كل هذا الإنشطار.. أيها الدستور؟! الجمعة: الانشطار.. لعل هذه الكلمة تكثف المشهد المصري في اللحظة الراهنة بكل عنفوانها وعنفها، وضعفها وقوتها، ودهائها وعبقريتها. الإنشطار.. كلمة مرعبة، لحالة أكثر رعبا، تكشر عن الموقف من الدستور، الذي يبدو وكأنه لم يخلق مثله في البلاد. الانشطار.. هو الوصف الذي يسم كل هذه المربعات »المرسومة« علي الخريطة المصرية، بشواهدها ومشاهدها.. حتي لتبدو كأنها رقعة شطرنج، أو مسرح عرائس!. ما هذا التفاوت البشع؟ كيف يمكن أن نتقبل أن يوصف الدستور بأنه »أسوأ دستور« وفي نفس الوقت يوصف بأنه »أعظم دستور«؟!! كيف يستوي أن يكون » دستور كفر« و» دستور إيمان« في لحظة واحدة؟!! دستور الدم والفتنة والكراهية، وهو أيضا دستور الاستقرار والرخاء والمحبة؟!! دستور الانتقام والثأر والبغضاء.. ودستور السلام والأمن والأمان؟!! شيء يجنن..! منتهي المفارقة والتراجيديا..لا يستطيع أعظم مؤلف درامي،- في الأولين والآخرين - أن يصورها أو أن يصل إليها بخياله.. إنها مسافات ضوئية بين القطبين.. كيف يمكن للدستور أن يتسبب في اندلاع كل هذه الحرائق السياسية في كل مكان علي هذه الأرض الطيبة التي لا تقبل أن تنبت إلا طيبا، أو يفترض ذلك؟. ما هذا الدستور الذي يفرق حتي بين المرء وزوجه، وبين أفراد العائلة الواحدة؟ في البيت. في العمل في التجمعات الأسرية.. في الشارع .. في المجالس .. في المكاتب.. في كل مكان.. وفي كل لحظة؟! وفي الاتجاه المضاد يجمع نفس الدستور كتلا بشرية تهتف به الآن وتتشبث حتي الموت، وتهاتف به المستقبل المنشود والمنظور!. مشهد مثير للغرابة والضجر، ومفجر لألف علامة استفهام، من الضروري أن ينشغل بها علماء الاجتماع والنفس والسياسة والنقد والفكر والمعقول واللامعقول.. ورغم حيرة الدستور بين ال »نعم« وال »لا« إلا أن المهم أيضا الذهاب الي الصندوق المنتظر ، ليختار المرء منا بإرادته وعن قناعة..و بكل حرية، فكل منا طائره في عنقه.. أليس كذلك؟. السبت: الموافقون علي الدستور.. رأيهم واضح، فالسكوت علامة الرضا، إن صح هذا القول المأثور، وإن كانت تحولات الزمن والأفكار تثبت عدم صحته. والمعترضون ينتقدون.. لعلهم يضيئون شموعا في هذا النفق الطويل، يرون أن عرض أطروحاتهم أمانة.. لاسيما أهل الفكر والقلم والعقل النقدي، وما أحوجنا الي هذه العقلية النقدية. من أجل ذلك نفتح ملف العدد.. لتقديم إضاءات ساطعة، وإنارات متعددة، واستقطار ثقافة دستورية محيطة، من ثلة من المثقفين، لهم رأي ولديهم رؤية، فالعيون والعقول تنتظر دائما كلمتهم للتاريخ، أيا كانت موضع اتفاق أو اختلاف.. من رابع المستحيلات أن يصمت القلم ، أويتجمد الفكر، إزاء ما يجري، وسيجري، والبقية تأتي، فالأمر لن يتوقف بعد الاستفتاء علي الدستور، بل سيبدأ، وسيكون أبطال اللحظة القادمة هم أصحاب الفكر والثقافة والعقلية النقدية، والرؤية الجادة والحادة، مهما توحشت الضبابية.. أقول ذلك.. وفي الذهن والذاكرة أطروحة المفكر الفرنسي «جوليان بندا» الشهيرة ب »خيانة الإكليروس« والتي تعرف لدينا باسم »خيانة المثقفين« وهو عمل فكري يعد من الوجهة التاريخية فاتحا ورائدا، وإن كان قد اكتفي بدراسة أوضاع المثقفين الفرنسيين فيما بين الحربين العالميتين. وثمة أطروحة الناقد »أنطونيو جرامشي« عن المثقفين التي جاءت ضمن مؤلفه »كراسات السجن« و يتعلق بما هية المثقف العضوي، الذي يخدم طبقته الاجتماعية، وليس المثقف الذي يلتحم بالجماهير. وتحضرني أيضا عبارة »فرانكلين روزفلت» عندما انتخب لأول مرة رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية سنة 1932:«لا ينبغي أن يكون هناك ما نخافه.. إلا الخوف ذاته«. لا.. لا خوف.. حتي من الخوف، طالما أن الرأي يمتلك براهينه، وصاحبه يفند حججه. إذن..فليقل كل كلمته، فهي مسئوليته، إنها المرايا المتجاورة، وليس مثل مرايا الفكر مرايا تجلي وجه الحقيقة، التي نبحث عنها دائما وننحني لها إجلالا حين نعثر عليها، حتي ولو بعد فوات الأوان ، أو ..