عبدالصادق الشوربجي: بناء الثقة والشراكة مع مجتمع الأعمال أولوية للدولة    البيت الأبيض يأمل بأن تتفق روسيا وأوكرانيا على وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا    نحو كأس العالم.. موعد مباراة مصر للشباب أمام غانا والقنوات الناقلة    مستشار أوكراني: روسيا لا ترغب في السلام وتواصل هجماتها على الجبهة الشرقية    مصرع سيدة سقطت من شرفة منزل وإصابة 3 بانقلاب سيارة في حوادث متفرقة بالقليوبية    ناشرًا بطاقتها على الهواء.. عمرو أديب يعلق على أزمة بوسي شلبي مع أسرة محمود عبد العزيز    المصري الديمقراطي ينظم تدريبًا حول تحليل الموازنة العامة    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    قصص «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» لوئام أبوشادي ترصد الصمود الإنساني في وجه الأزمات    وزير الثقافة يصطحب نظيرته الفرنسية في جولة بالجناح المصري في بينالي فينيسيا للعمارة    انطلاق قمة "رايز أب 2025" من المتحف المصري الكبير    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    «أنوكا» تشيد بتنظيم مصر للمنتدى الإقليمي للتضامن الأولمبي بالقاهرة    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    خبر في الجول - الزمالك يحدد موعدا جديدا للتحقيق مع زيزو    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    موعد بدء العام الدراسي الجديد وتفاصيل الخريطة الزمنية والإجازات    أنشيلوتي يخطط لإسقاط برشلونة    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    إعلان نتائج بطولة ألعاب القوى (طلبة - طالبات) للجامعات والمعاهد العليا المصرية    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    نانسي عجرم تعلن غنائها لأول مرة في إندونسيا نوفمبر المقبل    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    «الضرائب»: رفع 1.5 مليار وثيقة على منظومة الفاتورة الإلكترونية    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب ..تجفيق المنابع
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 12 - 2013

أعلنت الحكومة أخيرا أن جماعة الإخوان منظمة إرهابية. الجماعة التي تكمل هذا العام 85 عاما منذ تأسيسها علي يد حسن البنا عام 1928 والتي تأسست في ظروف ما زالت غامضة حتي الآن بسبب التعتيم الذي وقع علي تاريخها حتي أن علاقات البنا الغامضة بالمخابرات الأمريكية والانجليزية والألمانية لم تصبح مؤكدة إلا مؤخرا بعد الكشف عن بعض الوثائق المخابراتية في الغرب. المهم أن الجماعة التي ينسب لها تفريخ الإرهاب طوال تاريخها حوربت من عدة أنظمة قبل ثورة يوليو وبعدها لم يقطع دابرها بل ازدادت عنفوانا وكسبت شعبية في مدن مصر وقراها لأسباب كثيرة ليس هنا محل سردها. هذا العنفوان وهذه الشعبية لم تكن لتستمر رغم محاربة الأنظمة المتتالية لها لولا أن العقلية الشعبية تسمح بوجودها وتجد في أفكار الجماعة وعقيدتها أسبابا للحضور. ثم عبارة ترددت كثيرا في الإعلام علي لسان إسلاميين وليبراليين ويساريين تقول "الشعب المصري متدين بطبعه" كما لو أن تدين المصريين هو مسوغ انتشار الأفكار المرتبطة بالجماعة والمؤسسة لعقيدتها المتطرفة والإرهابية. ومع هذا تظل العبارة صالحة طوال الوقت لفهم الأسباب التي من شأنها تفسير استمرار الجماعة كل هذا الوقت.
هذه الورقة تفترض بداية أن الحلول الأمنية لم تكن، ولن تكون، هي الأفضل في أي وقت لتجفيف منابع الإرهاب بتعبير أستاذنا دكتور جابر عصفور. كما تفترض أيضا أن خلخلة حضور الجماعة وتوابعها من الحركات المتشددة دينيا لن يحدث بضرب الجماعة نفسها وإنما بضرب البيئة العقلية التي تسمح بوجود وشيوع مثل الأفكار التي تؤسس لعقيدة الجماعة ولعقيدة التطرف الديني بشكل عام.
