ترامب يصف محاكمة بولسونارو ب"العار" ويقر رسوماً جمركية 50% على البرازيل    المبعوث الأمريكي: طريق واحد أمام "قوات سوريا الديمقراطية" هو دمشق    إعلام: الولايات المتحدة تستأنف إمداد أوكرانيا بالقذائف والصواريخ    إصابة 4 أشخاص إثر انفجار إسطوانة فريون بمركز صيانة بالفيوم    تشييع جنازة المطرب الشعبى محمد عواد اليوم من المسجد الكبير بالقنطرة شرق    بالأسعار والمساحات، الإسكان تطرح أراضي تجاري إداري سكني    الضل، رحلة أدبية إلى قلب الإنسان وحقيقته الغائبة للكاتب خالد الشربيني    فاصل زمني يقطع جرائم الاحتلال وآمال فلسطينية لإنهاء الإبادة    نجم الأهلي السابق ينصح برحيل ثلاثي الفريق    الزمالك: شيكابالا اعتزل بدون ضغوط من أحد    اليوم، غلق باب تقديم طلبات الترشح لعضوية مجلس الشيوخ    شركة البرلس للغاز تنجح في إضافة البئر الثاني "سبارو ويست-1" إلى خريطة الإنتاج بمعدل 40 مليون قدم مكعب يومياً    تشابي ألونسو: مررنا بيوم صعب أمام باريس سان جيرمان    نتيجة تخبرنا أين نقف الآن، ألونسو يكشف سبب الهزيمة أمام باريس سان جيرمان    رسالتان مؤثرتان من أرني سلوت وروبرتسون ل ديوجو جوتا    "محل شكوك".. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على شركة الزمالك    تفاصيل تحرك الزمالك لضم جوهرة تونس    برعاية ممدوح عباس.. الزمالك يضع الرتوش الأخيرة على صفقة من العيار الثقيل (تفاصيل)    السفير صلاح حليمة: البحر الأحمر هو المنطقة الرئيسية في صراع الشرق الأوسط    ارتفاع نسب الرطوبة.. تعرف على طقس اليوم الخميس 10-7-2025    "4 وفيات وخسائر خسائر وأبطال خلف الدخان".. حريق سنترال رمسيس من الاشتعال للسيطرة    "ثبتها بسكينة ومفك".. حكم قضائي ضد المتهم بسرقة سيارة سيدة بالإكراه في الجيزة    محكمة كورية جنوبية تؤيد القبض على الرئيس السابق    حماس توافق على إطلاق 10 محتجزين.. وخلاف في ثلاث نقاط" و"القسام" تكشف عن محاولتها أسر جندي صهيونى    "اللعبة كبرت".. طرح التريلر الرسمي لفيلم "الشاطر" بطولة أمير كرارة    شيكابالا يدعم إبراهيم سعيد بعد خروجه من السجن.. ماذا قال؟    ما أحكام صندوق الزمالة من الناحية الشرعية؟.. أمين الفتوى يوضح    «مستقبل وطن» يختتم اجتماعاته اليوم بلقاء مرشحي الشيوخ 2025    لرسوبه في التاريخ.. أب يعاقب ابنه بوحشية    سعر السمك والكابوريا والجمبري ب الأسواق اليوم الخميس 10 يوليو 2025    أهالي المفقودين في «غرق الحفار»: «منتظرين جثامينهم.. عايزين ندفنهم»    النائب العام يشارك في اجتماعات «اليوروميد» بلاهاي ويبحث مع رئيس «يوروچست» تعزيز التعاون القضائي والتدريب المشترك    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم ب السعوديه ب بداية تعاملات الخميس 10 يوليو 2025    بورصة الدواجن.. أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 10-7-2025 في قنا    جامعة كفر الشيخ: مركز التطوير المهنى نموذج خدمى متكامل    نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة: العوائق كانت كثيرة في قطاع غزة    ضياء رشوان: الرؤية المصرية بشأن "اليوم التالي" في غزة الأكثر واقعية    الهيئة العليا للوفد توافق على طرح الثقة في رئيس الحزب و"عمومية" غير عادية 25 يوليو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 10-7-2025 في محافظة قنا    عصام السباعي يكتب: الأهرام المقدسة    مستشار الرئيس لشؤون الصحة: ظهور متحور كورونا الجديد «نيمبوس» في 22 دولة    عميد القلب السابق يكشف المؤشرات الأولية ل الإصابة ب الجلطات (فيديو)    منذ أكثر من 30 عاما..