وفاته!. أمّة.. في العناية المركزة ! الخميس : إن أمة بدون أصوات مفكريها وعلمائها .. هي أمة تصبح نزيلة غرفة العناية المركزة !.أمة يغيب عنها أهل الفكر وحملة مصابيح التنوير والاستنارة وهي في مفترق طرق.. لابد أن تتعرض للاهتزاز والابتزاز. أمة يغيب عنها مفكروها ومثقفوها ومبدعوها في أدق اللحظات التاريخية.. هي أمة يختل توازنها وتطيح بها الرياح ذات اليمين وذات الشمال.. وتفقد بوصلة الطريق. أين أنتم يا علماء الأمة.. يا مفكري مصر.. يا عقلاء المجتمع.. يا من تمتلكون حاسة استشعار الآني والآتي..يا ضمير الناس.. يا نبض الوطن والمواطن؟. كلكم مشغولون بالسياسة المؤقتة، والسياسة اللحظية.. دستور غاب عنه الفكر.. لا يستوي . إذ لابد من التوافق.. كما ألمح الي ذلك أستاذنا محمد حسنين هيكل:» إن البلد دخل في نفق فظيع، الدستور ليس قانوناً، هو عقد طوعي لجماعات مختلفة تريد أن تحيا حياة واحدة مشتركة علي أرض واحدة، في القوانين هناك أقلية وأغلبية وهناك حاضر وغائب، لكن وضع الدستور يقتضي وجود كل القوي الطبيعية في المجتمع.. إذا غابت الكنيسة وهي غائبة، وإذا غاب عدد كبير من المثقفين وقد غابوا، والمفكرون وقد غابوا، إذا اقتصر عمل الدستور علي فئة واحدة في المجتمع مع احترامي لقيمتها، إذن أنا من حقي أن أقول إن هذا خطر« وااسفاه.. كل العلماء والمفكرين والإصلاحيين انتقلوا الي جماعات وفصائل، ومارسوا الاصطفاء والبراء، والدولة لا يمكن أن تقوم إلا علي التوافق السياسي، وليس علي نقل الصورة القديمة وتثبيتها في المشهد الجديد ، وأي صراع بين القديم والجديد لا بد أن ينتهي لصالح الجديد، هذه حقيقة تاريخية، فلماذا نتجاهلها؟ إن في تجاهلها تدميرا للمجتمع والدولة معا، وهذه هي الإشكالية الكبري والقاتلة. سلام عليك أيها الصحفي » الحسيني« الأحد: سلام عليك أيها الصحفي الفارس «الحسيني محمد أبو ضيف».. وأنت تسقط في دمك ، وسط ميدان الميرغني بمصر الجديدة.. وأنت توثق مشهدا من المشاهد المروعة التي تنوء بها خريطة الوطن، أية قوة كانت فيك.. وأنت تكتب فصلا بعدستك الصحفية، لم يكتبه إلا أنت.. أنت وحدك.. سقطت الكاميرا من يدك العفية، ثم أسقطتك الرصاصة الإجرامية.. يا أيها »الحسيني«..الرصاصة التي اخترقت رأسك.. اخترقت رؤوسنا جميعا.. قلوبنا جميعا.. عقولنا جميعا.. أيادينا جميعا..أقلامنا جميعا.. أوجاعنا جميعا.. أوضاعنا جميعا.. تلك الرصاصة اللعينة الحمقاء أصابتنا أجمعين.. خاصة نحن »الجماعة» الصحفية« وإن كنت أتميز غيظا من هذه الكلمة التي تلقي بظلال لم تعد مريحة، رغم جمالياتها الاجتماعية والدفء الذي نفتقده علي كل الأصعدة.. أيها الزميل الحسيني.. أيها الصعيدي الفرعوني.. أنا لم أعرفك في حياتك معرفة ذاتية، إلا من خلال عدستك الصحفية »الفجرية«.. لكن مشهدك سيظل محفورا.. بل منقوشا.. بل مطرزا.. في القلب والوجدان والذاكرة الصحفية. أيها الفارس النبيل .. نم واطمئن.. فنفسك قد رجعت الي ربها راضية مرضية، ودخلت في عباده ودخلت جنته.. أيها الشاب الفتي.. تيقن أنك الآن ألف حسيني.. وألف عدسة واسعة الحدقات.. وألف ألف لقطة ثمينة المعاني.. وتأكد أن عيون العدسة الصحفية الرقيقة والدقيقة هي أقوي وأعنف مليون مرة من كل جنزير وحشي.. وخرطوش همجي .. ويد عمياء..!!!. نفسي الأمارة بالشعر: صوت القبور الأربعاء: حتي متي ستظل تحكمنا القبور؟ وتظل تنهشنا الجثث؟ وإلام تلك الرائحة .. ستظل تزحف في شرايين المسير؟ وتريق أوجاع المصير؟ يا سيدي التاريخ: سجل فخرنا الدف لعبتنا.. والرقص شيمتنا لا شيء يشغلنا إلا عواطفنا..!. يا سيدي التاريخ إنا عاشقون ومدمنون وعاجزون نبكي علي الأطلال من زمن الجنون: هل رأي الدهر سكاري مثلنا؟ كم شربنا ثم نمنا نوم أهل الكهف إلا ..كلبنا! يا سيدي التاريخ: في أوهامنا قوة وفي أسماعنا وقر .. وفي أبصارنا حول .. وفي أفكارنا حدوة.. يا سيدي التاريخ: اشعل بداخلنا الحريق فلعلنا يوما نثوب ولعلنا يوما نفيق....!!