بسبب الحياة التي عشتها قدر لي علي المستوي الشخصي أن أتماس مع عدد من المؤسسات التي أحسب أنها أصل الداء وأصل العلاج لمشكلة الإرهاب. فقد تخرجت عام 1995 من كلية التربية لأعمل مدرسا للجغرافيا لمدة عام قبل أن ألتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية لأعين بعد تخرجي معيدا فيه. ولأسباب تتعلق باهتماماتي بالشأن العام عكفت علي دراسة التراث الديني وتاريخ الحركات الإسلامية وكتبت في المجالين مقالات عديدة سوف تصدر قريبا مجموعة في كتاب بعنوان "الإسلام.. أصل غائب وصور غائمة". المؤسسات التي عنيت أنها أصل الداء ومحل علاجه في الوقت نفسه إذن هي: كلية التربية التعليم الأساسي التعليم الجامعي المؤسسة الدينية بالمعني الفلسفي للكلمة، وأخيرا مؤسسة الثقافة.
في السطور التالية أطرح عدة اقتراحات تخص هذه المؤسسات وكيفية تحريرها من البيئة المتكيفة مع الإرهاب والتطرف، وهي في ظني اقتراحات قد تساعد في حل المشكلة التي نحن بصددها حتي لا تستفيق الجماعة مرة أخري لنجدها تستعيد عنفوانها وشعبيتها مرة أخري مثلما حدث بعد خروج قياداتها من السجون بعد رحيل عبد الناصر حينما احتاجهم السادات لضرب خصومه السياسيين.
أولا: التعليم الأساسي
تقول الإحصاءات السكانية إن نصف سكان مصر تقريبا في عمر التعليم قبل الجامعي، ولا يغيب عن أحد أن جميع الجهود التي بذلت من أجل تطوير التعليم لم تكن فعالة لأنها إما قام بها غير الأكفاء لهذه المهمة وإما لم تتوافر الجدية والخيال اللازمان لإنجازها.
لابد إذن من إعداد منظومة تعليمية شاملة تكون جذرية في تأكيدها علي قيم المواطنة وعدم التمييز وذلك لن يحدث إلا بإحالة الملف التعليمي لمجموعة عمل علي درجة كبيرة من الكفاءة والثقافة والجرأة. الجرأة بالذات مطلوبة لتخليص محتوي المواد التعليمية من التمييز ضد المسيحيين، فمثلا كل مناهج اللغة العربية تفرض علي الطلاب حفظ بعض الأحاديث النبوية بحجة البلاغة!
المنظومة التي نحتاجها تتضمن استلهام آخر مستجدات علوم التربية في العالم، وتتضمن الإجابة علي سؤال مهم: ما هو المواطن الذي نريده. وتتضمن انتاج مناهج تفرض علي المعلم قبل الطالب عدم الاستسلام للاعتماد علي الذاكرة. تتضمن أيضا زيادة ميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة حسب المعدلات الدولية لتمكين الوزارة من بناء مدارس كافية لاستيعاب الطلاب بكثافات معقولة في الفصول. تتضمن أيضا فتح المجال واسعا أمام الطلاب للالتحاق بفرق النشاط داخل مدارسهم، سواء النشاط الرياضي أو الفني، والاهتمام بهذا النشاط كجزء مهم من العملية التعليمية سواء بسواء مع العلوم التي يتم تدريسها، فلا يخفي علي أحد أن أغلب المدارس إما لا يوجد بها ممارسة نشاط وإما أنها تخصص حصص النشاط لحصص العلوم المختلفة.
بالتوازي مع هذه المنظومة يجب تفعيل قوانين إلزام الأهالي بعدم سماحهم لأبنائهم بالتسلل من التعليم، ولن يكون هذا إلا بدعم الأسر الفقيرة التي تضطر لدفع أطفالها للعمل من أجل الطعام ماديا.
