجمة عدد هائل من الأعمال المكتوبة بالعربية إلي اللغة اللاتينية. بين الماضي والحاضر كان لنا هذا اللقاء مع البروفيسور لويس ميجيل كانيادا. يوجد في إسبانيا قرّاء للأدب العربي، كما يوجد قراء للأدب البرتغالي أو الهندي. فيما يخص سوق النشر فإن نجيب محفوظ بحصوله علي نوبل نشّط اهتمام الناشرين، الذين سعوا للاتصال مع المتخصصين والمترجمين، وتسبب هذا في زيادة ترجمة الأدب العربي المعاصر. نود أن نعرف بداية كيف نشأت فكرة استعادة اسم مدرسة المترجمين في طليلطة من جديد؟ في نهاية عام 1994 يبدأ نشاطه التعليمي والثقافي مركز يستعيد الاسم والأهداف ولغات العمل لما كان يدعي مدرسة المترجمين في طليطلة، والتي بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر وبفضل الترجمة كانت قد صنعت من هذه المدينة الخزانة الثقافية لأوروبا. جعل من الفكرة حقيقة واقعة المجلس الجامعي لطليطلة وهو اتحاد كيانات، غير موجود الآن، شكلت جامعة كاستيا لا مانشا والمجلس الإقليمي للمقاطعة وبلدية طليطلة وكذلك بعض صناديق الادخار المصرفية المحلية. بجانب تلك المؤسسات المحلية، وبحثا عن منح المركز الجديد بعدا دوليا، فهكذا دخلت المدرسة إلي الدائرة الثقافية والأكاديمية لأوروبا والبحر المتوسط، منذ لحظاتها الأولي والمدرسة تحصل علي الدعم المادي من المؤسسة الثقافية الأوروبية ومقرها أمستردام. منذ عام 2003 ومدرسة المترجمين مركز أبحاث يتبع جامعة كاستيا لا مانشا. ما الدور الذي تقوم به المدرسة حاليا وما الفرق بين ماضيها وحاضرها، هل يمكن الحديث عن حركة ترجمة مماثلة الآن؟ بالرغم من اسمها ولخيبة أمل العديد من السائحين الذين يدخلون إلي مبني المدرسة سائلين إذا كان هذا مقر مدرسة المترجمين في عهد ألفونسو العاشر، فإن تلك المدرسة القروسطية لم يكن لها مقر ولا أساتذة ولا تلاميذ، لم تكن مركزا لإعداد المترجمين، بل كان الأمر يتعلق بحركة ترجمة، بورشة واسعة للترجمة جذبت العلماء والباحثين من مختلف أنحاء أوروبا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر. كان المؤرخ الفرنسي أمابيل جوردان في منتصف القرن التاسع عشر من صاغ الاسم الذي نال حظا كبيرا وساعد في تشكيل واحدة من الأساطير الأكثر رسوخا وفي الوقت نفسه مشتركا لفظيا لرأسمالنا الثقافي. الترجمات التي تمت في طليطلة تحت رعاية رئيس الأساقفة دون ريموند والملك ألفونسو العاشر ساعدت علي تدفق الآراء والأفكار في البحر المتوسط ووضعت في متناول الجامعات الأوروبية الفلسفة اليونانية الكلاسيكية والتقدم العلمي القادم من بلاد ما بين النهرين والهند. المدرسة الحالية تحتضن التراث التاريخي والثقافي لمجموعة المترجمين المتحلقين حول شخصية ألفونسو العاشر في طليطلة القروسطية. في الوقت الحاضر، تشكل فضاء من اللقاء والحوار يعمل من أجل التعاون الثقافي والعلمي والإنساني في حوض البحر المتوسط، عبر البحوث والترجمة والتدريب والتعليم والمناقشة ونشر الأفكار والعمل. فيما يتعلق بنشاطها التعليمي والبحثي فلا تزال لغات العمل هي الإسبانية والعربية والعبرية وهو العنصر الخاص الذي يربطها بمثيلتها القروسطية. في السياق البحثي تقوم المدرسة بتنظيم وتشجيع