الولايات المتحدة تشهد أسوأ تفش للحصبة    أحمد سعد يثير الجدل بحقيبة هيرمس.. لن تتوقع سعرها    أحدث ظهور ل آمال ماهر على السوشيال ميديا بفستان زفاف    أصيب به الفنان إدوارد.. 5 علامات تكشف إصابتك بسرطان الكلى    رسميا خلال أيام عبر بوابة التعليم الفني.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025    شهادات عمال وفنيون على رصيف سنترال رمسيس: «كلنا نازلين نِلحَق نِرجَّع الخدمة»    «الدفع كاش فقط».. ارتباك في بنزينات القاهرة بعد حريق سنترال رمسيس    سعر طن الحديد والأسمنت ب سوق مواد البناء اليوم الخميس 10 يوليو 2025    «ترقب ومعاناة».. طلاب الثانوية العامة يروون ل«المصري اليوم» رحلة البحث عن الإنترنت    ارتفاع نسب السرطان بين الشباب.. عميد القلب السابق يحذر من الموبايل (فيديو)    فتح باب التقدم للالتحاق بمدارس التمريض «بنين وبنات» في الشرقية (الشروط والأماكن)    رئيس محكمة النقض يستقبل نقيب المحامين    77 مترشحًا يتقدمون لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في اليوم الخامس لتلقي الأوراق    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفى القرآنى» مبادرة تعزز دور الأزهر فى خدمة كتاب الله    بدايًة من 12 يوليو.. أماكن امتحانات كلية التربية الفنية في المحافظات لتأدية اختبارات القدرات لعام 2025-2026    أفضل دعاء للرزق بالولد وفقًا للقرآن والسنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السيد» المفتي السياسي للديار المصرية!
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 09 - 2013


مع فكرى أباظة وجلال الحمامصى
ترددت كثيراً قبل الموافقة علي الكتابة عن السيد محمد حسنين هيكل، لعديد من الاعتبارات، أولها: شخصيته المركبة التي تنطوي في جوانحها، وتركيبها علي أبعاد وظلال وهوامش، أكبر من تلك التي تبرز في كتاباته علي اختلافها، أو في خطابه الشفاهي، ومن ثم يبدو التركيز علي التحليل النقدي لخطابه، والأحري خطاباته، أمراً غير كافٍ، بل ويتيح الفرصة لتطبيق بعض المقولات الشائعة والمتحيزة الناقدة له، في سهولة وبساطة وأحياناً بخفة تبدو شائعة في الخطاب الهجائي لناقديه، والتي تنطوي علي مضمرات بعضها ذاتي- ذات طبيعة إيديولوجية تتسم بالعمومية والانتقائية، تركز علي بعض جوانب تجربته المتفردة في الصحافة والسياسة في نطاقات مصرية وعربية.
من ناحية أخري التركيز علي بعض الجوانب دون الأخري يؤدي إلي الوقوع في بعض الخطاب المدحي الذي يروجه محبوه ومؤيدوه الإيديولوجون، وتلامذته في الأهرام أو خارجها، كلا المدخلين في مقاربة شخصية وكتابات الصحفي الكبير تؤدي إلي إنتاج المقولات الشائعة عنه مدحاً، وقدحاً.
من هنا يبدو لي صعوبة رصد ووصف وتفكيك وتحليل وتفسير بنية الخطاب "الهيكلي"، ومن ثم هو أمر يحتاج إلي رؤية ورصانة وإعداد ودأب في توثيق، وتصنيف إنتاج كتابي ذ أو خطابي- ضخم يتسم بالكثافة والشمول، ويحتاج من ثم إلي مسافة إزاء الشخصية، والعواصف السياسية التي أحاطت بها، وتفاعل معها كمراقب أو محلل أو كطرف فاعل فيها. من هنا يبدو عصياً سرعة إنتاج بحثي موضوعي وتاريخي حول الإنتاج الصحفي والتاريخي والسياسي لكاتب كان ولا يزال ملء السمع والبصر ينتظره كثيرون ليعرفوا تحليله ورأيه في تدافع وتكاثف الأزمات الممتدة والواقعات السياسية المتغيرة التي تحيط بالدولة والسلطة والفاعلين في دوائرهما.