الأزهري. وهو ما يدفعنا لفتح ملف الأزهر باعتباره علي عكس الشائع مفرخة للإرهاب. الأزهر المعروف بوسطيته يساهم طوال الوقت في مد المجتمع بالمعرفة الدينية شديدة التخلف والرجعية وهي المعرفة التي تتأسس عليها جميع حركات الإسلام السياسي. لن أتعرض هنا للعمل الدعوي فسوف يكون له مساحة أخري في هذا المقال، فما يهمني هنا الأزهر باعتباره مؤسسة تعليمية.
بداية فإن التعليم النظامي تأسس في أوروبا لسببين متصلين، أولهما معرفي والثاني مجتمعي. فقد كانت هناك حاجة أولا لنشر المعرفة بقدر ما كانت هناك حاجة لتشكيل مجتمع ذي قوام عقلي ووجداني موحد. لا يعني ذلك بالطبع أن يكون الناس نسخا متطابقة ولكن يعني أن يكون للشعب مشتركات عقلية ووجدانية تسمح بتعريفه كشعب. وهو ما يجعل من المواطنين الفرنسيين شعبا فرنسيا ومن المواطنين السويسريين شعبا سويسريا وهكذا. (لن نطمح في هذه المرحلة في الكلام عن المواطن الإنساني العالمي!).
آفة التعليم الأزهري أنه لا ينتج معرفة متخلفة ورجعية كما قلت فحسب ولكن أيضا أنه ينتج معرفة متمايزة عن المعرفة التي ينتجها التعليم غير الديني. الفارق بين المعرفتين هو الفارق بين طالب مضطر لسحب منهج العنعنة والسلفية المتأصل في العلوم الدينية التي يدرسها علي طريقته في التعاطي مع العلوم الطبيعية والإنسانية التي يدرسها. فضلا عن إصرار المؤسسة الأزهرية علي الفصل بين الطلاب علي أساس الجنس وفرض الحجاب علي الطالبات في عمر مبكر.
في هذا الخصوص أري أننا في حاجة لقرار جريء لإلغاء التعليم الأزهري وتحويل مدارسه ومعاهده وكلياته للتعليم الحكومي. فلا يصح أن تدعم الدولة تعليما لن يكون ضمن مخرجاته المواطن الصالح الحر الذي من المفترض أنها تستهدفه.
ثانيا : كليات التربية
باعتباري كنت طالبا في كلية التربية يمكنني القول إن كليات التربية هي المفرخة الأكبر لهؤلاء الذين ينقلون المعرفة السلفية (بالمعني العام) للنشء. كلية التربية الوحيدة التي يضمن الطالب فيها وظيفة بعد تخرجه مما يجعلها هدفا لأبناء الطبقات الفقيرة وخصوصا من أبناء الريف الذين تلقوا معارف سلفية بطبيعتها وتعطلت عقولهم عن مراجعة ما تلقوه. ورغم أن راتبي منتصف التسعينيات بعد التخرج من الكلية كان (101 جنيه مصري فقط لا غير!) فقد ظلت الوظيفة الميري حلما للملتحقين بالكلية خصوصا بعد أن صارت الدروس الخصوصية هي الأصل في التعليم لا الاستثناء.
المشكلة الثانية في كليات التربية أنها تدرس العلوم التربوية جنبا إلي جنب العلوم الطبيعية والإنسانية. بالنسبة لي كان علي دراسة علم نفس الطفل وأسس التربية ومباحث تربوية أخري جنبا إلي جنب الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا الحضارية والجيولوجيا والتاريخ وعلم النفس والفلسفة.. إلخ. هذه الطبيعة المزدوجة للكلية تدفع الطلاب لتجاهل العلوم التربوية كأنها علوم زائدة عن الحاجة، والحقيقة أن أساتذة هذه العلوم في الكلية يستسلمون لذلك.
