تثير الجوائز منذ سنوات جدلا، وفي هذا العام ومن داخل قاعة المجلس الأعلي للثقافة يمكن القول أن الصورة كانت ملخصا للأوضاع المضطربة العشوائية في المجتمع كله، الأسماء التي وصلت الي مراحل التصويت لا تعكس حقيقة الواقع الثقافي، والاحساس العام كان في أبسط وصف له، عدم الارتياح، لا أشك لحظة أن أي عضو في المجلس يتمني الكمال لنتائج الجوائز، حرصا علي سمعة الأعضاء ودوره وهيبته، لكن الأسماء المطروحة لم تساعد علي تحقيق ذلك، بل أن بعض هذه الأسماء التي كانت تعلن أثارت ابتسامات السخرية علي الوجوه بما فيهم رئيس المجلس نفسه، وزير الثقافة. سأضرب مثالا بجائزة الدولة التقديرية للأدب والتي أصبحت ثلاثة، منذ سنوات أكتب عن ضرورة منح جائزة الأدب لمبدعين فقط، إما روائي أو شاعر أو كاتب مسرح، جميع الجوائز الأدبية العالمية المرموقة، المحترمة تمنح لمبدعين وليس لأساتذة جامعيين، هذا الخلط يجب أن ينتهي، فلتخصص جائزة للدراسات الأدبية، ولكن جائزة الدولة للأدب يجب أن تقتصر علي المبدعين، ليس من المعقول أن يفوق عدد الأساتذة الجامعيين في القائمة المرشحة عدد المبدعين، وأن تغيب قامات روائية وشعرية كبيرة لأن ما من جهة قامت بترشيحها، هنا يجب أن يكون للجان المجلس نفسها دور ايجابي، فإذا رأت لجنة ما مثلا غياب أسماء هامة تستحق يجب أن تبادر بالاتجاه الي أصحابها وعرض ترشيح أسمائهم، بل أري ضرورة أحقية أعضاء المجلس في الترشيح للجائزة. من الأمور السلبية في المجتمع المصري الآن تفكك المؤسسات المكونة للدولة وتحولها الي قبائل، وفقر القيادات المختارة لكفاءتها الأمنية وليست العلمية، يبدو هذا واضحا في بعض رؤساء الجامعات وأساتذتها الذين يرون أن الالتصاق بالأمن أضمن للترقي من البحث، وفي جامعة اقليمية اقترح أساتذة الأدب اسم الروائي محمد البساطي لجائزة الدولة التقديرية (عار علي الجميع ألا ينالها البساطي حتي الآن)، ولكن رئيس الجامعة رفض الترشيح لأن الاسم ينتمي الي المعارضة! أصبحت الجامعات أشبه بالقبائل، كل منها يرشح من ينتمي اليه فقط، ولا صلة له بالمشهد الثقافي العام. من هنا عرضت علي المجلس أمور أشبه بالمهازل، الروائي أمين ريان والذي له مكانة رفيعة في التاريخ الأدبي ويشارف الآن التسعين يطرح لجائزة التفوق ويفشل في الحصول علي الأصوات اللازمة، كان المفروض علي لجان المجلس أن تعرف به، وأن تقدمه الي من لا يعرفه، للأسف يبدو أن بعض أعضاء المجلس نفسه لا يطالعون ما يرسل اليهم من تقارير، ربما لضخامتها (مثل تقرير جوائز التفوق).. انني أضرب فقط مثالا بأمين ريان لأن هناك أسماء أخري كانت تستحق جوائز الدولة وفشل أصحابها في الحصول علي جوائز التفوق، لقد دهشت عندما وجدت الدكتور محسن زهران وهو أستاذ كبير لعب دورا بارزا في انشاء مكتبة الاسكندرية مطروحا للتفوق وكان تعادله مع محمد السيد عيد سببا في حجبها عن الاثنين، ثم فوجئت أن اسم الدكتور محسن زهران مطروح أيضا للتقديرية وحصل عليها بالفعل، يجب ألا يرشح اسم واحد لجائزتين مغايرتين. الملاحظ أيضا أن الحضور الاعلامي أصبح له تأثير كبير، فالمرشح الأكثر حظا في الاعلام فرصه أكبر، لاحظت ذلك في مرشحين، كل منهما في نفس التخصص، أحدهما عالم كبير، لكنه منزو. لا يظهر في برامج التوك شو، ولا صفحات الرأي، زميله في نفس التخصص اكتسحه لأنه معروف اسما وشكلا، مع أن أهل الاختصاص يؤكدون أحقية الأول، لم تعد القيمة العلمية مهمة، المهم الانتشار الاعلامي، ولذلك أخشي يوما يجري التصويت فيه من خلال برامج التليفزيون. ظاهرة مؤسفة، هي تزايد مكالمات الضغط علي الأعضاء، وارسال الرسائل المكلفة ماديا مباشرة الي منازل الأعضاء، اقترح اعلان أسماء من يقومون بمثل هذا النشاط وحرمانهم من التصويت عليهم، هذه محاولة للتأثير تقترن وتتساوي مع التزييف. اجتماع المجلس الأعلي لدراسة قواعد الترشيح مرة أخري، وتوسيع دائرة المؤسسات والجمعيات التي لها حق الترشيح، وضرورة تنشيط دور الأكاديمية التابعة لوزارة الثقافة مرة أخري.أن الصورة التي بدت أمام الجميع يوم الاثنين الماضي سلبي تماما، ولا تعبر عن الواقع في الثقافة المصرية، وهذا فيه خسارة للجميع.