بين السيف والقانون الثلاثاء: سألوا »العقاد« وأنت صاحب العقل الجبار لماذا لم تحسم أمرك بالزواج من الفتاة التي احببتها حبا جما، فقال لهم: ان أسباب الإدانة توازي أسباب البراءة، فالعقل حائر! هذه الصورة المشبعة بالحيرة، والمشعة بالمعاني الثقيلة، تكاد تكثف المشهد الداهن واللحظة الآنية والآتية.. ففي الزحام لا أحد يسمع أحدا، والمصداقية ضائعة، والحقيقة مخبوءة، والأيام سائلة القوام والأفكار والأطروحات والقرارات أيضا! توهان وحيرة وتذبذب وتشتت.. يستدعي مشهدا من اطروحة توفيق الحكيم في مسرحيته الرائعة والمروعة «السلطان الحائر» التي ابدعها عام 1960 وتصور حيرة السلطان الحاكم بين السيف والقانون، بعد ان اكتشف المجتمع امر ذلك السلطان بانه لايزال عبدا ولم يعتقه سيده، ولابد ان يتحرر ويعتق حتي يكتسب الشرعية، فما كان من القاضي إلا أن حكم بان يباع في المزاد مع انه يمتلك القوة بكل أنواعها وضراوتها، ويظل في صراع حتي يحزم امره ويتخذ قراره وينتصر للقانون، ولنقرأ هذا المشهد الحواري بين السلطان والقاضي بعد ان سأله وزيره: الوزير: ماذا أنت صانع يامولاي؟... السلطان: انظر إلي الشيخ!... أتراه يحمل سيفا في منطقته؟... كلا بالطبع.... إنه لايحمل غير لسان في فمه يديره بكلمات وعبارات، وإنه ليحسن استخدام ما يملك بحذق وبراعة، ولكني أنا أحمل هذا!... »يشير إلي سيفه« وهو ليس من خشب، ولا هو لعبة من اللعب!... انه سيف حقيقي، وينبغي ان يصلح لشيء، ويجب ان يكون لوجوده سبب... اتفهمون كلامي؟!... أجيبوا!... لماذا قدر لي أن أحمل هذا؟!.... أللزينة أم للعمل؟!.... الوزير: العمل!.... السلطان: وأنت أيها القاضي... لماذا لاتجيب؟... أجب!... أهو للزينة أم للعمل؟!... القاضي: لأحدهما... السلطان: ماذا تقول؟... القاضي: أقول هذا أو لذاك!... السلطان: ماذا تعني؟... القاضي: أعني أن لك الخيار يا مولاي السلطان... لك أن تجعله للعمل، ولك أن تجعله للزينة... إني معترف بما للسيف من قوة أكيدة، ومن فعل سريع وأثر حاسم، ولكن السيف يعطي الحق للأقوي، ومن يدري غدا من يكون الأقوي؟... فقد يبرز من الأقوياء من ترجح كفته عليك!... أما القانون فهو يحمي حقوقك من كل عدوان، لأنه لايعترف بالأقوي... إنه يعترف بالأحق!... والآن فما عليك يا مولاي سوي الاختيار: بين السيف الذي يفرضك ولكنه يعرضك وبين القانون الذي يتحداك ولكنه يحميك!... السلطان: »مفكرا لحظة« السيف الذي يفرضني ويعرضني، والقانون الذي يتحداني ويحميني؟!... القاضي: نعم... السلطان: ما هذا الكلام؟!... القاضي: الحقيقة الصريحة... السلطان: »يفكر مرددا« السيف الذي يفرض ويعرض؟!... والقانون الذي يتحدي ويحمي!؟!... القاضي: نعم يامولاي!... السلطان: »للوزير« يا لهذا الشيخ اللعين!... إن له عبقرية نادرة في أن يوقعنا دائما في الحيرة!... القاضي: إني ما صنعت يامولاي غير أن طرحت عليك وجهي المسألة، وعليك انت الاختيار!... السلطان: الاختيار؟!... الاختيار؟!... ما رأيك انت يا وزير؟!... الوزير: أنت الذي يبت في هذا يا مولاي!... السلطان: إنك لاتعرف انت ايضا، فيما أري؟!... ثم يفكر السلطان لحظة ويرفع رأسه بقوة ويقول: قررت ان اختار وصاح في عزم: القانون.. اخترت القانون. في ضياء قانون »تبينوا« الأربعاء: اذا كان الصمت أحيانا ابلغ من الكلام، وهذه حقيقة، إلا انه لايرادف الضعف او العجز، بل يعادل القوة والموضوعية التي لاتخوض في اي وحل. قد يأتيك اتهام عشوائي مثل كثير من العشوائيات التي تحتوينا سياسيا واجتماعيا وثقافيا، وقد ينهال عليك تشويش وتشويه من حيث لاتحتسب، فإما أن تتخذ موقف الدفاع واما ان تؤثر الصمت الايجابي من مبدأ «نفي