في الليلة الظلماء يفتقد البدر..ومصر في وقتنا الراهن تعاني من ظلام وإظلام وضبابية في الرؤية؛ تتناحر القوي السياسية من جانب،والشعب الباحث عن قوت يومه من جانب ،والذي يعاني الأمرين ،وتتراكم عليه كل يوم المزيد والمزيد من المشاكل الحياتية، دون أن يشعر بأنينه أحد.ومن سؤال مصر إلي أين؟ إلي البحث عن التوافق المفقود بين النُخب الثقافية والسياسية؛ ومن الانقسام حول الدستور إلي إقحام القضاء في السياسة ومن معارك المحكمة الدستورية العليا إلي مدي دستورية مجلس الشوري الحالي وما سيصدرعنه من قوانين. ألا توجد نقطة واحدة تتلاقي عندها كل هذه التيارات السياسية والشعبية!! ألا يوجد حل جذري لما وصلنا إليه من حا ل يسر الحبيب قبل العدو- بعد أن كتشفنا أنه ليس لنا حبيب- عرضت هذا السؤال علي نفسي كثيرا : لماذا الاختلاف في الدول المتقدمة نعمة وعندنا نقمة؟! لماذا تُشكل أحزاب المعارضة في كل الدنيا حكومات ظل تتعاون مع الحكومة ذات الأغلبيةالحاكمة ،وعندنا في العصر البائدعصر مبارك ارتضت أحزاب المعارضة لنفسها أن تعيش في كنف وظل الحزب الوطني الحاكم ،والأن -فقط- تريد إما كرسي الحكم وإلا مش لاعبين سياسة؟!! وظل سؤالي رغم عرضه علي بعض النخب بلا إجابة شافية- حتي وفقني الله ووقع في يدي مقال للكاتب والروائي الكبير الأستاذ توفيق الحكيم وعلي الرغم من إنه نُشرعام 1938م. إلا أنه يعبر عما نعانيه الآن في 2013. كما إنه يمثل دستور عمل ،وربما تجد فيها القوي السياسية الأمل في التقارب والتكاتف من أجل مصر.من أجل هذا الوطن العظيم. يقول الأستاذ توفيق الحكيم: اإذا أردتم أن تأخذوا رأيي في مشكلة الحكم في مصر فخذوه علي إنه رأي رجل بعيد عن المعمعة يشرف عليها من أعلي البرج دون أن يكون له فيها عنزة ولا خروف. وقديما كانت الأساطير تروي أن أهل البلد إذا تنازعوا علي أمر اجتمعوا عند الأسوار لياخذوا رأي أول غريب يدخل المدينة. فلأكن أنا إذن هذا الغريب الهابط عليكم لأقول لكم في صراحة إن هذه الديمقراطية كما تفهمونها وتزاولونها في مصر هي أصلح أداة لتوليد الحكم ..غير الصالح! وإنه ينبغي لكم ألا تنبهروا بالألفاظ الأوربية ولا تتقيدوا بالنظم الأجنبية ،وألا تترددوا في اتباع ما فيه النفع الحقيقي وترك ما فيه الغرم وضياع الوقت. فإذا إتضح لكم يوما-أظنه يقصد هذه الأيام التي نعيشها الآن- أن البرلمان وما ينفق عليه من آلاف الجنيهات سنويا هو غرم لا غنم فيه، فحولوه في الحال إلي مصنع طائرات تحتشد فيه- بدل جموع الأعيان الموسرين- أفواج العمال المصريين من أولئك المساكين المتسكعين العاطلين الذين يلتقطون فتات المقاهي والبارات، حتي يعملوا عملا شريفا ويشيدوا مجدا خالدا. نعم فلئن كان قد كتب علي القبة الذهبية أن تخرج شيئا طائرا في الهواء فلا ينبغي أن يكون دائما الصياح والخطب!! فإذا شعرتم أنكم في حاجة إلي معمل إنتاج لا إلي معملكلام فانهضوا في الحال إلي تنفيذ ذلك واضعين أيديكم لتغلقوا قليلا هذاالفم الواسع الكبير الصاخب حينا،المتثائب أحيانا ! لتسكتوه الأعوام التي ترونها لازمة كي يتسني للأيدي وحدها أن تنطلق عاملة في هدوء ونشاط . فالفم إذا سكت واليد إذا عملت استطاع الإنسان أن يتقدم ركضا.وهنا تتلاشي الأحزاب والأحقاد والأغراض.وتصبح العيون كلها متجهة إلي الرجل المنتج حقيقة، وعند ذاك تلزم لكم حكومة لابد أن تتوافر فيها هذه الشروط: أولا: أن يكون أعضاؤها من أولئك الرجال الذين اشتهروا بقلة الكلام وسرعة العمل. ثانيا: ألا يكون لأعضائها لون حزبي واحد. ثالثا: أن يكون عدد أعضائها قليلا،فإن خير إدارة هي الموضوعة في الأيدي القليلة الخبيرة،كما أن في ذلك تحديدا للمسئولية، واختصارا للمرتبات الوزارية!..... وسأكتفي بهذا الجزء من هذا المقال الرائع ،الذي أتمني أن يقرؤه كل النخب السياسية والثقافية في مصر،وأن أراه واقعا ملموسا في مستقبل أيامنا القادمة،حتي نلحق بركب الحضارة التي تركانها خلفنا،ونحن أول من ساهم في النصيب الأكبر من بنيانها.