د.يحيى الرخاوى تبدأ حركية الشاعر نحو الشعر بتفكيك اللغة القائمة باعتبارها البنية الأساسية للوعي القائم، فتهتز وتختل وتعجز، وهذا ما يمكن أن ينطبق عليه تعبير البياتي «عبور من خلال الموت»، ولكن الكلمة تظل هي وحدة التعبير الظاهر الممكن عن كل من البنية المتفككة والمتخلِّقة في آن؛ والشاعر يترجّح بوعي فائق بين هذا وذاك. للشاعر، حالة كونه شاعرا، وعي محوريّ، أعني ذاتا ضامة تتخلق باستمرار، وفي الوقت نفسه لها استقلاليتها الجزئية التي تسمح لها بحوار جدلي مع مفرداتها في بعض مراحل التفكك للولاف. وهكذا يمكن أن نري كم أن الشاعر يصبح هو كلماته التي تعتبر لبنات البنية المتخلِّقة، في لحظة ما، كما يمكن أن نميز بتكبير بطيء أبعاد العلاقة المتعددة الأشكال بين الشاعر وأبجديته المتجددة كما يلي: تتخلخل البنية (اللغة) أصلا، (تلقائيا، وإيقاعيا)، وبمجرد القبول بإرادة فمسئولية الشعر: يتمادي التفكيك في وعي فائق- مع بدايات التخليق جنبا إلي جنب. تهتز حروف الكلمات علي طرف المعني،......تُهملني ، أتضوّر جوعا، تتغافل عنِّي،..... أتراجعْ تنساني ، أرنو، أترَقَّبْ. لكن بمجرد تفكك البنية القائمة تتحرر الكلمة من الوصاية القديمة، وتنطلق مستقلة: تعملقتْ في غابةِ الظلام والبكارةْ وراء مرمي اليوم قبل مولد الرموزْ تسلّلتْ بليلٍ «مشمسٍ ودافئٍ» تجمَّعتْ، تكاثرتْ... تسحَّبتْ (تباعدتْ أعمدةُ المعابدِ) تآلفتْ ضفائر الظلام واللهبْ أضاءَها -من جوفها- ظلامُها تلفعتْ بشالِهَا القديمْ فأوسَع الفرسانُ للبُراقْ لم تسرِ ليلاً، لاََ، ولمَّا تعْرُج « 5/2/1983 «ضفائر الظلام واللهب« الشاعر، بعد جولات من الصد، والمناورة، والمخاطرة، والإحباط، والتصالح، فالتوحد، فالموت، فإعادة الولادة، يتصالح مع كلماته وقد امتلك ناصية الجدل فتعود علاقته بالكلمة إلي التوازن فالتربيط الجديد، لتخليق البنية التي تعطي الطعم الجديد؛ والشكل الجديد، والإيقاع الجديد، والنبض الجديد، والصورة الجديدة. ولم تدعْني أختبئْ تجمَّعتْ، تحدّتْْ، طرقتُ بابها تمنّعتْ أغلقتُني عنها..،استردّتْْ وساد صمتٌ صاخبُ عاودتُ طرقَ بابِها، فلاحتْ، واجهتُها،احتويتُها، احتوتْني دفعتُها، تمَلّصَتْ، هربتُ، لم تدعْني أختبئْ تضم نفسها وتنزلقْْ، تفرّ رجليَ اليسارْ، من فوق سطْحِها أقفز فوق رأسِهَا ، تحْمِلُنِي أخافُ سقطةً مفاجئهْ يُرَفْرفُ الهواءُ،.. نمتزجْ تكونني، أكونُها، تنبت حوليَ الحروفُ أجنحهْ 4/6/1982»الكلمة» القلبُ البرعمُ ينبضُ في جوفِ الساقِ المبتورهْ تَتَساقط أوراقٌٌ لم تذبلْ ، تتلألأْ يتدفّق نهرُُ القاعِ بِجَوْفِ النَّهْر الجاريِ نشِطاًً مختبئاً فَرِحاً ، تنسابُ الأحلامْ ورحيقُ حياةٍ مجهولهْ ، تسري بالساق المبتورهْ تتردد أصداء الأشْلاءِ في جذعي الأجوفْ تحتضن النبضةُ معناَهاََ يستأذن لفظٌ ٌٌ: «يعلِنُها» ؟ تتأبّي تهجعُ في رحِمِِ الفجرِ القادمْ تتملصُ من قضبان الكلمهْ: تتمازجُُ - في ذرّات الكون- الذرات لا يُفشي أحدٌ سرّه. ورحيق الطميِ، وطينُ الجسدِ وأنفاسُ الجنسِ إيقاعُُ تلاشي الأشياءِ المغمورةِِ ذائبةُ في المطلق. أتلوْلبُ في جذلٍ صاخبْ.