العيب عمن لايستحق العيب.. عيب».. وكاتب هذه السطور يؤمن بهذا المبدأ، فلا هو يرد علي من يتعمد الإساءة والتشويش، كأن يتهمه احد «الانكشارية» من باعة المقالات الصحفية بأنه «عدو الثقافة» هاهاها.. مع انه مخلوق من المفردات الثقافية والفكرية والصحفية وهي مفردات تزحف في شرايينه! ولا هو من ناحية اخري يدخل في مهاترات وجدليات عقيمة، ايمانا بان المعيار هو العمل والاتقان في العمل بل هو رأس المال الحقيقي لكل شخص.. وهو العنوان الذي يفكر لشخصية صاحبه، ويالتنا نكف عن الثرثرة ونطبق قانون «تبينوا» و«هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين».. والله لو طبقنا هذا القانون لانصلحت احوالنا، واختفت اوجاعنا، واتزنت اوضاعنا! عفوا لهذا الصهيل.. ومعذرة لاقتطاع مساحة ورقية هي من حق دار أخبار اليوم، تحمل اشارة وبشارة ذاتية لكنها في جوهرها موضوعية لمن يدكر! أنت أثري ؟ إذن أنت عصري ! الأحد: طافت بي هذه الخواطر وأنا أحدق في حديث عالم الآثار الدكتور رأفت النبراوي المنشور بعد صفحات من هذا العدد وهو يكشف مدي الأوهام والخرافات التي يتبناها هؤلاء الذين يعيشون خارج العصر ويغتالون التاريخ والزمان والمكان والإنسان. نعم.. مسكين ذلك الإنسان الذي يحلق في فضاء العصر ، وليس بين أجنحته جناح تراثي . ولا في قليه نبضة أثرية . ولا في دمه قطرة تاريخية . ولا في عينيه عدسة حضارية حاضرة . مسكين ذلك الإنسان . الذي يعيش في قلب العصر بلا غطاء تراثي . فما أسرع ما يتعرض للأهتزاز، والابتزاز ، حين تمضغه رياح العصر المتقلب ، وتلفظه وهو لا يدري ، مع أنه يتسلح بمعطياته ، ويتحدث بمفرداته ، ويتحاور مع تقنياته . لكنه ساعة أن يتلفت حواليه ، وينظر الي ذاته باحثا عن جدار يستند عليه ، لحظة أن تجور عليه التكنولوجيا والايدولوجيا ، يلقي نفسه وحيدا في العراء غير مليم .! . حين تتدثر بعباءتك التاريخية ، تكتسب المهابة والرحابة ، وتكتسي بالإجابة والاستجابة، حين تتلفح بوشاح حضارتك . تزهو وترنو . و تهفو اليك العصرنة لعلها منك تفيد، وتضيف إليها ، وتضفي عليها من من رحيق جذورك ، وجدودك ، وحدودك الجغرافية ، وجغرافية حدودك البشرية ، وبشريتك التي بشرت بها ، وباشرت بها انسانيتك في المعارف والفنون والاداب والعلوم ، في مختلف التحولات والإنعطافات ، وتباين الفواصل والمراحل . أنت بتراثك : أنسان عصري ، أنت بتراثك : كائن امودرنا أنت بتراثك : ثري .وثراؤك من معراجك الي باطنك .وثرياك من ثراك .وبقاؤك في فنائك في لملمة رموز ماضيك.. واستمراك مرهون باستقرارك .وازدهارك في غدك الموصول بأمسك كلما عدت اليه خطوة تقدمت للغد خطوات.. حداثتك في أصالتك . .عصريتك في اكلاسيكيتكا.تفتيت عقلك في استيعاب أسرار آثارك ، ربما تعادل معنويا تفتيت الذرة ،قطعة من حجر مضمخة بطلاسم بانيها أو ناحتها او صانعها ، لايستطيع الكومبيوتر ان يمتلك عُشر مافيها!. التراث ليس كلمة ثقيلة ترادف الجمود، والتحجر، والعيش عالة علي الجدود. والاعتكاف في قبورهم. والهروب الي كهوفهم. أنت متجذر ؟ إذن أنت تنمو.!أنت أثري ؟ إذن أنت عصري .! أنت عصري ؟ حسنا . هل لك تاريخ . حضارة . تراث . أجداد. أسلاف . فكر. ثقافة . عقيدة . جغرافيا . فلسفة ؟ إذن سنتفق بعيدا عن نظرية المؤامرة علي أن كثيرا من المستشرقين : مارسوا لعبة تفريغي كإنسان عربي قومي من الماضي .جاسوا خلال الديار لترهيبي من سطوة التراث . عاثوا في حاضري لترغيبي في الحداثة .