منشورات مختلفة: مجموعة دراسات حول الترجمة «مدرسة المترجمين بطليطلة: دراسات» (خمسة عشر عملا) وفازت بالجائزة الوطنية عام 2001 للمطبوعات الجامعية. النشر المنتظم لمواد تعليمية «دفاتر مدرسة المترجمين» (تسعة أعداد) وثلاثة برامج لترجمة ونشر الأدب والفكر العربيين: «ذاكرة المتوسط» (سبعة عشر عملا)، تم ترجمة العناوين هذه إلي سبعة لغات أوروبية في الوقت نفسه. «كلاسيكيون عرب» (سبعة أعمال). «الأدب والفكر المغربي» (عشرة أعمال). يتعاون في وضعها وتنفيذها العديد من المؤسسات والمتخصصين المرتبطين بجامعة كاستيا لا مانشا، بدعم من وزارتي الثقافة والشئون الخارجية في إسبانيا. هذه الأعمال تقوم بنشرها دور نشر تجارية في السوق الإسباني. الخطوط الأخيرة للبحث في المدرسة تتجه إلي دراسات التعدد الثقافي كظاهرة معتادة في الفصول الإسبانية، وخاصة في المرحلة الابتدائية والثانوية. كذلك، في الوقت الحالي هناك برنامجان بحثيان يتم تمويلهما من أموال أوروبية أو محلية، سواء في مجال الترجمة من العربية إلي اللغات الإسبانية الأربعة الرسمية أو في المجال التعليمي للغة العربية. في مجال التدريب تقوم المدرسة بتركيز نشاطها في إعداد المترجمين من العربية والعبرية، بتقديم دروس للدراسات العليا عبر دورة متخصصة في الترجمة من العربية إلي الإسبانية والتي استفاد منها منذ بدايتها أكثر من ألف وخمسائة طالب من جميع أنحاء حوض البحر المتوسط. ولمدرسة طليطلة ميل واضح لخدمة مدينة طليطلة وهو الميل الذي نما في السنوات الأخيرة. فمنذ عام 1999 والمدرسة تقدم كل مساء دروسا تمهيدية في اللغتين العربية والعبرية، بالمستويات نفسها والرؤية نفسها التي يقدمها أي مركز حديث للغات. أكثر من أربعمائة شخص من سكان طليطلة بين عمر العشرين والسبعين درسوا في فصولها. برامج ودورات حسب الطلب حول الإسلام والعالم العربي والهجرة بتكليف من اتحاد أصحاب الشركات في طليطلة ومن الحكومة الإقليمية ومن الشرطة المحلية أو من جهاز حماية المواطن أو من مراكز تدريب المعلمين والموارد. تقدم المدرسة كل عام لطلاب الجامعات من أي تخصص كان وللجمهور بشكل عام دورة في سينما شمال إفريقيا، ومؤتمرات وعروض من مسرح الهواة العربي، معارض تشكيلية ودروس في كتابة ونقوش طليطلة والندوات المتخصصة والمؤتمرات وموائد النقاش وعروض الكتب إلخ... بدافع من رغبة قوية في أن تصبح مساحة للقاء والحوار، فقد قامت باستضافة وتنظيم أكثر من ثلاثين مؤتمرا ومنتدي وحوارا محليا ودوليا حول الخلق الأدبي والفني والترجمة والنشر وكذلك العلاقات الثقافية بين أوروبا والبحر الأبيض المتوسط. لدي المدرسة شبكة كثيفة من علاقات التبادل والتعاون بين الجامعات مع دول الجوار العربي، من المغرب إلي الإمارات العربية المتحدة، وقد وقعت عشرات الاتفاقات مع الجامعات والمعاهد والجمعيات في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط. يقع مقر مدرسة المترجمين في قصر علي الطراز المدجن من القرن الرابع عشر ويعده المختصون نموذجا لفن القصور المدجن والأفضل حفظا في المدينة. يضم مكتبة تابعة للجامعة الإقليمية كاستيا لا مانشا، بأكثر من أربعة عشر ألف عنوان حول الماضي العربي واليهودي والمسيحي لمدينة طليطلة وكذلك في علم الاجتماع والأديان والتاريخ والأدب والفن والترجمة جنوب وشرق البحر المتوسط. كيف تنظر إلي مشهد الاستعراب الإسباني اليوم؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه المستعربون فيما يتعلق بالمشكلات الثقافية والسياسية في العالم العربي؟ - شهد الاستعراب الإسباني تحولا كبيرا في العقود الأخيرة من القرن العشرين وفي العقد الأول من القرن الحالي ويرجع ذلك في جانب منه إلي انتشار الجامعات كنتيجة لدولة الحكم الذاتي وازدياد عدد المهاجرين من أصول عربية إلي الأراضي الإسبانية واتساع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما زادت الحاجة إلي مهنيين مدربين تدريبا جيدا في اللغة العربية قادرين علي الاضطلاع بنجاح بمهام التعليم والوساطة والترجمة والترجمة الفورية للكيانات العامة والخاصة. كان جيل المستعربين الذي تشكل بعد إنشاء المعهد الهيسباني العربي للثقافة عام 1954مولدا لسياق متتابع في مجال الدراسات العربية، من بين تلك النتائج الأكثر وضوحا نجد النقلة إلي الدراسات المعاصرة بعد الامتصاص التقليدي للماضي الأندلسي. علي الرغم من أن الأندلس تظل وفي تقديري لابد أن تستمر هكذا واحدة من المجالات الرئيسية لحركة الاستعراب الإسبانية، فمن الواضح أنه قد نتج عن هذا قدر أكبر من التنوع والتخصص في مجالات كانت قبل بضعة عقود غير مطروقة، أعني مجالات علم الاجتماع والاقتصاد ودراسات اللهجات المعاصرة والنقد الأدبي والترجمة الفورية والترجمة المتخصصة. بعيدا عن نشاطهم الجوهري في التعليم والبحوث فإن العديد من المستعربين الإسبان يعمل علي نشر النتاجين الثقافي والأدبي العربيين في المجتمع الإسباني، في محاولة لكسر الصورة النمطية والأحكام المسبقة التي لا يبرأ منها أي مجتمع، ساعين إلي مقاربة الأدب العربي الرائع بما فيه من جدارة أدبية وليس كأداة اجتماعية أو ثقافية يمكن بها فهم «الآخر». هناك عدد غير قليل من المستعربين الإسبان في أوقات الثورات والتغيرات هذه يكثرون من مداخلاتهم في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، كخبراء في السياسة والتاريخ المعاصرين في العالم العربي. صوتهم النقدي والموثق يمكن أن يساهم بين المواطنين الإسبان في خلق رأي أكثر موضوعية ودقة وصحة عن واقع المجتمعات العربية. الطلب علي تعلم اللغة العربية تزايد بشكل ملحوظ في إسبانيا في السنوات الخمس عشرة الماضية ويتركز أساسا في الجامعات وفي المدرسة الرسمية للغات التي تنتشر في جميع البلاد وثلاث وعشرون مدرسة منها تضم اللغة العربية في برامجها. يتركز التعليم علي اللغة العربية الفصحي الحديثة، علي الرغم من أن دورات اللغات العامية تتزايد أكثر وخاصة العربية المغربية الدارجة، نظرا للقرب الجغرافي مع المغرب ووجود جالية مغربية كبيرة في إسبانيا تؤدي إلي زيادة الطلب علي المترجمين والمترجمين الفوريين من العربية المغربية موجهين إلي الخدمات العامة كالشرطة والمحاكم والخدمات الاجتماعية والمراكز الطبية... تقدم الدراسات الجامعية إمكانية الحصول علي درجة الليسانس في الدراسات العربية والإسلامية في ثماني جامعات: سلمنكة (شلمنقة)، مدريد (الجامعة المستقلة) وجامعة كومبلوتنسي، غرناطة، أشبيلية، قادش، أليكانتي، برشلونة. بصرف النظر عن هذه المؤسسات فإنه علي نحو متزايد نجد مراكز من مختلف الأنواع مدفوعة بأسباب ثقافية أو دينية تقدم اللغة العربية كجزء من نشاطها التعليمي. مؤسسات، مساجد، مراكز ثقافية وأكاديميات خاصة تنتشر في المدن الكبيرة وفي المناطق التي تسكنها جاليات عربية بشكل ملحوظ . البيت العربي في مدريد، مؤسسة الثقافات الثلاثة في إشبيلية والمركز الثقافي الإسلامي في مدريد وهي مجرد أمثلة. قمت بترجمة العديد من الشعراء العرب إلي الإسبانية، كيف تري مشهد الشعر العربي والرواية كذلك؟ هل يوجد قارئ إسباني يمكن أن يظهر اهتماما بالأدب العربي؟ - سيكون من الخطورة بمكان بل ومن المستحيل إصدار حكم عام علي السرد والشعر العربيين كليهما وسيكون الأمر مثل إصدار حكم علي الأدب المكتوب باللغة الإسبانية والذي يكتب وينشر لجمهور يقترب من نصف مليار من الناطقين بالإسبانية من جنسيات مختلفة ومن مناطق جغرافية مختلفة أيضا وبمخيلات ماضية وحاضرة مختلفة. في المقابل أنا علي اقتناع أننا نحن قراء ومترجمي الأدب العربي لا تزال لدينا تلك الإمكانية، السعيدة، في قراءة ومنح القراءة بالإسبانية لبعض أكبر الأسماء في الأدب الكوني من أبي تمام أوالمعري إلي الشعر الأموي، وبالطريقة نفسها أنا علي اقتناع أننا محظوظون كوننا شاهدين علي حركة التجديد التي يمر بها النثر العربي والتي تترأسها ولكن لا تحتكرها- الأجيال الجديدة من كتَاب النثر المصريين. نعم، يوجد في إسبانيا قرّاء للأدب العربي، كما يوجد قراء للأدب البرتغالي أو الهندي. فيما يخص سوق النشر فإن نجيب محفوظ بحصوله علي نوبل نشّط اهتمام الناشرين، الذين سعوا للاتصال مع المتخصصين والمترجمين، وتسبب هذا في زيادة ترجمة الأدب العربي المعاصر. بين عامي 1995 و2010 نُشر في إسبانيا 472 عملا مترجما من العربية، ما يقارب السبعين في المائة من هذه الأعمال أعمال أدبية: 376 عملا أدبيا، ستة وثلاثون في المائة منها شعر وثلاثون في المائة رواية والباقي يتوزع بين القصص والمسرح والسيرة الذاتية وأدب الأطفال إلخ. هذه الأرقام لا يجب أن تخدعنا فهي بالكاد تمثل ,08٪ من إجمالي إنتاج النشر في إسبانيا والذي وصل عام 2012 إلي رقم يتجاوز ستة وسبعين ألف عنوان. تقدم حاليا مدرسة المترجمين في طليطلة أربعة برامج للترجمة والنشر لأعمال مكتوبة بالعربية، تتعدد أنواعها ما بين الرواية إلي القصة مرورا بالسيرة الذاتية والمقال الفلسفي والشعر: «ذاكرة المتوسط»، «الأدب والفكر المعاصر المغربي»، «كلاسيكيون عرب»، «كلاسيكيون عرب معاصرون». الهدف من برامج الترجمة هذه (أكثر من خمسين عملا تمت ترجمته مباشرة من العربية إلي الإسبانية) هو السعي إلي تقريب الفكر والأدب العربيين إلي الجمهور الإسباني، وكذلك إعطاء الفرصة لمعرفة الواقع الذي يحياه العالم العربي بشكل عام وبلاد حوض البحر الأبيض المتوسط المجاورة بشكل خاص. الطلب علي تعلم اللغة العربية تزايد بشكل ملحوظ في إسبانيا في السنوات الخمس عشرة الماضية ويتركز أساسا في الجامعات وفي المدرسة الرسمية للغات التي تنتشر في جميع البلاد