رجل سياسي وكاتب عصي علي التلخيص، والإيجاز وإصدار أحكام القيمة المعيارية بين حدي الإيجاب أو السلب، أو ما بينهما من هوامش وظلال ورماديات. الخطاب و"الفكر" اليومي الذي يخلط بين الذاتي والموضوعي في إنتاج هيكل الكتابي، أو الشفاهي، يبدو تبسيطياً وينطوي علي تعميمات ولغة أقرب إلي الخشبية، وفق التعبير الفرنسي، ومن ثم لا يفيد كثيراً وإنما يكرس الانطباعات السانحة والتأملات العابرة في مقاربة الرجل وتاريخه ومعاركه التي تداخل فيها مواقف رؤساء الجمهوريات ذوي السلطات المطلقة وتابعيهم، وبعض من بقايا الليبراليين الذين انتموا إلي عالم مصر شبه الليبرالية، وكانوا في حالة كراهية وعداء لثورة يوليو، ولجمال عبد الناصر ومشروعه السياسي والاجتماعي، ومن ثم للأستاذ هيكل.
ترددت لأنني لا أعرف الشخص، كمريديه وعارفي فضله وربما أتيح لبعضهم أن يقترب، وربما استطاعوا سبر بعض أغواره أو ملامحه التكوينية، وبعض سماته التي لا تبدو في الخطاب الشفاهي أو المكتوب له، حتي تستقيم مقاربة شخصيته وتجربته الاستثنائية في الاطارين المهني والسياسي، وتتوافر لها شروط المنهج، والمعلومات الدقيقة، والموضوعية، بديلاً عن الجنوح المعياري الشائع في الجدالات والسجالات القيمية، التي لا تنتج سوي محض الهجاء وشظاياه المتناثرة والمشتعلة.
تنطلق هذه المقاربة حول هيكل من محض المتابعة لإنتاجه وبعض ملاحظات حول خطابه وشخصيته ومساجلاته السياسية، ومن ثم تبدو موشومة بالثغرات، وربما الأخطاء التي تشوب الملاحظات العابرة حول شخصية يصعب الامساك بجوانبها المتعددة، ودهاليزها المختلفة.
محمد حسنين هيكل "السيد"، لعل هذا الوصف أهم من وصف "الأستاذ"، لأنها صفة لصيقة به، بحكم دوره المهني وإنتاجه ودوره، من هنا يبدو وصف "السيد" أقرب إلي تجربته داخل النظام الناصري وكان وصف "السيد"، أثيراً لدي جيلنا الذي غوته الأفكار العدالية ومشروعاتها الاجتماعية والسياسية ولا نزال، واللغة والأوصاف الأثيرة لدينا مستمدة من متن الحرية والمساواة والعدالة بين الناس. "وأن الكل "سيد" في ظل الجمهورية".
"السيد" شخصيته مركبة ومتعددة الأبعاد، ويتداخل فيها السياسي ورجل الدولة والصحفي والراوية، والروائي السارد في أعمال الكتابية، والشفاهية، حيث تبدو تجليات هذا التركيب الثري بعيداً عن أحكام القيمة تبدو لديه مهارات السارد، والسرد، والتشويق والمفاجأة، والمواقف والآراء التي قد تبدو صادمة حيناً للمتلقي، والتي تختطف دهشته من مغايرة ما يكتبه أو يقوله شفاهة أحياناً مع ما هو سائد من آراء أو انطباعات ودائماً ما يختلطان لدي بعضهما من ذوي الذهنية السائدة. سرد "السيد" تتداخل فيه قدرة استثنائية علي التقاط التفاصيل الدالة والمحمولة علي رموز وإيحاءات ومن ثم قدرته علي سبر أغوار المكان وتاريخه في علاقته بالشخصية التي يكتب عنها، ويسبر أغوارها وأبعادها النفسية في علاقتها بدورها ورؤاها وقراراتها السياسية.
ثمة ذاكرة بصرية متقدة قادرة علي تكثيف دلالة الحالات، والصور والشخصيات والتفاصيل والمراوغات، وقل ما شئت من آراء معه، أو ضد رأيه أو استنتاجاته، ولكنك لا تملك سوي التوقف أمام يقظة العين، وحدة الالتقاط والاستنتاجات سواء أفصح عنها، أو ترك للقارئ أو المشاهد مساحة ليتحرك فيها، ويعمل رأيه استنتاجاً، أو خيالاً... الخ، وهو ما يجعلك تقف أمام عقل صحفي وسياسي متقد وشاب في مختلف مراحل حياته وتطوره علي عديد الصعد، ذاكرة قوية مولعة بالتاريخ والوثائق والمأثورات، والروايات الشفاهية تاريخ شفاهي ومكتوب-، حيث تتجلي ملكة السرد ومجازاتها. ومن الشيق ملاحظة البُعد الجيو- سياسي والاستراتيجي في مقارباته للأزمات وتحليلها سواء علي مستوي النظام الدولي، أو الأنظمة الإقليمية التابعة.
