عاصفة شديدة تقف ضد ترجمة الأدب العربي في الغرب ميلاجروس نوين أحد أهم الأسماء في حقل الاستعراب الإسباني في الوقت الراهن، تعمل أستاذة للأدب العربي بجامعة كومبلوتنسي بمدريد وكذلك مترجمة عن العربية والإنجليزية في وزارة الخارجية الإسبانية ولها اهتمام خاص بالرواية وقد ترجمت إلي الإسبانية الكثير من الكتّاب العرب. صدر لها مؤخرا كتاب بالإسبانية تحت عنوان "دراسات حول الرواية في مصر"، تناولت فيه الرواية المصرية منذ بدايتها وحتي جيل التسعينات. والكتاب، فيما نظن، علي جانب كبير من الأهمية، علي الأقل بالنسبة للقارئ المتخصص، فهو يقدم صورة موسعة للرواية المصرية وقد قامت بتقسيمه إلي ثلاثة أقسام، في القسم الأول "تمهيد" تتناول الحقبة الممتدة من عام 1913، عام صدور "زينب" لمحمد حسين هيكل، حتي سنوات الخمسينيات وفي القسم الثاني تنتقل إلي جيل الستينيات والقسم الثالث بعنوان "الأجيال الجديدة" ويشكل القسمان الأخيران معظم أجزاء الكتاب والذي يقع في مائة وخمسين صفحة. اعتمدت ميلاجروس نوين في هذا الكتاب علي تنقية الموضوعات والتي يمكن أن يتشارك فيها أكثر من كاتب، فعلي سبيل المثال، في الجزء الخاص بجيل الستينيات تتناول موضوعات قصيرة، تتراوح بين الصفحتين والثلاث، مثل: رواية السجن، الصحراء، تأثير بعض الآداب الأخري: كافكا وشتاينبك، الإيديولوجيا والالتزام السياسي والحياتي. تعرج نوين سريعا في كتابها علي جيلي السبعينيات والثمانينيات، حيث تتناول تجربة بعض أهم كتابه في سبع صفحات ذاكرة الأسماء المهمة لهذا الجيل: إبراهيم عبد المجيد، عبده جبير، محمد المخزنجي، محمد المنسي قنديل، محمود الورداني، نبيل نعوم جورجي، سعيد الكفراوي، جار النبي الحلو، يوسف أبو رية. وفي الثمانينيات تطالعنا أسماء مثل خيري عبد الجواد، محمد ناجي، سلوي بكر، أهداف سويف، رضوي عاشور. في القسم الأخير والخاص بكتاب التسعينات تعود إلي تقنية الموضوعات مثل: كتابة الجسد، تناول المخدرات، الأنثروبولوجيا والرواية، الصورة الأدبية للقاهرة بين الواقع والمثال. وفي النهاية قامت بوضع بيوجرافيا لكتّاب التسعينيات الذين تعاملت مع نصوصهم بالترتيب التالي: منتصر القفاش، ميرال الطحاوي، إبراهيم فرغلي، أحمد أبو خنيجر، ياسر عبد اللطيف، منصورة عز الدين، مصطفي ذكري، حسني حسن، حمدي أبو جليل، عادل عصمت، مي التلمساني، خالد الخميسي. علي هامش صدور الكتاب كان لنا معها هذا الحوار. - بداية نود أن نعرف كيف بدأ اهتمامك باللغة والأدب العربيين؟ - بدأ اهتمامي باللغة والأدب العربيين خلال إقامتي في مصر بدءا من العام الدراسي 1978-1979. كنت قد تحصلت علي منحة دراسية من وزارة الشئون الخارجية الإسبانية كي أقوم بالدراسة في القاهرة وكانت نيتي في البداية أن أقوم بالتحضير لرسالة الدكتوراه عن العمارة الإسلامية البديعة في العصر المملوكي. سرعان ما تنبهت إلي أنه من دون معرفة باللغة العربية، سواء العامية أو الفصحي، فلن أتمكن من التوصل لأي شيء. تابعت دروس اللغة في العام الأول في الجامعة الأمريكية وفي كلية الألسن، وأتذكر علي وجه الخصوص بامتنان كبير الدروس المجانية التي كانت تقدمها وزارة التربية والتعليم المصرية للأجانب في مدرسة الأورمان. كان هناك