من الفنون التي اندثرت ، هناك فنان كانا من الفنون الأصيلة ، وكان لهما عشاق ومريدون يتولون هذين الفنين بالرعاية - كأصحاب الإقطاعيات والمزارع الكبري من أغنياء الريف - وهما : فن »التبكيش و التهويش« المسمّي ب »الكِشَاكة« ويسمي صاحبه كشّاكاً، والفن الآخر الذي كان صاحبه يسمي بالمواوي ، وكان الكشاك دائماً يرتدي رداءه الممزق والمزوّق بالكثير من الرُّ قَع متعددة الألوان والأشكال، وعلي كل رقعة قطعة صفيح ملونة ، هي »غطيان« زجاجات المياه الغازيّة ، بعد دقّها وتحويلها إلي رقائق مدوّرة .. والفن الثاني الذي كان صاحبه يسمي بالمواوي ، وهوفن تواري بعد أن استغنت الذاكرة الشعبية عن وظيفة صاحبه (المواوي) ، بعدما صارت تخلق واواتها بنفسها ليتواري المواوي ووظيفته في ذمة التاريخ .. ولحسن الحظ ، بقي الكشّاك الذي أسلمنا إلي فنان آخر، يسمي ب »الأدباتي « .. وجدير بالذكر أن الكشّاكين والمواويّة ، هناك من أ سماهم (مخاليع القبائل وصعاليك الفيافي) ، أو أطلق عليهم لفظ «»الحَلَب« و »أولاد السيّد « لأنهم كانوا مثل العرب الرُّ حَّل ، يفنون معظم عمرهم في كروم النخيل الخربة ، و دروب القري وبين الأجران ، كما كان لهم أسرارهم الخاصة التي تلخصها مجموعة من الرموز »أي السيم « تضمن التفاهم المستقل بينهم في اللحظات الحرجة ، و ينطبق عليهم قول القائل : و عدّدي ونوحي يا ام الغريّب عدّدي ونوحي ده وليد صغيّر .. في الفلا مطروحي و الكشّاك و المواوي ، كانا لا يمكن أن تصادفهما إلا في مواسم حصد القمح أو تقشير الذرة ، حيث يتفرقون في دروب القري و الغيطان حول الأجران والمساطيح ( المساطيح : جمع »مسطاح « وهو مكان متسع لتجفيف عيدان وكيزان الذرة ، والبلح بعد قطيعه من النخل )، فالكشاك يمارس طقوسه كدرويش هائم علي وجهه ، بينما كان المواوي يقوم بمهمة إنسانية تثقيفية نبيلة ، ويتحلي بالوقار والتديّن .. ثم يجمع الليل أشلاءهم في بدن واحد ممزق متماسك ، ويوحّد بين مأساة كل منهم في مأساة عامة ، لا تتسع لأنينها سوي الكروم الخربة ( هكذا يقول الأبنودي ) .. فنجد المواوي يقول : » طه « رباية حليماه ... أحمد عيونه رغابة جا عِدّ مالح حِليماه ... قال اشربوا يا صحابة هنا المواوي يتحدث عن البدر »طه « محمد صلي الله عليه وسلم ، الذي قامت بتربيته - يقصد بإرضاعه - السيدة حليمة السعدية ، وينتقل إلي واحدة من معجزاته ، حين أتي هو وصحابته إلي بئر ماؤه آسن ، فتحول - له - ماؤه بعد الملوحة إلي ماء زلال فشرب هو وصحابته .. أما الأدباتية في مصرفكانوا طائفة من الفنانين الفقراء ، يعرضون فنونهم من الشعر الفكاهي الساخر ، في الطرقات والمحافل العامة ، ويقال إنهم كانوا يطْلون وجوههم بمسحوق أبيض ، ويخططونها بخطوط حمراء وصفراء ، ويرتدون ملابس خاصة تثير الضحك .. وكان »عبدالله النديم« يعتبر نفسه واحداً منهم ، وهؤلاء الأدباتية للأسف قد ضاع تراثهم الكوميدي الرائع ، وفنهم كان من الفنون المصرية الأصيلة ، والذي يعبر بصدق عن روح مصر المميزة .. و لولا أن قام »النديم« بتسجيل بعض أشعارهم في أعداد مجلة »الأستاذ« - التي كان يصدرها - لما اهتدينا إلي نماذج هذا الفن الساخر المبهر . . يقول أحد الأدباتية في وصف زوجته - حسبما أوردت مجلة »الأستاذ«: أنا الأديب الأدباتي ... غلب حماري مع مراتي قرْعة وعاملالي ذواتي ... ونفسها تلبس حبَرة