"السيد" من أكثر الكتاب شغفاً بالمقتنيات الأرشيفية والوثائقية، وهو ما كان يبدو في مكتبته التي أحرقها بعضهم لدوافعهم الشريرة، والقاتلة، والمعتمة كما حدث مؤخراً في واقعة مؤلمة، وذات دلالة وتكشف عن عداء عميق للكتب والوثائق والمقتنيات النادرة، حارقي الكتب والمكتبات يتجلي من ثناياهم وسلوكهم ونفسياتهم العداء وكراهية المعرفة والثقافة والتمدين!
تتناسل من التاريخ وسردياته ومسارات حياة بعض ساسته الكبار كثافة تجارب عميقة، ولغة موجزة ومجازات ورمزيات دالة، وهو ما يستدعيه "السيد" في كتاباته وسردياته في التقاطاته واستشهاداته بهذه التجارب / الأفكار الثمينة، ويستقطر أفكارها ومقولاتها. من ثم نري غالباً بعض التناصات أو التضمينات بارزة في خطابه الشفاهي، والكتابي.
في كتاباته ثمة دمج وانسجام بين الكتابة الصحفية، والمعلومات والأخبار، والصياغات الأسلوبية الخاصة، التي سرعان ما تشيع في الخطاب العام.
هذا الولع باللغة ومجازاتها، يعود إلي أن "السيد" يتمتع بذاكرة وذائقة لغوية متفردة، مستمدة من اطلاع عميق وحفظ لعيون الشعر ديوان العرب الأكبر.
الشعر والسينما والموسيقي، مصادر يتألف منها بعض من إطاره المرجعي الذي تتواشج وتأتلف مصادره في نسقه اللغوي وإيقاعاته وموسيقاه، واكتشافاته اللغوية الأسلوبية. بعض الكتاب استوعب الدرس الألسني المعاصر، أن اللغة هي العالم، ومن ثم لا تعد اللغة أداة تعمل في خدمة الأفكار، وهو ما يشيع في بلادة لدي كثيرين في دوائر الكتابة، والبحث والتأليف والصحافة والإعلام. ومراكز البحث والتفكير في مصر والعالم العربي.
عندما تقرأ "السيد" تتأكد لديك مقولة بارت الذائعة أن الكاتب هو أسلوبه... هو روعته. ويمكنك أن تضيف بلا وجل ومقتله أيضاً... وأيضاً إذا تحولت اللغة إلي لغو أو ثرثرة، أو إنشائيات لا تبين!
شكلت لغة السيد مبعث غيرة وربما بعض العداء له من قبل بعض الصحفيين والكتاب من مجايليه، والتابعين وتابعي التابعين، لأنها كانت أحد محددات حضوره الطاغي والمؤثر في الصحافة والسياسة المصرية والعربية، وبعض من وقعوا أسري لغته وهالته وطلته ضاعوا، وتبدد ظلهم وا أسفاه!
إحدي ثغرات خطاب السيد في بعض كتاباته ومشافهاته المرئية هي اللجوء إلي الإحالة والإسناد في بعض الأحيان إلي شخصيات غادرت حياتنا! ومن ثم تبدو استشهادات لا يؤبه بها كثيراً!
هل نستعيد هنا الرئيس الأسبق أنور السادات وولعه بالإسناد إلي الأموات، وكم تندرنا كثيراً بعض جيلنا- علي هذا النمط من الخطاب اللا تاريخي!
"السيد" رأسماله الخبراتي متعدد ومتنوع ومختلط في المهنة الجليلة الصحافة التي انحدرت مستوياتها طيلة عقود ولا تزال- وفي السياسة المصرية والعربية، ورغم تميزه إلا أنه أصيب ببعض نثاراتها الضارة، في ظل موت السياسة، أو السياسة المعتقلة، ومن ثم بدت تجربة فوقية وسلطوية بامتياز أياً كانت محاولته نظرياً أن يصوغ بعضاً من هوامش الاستقلالية، ومن ثم كان دور السيد "كرجل سياسة" يمارسها بالقرب من عملية صناعة القرار السلطوي ناصحاً أو مرشداً، أو مهندساً لبعض السياسات أو القرارات، أو في إدارة بعض الأزمات الكبري.