إضافة إلي ذلك فإن طالب كلية التربية مثله مثل طالب كليات الأزهر بسبب كثرة العلوم التي عليه تحصيلها وبسبب تشتتها بين فضاءين مختلفين وبسبب زيادة عدد الملتحقين بها فإنه، هو وأساتذته، لا يكون لديه الوقت الكافي لإعمال عقله فيما يدرس من علوم، بل إن آليات الحفظ والترديد تكون الآليات الأفيد لطالب يريد التخرج سريعا للالتحاق بالوظيفة. وهو ما ينعكس بالضرورة علي طريقة تدريسه لتلاميذه فيما بعد، فلا يكون أمامه إلا تعليمهم علي النحو نفسه الذي تعلم به، كشيخ معمم يجلس ساندا ظهره علي عامود داخل الأزهر.
وعليه أقترح أولا توقف كليات التربية عن منح الليسانس، وأن تتحول الكليات لتدريس دبلومات تربوية لمدة عامين فحسب لمن يرغب في استكمال تعليمه بعد الجامعي. أي أن عليها أن تستقبل خريجي كليات العلوم والآداب الراغبين في العمل كمدرسين، بما يضمن أولا أنهم قد حصلوا علي كفايتهم من العلوم الأصلية وبما يضمن ثانيا تفرغهم لدراسة العلوم التربوية لمدة عامين دون تشتيت، وبما يضمن ثالثا عدم التزام الدولة بتعيين جميع خريجي كليات التربية حتي حين لا يكون لديها حاجة لهم.
ثالثا: المدرسون
تتعلق هذه المسألة بالطبع بالمسألتين السابقتين. فإن كانت كليات التربية تخرج مدرسين سلفيين (بالمعني العام والخاص) فإن هؤلاء لا يسعهم إلا تعليم تلاميذهم كما أسلفنا القول علي النحو نفسه الذي تعلموا به. ليس هذا فحسب بل إن أغلب هؤلاء يكون لديهم إحساس بأنهم مندوبو العناية الإلهية لتلقين تلاميذهم كراهيتهم للنساء ولغير المسلمين، وما يحدث في المدارس من تمييز ضد غير المسلمين يحدث بترتيب من هؤلاء.
هناك ضرورة إذن لمراجعة قواعد العمل بالمدارس بما يسمح بألا تكون العملية التعليمية رهينة ثقافة المدرسين، وأن تكون هناك محاسبة صارمة لكل من يثبت تورطه في فعل تمييزي ضد النساء وغير المسلمين، وضد كل من يثبت أنه عبَر عن قناعاته الشخصية سواء الدينية أو السياسية أمام تلاميذه.
هناك ضرورة أيضا لتنظيم دورات تدريبية وتثقيفية للمدرسين، دورات في المواطنة وحقوق الإنسان وفي مستجدات العلوم التربوية، ودورات لتوضيح فلسفة الوزارة واستهدافها لمواطن حر في عقله وفي عقيدته وفي ممارسته السياسية.
هناك ضرورة أيضا للتوقف عن تعيين خريجي كليات التربية أو غيرها، وأن يكون التعيين بمسابقة محددة الآليات لاختيار العناصر الأفضل تربويا وعلميا وثقافيا وإنسانيا أيضا. بل أزيد وأقول إن علي وزارة التعليم أن تستفيد من حملة الماجستير والدكتوراة الذين يبحثون عن عمل علي أن تمنح هؤلاء مكافآت وبدلات خاصة تبعا لدرجتهم العلمية لتمييزهم عن المدرسين غير الحاصلين علي مؤهل علمي فوق جامعي.
