علشان انته بتغالط في الحساب يبقي لازم تدفع أولاً، قبل ما تطلب أي كأس. .. ليه هوّه أنا ضحكت عليك في حاجة، علشان كده تعاملني المعاملة دي! هكذا دار الحوار بين الجرسون والباشمهندس فهمي.. الجرسون يقول له إن هذا الكأس الذي بين يديك هو الكأس الثامن، والباشمهندس فهمي، يقول إنه الكأس السابع.. والجرسون يخبره أن الخمر لعبت برأسه فأنسته حتي نفسه، وهو يقول إنه مازال في كامل وعيه، فايق تماماً. وحتي لاتشتد الأمور بينهما تدخل عاشور أفندي، ودفع عن فهمي ثمن الكأس المختلف عليها والتي بين يديه. وغادر فهمي البار، وهو يعلن لمن فيه أنه فايق تماماً، وليس سكران، ولهذا فهو عائد إلي بيته وهو صاحي وفايق! وصل إلي خارج البار ونظر عن يمينه وعن يساره ليتذكر إلي أين يتجه، يميناً أو يساراً ليعبر الطريق ويصل إلي الجانب المقابل، ويدخل أول عطفة توصل إلي الشارع الموازي، حيث موقف السيارات الذي ركن سيارته فيه. هل يسير جهة اليمين قبل عبور الطريق؟ أم جهة اليسار؟ عند حضوري كنت أسير يمينا أم يساراً؟ آه.. كنت أسير جهة اليسار.. إذن في العودة أسير جهة اليمين، طيب أيه العلامة اللي تفكرك بالسكة.. مفيش علامة.. كل حاجة زي بعضها، مفيش فرق بين ده وده! طيب انته متأكد إنك كنت جاي من اليسار؟ طيب وبأمارة أية؟ طيب جرب تلاقي المكان صح! وعبر الباشمهندس الطريق إلي الجانب المقابل بعد أن اتجه يساراً فعلاً، ووجد العطفة التي عبرها إلي الشارع الموازي ولكن صادفته مشكلة جديدة! أين الموقف الذي ركن سيارته فيه؟ موقف جمعة أبوعلي.. وهو موقف مشهور باسم السايس الحارس فيه. لم يرض أن يسأل أحداً عن الموقف.. الناس تقول عليك إيه يافهمي؟ تقول عليك سكران - لا أنا لست سكران، أنا صاحي وفايق تماماً.. هذا الرجل الذي يضع يده في يد المرأة التي تسير بجانبه، لاشك أنه متجه نحو موقف السيارات، خليك وراه! طيب واذا ما كنش له سيارة، وليس ذاهباً إلي موقف السيارات أيه الحل؟ الحل إنك تجرّب، طيب جرس امشي يمين وشوف ح توصل الموقف ولالأ؟ ومشي يمينا وجد في المشي، ولم يصل، فعاد أدراجه إلي حيث بدأ ثم اتجه يساراً، وما هي إلا خطوات ووصل الموقف، ورحب به السايس جمعة أبوعلي، وهو متجه نحو سيارته وبدأ يمسح زجاجها بمنديله الأصفر.. وأخرج الباشمهندس فهمي سلسلة مفاتيح، وفتح باب السيارة، وألقي نفسه بداخلها.. وجمعة السايس يسير حولها وهو يقول: تعال قدام، يمين شوية. بس تعال كمان.. هات شمال، شوية كمان - اطلع علي طول. طلع فهمي ومد يده وأعطي جمعة اللي فيه النصيب. رأي جمعة أن الباشمهندس فهمي غير طبيعي. وبصنعة لطافة طلب منه أن يتوقف، ونزل من السيارة وتركها له.. سمع فهمي كلام جمعة الذي حل محله أمام عجلة القيادة، وأدار مفتاح السيارة، وسارت بهما حتي أوصله إلي منزله، وركن له السيارة أمام المنزل وأعاد وأعطاه المفتاح وكرّ راجعاً إلي موقفه في حراسة السيارات. دخل فهمي من باب العمارة، ولم يكن الخضري بواب العمارة وحارسها جالساً علي الكنبة في المدخل، وكان المدخل مضاءً بنور خافت، ولكنه كاف ليري الداخلون والخارجون المصعد ودرجات السلم، وتوجه فهمي نحو المصعد، وقبل أن يفتح بابه دارت في رأسه فكرة، لماذا لا أصعد إلي شقتي في الدور السادس علي قدمي مستخدماً درجات السلم.. ألست مازلت شاباً؟ لازم أطلع إلي الشقة علي السلم.. سوف أجرب. واتجه فهمي إلي السلم وبدأ في الصعود درجة درجة، ثم درجتين درجتين.. وجرَّب ثلاثة ثلاثة، ولكنه عاد إلي درجتين درجتين، ويده اليسري يستند بها علي درابزين السلم.. وبين كل عدة درجات ينظر إلي أعلي فلا يري إلا الدوران الحلزوني الممتد لفوق.. ثم توقف فجأة.. يتساءل: في أي الأدوار أنا الآن؟ هل الرابع أم الخامس؟ جايز يكون السادس! وسأل نفسه: لم أقف الآن؟ إذا رآني أحد السكان في هذا المكان.. ماذا سيقول عني؟ وبم سيتهمني؟ لا.. لا.. لابد أن أهبط إلي الدور الأرضي! وأصعد في الأسانسير، أسلم شيء.. ولم يطل به التفكير، فعاد أدراجه، وكرّ راجعاً إلي حيث بدأ يهبط ويدور مع دوران السلم. كان يري بعض أطفال العمارة يلعبون ويركبون فوق الدرابزين، كل رجل في جانب ويهبطون فرحين بهذه اللعبة.. لماذا لا أفعل مثلهم.. لا.. لا.. الناس تقول عليك أيه، سيقولون عنك أنك سكران، لاداعي لتنفيذ هذه الفكرة.. كان هذا التفكير يدور برأسه وهو يهبط الدرجة بعد الدرجة.. وأخيراً وصل إلي مدخل العمارة، واتجه إلي الأسانسير، وفتح الباب، وأحسن إغلاقه، وضغط علي الزرار رقم (6) وتحرّك الأسانسير إلي أعلي، وتوقف عند الدور السادس علوي. فخرج منه وأغلق بابه، وبدأ يبحث عن شقته، هو يعرفها جيداً، إنها شقته رقم 23، ويوجد كارت ملصق علي الباب يحمل اسمه، واتجه إليه فوجده مازال في مكانه.. فأخرج سلسلة مفاتيحه وأدارها في الباب مفتاحاً بعد مفتاح، ولم يفتح أي منهم باب الشقة.. وفجأة أضاءت الشقة من الداخل، وفتحت شراعة الباب، وأطلت من الداخل زوجته أم حمدي، التي سرعان ما فتحت الباب وجذبته داخل الشقة، فألقي عليها تحية المساء، قائلاً: مساء الخير.. فردت عليه: مساء الخير! مساء الخير أيه يا أبوحمدي! طيب قول: صباح الخير! ده إحنا بقينا بكرة يا أبوحمدي.. ولم يرد عليها بشيء، بل ألقي جسده علي أول كنبة في صالة الشقة، لايدري عن نفسه شيئاً. وقطع صوت المؤذن السكون المحيط بهم، يعلن عن وقت صلاة الفجر.. وأم حمدي متجهة إلي الحمّام لتتوضأ لصلاة الفجر.. وهي تدعو الله: ربنا يهديك يا أبوحمدي، وتبطّل شرب الزفت اللي عامل فيك العمايل دي..