أفقدوني التوازن بيني وبين جدي .. بيني وبين أبي.. ثم ابني من بعدي. تولوا امري الفكري والحضاري في غفلة من الزمن، في وحلة من وحلاتي او وحلاته. علبوا تراثي.. ومزقوه .. وقسموه اربا اربا. اخترعوا اكذوبة تقسيم التاريخ الي عصر جاهلي وآخر اسلامي ثم اموي وعباسي . ثم عصر الدويلات والامارات . ثم العصر العثماني. ثم الحديث، تري .. ماذا بعدالحديث. إنها الآن لعبة العولمة وتسويق الشرق أوسطية . واعتباري شرطيا لتمريرها . أليس كذلك ؟! فسروا تاريخي حسب اهوائهم . ونوازعهم..اغراضهم.. ومصالحهم.. وأمزجتهم. وحسب المؤسسات التي يعملون لحسابها. وكل الحسابات تلغي رصيدي الحضاري!.. قرأوني وكتبوني.. وسطروني وسيطروا عليّ ..شطروني .. نثروني شظايا باردة ألقوني الي بعضهم البعض.. جعلوني حقل تجارب .. وصيروني مادة لمعاملهم وأبحاثهم وتجاربهم.. وتوهموا انهم شكلوني ورسموني.. وقضي الأمر ! ولحظة أن سقط القناع.. لحظة ان بدأ وجهي يلفظ الأقنعة.. وبدأت أعثر علي ذاتي حين بدأت مشروع النهضة العربية . قبل مائة عام .. بدأ التقلص ثم التخلص من القبضة الاستشراقية والسطوة الاستعمارية البغيضة .. ورحت استقل بطاقاتي.. وأستغل قدراتي. وعاد الي الوعي الذي غاب أو (غيبوه) طويلا. طويلا. وصار (النهوض) عنوانا رئيسيا في كتاب كل دولة من دولي العربية داخل منظومة وطني حبيبي الوطن الأكبر. لكنهم كانوا لي بالمرصاد . إلا قليلا.. تلاعبوا ببعضنا، وجرفوهم الي طوفانهم. وفي نفس الوقت استداروا الي الفئة الأخري وسجنوهم في الماضي بما له وما عليه. وكانت المفاجآت في فئة ثالثة حققت التوازن ، واختارت طريقا هو الذي نسير فيه الان :لا أحبس نفسي في غرفة القديم ، ولا أهرول في شارع العصر الحديث . أتقدم الي العالم ولي جداري الحضاري الذي أستند اليه.. أقدم نفسي وأنا واثق الخطوة ، لا أمشي ملكا، ولكن بشرا سويا، انسان اعي دوري وأمارس وعيي.غير أن بعضنا يحتاج بين الحين والحين الي من يوقظ فيه الشعور بالذات في عصر عز فيه العثور علي الذات . والتقابل مع الذات . والتعامل مع الذات . والتصالح مع الذات .غير أننا لم نعدم الامل في النور الذي يضيءالطريق وإن تواري خلف الأستار بعضا من الوقت ، ويفتح النوافذالتي غُلقت حتي عُلقت ، ويفتح المنافذ التي جثمت عليها خفافيش الظلام ، ويجعل من (الأمس الأصيل) قوة لاحتواء (اليوم) والتحريض علي اقتحام (الغد) دون انتظاره حتي يجييء .. وقد لا يجييء..!. نفسي الأمارة بالشعر:الرقص في السلاسل أيها الغامض .. ارقص في السلاسل ! أيها الغامض .. اركض في السلاسل ! أيها الغامض .. ارمز في السلاسل ! أيها الغامض .. لا تلجأ الي التشبيه ، فالتشبيه عارووشاية ! فتدثر بطيوف الاستعارة ! وتلثم .. بعباءات الكناية ! أيها الغامض خذني لأسافر تحت موجات غموضك ! ثم دعني أتحاور... بين طيات رموزك ..! كلما أسلكت فتحاً ...زادني الطلسم كشفا .. فتوهجت بنورك !! أيها الغامضُ .. ابدع في غموضك ! فوجودك ..في غموضك ! ليس للأبيض معني .. ليس للأسود مبني فالرمادي سيد الألوان في هذا الوجود ! والوجود ..سابح فيه الغموض ..! أيها الغامض .. ما أبهي غلالات غموضكْ لو واصلت تغميض رموزكْ أيها الغامض في دنيا التسطحْ لا تفتحْ ..لاتبح بالسر دعنا نكشفُهْ فالمعاناة حياة .. لو نعاني مثلما عانيت ، بعض الوقتِ ، بعض العمرِ ، بعض العقلِ .. كنا نألفه !! غير أنا .. قد تعودنا علي الأخذِ ، فحاول أن تكون المستحيلْ ! وتغلّق .. وتطلسم بالقيود فالغموض ..العمق .. والكون .. وأسرار الوجود !! أيها الغامضُ ..كم قاسيت أوجاع الطموح فتسطحنا كثيراً ..وتعرينا كثيرا .. وتعاطينا الوضوحْ أيها الغامض .. لاتقطع حوارات »التجلي « ربما نفهم يوماً.. ربما ندرك يوماً بعض أسرار «التحلي»، و « التخلي» عن قناعات التدني ! أيها الغامض.. اهبط للنجاة بسفين المستحيل أشعل المصباح واصعد إن في الموت حياة