شهد مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي اختتم أعماله أمس السبت العرض الأول في العالم للفيلم الأمريكي التسجيلي الطويل »فن/عنف« إخراج أودي ألوني وبتول طالب ومريم أبوخالد، وذلك في برنامج »بانوراما« خارج المسابقة. أودي ألوني ولد في إسرائيل عام 1959، ودرس الفن في دسلدورف ويقيم في نيويورك منذ أكثر من عشر سنوات، وهو سينمائي ومسرحي وتشكيلي وناشط سياسي من أجل السلام علي أساس حصول الشعب الفلسطيني علي حقوقه المشروعة كاملة وإقامة دولته المستقلة علي أرضه. وقد عبر ألوني عن موقفه في ثلاثة أفلام تسجيلية أخرجها منذ عام 2003، وعرضت كلها في برنامج »الملتقي« في مهرجان برلين المخصص للمخرجين الجدد والتجارب الجديدة، وها هو فيلمه الرابع يعرض في »البانوراما« والذي أخرجه مع الممثلتين الفلسطينيتين بتول طالب ومريم أبوخالد. فنان المسرح الفلسطيني الكبير جوليانو مير-خميس (1958-2011) مؤسس »مسرح الحرية« في مخيم جنين بالضفة الغربية، ومؤسس الفرقة المسرحية التي تحمل نفس الاسم وتقدم عروضها علي ذلك المسرح. والذي اغتيل يوم 4 أبريل عام 2011 أمام مبني المسرح الذي كان ولايزال من قلاع التنوير الفلسطينية، ومدرسة حقيقية للموهوبين من الشباب الفلسطيني، ومن بينهم بتول طالب ومريم أبوخالد اللتان اشتركتا في إخراج الفيلم مع ألوني. ولاشك أن اسم جوليانو مير-خميس اسم غير مألوف لفنان فلسطيني، والسبب في هذا أن والدته يهودية إسرائيلية ووالده مسلم فلسطيني، أي أن جوليانو في ذاته كان رمزاً حياً لمبدأ التعايش بين الشعبين، وهو التعايش الذي لا مفر منه في المستقبل القريب أو البعيد، فهما إما أن يعيشا معاً أو يموتا معاً. وقد أصبح هذا الفيلم الوثيقة السينمائية الوحيدة عن الفنان الذي كان لاغتياله أصداء فلسطينية ودولية. ويقول ألوني في الفيلم أن جول وهو الاسم الذي عرف به كان صديقه، ولا غرابة في ذلك وكلاهما فنانان من أنصار السلام، وهم أقلية من الطرفين المتصارعين. ينتمي الفيلم إلي الفن المركب ما بعد الحداثي الذي يجمع بين المشاهد الواقعية، أي المصورة خصيصاً للفيلم، والمشاهد الوثائقية، أي التي صورت من قبل، ومشاهد مسرحية تمثيلية، ومشاهد غنائية، ومقاطع تشكيلية (تحريك) داخل الفيلم من إخراج إيلونا جينون. والمشاهد الواقعية تتضمن شهادات ومحاورات، كما يتم استخدام الكتابة علي الشاشة. يبدأ الفيلم بشهادة فتاة في الثانية عشرة من عمرها هي ميلا جوليانو ابنة الفنان التي تعرف نفسها، وتشير إلي جدتها اليهودية وجدها المسلم. ثم شهادة بتول وشهادة مريم عن أستاذهما الذي اغتيل غدراً. ونري في وثائق نادرة جوليانو وهو يعبر عن فرحته بثورات الربيع العربي أثناء إخراج مسرحيته التي أصبحت أخيرة، وهي عن رواية الأطفال المعروفة »أليس في بلاد العجائب«. ويعبر الفيلم عن الاغتيال من خلال صورة فوتوغرافية لبقايا دماء الفنان علي الأرض، وفي وثيقة جنازته التي اشترك فيها المئات من المثقفين والفنانين الفلسطينيين. ويقرر الشباب من تلاميذ الفنان أن يقدموا في الذكري الأولي لاغتياله عرضاً مسرحياً جديداً يؤكدون به أن إحياء ذكراه يكون بالاستمرار في تحقيق مشروعه، وتكون المسرحية رائعة بيكيت افي انتظار جودو إخراج ألوني وتمثيل بتول ومريم في الدورين الرئيسيين اللذين كتبا لرجلين. وينتهي الفيلم في حيفا علي شاطئ البحر لعرض مسرحي آخر عن زأنتيجونس يشترك فيه الممثل المعروف صالح بكري الذي كان من تلاميذ جوليانو أيضاً، وهو ابن الممثل والمخرج الفلسطيني الكبير محمد بكري. وبعد أن ينتهي الفيلم يكتب علي الشاشة احتي الآن لا أحد يعرف من قتل جوليانو مير-خميس»، وهي لافتة غريبة لأن من المفترض أن تكون للفيلم إجابة علي هذا السؤال، ومن المؤكد أن أي متفرج سوف يفتقد عدم وجود هذه الإجابة. صحيح أن البحث عن القتلة ليس مهمة صناع الفيلم، ولكن يظل من الغريب ألا يشير الفيلم قط إلي الاغتيال، ولا حتي إلي معناه، فقد كان جوليانو كما ذكرنا رمزاً حياً لفكرة، ومن قتلوه أرادوا قتل هذا الرمز.