للفنان : سامى محمد تتعمق أزمة الثقافة كلما ابتعدنا عن المركز، ومؤخراً حدث جدل كبير واتهامات متبادلة بين محافظ أسيوط وهيئة قصور الثقافة حول مستوي الأداء الثقافي في المحافظة، كلا الطرفين اتهم الآخر بالتقصير والتسبب في تراجع الأداء الثقافي للمحافظة. لا يعنينا تحديد المسئولية ما لا حظناه أنه ووسط الجدل الدائر كان مبدعو أسيوط هم المتضرر الوحيد، ومع ذلك تواري صوتهم تماما، لذا فقد حاولنا هنا أن نرصد من خلالهم أبرز ملامح المشهد الثقافي في أسيوط الآن، لنعرف إن كان التراجع الرسمي قد أثر علي المشهد الإبداعي أم أنهم استطاعوا أن يجدوا حلولا بعيدة عن مؤسسات الثقافة الرسمية في المحافظة، حاولنا أن نعرف منهم أين يمكن أن نضع جهود المؤسسات الثقافية في أسيوط الآن..وفي أي اتجاه تسير، وماذا حققت هذه الأجهزة؟ ومن خلالهم يمكننا القول إننا لا نستطيع أن نلمس خطا فكرياً محدداً وواضحاً للمؤسسات الثقافية في أسيوط، ولا نعرف بالتحديد ماذا تريد؟ ولماذا تقدم ما تقدمه؟ وما الأهداف التي تريد أن تحققها؟! فمن الواضح تماما أن هذه الأجهزة تعمل بدون سياسة محددة وواضحة. الشاعر ياسر النجدي يقول: للأسف إن معظم القائمين بالإشراف علي الأنشطة الثقافية والإبداعية من موظفي الثقافة بأسيوط ليست لهم علاقة من قريب أو بعيد بالعمل الذي يقومون به، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلي تنفيذ أنشطة نمطية خالية من الإبداع والابتكار. ناهيك عن أن عدداً كبيراً من المواقع الثقافية بأسيوط، لا تزال تمارس عملها من خلال شقة بعمارة سكنيةلا تتناسب مع الدور الذي تقوم به، ولا مع الأنشطة التي من المفترض أن تقدمها مثل: بيت ثقافة صدفا وأبنوب والقوصية والبداري. ويضيف : من أهم المعوقات في العمل الثقافي بأسيوط ضعف الميزانيات المعتمدة للأنشطة الثقافية لاسيما ميزانية أندية الأدب، فميزانية النادي ثلاثة آلاف جنيه علي مدار العام منها المكافآت والانتقالات والدعاية والإعلان والتوثيق والاستضافة، ولا يزال هذا المبلغ ثابتاً منذ سنوات رغم غلاء الأسعار وارتفاع قيمة الانتقالات.
ضعف الميزانيات كان سببا في لجوء عدد كبير من مبدعي المحافظة للنشر الخاص كما يقول الشاعر محمود فرغلي، فهناك صعوبة كبيرة في النشر عبر سلاسل هيئة قصور الثقافة وهيئة الكتاب، لذلك اقتطع بعضهم من قوت يومه لكي يصدر ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية. ولا يمر عام دون أن يكون لأدباء أسيوط أربعة أو خمسة أعمال منشورة علي نفقتهم، لأن مشروع النشر الإقليمي التابع لهيئة قصور الثقافة لا يكفي هذا الزخم، حيث يقتصر العدد علي كتابين فقط كل عام، وهذا لا يتناسب مع عدد الأدباء الموجودين. وأكد فرغلي أن تأخر عمليات الترميم في قصر ثقافة أسيوط أثر بشكل ملحوظ علي الأنشطة الثقافية خاصة النشاط المسرحي ونادي السينما. الباحث أحمد عبد المتجلي كان أكثر تحديدا حيث يري أن هناك عدة عوامل تمثل أزمة في عمل قصور الثقافة بأسيوط كان علي رأسها : المرتبات الضئيلة والحوافز الهزيلة لصغار موظفي قصور وبيوت الثقافة، وافتقادهم للحماس، وحرمانهم من المبادرة والتجريب، والتحزب والشللية، وندرة الكوادر المتخصصة والمثقفة والمتحمسة للعمل الثقافي، وعدم الأخذ بنظام التخطيط طويل المدي، وارتباط العمل الثقافي بالمناسبات القومية والدينية، وعدم إحساس المسئولين بمشكلات العاملين وما يعانيه البعض من ظلم أو اضطهاد وعدم تطوير البرامج والأنشطة الثقافية بما يواكب العصر. وتكلس الهياكل التنظيمية إلي الحد الذي ضاقت معه عن استيعاب المتغيرات الجديدة، وعدم القيام بدراسات أو بحوث لقياس درجة الرضا أو الرأي العام الثقافي حيال ما تقدمه المواقع الثقافية من منتجات، وعدم ربط الحوافز بنتائج تقييم الأداء. وعلي الرغم من كل المعوقات البيروقراطية سالفة الذكر، فإن المشهد الإبداعي في أسيوط من وجهة نظره لا يستحق الإهمال علي المستوي الرسمي لأنه يزداد ازدهارا ورسوخاً عاماً بعد عام، سواء في مجال الشعر أو في مجال القصة والرواية. ويضيف عبد المتجلي: الثقافة ليست - كما يتصور البعض _ مجرد مهرجانات واحتفالات ورقص وتسلية، الثقافة لا قيمة لها إلا إذا كشفت الفارق بين الواقع كما هو كائن، وبين ضرورة تغيير هذا الواقع إلي الأفضل، أي إلي ما يجب أن يكون. لذلك فإن عملاً جليلاً ينتظر هيئات وزارة الثقافة علي تنوعها حين تصرف كل منها جهودها وقدراتها لدعم الواقع الثقافي ومساندة الأدباء الشباب في أسيوط، والذين أثبتوا جدارتهم وتميزهم.
