في بلدة طحا بوش بمحافظة بني سويف وفي أول أبريل 1853م وُلد ميخائيل شاروبيم المؤرخ المصري القدير. في سن السابعة التحق ميخائيل شاروبيم مع شقيقه الأكبر حنا بمدرسة حارة السقايين بعابدين التي أسسها البابا كيرلس الرابع (1816 1861م) البطريرك 110 أبو الإصلاح القبطي فدرس اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ومبادئ اللغة القبطية. عندما بلغ من العمر 14 عاماً عُين في قلم التحريات الإفرنجية في وزارة المالية، وبعد سنتين رُقي إلي وظيفة مترجم وسرعان ما اتخذه اسماعيل باشا صديق وزير المالية المعروف في عصر اسماعيل سكرتيراً له فظل في هذه الوظيفة حتي عام 1876م، ثم نُقل سكرتيراً ثانياً لمدير الجمارك مستر «اسكرنتر» ثم رُقي إلي وكيل كبير مصلحة الجمارك في أواخر عام 1877م. إنتُخب مديراً لجمارك دمياط وجعلها إدارة قائمة بذاتها ولأمانته صار أميناً للجمارك. لقوة شخصيته وجليل أعماله أنعم عليه محمد علي باشا لقب «أغا» وألبسه نيشانها وقلده سيفاً وهو في الخامسة والعشرين من عمره. في عام 1880م عُين أميناً لجمرك بورسعيد ولظروف صحية عاد إلي القاهرة واعتزل الخدمة. في عام 1882 طلب منه محمد سلطان باشا نائب الخديوي وقتئذ تشكيل ديوان من كتبة ومعاونين ومترجمين وجنود يقوم بالاهتمام باحتياجات الجيش، فقام بهذا العمل بكل دقة وأمانة، وفي 30 ديسمبر 1883 صدرت الأوامر العالية بالتعيينات القضائية الأولي لمحكمة الاستئناف ومحاكم الوجه البحري والتي ضمت عدداً من الأقباط من بينهم ميخائيل شاروبيم أفندي لمحكمة المنصورة. وفعلاً في يناير 1884 عُين قاضياً لمحكمة المنصورة الأهلية ثم رئيساً للنيابة العمومية بتلك المحكمة والتي كانت في ذلك الوقت من أكبر المحاكم إذ كانت تشمل مديريتي الدقهلية والشرقية ومحافظات دمياط وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والعريش. وفي يوليو 1884 منحه الخديوي رتبة البكوية، وفي نوفمبر نال من حكومة اليونانية وسام «المُخّلص» (باليونانية «سوتير») من رتبة «كومندور» من الدرجة الرابعة لاعماله الطيبة مع الجالية اليونانية وفي مارس 1885 منحته إيران وسام «الشمس والأسد». وفي أوائل 1888 أهداه ملك أسبانيا وسام «القديس يوحنا» من طبقة شفالييه. وفي 1897 منحه الخديوي النشان العثماني من الدرجة الرابعة لمجهوداته في مراجعة جميع المنشورات والأوامر العالية والقرارات الوزارية ووضع قانوناً ليكون مرجعاً عاماً لكافة المديريات. وفي عام 1900 منحه نُجاشي الحبشة نيشان «الافتخار». في الفترة (1882 1896) تولي رئاسة جمعية التوفيق القبطية، وفي عام 1906 أنتُخب عضوا بالمجلس الملي العام الرابع بالقاهرة. في أغسطس 1888 حدث صدام بينه وبين رئيس الوزراء رياض باشا، عندما وجد أن أسلوب العمل يتعارض مع مبادئه القومية حتي إن وساطة الخديوي نفسه باءت بالفشل حتي يعدل ميخائيل شاروبيم عن رأيه، فاعتزل العمل الحكومي وعاد إلي مسقط رأسه ببني سويف حيث اشتغل بزراعة أطيانه وعكف علي تأليف كتابه الكبير «الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث» الذي سجله في خمسة أجزاء ظهر منها أربعة فقط فقد تناول في الجزء الأول تاريخ مصر القديم (نوح الفتح العربي)، الجزء 2 (تاريخ العرب في الجاهلية والإسلام الغزو العثماني لمصر)، الجزء 3 (مصر في العصر العثماني قيام حكم محمد علي)، الجزء 4 (التاريخ المصري حتي نهاية عصر توفيق)، الجزء 5 الذي لم يُنشر تضمن (تاريخ عباس حلمي الثاني تولية السلطان حسين كامل). وفي عام 1992 اهتم د. بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وحفيد ميخائيل شاروبيم لوالدته بطبع كتاب جده الذي لم يسبق نشره بعنوان «الرقيب». وفي عام 1918 توفي ميخائيل شاروبيم بعد حياة حافلة بالخدمة الصادقة للوطن والكنيسة، وقد أهدت أسرته مكتبته التاريخية إلي المتحف القبطي بالقاهرة.