محافظ الإسماعيلية يتابع الاستعدادات النهائية لجولة إعادة انتخابات مجلس النواب    ارتفاع أسعار الذهب في الأسواق المصرية.. وصعود عيار 21 بنحو 80 جنيهًا    تعرف على أسعار الدولار فى البنوك المصرية لحظة بلحظة    دعما للميكنة، الزراعة تسلم الفيوم 15 فراطة ذرة شامية    داعش يتبنى الهجوم على دورية أمنية سورية في ريف إدلب    استطلاع: 75% من الأوكرانيين يرفضون تقديم تنازلات كبرى للسلام مع روسيا    الإمارات والمفوضية الأوروبية يدعوان لإيجاد مسار للسلام على أساس حل الدولتين    نتنياهو يجتمع بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا في القدس    الجيش الإسرائيلي يعتزم هدم 25 مبنى سكنياً في الضفة الغربية    الأهلي يحتفي بذكرى فوزه على اتحاد جدة في كأس العالم للأندية (فيديو)    إخلاء سبيل ولية الأمر وزوجها المتهمين بالاعتداء على مشرفة مدرسة العمرانية    البحيرة تستعد لأمطار اليوم: المحافظ ترفع درجة التأهب بجميع المراكز والمدن    ضبط المتهمين في مشاجرة دامية بالبحيرة| فيديو    السيطرة على حريق مخبز بلدى بنصر النوبة في أسواد دون خسائر    مفتي تشاد: قضايا الواقع الإنساني المعاصر تستدعي اجتهادًا جماعيًّا وفقهًا مؤسسيًّا    علا الشافعي رئيسة لجنة المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة: دراما رمضان 2026 تؤكد هوية المواطن وتناقش قضايا متنوعة    التحقيق مع نجل روب راينر بعد شهادة الشهود والمقربين بأنه قتل والديه    القاهرة الإخبارية: القنصلية المصرية في أثينا تستقبل أبناء الجالية للتصويت حتى 9 مساءً    محمد صلاح يخلد رقمه القياسي مع ليفربول    أمن سوهاج يُعيد حقيبة سيدة تركتها سهواً داخل سيارة أجرة    تأجيل محاكمة 56 متهما بالهيكل الإداري للإخوان لجلسة 11 فبراير    مساعي المغرب تنجح.. العيناوي يغيب عن مباراة روما أمام كومو    رئيس جامعة بنها: الأنشطة الطلابية ركيزة أساسية في بناء شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم    رئيس لبنان: الاتصالات مستمرة لتثبيت الأمن في الجنوب من خلال المفاوضات    جائزة ساويرس الثقافية تعلن القوائم القصيرة لشباب الأدباء وكتاب السيناريو في دورتها الحادية والعشرين    وزيرا الأوقاف والثقافة ورئيس شركة العاصمة يفتتحون متحف كبار القرّاء    5000 مكالمة للخط الساخن 105 خلال نوفمبر بنسبة استجابة كاملة    ولي العهد السعودي والبرهان يناقشان جهود تحقيق الاستقرار بالسودان    انفراجة في مفاوضات الأهلي مع أليو ديانج    سعر طن حديد عز.....اسعار الحديد اليوم الإثنين 15ديسمبر 2025 فى المنيا    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: توطين الصناعة وخفض الواردات لتعزيز الصادرات المصرية    ضبط تجار عملة خارج السوق المصرفية.. الداخلية تُشدد قبضتها على المضاربين    الدليل الكامل لامتحان اللغة العربية نصف العام 2025–2026 للمرحلة الابتدائية    «الصحة» تتفق مع «إيني» على إدارة وتشغيل مستشفيتين في مصر    فوائد تمارين الكارديو، تشد الجسم وتقوى عضلة القلب    وزير التعليم: إطلاق أول بنية وطنية موحدة لبيانات التعليم قبل الجامعي    عادل إمام يغيب عن تشييع جثمان شقيقته.. لهذا السبب    في ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. مسيرة فنان جسد التاريخ والوجدان    اتحاد التمويل الاستهلاكي: نمو مستدام وتراجع ملحوظ في التعثر رغم زيادة عدد العملاء 208%    "صحة الشيوخ" تُسرّع دراسة إنشاء مستشفى جديد بحلوان بعد توقف القرار 3 سنوات    شيخ الأزهر ينعَى الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    الزمالك ينتظر انتظام عدي الدباغ في التدريبات الجماعية اليوم    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    «الأوقاف»: التثبت من الأخبار فريضة دينية وضرورة مجتمعية    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدب والفن التفاعلي:عودة للثقافة الشفاهية
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 08 - 2011

إن الحكمة كأعلي مرتبة من مراتب المعرفة، هي نتيجة تراكم الخبرات والإنجاز الفكري والثقافي والعلمي للبشرية عبر تراكم الزمن بمعجزاته ما اتصل منها وما انقطع.