علاقة "السيد" بالسلطة والأحري قمتها، تستعيد تجربته مع ناصر رجل الدولة الكاريزمي كبير المكانة، رفيع المقام رغماً عن كل انتقاداتنا له ولجيله وتجربته وقمعه السلطوي لمعارضيه هكذا نظر إلي الرجل الكبير من بعض جيلي وعلي رأسهم الراحلون المقيمون في حياتنا الفكرية أنس مصطفي كامل، وأحمد عبد الله رزة ومحمد السيد سعيد وآخرين.
"السيد" تحيز لتجربته الصحفية والسياسية في رواق السلطة الناصرية من حيث الدفاع عنها، والرد الجرِيء علي خطابات النقد الإيديولوجي والخشبي والهجائي لواحدة من أهم التجارب السياسية والاجتماعية في تاريخنا الحديث والمعاصر، التي تعرضت لموجات من الهجوم الضاري عليها، وذهب غالب النقد، وبقيت التجربة يقظة في الوعي شبه الجمعي لأجيال، ولقطاعات اجتماعية مختلفة من المصريين.
عندما تنظر إلي تجربة "السيد"، تتقاذف الأسئلة وتتناسل، ولكن من أهمها كيف استطاع أن يؤثر داخلها، رغماً عن تكاثر أعداءه في الأروقة السلطوية، في نظام اتسم ببعض السرية المظلمة؟ كيف اكتسب ثقة "ناصر" القادم من عملية تاريخية اتسمت بالسرية في تكوين تنظيم الضباط الأحرار، كيف أئتمن ناصر -رجل السرية والشكوك في الآخرين- محمد حسنين هيكل كيف حاز علي ثقة البطريرك العسكريتاري والكاريزمي؟
هل تأثر "السيد" بهذا الجانب ضمن أبعاد أخري متعددة ومركبة شكلت تكوين وبنية ناصر السوسيو- نفسية؟
ويثور التساؤل بعد كل هذه التجارب هل نحن إزاء شخصية بها مسً من الحس التآمري والعمل الكواليسي؟ هل كان جزءاً من عملية تغيير السلطة الإخوانية في مصر؟ فيمن يثق "السيد"؟
هل بعض الخلص من تلاميذه من أصدقائه؟ من هم أصدقاءه؟ هل من النجوم اللامعة- بحسب تعبيره- أو زعماء وقادة من داخل النخب المصرية والعربية أساساً أو الدولية والكونية الآن؟!
هل كان صديقاً لكل هؤلاء الذين قابلهم مراراً أم أنهم محض مصادره الخبرية والمعلوماتية؛ وعبروا داخل مقالاته ومقابلاته المتعددة؟
"السيد" محاط بهالة بها بعض من الغموض، هل يعود ذلك إلي نظام حياته الصارم علي ما يقال عنه أم تكوينه وتجربته في إطار "السياسة السلطوية" عند قمة النظام السياسي المصري، والتي تدثرت بالسرية وعدم الشفافية؟ هل يفسر هذا البعد بعض "صداقاته"- أن وجدت- مع شخصيات كانت قريبة من دائرة صنع القرار عند، قمة "السلطة الجمهورية" في جميع مراحل تطورها؟ هل هو الولع الوحشي- إذا جاز التعبير- بالمعلومات، والأخبار في عالم سلطوي متخم بالغموض وشخصنة السلطة كما سبق أن كتبنا مراراً؟ هل هو حس الصحفي المتقد أم الحس السياسي المرهف أم كلاهما معاً؟
من أين جاءت مهارة التعامل مع "السلطان الجمهوري"؟، والوعي والفهم بالدولة وشرورها، وتحديداً الدولة المصرية التسلطية والذكورية، ودهاليزها وأسرارها ومؤامراتها؟ عرف "السيد" أيضاً معني الحدود والمساحات وهوامش الحركة الذكية المدروسة بين شخوصها ورموزها وصناع القرار الرئيسيين داخلها.