طلاب من إندونيسيا وتركيا والسنغال وساحل العاج وتشيلي وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، إلخ. كان مدرسو تلك المدرسة من كلية دار العلوم وهم المتخصصون الكبار في تعليم العربية. في السنوات التالية كان يمكنني الحضور كمستمعة لمحاضرات اللغة والأدب العربيين في كلية الآداب، جامعة القاهرة وكذلك في جامعة عين شمس، مما أدي بي إلي التعمق شيئا فشيئا في دراسة الأدب واللغة العربيين. - وكيف كان اكتشاف العالم العربي بالنسبة لك؟ - كان بالنسبة لي اكتشافا غنيا علي جميع المستويات، سواء علي المستوي العملي أم الشخصي، فقد سمح لي أن أوسع بشكل هائل وجهات نظري تجاه العالم المعاصر وحتي الوصول إلي الاقتناع العميق بأن جميع الحدود الموضوعة بين البشر إن هي إلا مصطنعة وزائلة وقابلة للتعديل مع الوقت. علي المستوي العملي مكنني هذا من العمل في حقل أعرفه وأحبه، حقل اللغة والأدب العربيين في العالم المعاصر، سواء في التعليم الجامعي أو في العمل الإداري بالدولة. - كيف ترين حركة الاستعراب الإسباني في الوقت الراهن، مع الوضع في الاعتبار أن هناك باحثين علي مستوي عال ولديهم دراسات معمقة حول هوية وتاريخ إسبانيا العربية الإسلامية، وهم ليسوا مستعربين بالأساس، علي سبيل المثال: خوسيه أنطونيو جونثالث ألكانتود ورودريجو دي ثاياس؟ - أعتقد أن الاستعراب الإسباني تنوع بدرجة كبيرة، فقد كان يقتصر في السابق علي الأساتذة والطلاب في بعض الجامعات القليلة، بينما الآن هناك الكثير من الدراسات علي علاقته بالعالم واللغة العربيين في العديد من الجامعات. كذلك هناك متخصصون قاموا بالدراسة في جامعات عربية ويتوفرون علي معرفة قوية في حقول علي علاقة بالسياسة والمجتمع والفن، إلخ. الحياة الراهنة توفر إمكانيات للمعرفة لم تكن قائمة من قبل. - يتم الحديث كثيرا في عالم الأدب العربي عن اهتمام المستعربين أو المستشرقين، في الغالب، بنوع من الأدب الفولكلوري، لنقل إن المترجم يوجه اهتمامه إلي موضوعات اجتماعية أكثر منها أدبية كاضطهاد المرأة والديكتاتورية والجنس علي سبيل المثال. من واقع خبرتك كمترجمة لكتاب من نوعية ابراهيم أصلان أو محمد البساطي، كيف ترين هذه المسألة، وما الذي يدفع المترجم إلي اختيار عمل بعينه ليقوم بترجمته؟ لا أعتقد أن للمترجم الأدبي اهتماما يتركز حصريا في نوع من الأدب الفولكلوري أو العاداتي، ففي الغالب لا يتمكن المترجم من الاختيار الحر خاصة إذا كان يعمل لدار نشر كبيرة. فهم، بكل بساطة، يقترحون عليه ترجمة عمل ما وعليه إما أن يقبل أو يرفض. إن وجود نوع من الفضول تجاه الأمور الاجتماعية، كوضع المرآة والعلاقات الجنسية والاضطهاد السياسي والفساد، إنما هي ظاهرة تؤثر علي العديد من القرّاء الغربيين الذين يستقبلون العالم العربي كشيء مغلق غير قابل للقراءة، ومن هنا يبحثون في الأدب عن مفاتيح تسمح لهم بفهم هذا المجتمع. أما في حالتي فإن ترجمة الأعمال الأدبية ما هي إلا متعة خالصة، فلحسن الحظ لا أعتمد ماديا علي هذه الترجمات من أجل لقمة العيش، بل في بعض الأحيان يكون عليّ أن أساهم ماديّا كي تري هذه الأعمال النور. يحدث هذا مع دور النشر الصغيرة التي تسمح لك بحرية كبيرة في اختيار الأعمال.