أزمة تبدو معقدة، واتهامات توحي بهجوم كاسح ل"النظام القديم" من أجل القضاء علي " المكتسبات الثورية"..ولكن مهلا هل المسألة هكذا بالفعل، أو دعونا نسأل بشكل آخر أكثر مباشرة ماذا قدمت وتقدم لجنة الشعر للشعراء؟ مظاهرات الإخوان..الحرب علي الإرهاب..الحكومة الفاشلة..تحركات الجيش..الحظر..حظر يوم الجمعة..ارتفاع الاسعار..سقوط قتلي بشكل يومي..لجنة الخمسين..الدستور..قانون التظاهر أم قانون الارهاب... هكذا تمضي حياتنا في مصر في الشهور الاخيرة، قلق من الاحداث الجارية، توتر يعم ارجاء البلاد، مصحوب بحالة من الانقباض مما هو قادم، والجميع محاصر بالازدحام الخانق للسيارات والبشر في شوارع مصر من أقصاها إلي أقصاها. وسط كل هذا تظهر عدة أخبار وتقارير صحفية علي استحياء تعلن عن وجود مشكلة في "لجنة الشعر" احدي اللجان التابعة للمجلس الاعلي للثقافة، الازمة باختصار بدأت عندما تم تكليف الشاعر والناقد محمد عبد المطلب برئاسة اللجنة بشكل مؤقت بدلا من الشاعر ماجد يوسف، الذي بدأ بفتح النيران علي من أزاحوه واصفا ما حدث بأنه "يعيدنا إلي المربع رقم واحد من جديد، مربع الديكتاتورية الثقافية، والاستبداد بالرأي، والتكريس لأوضاع بائسة، من سيطرة الرأي الواحد، والاتجاه الوحيد، والفكر الواحد" أو هكذا قال. أزمة تبدو معقدة، واتهامات توحي بهجوم كاسح ل"النظام القديم" من أجل القضاء علي "المكتسبات الثورية"..ولكن مهلا هل المسألة هكذا بالفعل، أو دعونا نسأل بشكل آخر أكثر مباشرة ماذا قدمت وتقدم لجنة الشعر للشعراء؟ في عهد رئيسها الخالد أحمد عبد المعطي حجازي، أو رئيسها "الثوري" ماجد يوسف، او الرئيس الحالي محمد عبد المطلب الذي بدأ ترتيب أوراق منصبه الجديد. ومن ناحية أخري هل يهتم الشعراء بتلك اللجنة؟ هل يرون انها تقدم لهم شيئا؟ هل هذا الصراع يخص الشعراء..أو يخص الشعر؟
من أجل تفكيك هذه التساؤلات طرحناها علي عدد من الشعراء الشباب، الذين يمارسون كتابة الشعر، بحكم كونهم "أهل الدار" المفترضين، ويجب أن نشير إلي أن كلمة "الشباب" ربما تحتاج إلي شيء من التوضيح حيث اننا لا نتحدث عن شعراء في عشر بيناتهم ، ولكن نتحدث عن شعراء تخطوا عقدهم الثالث وبدأوا التحرك فيه، وغالبية من تحدثنا معهم ينتمون إلي ما يمكن أن نسميه جيل ما بعد التسعينات، حيث أن هناك من لازال يتعامل مع أبناء التسعينات علي اعتبار أنهم شباب.
تامر فتحي بدأ حديثه قائلا " في الاجواء التي تعيشها مصر الآن عندما يزاح أي مسئول عن منصبه يتهم الثورة بشكل ما أنها السبب في ذلك" ولكن هناك سؤال أكثر جوهرية بالنسبة لصاحب "بالأمس فقد زرا" وهو "ماذا قدمت لجنة الشعر للشعراء؟" بل ويوسع تامر سؤاله ليصبح "غير قدمت وزارة الثقافة بالاساس للمثقفين عير انها عملت علي تطويعهم وحشدهم في كرنفالات لا معني لها سوي تلميع الوزارة ومن ورائها النظام". أميرة الادهم كان لديها سؤال قريب مما طرحه تامر "ماهي لجنة الشعر أساسا؟ وما هي التغيرات التي تحدث في الكتابة الشعرية المصرية بسبب لجنة الشعر؟ هذا كيان وهمي يضم مجموعة من العجائز ولاتقدم "لنا" أو "لكتابتنا" شيئا حتي نهتم بمعرفتها. وتري أميرة أن المبدع في مصر وخاصة من مجايليها لا ينتظر شيئا من وزارة الثقافة ومؤسساتها، حيث ان هذه الكيانات معزولة عن الحركة الحقيقية للابداع، التي تحدث خارج اطار تلك المؤسسات، وهكذا تتشكل العلاقة بين المبدع والمؤسسة فالتيار الابداعي الحقيقي يجري بعيدا عن المؤسسة، يحاول ان يشق طريقه عبر دور النشر الخاصة، ويلتقي بالناس عبر حفلات التوقيع والندوات التي تقيمها مثل هذه الكيانات الخاصة، وكما تري أميرة المؤسسة أصبحت هي الهامش، وما هو خارجها هو متن الابداع الرئيسي.
