في عام 2003 كان أول لقاء لي مع الدكتورة عزة بدر. كنت وقتها رئيساً للجنة الجوائز التشجيعية في أدب الرحلات والتي كان المجلس الأعلي للثقافة قد أعلن عنها ضمن جوائز الدولة في ذلك العام. وكان أعضاء اللجنة سبعة : ثلاث أستاذات بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة علي ما أذكر ، وثلاثة أدباء مبدعين وأنا أرBس اللجنة ، ولم يكن أمامنا إلا كتاب واحد عنوانه زأم الدنيا : صورة قلمية للقاهرة والناسس لمؤلفة لا تعرفها إسمها د. عزة بدر. وبعد الفحص رأت الأستاذات الثلاث أن الكتاب لا يرقي إلي الجائزة ، بينما رأي الفاحصون المبدعون العكس ، وكان صوتي هو الذي يرجح الفوز أو عدم الفوز. وقد أدهشني يومها موقف الزميلات من زميلتهن الشابة ، لأن الكتاب كانت فكرته عن أدب الرحلة مبتكرة ، فقد تعودنا أن نتلقي مؤلفات من رحّالة جابوا بلاد الدنيا ، ولم يخطر ببال متقدم أن يكون كتابه عن رحلة في شوارع القاهرة وضواحيها ، فضلاً عن رحلتين في مصر خارج القاهرة ، مكتوب بمحبة وأسلوب جذاب. لذا وقفت في صف المؤيدين وفازت عزة بدر بجائزة أدب الرحلات التشجيعية . بعدئذ انعقدت أواصر صداقتنا الشخصية والإبداعية ، فكانت تهديني ما جد من مؤلفاتها التي وصلت إلي أربعة دواوين شعرية ، ومجموعتين قصصيتين ، ورواية ، وكتاب في أدب الطفل : شعر بالعامية ، ثم دراسة عن شعر الشاعر الفلسطيني المتميز محمود درويش. وكتاب في أدب الرحلات صدر عام 2007 بعنوان : رحلات بنت قطقوطه. ثم كتابها أحوال مصر في 100 سنة صدر منه جزءان : رمضان الذي نعشقه ، والقاهرة الساحرة . وكان من حظي أن أكتب عن ثلاثة من هذه المؤلفات مختلفي الانتماءات ، أولها شعر وثانيها رواية وثالثهما دراسة نقدية لمسيرة شاعر . أما عن ديوانها »حق اللجوء العاطفي«(2007) فيكفي أن Kقتبس فقرة صغيرة تدل علي مفهوم الحب عند عزة بدر القائم علي المساواة بين الطرفين ، فهي تنشد مغنية زإنتمائي إلي اسمك وانتماؤك إلي اسمي ، وتاريخ الفرح المشترك ، وتفاصيل الخناقات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ، ليست حروفاً وإنما أبجدية كاملة من الإعجاب والحب والتفاهم والاختلافس. بل إن العلاقة تتطور إلي تبادل الأدوار عندما تقوم الشاعرة بدور الفارس . أما كتابها الثاني زفي ثوب غزاله (2006) فهي تقدم فيه نظرتها الاجتماعية علي ما تطلق عليه »المجتمع المغلق«الذي يري أن الفضيلة يمكن السيطرة عليها في صرّة ، لكن القبضة تؤدي إلي تصرفات احتجاجية حينا عكسية حينا. فإذا كانت معظم الرحلات الروائية التي نشرها أصحابها تمت من مصر حتي منتصف القرن العشرين إلي الغرب الأوروبي ، ومعظم أبطالها من الشباب في سن اليفاعة يمتدحون وينتقدون ، فقد تلتها رحلات أخري في الاتجاه المعاكس نحو الشرق بدءا من الربع الثالث من القرن العشرين. وإذا كنا قد تلقينا رواية أكثر من مبدع في هذا الاتجاه ، فإن رواية عزة بدر من الشهادات النادرة التي نقرأ فيها شهادة أنثي استطاعت أن تقتحم هذه المجتمعات المغلقة وتكشف لنا عما تطلق عليها أسرارها : الإيجابيات ذ في نظر الراوية القادمة من القاهرة ذ القليلة ، والسلبيات الكثيرة ، والدهشة مما يفاجئها ويكوّن عنصر التشويق في روايتنا . أما الكتاب الثالث بمحمود درويش وطن في شاعر (2011) ، فهو معانقه مبدعة لمبدع ، استلهمته فألهمها ، استوحت من مأساته مأساة شعبه ، إبداعه المتميز شعراً ونثراً ، قصة حياته هي قصة حياة شعبه ، علي نحو ما تعلن عزة بدر في مقدمة كتابها . وقد ختمت مقالي الذي نشرته في كتابي »رحيق الإبداع« (2013) قائلا : أعتقد أنه لو كان محمود درويش حيا وقرأ كتابك عنه لوقع في غرامه (وربما غرامك) ، لأن كتابك عنه مكتوب بحب . وعزة بدر ذ كمعظم المبدعين المتميزين لهم إبداعهم البشري بالإضافة إلي إبداعهم المكتوب ، وذلك عن طريق ندوتها المسائية الشهرية زتواصلس بالمجلس الأعلي للثقافة للموهوبين ، وعلي نحو ما أعلنت في مقدمة كتابها الذي نشره المجلس الأعلي للثقافة هذا العام أن هدفها من هذه الندوة : التواصل بين الأجيال الأدبية والفنية ، وتغذية التيار الثقافي بأصوات لم تُسمع من قبل ، وعرض التجارب الإبداعية والثقافة المغايره ، كما تحرص علي دعوة أحد المثقفين الكبار لاختتام ندوتها تحقيقاً لاتصال الأجيال وتفاعلها والاستفادة المتبادلة بينهما .