عادت إلي الأذهان مجددا رواية الكاتب الروسي الكبير ليوتولستوي، الحاج مراد، المتمرد الشيشاني الشهير الذي قاتل الإمبريالية الروسية المتمثلة بقياصرتها آنذاك لعقود طويلة تخللتها بطولات مشهودة وخيانات، وليظهر أحفاده مؤخرا في أمريكا لينشروا القتل والدمار في ماراثون بوسطن وبدون مسوغ، والرواية التي أصبحت مرجعا ثابتا لنضال الشيشانيين منذ أكثر من قرن وصارت حديث الناس في روسيا لكاريزما إسمه الحاج مراد، تناولتها الأيدي بالقراءة وقد تكون قد مهدت الطريق للأخوين الشيشانيين في غزوتهما الأخيرة ووفرت بعض أوجه الشبه بين ما حدث بالأمس البعيد وبين ما شهده قرننا الحالي من ارهاب. ورواية تولستوي مع ما تناولته من الظلم الذي وقع علي قبائل الشيشان فقد أوضحت كذلك الخلل الذي تعاني منه روسيا القيصرية آنذاك ما جعل بعض النقاد هناك يتناولونها علي أنها البصيرة الثاقبة لتولستوي في تحليله المجتمع الروسي وحتمية التعايش بين مكوناته في خيمة واحدة بعيدا عن الرغبات البطولية بالاستحواذ علي مقدرات شعوب تلك المكونات والتي تأخذ طابعا عدوانيا أحيانا. تولستوي كان أول من رفض فكرة، الفناء من أجل المجد، وربما فعل ذلك في رواية "الحرب والسلام" حيث أدان فيها نيكولاي روستوف قائد سلاح إحدي كتائب الفرسان البالغ من العمر عشرين عاما والذي قال قبل أن ينتحر بإطلاق رصاصة واحدة علي رأسه بعد شعوره بالهزيمة: لا أحد بعدنا، ولايمكن أن يكونوا كذلك، لماذا، لأنهم لن يستطيعوا قتلنا مع أننا جميعا نحب الموت! ومع أن تولستوي كان رجلا معقدا بإجماع النقاد ومن تناول سيرته، لكنه كان يفهم ما معني المجد، مكسيم جوركي يروي في كتابه، "ذكريات" عن ردة فعل تولستوي لاثنين من الشباب يسيران في أحد الشوارع وقد لبسا دروعا حديدية ما جعله يلعنهما ويصفهما بأنهما سوي حيوانات السيرك يتدربان لأداء مشهد ما، لكنه وعندما تجاوزهما قال بإعجاب: كم هو جميل منظرهما، إنهما يذكرانني بجنود روما القدماء. تبدأ رواية تولستوي في العام 1904 مع صبي لايتجاوز عمره الخمسة عشر عاما يحدق في صورة بطل كان يسكن الجبال عرف بالحاج مراد وكيف قاتل جنود القيصر مع قائد معه يدعي شامل ونتيجة للخيانات والأطماع التي تدخل طرفا ثالثا بينهما ينشق شامل عن الحاج مراد الذي كان يحلم بالسيطرة علي كامل أرض الشيشان، لكن القوات الروسية توقع بشامل وتقتاده إلي أحد سجون العاصمة الروسية وبعد معارك طاحنة يتعرض فيها الحاج مراد للقتل من جانب تلك القوات التي تمضي قدما في ضمها القوقاز حتي يتسني لهم مد امبراطوريتهم حتي جورجيا، ومن الغريب أن يتناول تولستوي حياة هذا المقاتل الشيشاني ورفيقه مع محاولة السلطات الروسية آنذاك طمس تاريخهما النضالي الذي تعرف عليه غاندي من خلال قراءته لرواية تولستوي ما سمح له أن يسلك في نضاله ضد المستعمر الإنكليزي طريقا مغايرا لهما هو طريق المقاومة السلمية الذي أدي في النهاية إلي انتصاره ورحيل المستعمر عن الهند إلي الأبد. وكما هو الحال في روايتيه "الحرب والسلام" و "أنا كارنينا" بني تولستوي روايته، الحاج مراد، علي مجمل التاريخ الروسي الحافل بالحروب والمؤامرات والخيانات ومعاناة شعبه في ظل حكم القياصرة، ومع أن مائة صفحة من هذه الرواية غير كافية لتلم بكل ذلك التاريخ كما يقول عنه الناقد الامريكي جون بايلي الذي يعزو بعض تلك المعاناة إلي وفاة تولستوي الغريبة في إحدي محطات السكك الحديد. في نهاية المطاف تولستوي يحاول الإهتمام بنقل تفاصيل مقتل الحاج مراد الذي قطع رأسه ونقله إلي أحد مخيمات الجنود الروس، ثم حلق جمجمته التي تظهر عليها الجروح الكثيرة ما يعطي تبريرا لأحفاده بالانتقام حتي أن والدة ذلك الصبي الذي ظل يحدق بصورة والده المقاتل الشيشاني الحاج مراد تكتب له قصيدة عن نضالات والده وتحثه علي عدم الخوف من أعدائه لأن والده لم يكن يعرف ذلك الخوف، وأن يكون حرا لأن دماء والده الحارة المتدفقة ظلت تسقي العشب الشيشاني قبل أن تبرد. كتابة: بنيامين لايتال عن صحيفة ديلي بيست