لماذا حرصت "الدولة" علي أن يكون ثمة هامش بينها، وبين "السيد" رغماً عن الخلافات وبعض البغض المشوب بالإعجاب به؟ هل خطر خطابه وكشوفاته حولها؟ أم اتقاء شرور ملاحظاته وانتقاداته لها؟ أم أنه جزء من دوائرها أياً كان الخلاف مع بعض أطرافها؟
رجل صانع أساطير بالمعني الإيجابي والسلبي معاً- حول تجربة ناصر التاريخية، وحول نفسه ألا يعكس ذلك سلوكه في الحضور المشوب بالابتعاد في بعض الأوقات؟ رجل صاغت تجربته، وحركته المدروسة هالة حول شخصه، وكتاباته، وحالاته الكتابية والسياسية؟ في حضوره واطلالاته الذكية.
استطاع "السيد" بذكائه ودهائه وفطنته أن يكونه جزءاً من الأسطورة الناصرية بلا نزاع، علي الرغم من تراث مفرط من الهجاءات والكتابات غير المنصفة طالت التجربة، والسيد جزء منها رئيس.
ربما يعود ذلك إلي أنه مثمن للبشر- إذا جاز التعبير وساغ- أو الأحري "جواهرجي"، يستطيع أن يقدر ويثمن رجال السياسة والصحافة والفكر والإعلام، لكن تقييمه أو تثمينه لبعضهم يعتمد علي أهمية أي شخص في علاقات القوة أياً كان موقعه، قوة الشخص ونفوذه في عملية صناعة القرار، أو حجم ونوعية المعلومات "والأسرار" ذ هل لا تزال هناك أسرار في هذا العالم الرقمي المتدفق بالأخبار والمعلومات؟ -التي يعرفها هذا الشخص أو ذاك؟ "السيد" لا يضيع وقته ويبدو غير مجامل، كل من اتصلوا به أو تقربوا إليه صدقاً أو زلفي أو لجعله موضوعاً يكتسبونه من الحديث عنه "أهمية" و"قيمة"! يقولون، عندما تلتقيه يبادرك بالسؤال الأول ما هي الأخبار؟ أي أخبار تلك في عالم السلطنة الجمهورية، حيث العتمة والستر وبعض من تفاهات من وصلوا واقتربوا، من غير مؤهلات ذوالاستثناءات محدودة- سوي الموالاة الشخصية التي اعتمدت دوما علي معيار الولاء الشخصي البليد! وذلك للدخول إلي الرواق السلطاني المستبد عند قمة السلطة المصرية؟
لم يكن في مصر دائماً المعيار هو الولاء للأمة، ولالرأسمالها التاريخي، ولا لأشجار الأنساب الفكرية التي أسست لدورها في التاريخ، و"رسالتها"! نعم "رسالتها" التي ضاعت وراء صخب اللغو السياسي، والتجريب البليد، وعصور من "المديوكرات"،"والمنيوكرات"، ما دون الحد الأوسط، والحد الأدني! من الفرز الثالث والرابع والخامس من أسوأ المصريين طراً!، والاستثناءات محدودة طيلة أكثر من أربعة عقود مضت.
يبدو أن "السيد" لم يكترث كثيراً بالأبعاد المختلفة لهؤلاء الذين اقتربوا سوي مدي قدرتهم علي تقديم المعلومات الثمينة حول السلطة ورجالاتها وسلوكها السياسي، ومدخلات صنع قراراتها.
أهمية الشخص في المعلومة / الخبر، وربما قدرته علي توفير بعض الأوصاف حول بعض الشخصيات المؤثرة في بنيان القوة/ السلطة في مصر، أو غيرها! أو الجوانب الشخصية الدالة في انعكاساتها علي القرار وهي أمور تبدو مهمة لدي "السيد" وتبدو من خلال بعض سرديات هيكل حول السياسات والقرارات، والأشخاص الذين يلعبون أدواراً في صناعتها.
يبدو لي وأرجو ألا أكون مخطئاً، أن "السيد" كان يركز غالباً علي سياسة السلطة، وليس علي سياسة الحياة اليومية وتدافعات وصراعات العاديين، والكتل الجماهيرية، ومعاناتها ومنطق مداراتها ومناوراتها وكيف تراوغ السلطة وأجهزتها، وتعطي لها ظهورها، ولا يتفاعلون معها في عديد مراحل تطور موت السياسة، أو السياسة المعتقلة في مصر!
"السيد" يتمتع بذاكرة وذائقة لغوية متفردة، مستمدة من اطلاع عميق وحفظ لعيون الشعر ديوان العرب الأكبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.