يقال أن نسخة من أوراق الدولة المصرية كانت تذهب إلي الأستاذ هيكل بوصفه الصحفي الذي سيكتب حكاية الثورة..كما اخبره عبدالناصر ذات مرة:" ستكتب أنت وحدك قصتنا.. ". بالفعل كتب هيكل السردية الكبري لثورة يوليو، بما كان لديه من وثائق، وعلي الهامش كان هناك سرديات أخري " صغري" قد تكون مخالفة للسردية الكبري، تطعن فيها أحيانا، أو تقدم رؤي مختلفة، أو تحاول خربشة هذه السردية الكبري! من يكتب إذن تاريخ ثورة 25 يناير؟ يبدو الصراع الآن ليس فقط علي الحاضر أو وإنما علي ما الذي سيكتبه التاريخ عما جري. صراع علي التاريخ. السلطة تريد أن تقدم سردية أخري جديدة لكل الوقائع..الشرطة التي شاهدناها تقتل المتظاهرين في التحرير، والحزب الذي دعم بلطجيته للهجوم علي المتظاهرين فيما عرف بموقعة الجمل، يريد الآن أن يقدم شيئا مختلفا..أن الثورة مؤامرةخارجية، والقتلة " طرف ثالث".. ولو كنت شاهدت بنفسك ينبغي أن لا تصدق عينيك. والإخوان أرادوا تمرير سردية خاصة بهم..هم وحدهم الذين شاركوا في الميدان، هم وحدهم من هتفوا، هم وحدهم الذين تحملوا قمع السلطات المختلفة..في هذه السردية المزيفة، لا منع أن يضع موقع الإخوان بيانات مصورة يلقيها أحد أعضاء الجماعة يكتبون عليها تاريخا آخر مزيفا.. وكأنهم قادة الثورة وموجهيها.. بل أن خيرت الشاطر كان يراهن علي أنهم من سيكتبون التاريخ. تماما كما راهن مبارك علي " التاريخ" الذي سينصفه بما له وما عليه. ولا تعدم سردية الإخوان ذ أثناء حكمهم- أن يخرج محمد مرسي لكي يعلن أيضا أن " الشرطة هي صاحبة العبور الثاني في ثورة يناير"..... الثورة تائهة، أو قواها الديمقراطية لا يعنيها التاريخ..ربما ثقة في أنه لا مكان للسرديات الكبري الآن، التاريخ الحقيقي هو مجموعة من سرديات صغري، تنتصر كلها للثورة..لا للمتعجلين في تزيف التاريخ أو نقل صورة مخالفة لما جري. من سيكتب تاريخ ثورة يناير؟ ربما سيكون صعبا علي المؤرخين بعد خمسين عاما الالمام بكل التفاصيل، أو الرجوع الي هذا الكم الهائل من الجرائد المختلفة التي توثق كلها لحدث واحد برؤي مختلفة ..ولكن سيكون مناسبا جدا أن نتلمس صور الضحايا لنعرف أين كانوا ..وماذا فعلوا؟ ربما يكون تصورا طوباويا لو أن جهات محايدة الآن اسمتعت إلي شهادات حية لما جري منذ 25 يناير، وربما قبلها، اسمتعت الي شهادات المشاركين في أحداث محمد محمود ( الأولي والثانية)، مجلس الوزراء، بورسعيد (الأولي والثانية)...وغيرها ..شهادات تستمع الي حكايات المسئولين ، وما لديهم من أوراق ..ربما نفض ما يحيط بهذه المرحلة من غموض. ربما يكون مناسبا إقناع المسئول أن شهادته سوف تكون سرية، ولن يفرج عنها لفترة زمنية محددة..ولكنها ستساهم في أن يفهم المؤرخون ما جري؟ هل يمكن أن تقوم وزارة الثقافة أو دار الكتب أو الشئون المعنوية بهذه المهمة ..التي قد يصعب اقناع البعض بأن يشهد علي نفسه ..أو يعترف بجرائمه! ربما يصعب ذلك..ولكن الأهم أن ينبغي ان يعرف أن الألغاز التاريخية ستحل ذات يوم مهما حاول البعض أن يخبأها!