أنيس منصور مع توفيق الحكيم ولكنه توقف واعترض رجلاً يبيع المشمش واستوقفه واقترب منه توفيق الحكيم قال له: المشمش بكام النهاردة؟ فقال البائع: ما يغلاش عليك يا سعادة البيه وتفضل وشوف.. اكسر ودوق.. توفيق الحكيم: يعني بكام النهاردة؟ البائع: بخمسة قروش.. توفيق الحكيم: بخمسة؟ مش غالي شوية. المشمش صغير.. ده معناه إنه وقع من الشجر علي الأرض وانت رحت جمعته.. ما لحقش يكبر علي الشجر يعني مش ممكن يكون باربعة. لازم خمسة.. البائع: بلاش يا سعادة البيه.. أول استفتاح النهاردة. نهارك أبيض. توفيق الحكيم: خلاص أخده باربعة. بدل الكيلو اتنين.. إيه رأيك؟ البائع: والله أنا خسران في البيعة دي.. علشان استفتح خلاص زي ما أمرت بتسعة عشان خاطرك.. توفيق الحكيم: تسعة آخر كلام.. زي بعضه هات اتنين.. وانت معاك ميزان.. البائع: طبعاً يا سعادة البيه.. ورأيت توفيق الحكيم قد استدار وأخرج علبة النظارة وكان يضع فيها الفلوس.. وبعد دقيقة أعطاه التسعة قروش. فقلت له: أنا أشيل عنك المشمش يا أستاذ.. قال: ليه انت تعرفني؟ قلت: أيوه يا أستاذ. قال: كده؟ طيب شيل المشمش.. وواضح ان توفيق الحكيم خشي أن آخذ المشمش وأهرب ويريدني ألا أبعد عن عينيه.. فقلت: يا أستاذ، هات العصا أحملها عنك هي والمشمش.. ده شرف يا أستاذ. توفيق الحكيم: كده.. ده كويس قوي.. وأمسكت العصا والمشمش وأمسك توفيق الحكيم ذراعي، إنه يخشي أن أهرب بالمشمش والتفت ناحيتي وقال لي: وانت بتشتغل إيه؟ قلت: طالب. كنت أعمل محرراً في جريدة الأهرام سنة 0591 وكان كامل الشناوي قد نقلنا معه.. فقد كنا نعمل معاً في صحيفة (الجريدة المسائية) التي عاشت أربعين يوماً وأقفلتها الحكومة حكومة إبراهيم باشا عبد الهادي وهو قريب أمي وماتت تحلم بأن أكون مثله وهي لا تزال تؤمن بذلك ويوم عرض علي الرئيس السادات أن أكون وزيراً للثقافة في وزارة الدكتور عبد العزيز حجازي اعتذرت وقلت أريد أن أقرأ وأكتب يا ريس.. أرجوك. وفي أعماقي أن أمي ماتت كانت ستفرح بأن أكون وزيراً وما دامت قد ماتت فلا يهم أن أقبل الوزارة. وفي مكتب كامل الشناوي وجاء توفيق الحكيم وقد دعاه كامل الشناوي وقال له: إن الأستاذ محمد التابعي قد أرسل له عشاءً فاخراً من دمياط.. حمام محشو.. كمية كبيرة وجاء الحكيم لهذا السبب والان أراه أوضح إنه يتهته في الكلام ويقول كامل الشناوي إن أمير الشعراء شوقي كان كذلك والشاعر إبراهيم ناجي يثأثئ ولذلك لم يسمعه أحد وهو يقرأ شعره وإنما كان يقرؤه الشاعر حافظ إبراهيم والشاعر كامل الشناوي. وكان الحكيم لا يتكلم كثيرا وإنما له تعليقات مضحكة وهو نحيف قصير نحيف جداً وإذا جلس فإنه يسند رأسه علي عصاه. وقدمني له فضحك الحكيم وقال: أنا أعرفه.. ولنا مع بعض حكاية. وتشجعت وحكيت وكانت نكتة الجلسة والسهرة وأضاف كامل الشناوي من عنده أن توفيق الحكيم أخرج الساعة من جيبه فوجدها من نوع رديء فما كان من الحكيم إلا أن طلب من أنيس أن يحمل عنه الجاكتة أن يساهم بأي شئ والحكيم معه الساعة والجاكتة ولم يعد يتعلق بذراعه.. وراح يمشي وراءه أو أمامه لا يهم.. وتوقف الحكيم في الطريق، كامل الشناوي هو الذي يقول وسأله الحكيم: وانت معاك فلوس أد إيه؟ طبعاً أكتر من خمسة قروش.. طيب إذا قلت لك إني مش عاوز المشمش فكم تدفع؟! قلت: خمسة قروش قال: طيب يبقي أنا استفدت إيه؟ قلت: خلاص يا أستاذ أشتري منك المشمش بعشرة قروش.. ووافق الحكيم وأعطاه المشمش وعاد الي البيت سعيداً، لأنه قد كسب قرشاً! كان توفيق الحكيم الأمين العام للمجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب، وكنا نسميه المجلس الأعلي لرعاع الفنون والآداب.. وكان مكتبه في الطابق الأرضي أول باب علي يدك اليمني وتوفيق الحكيم يجلس وراء المكتب فإذا ذهبت للسلام عليه يقول لك: روح اشرب القهوة عند يوسف السباعي فوق أنا معنديش قهوة هنا وعرفنا عنه ذلك.. ونداعبه كثيراً لأنه رجل بخيل جداً طه حسين قال لي: إنه ليس بخيلاً، لكن يحب ان يقال عنه وأن يضحك الناس ويهرب توفيق الحكيم الحقيقة أنه فقير وليس بخيلاً وجدته جالساً في حديقة المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب فقال لي: روح اشرب قهوة عند يوسف السباعي.. قلت: شربت يا أستاذ.. قال: كويس تعال نناقش القضية دي.. القضية ان شجرة من حديقة الجيران قد مدت أحد فروعها الي داخل حديقة المجلس والفرع مثقل بثمار المانجو فهل لو أخذنا هذه المانجو التي جاءت إلينا هل يعتبر ذلك سرقة.. السرقة أن تقفز علي السور وتقطف المانجو هذه سرقة لكن إذا جاءت المانجو إليك وأنت في الحديقة هي التي جاءت هل جمع هذه الثمار يعتبر سرقة.. إيه رأيك؟ حكيت ليوسف السباعي هذه الحكاية فضحك وقال: الحكاية دي لها أصل في الأسبوع الماضي فوجئ توفيق الحكيم وهو جالس بظهور جحش صغير فراح يصيح وينادي أمسكوه وأمسكوه وأوقفوا الجحش أمام توفيق الحكيم الذي أعجب به جداً. وظل توفيق الحكيم يتأمل الجحش وطلب ان يربطوه في أية شجرة وربطوه ومضت ساعة وساعتان ولم يأت صاحب الجحش وتساءل توفيق الحكيم لو أن يوسف السباعي أخذ الجحش وتركه هنا في المجلس هل تعتبر سرقة وإذا لم يظهر للجحش صاحب فماذا أفعل إن الجحش مثل ثمار المانجو التي دخلت إلينا وأزهرت وأثمرت.. هل هذه سرقة؟ نسأل رجال القانون لأنني لم أنم الليلة الماضية بسبب هذه القضية.. وانت إيه رأيك؟! سألني: عربيتك فيها بنزين؟ قلت: أيوه ليه يا أستاذ؟ قال: أصل أنا عاوز أروح إمبابة.. نتفرج سوياً. قلت: علي إيه يا أستاذ؟ قال: بيقولوا إن فيها أحسن حمير في البلد.. إيه رأيك تيجي معايا؟ قلت: تحت أمرك يا أستاذ.. وكان توفيق الحكيم مستغرقاً في التفكير ولا يتكلم واقتربنا من إمبابة وسألني إن كان البنزين في السيارة يكفي وقلت له إنها مسافة قصيرة ونحن الان علي مدي دقائق من سوق الحمير وضحك الحكيم وقال: دي تبقي مصيبة لو أمسكونا لأن فينا شبهاً للحمير.. ها ها ها وكاد الحكيم يقفز من السيارة عندما رأي الحمير.. ونزل وتفرج تفحص وأعجبه جحش صغير وقف مفتوناً به وراح يدور حوله ويضع يده علي رأسه وعلي ظهره وقال: اشتريه بكام؟ فقال البائع: ببلاش يا سعادة البيه. قال الحكيم: والبلاش عندك تساوي كام؟ قال البائع: كلك نظر يا سعادة البيه.. الحكيم: كام يعني؟ قال الرجل: عشرون جنيهاً.. صرخ الحكيم: بالسرعة دي ارتفع سعر الحمير.. سعر الجحش الصغير.. الأسبوع الماضي كان عشرة والأسبوع ده عشرين.. قال الرجل: خمسة عشر جنيهاً والله تكسب يا أستاذ.. وأشار لي توفيق الحكيم أن أدفع ودفعت.. ولم نفكر كيف يخرج الجحش وإلي أين؟ فاقترح البائع أن يربط الجحش في السيارة ونذهب به الي المجلس الأعلي. وربطنا الجحش في السيارة وكان لابد ان نمشي ببطء وكان ذلك يعطل المرور ثم ان الناس راحوا يتفرجون علينا منظر غريب سيارة تجر جحشاً وليس الجحش هو الذي يجر السيارة. ودخلنا حديقة المجلس وربطناه في إحدي الأشجار وجلس توفيق الحكيم بعيداً عن الجحش وراح يتساءل: من الذي يطعم الجحش.. هل يستطيع المجلس أن ينفق عليه؟ تحت بند إيه؟ هل معقول ان يدخل في ميزانية الثقافة والفنون إطعام جحش؟ لا يمكن لا المجلس ولا أنا.. انت صاحب الجحش فكر معايا من الذي سينفق علي طعام الجحش؟ يوسف السباعي الأمين العام للمجلس قال يوسف السباعي إن تكاليف أكل وشرب الجحش ورعايته علي حساب توفيق الحكيم! فانتفض الحكيم واقفاً: أبدا.. أنا مش صاحب الجحش! الأسبوع القادم - مع توفيق الحكيم »2«