وقد عرفت المعرفة الإنسانية عصر الشفاهية التي نقلت عبر الحفظة والرواة إبداع البشر ونتاج الخبرة الإنسانية، إلي أن حدثت الطفرة الكبري بمعرفة التدوين وابتكار الكتابة ليتم حفظ الشفاهي ليصبح كتابياً، إلا أن الشفاهي الجماعي علي مستوي الروي والحكي والغناء والخرافة والأسطورة ظل يسري في كل المجتمعات، حتي أكثرها تأثراً بمنجزات الحداثة وما بعدها، وظلت الشفاهية تتحرك رغم كل منجزات التدوين والطباعة والنشر في الفنون والمعارف الشعبية والحضرية معا، بل قام الإنسان بتدعيمها عبر الثقافة السمعية التي لا تستند لمصدر محدد، وتم استخدام الوسائط التكنولوجية لنقل الثقة الشفاهية، ليعيد الإنسان إنتاج عصر الشفاهية مرة أخري ضمن الأداء الثقافي لما بعد الحداثة، في ظل تكاثر جميع وسائل حفظ وتدوين ونشر المعرفة الممتدة ذات الطابع التراكمي.
ومع بداية انتشار الشبكة الدولية للمعلومات، ودخول أجهزة الكمبيوتر عالم التواصل اللامحدود حول الكرة الأرضية، وبالرغم من وجود مواقع عدة للمعرفة الموثقة إلا أن ملايين البشر قد استخدموا الإنترنت كوسيلة لنقل وتدعيم وإعادة إنتاج الشفاهي.
وتكاثر الأمر لدرجة أن أصبح هذا العالم الافتراضي هو القادر علي صناعة صورة الوجود الإنساني التي يقوم الواقع بمحاكاتها وإعادة إنتاجها، وقد كانت ثورة 52 يناير أكبر دليل علي مقدرة العالم الافتراضي علي التواصل الشفاهي ونفاذ رؤيته في تغيير الواقع، وقد يعتقد البعض أن الطبقة المتوسطة المصرية التي أظنها لم تندثر بعد، هي صاحبة هذا التواصل، ولكن انتشاره للكافة علي المستوي الاجتماعي والفكري والطبقي والاقتصادي هو ما يدعونا حقاً لتأمل تلك الثقافة الشفاهية الجديدة، وهي بسيطة وعميقة وصائبة وحكيمة حكمة أبناء هذا الشعب.
إن المنتج الأدبي والفني كظاهرة ثقافية لتعامل الملايين المصرية مع الإنترنت، وانتشار مقاهيه في كل مكان حتي الأحياء الفقيرة بل والعشوائية، لهي ظاهرة جديرة بالتأمل لفهم الثقافة الشفاهية التي تحكم الآن أداء أجيال عديدة في مصر، وقد ساهمت في تواصل جميع المصريين علي اختلاف ظروفهم الموضوعية وتعدد أطرهم المرجعية.
لست أتجاهل المحاولات الإبداعية المصرية خاصة في مجال الرواية والتي استخدمت الإنترنت للكتابة الإبداعية التفاعلية، وإن كانت لاتزال في طور تجريبي نخبوي ولا محاولات المسرح التجريبي في استخدام صور الكمبيوتر، ولا المنجز العالمي للمسرح الرقمي الذي يبحث لنفسه عن وجود علي أرض الواقع النخبوي التجريبي، لكنه لايزال قيد المعرفة الحبيسة.
