في قصتي» انظرية الجلدة الفاسدة« يثرثر الراكب نصف المتعلم نصف المجتهد مع رواي القصة الذي يرافقه في رحلة القطار من محطة المنيا بصعيد مصر إلي القاهرة ، فيعرض عليه نظريته في درجات الخير والشر. يقول الراوي ز هل تعرف أني من خلال أدق العلاقات بين الرجل والمرأة توصلت إلي نظرية في الخير المطلق؟ فالخير المطلق هو ما تقوم به من عمل بسعادة تساوي تماماً سعادة من يتلقي هذا العمل ، هو العمل الذي فيه تؤكد ذاتك وتؤكد غيرك في الوقت نفسه ، فتصبح سعادتك وسعادة غيرك فعلا واحدا ، بحيث لا تدري هل أنت تحقق رغبتك أم رغبة غيرك فلا تكون هناك سوي رغبة واحدة تتحقق. إذا حدث هذا بين الفرد والفرد كان هو الخير المطلق ، فإذا حدث بين الفرد والجماعة ، كما في حالة الفنان أو العالم الذي يسعد بعمله وفي الوقت نفسه يسعد الآخرين ويفيدهم فهو ما وراء المطلق ، أما إذا حدث بين جماعة وجماعة كأن يكون بين دولة وأخري فهو مطلق المطلق. هذه مصطلحاتي أنا ، لن تجدها في أية كتب .. لا تؤاخذني فلست أستطيع إغفال هذا التشابه ذ أقصد الاتصال الوثيق ذ بين النشوة الحسية والنشوة النفس اجتماعية. هذا مصطلحي أنا أيضاً ، يجوز أنك قرأته من قبل ، لابد أن يكون ذلك في لغة أجنبية ثم ترجمته لنفسك ، أما أنا فلا أذكر أنني عثرت عليه فيما قرأت. المهم أنني اطلعت علي أكثر من نظرية لمن يسمونهم علماء الأخلاق ، دائماً كنت أحس أن هناك شيئا ناقصا فيما يقولون ، أتعرف لماذا؟ لأنهم لم يفطنوا إلي قانوني أنا ، وإلا لأراحوا واستراحوا ، ولما وجد الخلف منهم ما ينقد به السلف .. نعم نعم .. التضحية أن تتألم في سبيل سعادة غيرك ، هذه درجة أقل من درجات الخير ، لماذا لا يسعد الطرفان إذا لم تكن هناك ضرورة للتضحية؟ أما الشر فهو أن يشقيك عملك ويشقي غيرك بهذا العمل ، أقصد هذه درجة من درجات الشر ، أما أقصي درجاته فهو أن يشقي غيرك لتسعد أنت كما يحدث عندما يسعد المعتدي ذ فردا أو دولة ذ علي أشلاء ضحيته ، لا يدري أنه قد وضع بذلك أسس الشر الذي سينقلب عليه يوما ليلتهمه كما التهم هو به غيره. هذا قانون أزلي أبدي إن لم يتحقق في حياة الطغاة ذ أفرادا أو دولا ذ تحقق في حياة من يتلوهم من الأبناء والأجيال . ثم اختتم ثرثرته ببيت للشاعر الجاهلي زهير ابن أبي سلمي معبراً عن أحد وجوه الخير : تراه إذا جئته متهللاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله