طويلا منسدلا بكمين كان قادرا علي أن يحتويني في لحظة!، يدفئ أعطافي ويجعلني أتخطر مثل فتاة في السادسة عشرة ولذا أحببته. يري البائع لوعتي أمامه فيقول لي: "تحت أمرك، خذيه بخمسين جنيه بدلا من سبعين". أفرح.. أزيده خمساً فيفرح. أحمله بذراعين مشوقتين كعروس لم تزف سافر عريسها أو غاب ليلة فرحها، حملته علي يدي كطفل أهدهده، وصدره ذو الكرانيش يجمع ما بين مربعات الكاروهات الحمراء والبيضاء.. أسرع الخطي إلي البيت وعلي السلم أقفز أفتح باب الشقة وأدخل، وأمام المرآة أخلع ملابس في عجلة من أمري أدخل رقبتي في طوقه، وذراعي في كمه ولكنه بقي علي هذا النحو لايتسع إلا لذراع واحدة، بقي معلقا في عنقي كالمشنقة.. بكيت قلت: إذن لايمكنني أن أصبح في السادسة عشرة!. طوال الليل وأنا أفكر كيف أستعيد أعوامي تلك.. قالت لي مرآتي : اذهبي للخياط، ولابد أن يكون حائكا". أخذت صديقتي وذهبنا، تنظر صاحبتي للفستان وتتعجب. "ماهذا.. لن يأتي علي مقاسك أبدا!" ويقول الخياط: "لماذا اشترتيه؟!" فأقول : "راق لي"! فيتزيد : اشترتيه لتصرفي عليه؟!" أقول: "اشتريته وسأصرف عليه!" يمارس سطوته : "هذا فستان فتاة صغيرة، بنوتة يعني !" خلعت الجاكت الشتوي الثقيل فتبديت أنحف من عود نعناع، نحيت الجاكت جانبا وحدقت في الأعين كلها: "أنا صغيرة.. أنا بنوتة!". هزوا رؤوسهم وابتسموا همس الخياط: "صحيح.. لما أر امرأة" في عودك كما لو كنت فرع نعناع". تضوعت عطراً، اخضرت أوراقي.. وضعت نفسي في أكواب الشاي الساخنة الموضوعة أمامي فملأت رائحتي المكان، قال الخياط: تعالي كل يوم.. كوني لنا عطرا ابتسمت وتفرعت أكثر.. زرعت نفسي في أعماق ما كينة الخياطة، وأثبت أعواد نعناع في درج النقود فأورقت نقودا أكثر، أدخلت نفسي من ثقب الإبرة وخرجت أعوادا خضراء تسللت إلي أصابع الخياط قبلتها، كان يحمي اصبعه بكستبان من فضة فلما رأي إبري المورقة بالنعناع رمي كسبتان. قال : سيدتي.. أنت أنت حلوة قلت له : وأنت أيضاً غمزتني صاحبتي قلت : "اتركيني أعبر له عن مكنون النعناع" ضحكتا. فرد الفستان أمامنا علي طاولة، أحضر "المازورة"، يأخذ محيط صدري، ومحيط صدر الفستان فيقول: "سيدتي لاصدر له" ولكنني أنا لي صدر جميل كبرتقالة. حقا سيدتي.. صدرك جميل بل حقل برتقال. لكزتني صاحبتي: أنت اليوم مستحيلة! أنا أريد أن أصبح كل يوم مستحيلة! يقيس الخياط محيط الكتف، ويقيس بالمازورة كتفي! ينظر لي آسفا: "سيدتي.. لا كتف له"! فأقول: "لكن لي أكتاف لو حملت عليها فروع النعناع لذهبت إلي سوق المدينة وبعت كل ما معي منه لنفحتك نفحة عطر، ونفحة نقود.. ابتهج البائع ولكنه نظر محتاراً إلي الفستان قلب يديه: "إنه بلا صدر وبلا كتف" أشرت إلي ذيل الفستان الطويل "اصنع له صدرا وكتفاً.. اصطنعه من جديد، اجعله شيئاً جديداً ومختلفاً.. ابتكر ياسيدي وإلا فلماذا فتحت هذا الدكان، ولماذا كتبت اسمك باللون الأحمر، ورقم موبايلك علي الحائط باللون الأحمر.. ووضعت صفا من الكراسي الحمراء والصفراء أمام الدكان؟.. لماذا تغرد ماكينة الخياطة تتذكر مجدها القديم؟.. تستعيد رقصتها تحت قدميك فتدورعجلاتها وتغني.. ابتكر ياصاحبي.. وغن، وأصنع لامرأة في السادسة عشرة فستانا يعيد الأمل لهذه الجميلة، وأشرت إلي صديقتي.. هذا الفستان فأل حسن وفاتحة خير. تأثر الخياط وقال: "أنا أحب الابتكار.. إنني أفضل أن أسهر في الليل مع كوب شاي وعود نعناع.. أسهر لأصنع شيئاً جديداً خير من أن يكون أمامي قماش جاهز لأفصله كما أشاء.. انك تخلقين أمامي مشكلة ولابد أن أحلها وطالما تعشمت فيّ سيدتي فلابد أن أساعدك، ولكن أعطيني وقتا فأعطيته. قلت : لاتهمني النقود.. أنا أريد الفستان. قالت صديقتي: لن ترتديه! قلت : بل أرتديه وأتخطر.. أصبح امرأة في السادسة عشرة وأرقص رقصاً حلوا يليق بالحياة ويليق بي. مضينا وصديقتي تضحك وتسألني: لماذا اشتريته؟! لأغير دنيايّ! تغيرينها بفستان! أغيرها بأقل من فستان، بكمين، بذيل من كرانيش، بوردة، بشريط ستان، وأيضاً يمكنني أن ألبس طرحة مرصعة باللؤلؤ والورد.. ماذا ؟! ويكون هناك صف كراسي حمراء وصفراء وماكينة خياطة تزغرد وهي في مكانها وترقص تحت قدمي، وإبرة تقبل أصابعي ولاتؤلمها ، وفي عيونها وفي فمها أضع أعواد نعناع!، وألقي الكستبان بعيدا لا أريد حمايته ولاغطاءه المعدني، أريد أصابعي حرة بلا حماية تعانق الإبر بلاخوف، تعانق المقص ولاتخشاه لأن بين أسنانه فرع نعناع.. ابتسمت.. عدت أقول : وأنت؟! أنا ماذا ؟! ألا تريدين فستانا؟ أريد فستانا علي مقاسي.. لا أريد فستانا أصرف عليه! خذي الفستان الذي يعجبك ثم أصنعي منه أنت شيئا آخر! كيف ؟ كوني فرع نعناع.