فلايزال الأدب والفن المصطلح علي تسميته بالرقمي أحياناً وبالتفاعلي في أحيان أخري قيد التجارب المحددة بالنخبة، وفي إطار تأمل المعرفة الغربية وتلقيها ومحاولة التعامل معها، أما ما هو لافت للنظر وقيد ملاحظتي البحثية هو رصدي لهذا الإبداع الأدبي والفني المرتبط بالرقمنة علي مستوي الممارسات السائلة والعفوية لأفراد خارج نطاق النخبة، ولم ينل بعضهم حظه الوافر من التعليم المنظم.
إنني أقصد بالتحديد تلك التعليقات التي تأخذ شكل القصص القصيرة، وبعضها يحمل صوراً شعرية عامية مقفاة وموزونة.. يستخدم معظمها روح السخرية المرة، والمرح المتقد بطاقة من الوعي الصافي والإنسانية المفرطة، كما يمكن ملاحظة الاستخدام النموذجي للغة الصورة القائمة علي الدلالة الرشيقة المختزنة التي تقاطع الإشباع الدلالي والثرثرة علي كل المستويات، كما يأتي هذا الإبداع من أشخاص غير باحثين عن شهرة أو مقابل مادي، وفي كثير من الأحيان يبدو أن مصدره يود عدم الإفصاح عن نفسه، وقد أعاد هؤلاء تداول مجموعة من المصطلحات العامية الخاصة من لغة جيل جديد دافع عن نفسه وخصوصيته بالاختباء في شفرة لغوية عامية خاصة، لتبدو تلك الشفرة كدليل علي الطزاجة والابتكار، مما ساهم في حصار ثقافة وإبداع وأفكار الكلام الكبير، لتتواري السرديات الكبري واللغات الاصطلاحية للنخبة، وليأتي لنا من الهامش بنوع من الوعي الخاص بالحياة يناسب هوامش ما بعد الحداثة في تفتيته للأفكار الكبري، وفي انعدام الانتماء للأيديولوجيا علي أي مستوي.
وفي مهارة تقنية تستخدم التكنولوجيا استخداماً سهلاً مبسطاً يلعب بالوسائط المتعددة ذلك اللعب الحر، وينتج تلك الإبداعات التي تأتي من الهامش وتفارق كل إنتاج الثقافة الرسمية علي مستوي الخصائص والجوهر والوظيفة فهي حرة تماماً لا تخضع لأية قواعد ولا تجاهد في البحث عن أسس تسير عليها، ولذلك نجحت في اجتذاب عدد كبير من البسطاء الذين يعرفون الحد الأدني من القراءة والكتابة، بل وبعض من الأميين الذين تعلموا مهارة التعامل مع الأجهزة الاليكترونية ودخلوا لعالم الإنترنت، حتي أصبح جهاز الكمبيوتر مثله مثل أجهزة الكاسيت والفيديو كاسيت القديمة، إنه جهاز ممتع يفتح لهم آفاقاً بلا حدود من الصور المسموعة والمرئية التي تتطابق مع أداء الثقافة الشفاهية التي لا تعرف التدوين ولا توثيق المصدر، ويتناقلها الناس، وتنتشر بسرعة لا محدودة لتشكل وجدان الملايين الكبيرة التي ملت صور التليفزيون المكررة وأنماط الدراما المعاد إنتاجها ومعظم منتجات الثقافة الرسمية معلومة المصدر، ليصنع هؤلاء اندماجهم الخاص في عالم ما بعد حداثي بمنتجاتهم الإبداعية محلية الصنع ذات الذائقة الطازجة والخصوصية الممتلئة حقاً بوعي بسيط عميق مغاير.
وربما تصبح تلك الجرأة التي نتج عنها سيولة في إبداعات لا محدودة من ذلك النوع، بمثابة الطليعة لفنون وآداب دفعت بها الجماهير لتسبق نخبتها، التي عليهما الآن أن تتأمل كنخبة مبدعة تلك الثقافة الشفاهية الجديدة وتأخذها مأخذ الجد، فقد أنتجت تلك الأنواع من الآداب والفنون التفاعلية إنتاجاً كثيفاً يستحق التأمل والتفاعل معه نحو اكتشاف عالم جديد شديد الإثارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.