رابعا: التعليم الجامعي
منذ عدة أعوام كتبت مقالا بعنوان "جامعة طه حسين وجامعة الموظفين" لعله صالح للقراءة. تحولت الجامعات بفعل فاعل إلي مخزن للموظفين لا للعقول. لأسباب عديدة دأبت الجامعات علي تعيين الطلاب الموظفين لا الطلاب المتفوقين، وما أقصده بالطلاب الموظفين هؤلاء الذين "يسمعون الكلام" علي طريقة موظفي تشيخوف المرتعشين. هؤلاء الذين يحفظون أضابير العلوم كما يحفظون اللوائح جيدا. موظفون تفوقهم الأساسي إن لم يكن الوحيد في القدرة علي "الأرشفة"، علي وضع العلوم داخل ملفات محفوظة موروثة عن موظفين أقدم. ولعل الإحصائية التي كشف عنها وزير التعليم العالي دكتور حسام عيسي والتي تقول إن عدد أساتذة الجامعة من جماعة الإخوان يصل إلي 1800 أستاذ في جامعات مصر كلها دليل علي ما أقول. 1800 أستاذ من الإخوان إضافة إلي المتعاطفين مع أفكارهم تعني أننا بإزاء كارثة علمية رهيبة. لست هنا مهتما بأفكارهم في تفاصيلها ولكني مهتم بطريقة تفكيرهم السلفية الطابع ورؤيتهم غير النقدية للعالم والتي تعتمد علي ما يقوله السلف الصالح، سواء السلف الديني أو السلف العلمي.
لتجاوز هذه الأزمة علينا أن ندقق في تعيين أعضاء هيئات التدريس، أن نعيد النظر في طريقة تدريس العلوم في الجامعات والتي لم ترث من جامعة طه حسين غير اسمها. إن خروج الجامعات المصرية من تصنيفات أفضل 500 جامعة في العالم تعني أننا لا نقدم للعلم شيئا وأن كل الأبحاث التي يصنعها الأساتذة الموظفون ليست أكثر من إعادة تجميع لمعرفة سبق تجميعها علي نحو مختلف في الماضي، ولكنها لا تعدو أن تكون تجميعا للمعرفة، أرشفة جديدة لمعارف قديمة.
لن نتجاوز تلك الكارثة إلا بتحرير البحث العلمي من السلفية المقيتة، إلا باستقدام أساتذة من العالم المتحضر للتدريس في الجامعات المصرية، إلا بمشاركة هؤلاء الأساتذة في الإشراف المشترك علي الرسائل المقدمة، إلا بالاهتمام بإرسال طلاب الدارسات العليا للخارج إلي الجامعات الكبيرة وإلي الدول ذات الثقل العلمي.
لن نتجاوز تلك الكارثة إلا بتحرير الجامعات نفسها من المجتمع، من الثقافة الرجعية للمجتمع، وربط الجامعات بمراكز البحث في العالم، وإعادة النظر في كل اللوائح المنظمة للعملية التعليمية، ومعاقبة كل ما يضيق علي الباحثين بحجج غير علمية كما حدث مع دكتور نصر حامد أبو زيد ودكتور علي مبروك، وأن تظل معارك الجامعة داخل أسوارها.
خامسا : المؤسسة الدينية
وأعني هنا المؤسسة بمعناها الضيق المتمثل في الأزهر والكنيسة وبمعناها الواسع باعتبارها خطابا محافظا ورجعيا.
بالنسبة للأزهر لا يسعني إلا القول بأنه علي خلاف الشائع لم يكن يوما من الأيام منبرا للوسطية الإسلامية بل إنه يؤسفني أن أعيد ما قلته في مقال سابق أولا لأن مراجعة تاريخ الأزهر، تكشف عن تورطه كمؤسسة دينية، في ترسيخ الفكر السلفي الأصولي النصوصي، الذي هو الأساس النظري لكل الحركات الإسلامية التي تبنت العنف منهجا. بل إن مراجعة التاريخ تثبت خطأ المقولة الشائعة التي تدعي أن السلفية الوهابية نبت مستحدث في مصر تم في سبعينيات القرن العشرين مع عودة العاملين في بلدان الخليج، وبالذات السعودية. ذلك أن السلفية اكتمل انغلاقها قبلها بسنوات بين جنبات الأزهر نفسه، وليس خارجه، ويكفي مراجعة منجز الشيخ رشيد رضا، تلميذ الإمام محمد عبده، السلفي الإصلاحي، الذي انحرف عن أو انقلب علي منهج أستاذه وتشدد في ما لم يكن الإمام يتشدد فيه، لنتبين كيف تم تدشين منهج السلفية الأصولية في العصر الحديث، وهي السلفية التي حذر الإمام محمد عبده، رغم سلفيته بالمناسبة، منها، ومن رجالها. ويكفي أن نعرف موقف الإمام أحمد الطيب من فكرة تنقية البخاري لنعرف قدر الأصولية المهيمنة علي الأزهر. الإمام الطيب يقف بشدة أمام فكرة مراجعة البخاري رغم أن دراسته للفلسفة كانت تحتم أن يكون أول الداعين لهذه الفكرة.