الأزمة التي تواجهها المواقع الثقافية يبدو أنها لم تمتد للحركة الإبداعية نفسها، فالروائي والناقد زكريا عبد الغني والحائز علي جائزة الدولة التشجيعية في الرواية العام الماضي يري أن بعض الهيئات والمواقع الثقافية تستحق الدعم كنادي أدب قصر ثقافة أسيوط الذي يمتد تاريخه لأكثر من ثلاثين عاماً ويعتبر بؤرة إشعاع لإبداع متميز حيث تتواصل في قاعته أجيال المبدعين الذين حباهم الله بنعمة الموهبة في مجال الشعر والقصة والرواية، فبرزت علي الساحة الإبداعية في السنوات الأخيرة مجموعة كبيرة من الكتاب المتميزين في كل مجالات الإبداع. ويتفق معه القاص أحمد راشد البطل مؤسس ورئيس نادي القصة بأسيوط في أن المشهد الإبداعي في أسيوط تطور تطورا ملحوظاً في فنون السرد، خاصة في مجالي القصة والرواية، وذلك خلافاً لما كان عليه الوضع في السنوات الماضية، حيث كان الشعر يتربع علي عرش الإبداع بمجموعة متميزة من الشعراء منهم:درويش الأسيوطي، وسعد عبد الرحمن، وشوقي أبو ناجي _ رحمه الله _ أما الآن فقد تصدرت القصة القصيرة والرواية المشهد الإبداعي، وحصد الكثير من أعضاء نادي القصة جوائز محلية وإقليمية، ولا تكاد تخلو صفحة أدبية أو منتدي أدبي علي الإنترنت من مبدعي هذا النادي . في حين يري القاص والروائي مصطفي البلكي، وكيل نادي أدب أسيوط أن المشهد القصصي واعد.. لظهور عدد من كتاب القصة استطاعوا أن يحصلوا علي عدد كبير من الجوائز مثل جائزة نادي القصة بالقاهرة، وإحسان عبد القدوس في الرواية، وجائزة محمود تيمور، وجوائز الهيئة العامة لقصور الثقافة. وتساءل الروائي عبد الراضي أبو دوح عن سر غياب الأقلام النقدية عن أدباء أسيوط، رغم استحواذ عدد كبير منهم علي جوائز إقليمية هامة مثل جائزة إمارة الشارقة للروائي مؤمن أحمد، وجوائز محلية مثل إحسان عبد القدوس لمصطفي البلكي، وجوائز هيئة قصور الثقافة المركزية وغيرها.
ونتيجة لضعف الدعم الحكومي أو اختفائه فإن المشهد اتسع أيضا للمبادرات الشخصية وللجمعيات غير الحكومية فيقول الأديب حمدي سعيد مسئول الإعلام بمحافظة أسيوط، ومدير مركز أحمد بهاء الدين الثقافي بأسيوط إن المركز وجمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين الثقافية تمكنوا من خلال مجموعة من الأدباء وشباب المبدعين من تأسيس مشروع للنشر يجمع بين صفتي المؤسسية والفردية من خلال التعاون مع الجمعية وإحدي دور النشر الخاصة، حيث يتحمل المؤلف ثلث التكلفة المادية للطباعة، وتم طباعة عدة روايات ومجموعات قصصية في هذا المشروع. وتصدر هذه الأعمال بصفة دورية بواقع عمل كل أربعة شهور بعد إجازتها فنياً. ويضيف: بخلاف ما يتصل بالنشر فإن هناك سعياً من المركز لدعم الواقع الثقافي في محافظة أسيوط، حيث حرص مجلس إدارة جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين علي توفير خدمات ثقافية ذات نوعية ومستوي متميز فهناك معمل للحاسب الآلي ومعمل للغات مزودان بأحدث الأجهزة، إضافة لمسرح مفتوح، وصالة سينما، ومكتبة للطفل وأخري للشباب وقاعات لممارسة الأنشطة الثقافية والفنية تستهدف جميع الفئات العمرية والاهتمامات لدي عموم المواطنين لاسيما أصحاب المواهب والإبداعات منهم.