من ناحية أخري لا تري أن مثل هذه الازمات وتلك الكيانات لا تؤثر في الابداع نفسه "شالو يوسف ماجد جابو عبد المطلب محمد؟ ده غيّر حاجة؟..بلاش..علاء عبد االعزيز رمز أسوأ سلطة، ديكاتورية دينية رجعية... هل ده غيّر حاجة في ابداع حد؟" بينما تبقي الحادثة الاشهر التي يذكرها تامر عن لجنة الشعر هو ما وقع من العقاد مع الشاعر الشاب وقتها صلاح عبد الصبور في أواخر الخمسينات حينما رفض اعتبار ما يكتبه صلاح شعرا ووقع بالجملة الشهيرة "يحول للجنة النثر". هكذا تبدو هذه الازمة وهذه اللجنة لا تخص تامر كما يشعر، فهو يتفق مع اميرة الادهم في كون هذه الكيانات لم تقدم شيئا للمبدعين علي مدار تاريخها، وكان الأروع دائما في الابداع المصري ما يأتي من خارج سياق المؤسسة. ولا ينتظر تامر شيئا من اللجنة "فنحن نشرنا دواويننا علي نفقتنا الخاصة، وصنعنا قراءتنا وأمزجتنا بعيدا تماما عن لجان وزارة الثقافة".
عبد الرحيم يوسف بدا أكثر هدوءا في رؤيته للجنة وأزمتها إذ لا يهتم بهذا العراك بشكل شخصي ذ ولا يقصد الترفع خاصة مع اسماء لها قيمتها كمبدعين أو نقاد ذ خاصة أنه حتي الأن مازال يحمل ذكري طيبة لكتاب النص المشكل لمحمد عبد المطلب والكثير من قصائد ماجد يوسف لكن وسنترك الحديث لعبد الرحيم.. "فعلا أنا كشاعر ماليش علاقة بالمؤسسة الثقافية الرسمية وكأحد العاملين في المجال الثقافي الأهلي برضه ماليش علاقة بالليلة دي .. لكن طبعا كشاعر وكواحد شغال في العمل الثقافي الأهلي العركة دي بتحط خطوط واضحة تحت : عبثية صراع حوالين رئاسة لجنة دورها ما بيتعداش المكان اللي بتجتمع فيه أو بالكتير مقر المجلس الأعلي للثقافة نفسه، والأغرب إن يتم الزج بإشارات ليها علاقة بالثورة والنظام القديم من واحد كان رئيس قناة حكومية لفترة طويلة، يعني من السهولة إن الطرف التاني يقول له أهو إنت ! الخط التاني بيتحط تحت فايدة وجود اللجنة مبدئيا وفايدة وجود المجلس الأعلي كله بلجانه بمؤتمراته .. اللي هو برضه ح يفتح باب ضرورة وجود وزارة الثقافة نفسها، يعني هل ممكن المجلس الأعلي للثقافة يتحول فعلا لهيئة لجانها معنية أولا وأخيرا بدعم المشاريع الثقافية سواء الشخصية أو الأهلية بدل ما هي تحولت للجان تكريم بيسعي أعضاؤها لتكريس وجودهم وكأنها مكافأة نهاية خدمة في الإبداع! هل ممكن كل الأوراق والمشاريع اللي تقدمت وانطرحت في التلات سنين اللي فاتوا حوالين إعادة هيكلة وزارة الثقافة ومؤسساتها (وأولها المجلس الأعلي) يكون لها أي تأثير في اللحظة دي ولا هو فعلا الناس بعد سنة مرسي المريرة بقي عندها استعداد تقبل النظام القديم باعتباره كان أحسن من الهم التقيل اللي شفناه في السنه دي خصوصا في الثقافة؟؟ ساعتها يبقي العركة دي في رأيي أكبر دليل علي عودة النظام القديم أو في الحقيقي علي خلوده".
من ناحيته يتفق إسلام سلامة مع ما طرحه ماجد يوسف حيث يري أنه ذ أي ماجد "حاول أن يجمع شمل الشعراء ولم يقص اي اتجاه شعري بداية من شعراء القصيدة العمودية وانتهاءً بقصيدة النثر مرورا بقصيدة التفعيلة وكان في حالة من التنوع بين الاطياف الشعرية بمختلف اتجاهاتها". وبالتالي فما يحدث الان بالنسبة لإسلام هو "اعادة لطرح اسماء أحادية الاتجاه والفكر عانينا منها كشعراء في الفترة السابقة خلال توليهم لزمام اللجنة لأنهم عملوا نوع من الاقصاء لكل الاتجاهات الحديثة او نستطيع نقول لكل شعراء الحداثة وما بعد الحداثة - اذا جاز المصطلح - ورأينا أنهم يكرسون لسيادة اتجاه واحد في الشعر متمثل في القصيدة الغنائية كقصيدة التفعيلة أو الشعر العمودي وفي ابراز وجوه واصوات بعينها ربما عفا عليها الزمن وكل منجزها الشعري قصائد سبعينية صارخة يلقونها في كل المؤتمرات والندوات، بالاضافة إلي التشويه المستمر للكتابات الجديدة" ويرجع اسلام ذلك "لأنهم يشعرون ان ظهور الموجة الجديدة من شعراء قصيدة النثر حيسحب بساط النجومية من تحتهم". رغم كل هذا يؤكد إسلام "بالنسبة لنا في منطقة الواحات او الوادي الجديد تحديدا لم نكن نشعر بدور أو تأثير للجنة الشعر وكان كل الدور الذي نعرفه عن اللجنة انها مجرد جهة تنظيمية لبعض المؤتمرات والندوات الشعرية او انها في بعض الاوقات لها من يمثلها في اختيار جوائز الدولة وغير ذلك فلا شيء" ويعود إسلام ليختم حديثه قائلا " ان هذا الصراع علي رئاسة اللجنة في النهاية تكريس لمصالح شخصية تحكمها الشللية الثقافية الموجودة في الواقع الادبي في مصر بشكل عام".