وعليه فإننا بحاجة لتأسيس مجلس أعلي تكون عضويته من الباحثين لعلوم القرآن بالأساس من خارج المؤسسة الدينية تكون مهمته تنقية التراث وإعادة النظر في التراث الديني بمناهج علمية متطورة علي غرار مؤسسة علوم القرآن التي أشرف دكتور نصر أبو زيد علي تأسيسها في ماليزيا.
كما أننا بحاجة لإرسال الدعاة إلي الخارج لتعلم مناهج القراءة والتفسير الحديثة لتمكنهم من قراءة تراثهم الديني قراءة جديدة، وأن تكون هذه الإرساليات مسوغ العمل الدعوي.
أما بالنسبة للكنيسة فإننا بحاجة لمنع ممارسة الكنيسة لغير العمل الدعوي، حتي لا تستمر الكنيسة في القيام بأدوار هي من صميم عمل الدولة وحتي يتوقف المسيحيون عن التعامل باعتبارهم شعب الكنيسة لا جزء من شعب مصر.
سادسا : وزارة الثقافة
لا يتخيل أحد أن كل هذه الرجعية والتخلف المتأصلين في بنية العقل المصري في وجود وزارة للثقافة! ولا يتخيل أحد أن الوزارة التي تنتج كل هذه العروض المسرحية وكل هذه الكتب لا يسعها تنوير العقل المصري! هذا فقط لأن الوزارة لا يديرها المثقفون!
أقول إننا بحاجة لإعادة النظر في دور المجلس الأعلي للثقافة وطريقة اختيار أعضائه. في هذا الخصوص أقترح أن تكون عضوية المجلس الأعلي للثقافة مشروطة بالحصول علي جوائز لها ثقل، سواء جوائز الدولة نفسها أو الجوائز الكبيرة مثل جائزة العويس وجائزة البوكر العربية وجائزة ساويرس وغيرها. وأن تكون مهمة المجلس إعداد الخطط والاستراتيجيات للعمل الثقافي، وأن تكون قرارات وتوصيات المجلس ملزمة لوزير الثقافة الذي يجب اختياره من أصحاب الرؤي الثقافية وليس من دولاب الوزارة. وأن تكون ضمن مهام المجلس الأعلي اختيار من يشغل المناصب في الوزارة لضمان جديتهم في تنفيذ تلك القرارات والتوصيات والاستراتيجيات، وأن يكون لديهم القدرة علي عزل أي منهم في أي وقت إن ثبت عدم جديته ومحاسبة الآخرين المقصرين في العمل. وأن تكون لديهم رؤية واضحة للتعامل مع المجتمع وكيفية تنوير العقول الهدف الأسمي من أي فعل ثقافي.

وأخيرا فهذه مجرد اقتراحات قد لا تكون كافية، وهي بالضرورة غير كافية، ولكنها في ظني تصلح لأن تكون ورقة عمل يمكن النقاش حولها إن أردنا بجدية أن نخرج من النفق المظلم الذي يحبس أنفاس المستقبل وحتي لا نفاجأ بعد سنوات من الآن بعودة جماعة الإخوان وجماعات التكفير والأصولية مرة أخري بسبب تقاعسنا عن تفكيك بنية العقل المصري التي هي البيئة المستوعبة طوال الوقت لأفكار تلك الجماعات والمرحبة بها.نأتي هنا للنقطة الأهم والمتعلقة بالتعليم الديني أو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.