كتب المبدع الراحل جمال الغيطاني عن المفكر الأزهري الشيخ عبد المتعال الصعيدي، كما نشرت له »أخبار الأدب» مقالا مهما، نشره لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي علي صفحات مجلة الرسالة، وتضمن رؤية جريئة جدا عن الحجاب وفق مقاييس الحاضر. وقد أشار الغيطاني إلي أن المناخ الفكري خلال الثلاثينيات، كان أكثر رحابة وتسامحا مما هو عليه الآن، فلم تكن الحركات السياسية التي تستغل الدين قد ظهرت. وعندما نشر المقال في الثلاثينيات لم يثر ردود فعل عنيفة مثل التي أثارها عند إعادة نشره في التسعينيات، مما يدحض الرؤية القائلة بأن التحرر يتم تلقائيا مع مرور الزمن. في بلادنا وفي ثقافتنا العربية تمضي الأمور بالعكس، وكلما تقدم الزمن نزداد تدهورا لعل الله يحدث أمرا!! شاركت ليلة 6 رمضان في إحدي سهرات ثقافة المنصورة، علي مسرح أم كلثوم، وألقيتُ قصائدي وتذكرتُ كلام الغيطاني، وأنا أتابع عدد الحضور القليل، مقارنة بمن يشاهدون إحدي المباريات علي مقاهي المدينة. وبعد أن انتهيت سرتُ وحدي علي كورنيش المنصورة، وسألتُ نفسي: لو كانت هذه الأمسيات الرمضانية الرائعة تقام في ثلاثينيات القرن الماضي هل كان الأمر سيختلف ؟ بكل تأكيد. لأن المجتمع كان به طبقة متعلمة جادة لا تعاني من أي أمية، وطبقة أخري تسعي جاهدة للحاق بهذه الطبقة، التي خرج من رحمها أروع المبدعين، من شعراء وأدباء ومطربين وموسيقيين ومعلمين ومحامين وأطباء. كان هناك تميز يليق بهم، فانطلقوا يبدعون تاركين لنا زادا حقيقيا من الإبداع، ولم يتكرروا أبدا. أما في الحقبة الأخيرة فهناك صنف واحد يتميز بالجفاف العاطفي، والكل يبحث عن المادة تحت ضغوط العيش وابتلينا بما يسمي » أمية المتعلمين»، وما هم بالمتعلمين وإن كانوا قد حصلوا علي أعلي الشهادات ! لم تتفتح عقولهم ولم يتدربوا علي استخدام العقل ولا أهمية التفكير، فغابت القدرة علي الابتكار والتجديد والإبداع، لذلك لم يكتسبوا مناعة في مواجهة التعصب والتطرف، اللذين يقودان بعض من يقع في أسرهما إلي إرهاب لا سبيل لدينا لمواجهته، إلا بالأدوات الأمنية فغاب امتداد الصفوة واختفي من يعشقونهم! نحتاج بشدة لمن يساعدنا علي تطوير حياتنا الروحية والفكرية، ومن يكافحون ضد الأصولية الجامدة، ونطرح سؤالا محوريا: هل يُشكّل الإنسان فكرا؟ أم يشكل الفكر إنسانا ؟ وفي شهر رمضان الكريم ندعو الله أن تزدهر مصر بأبنائها المثقفين الجادين، الواعين لأهمية المرحلة، فهلا تحرك من بقي من المثقفين الحقيقيين، وقاموا بدور حقيقي يليق بهم. رئيس نادي أدب شربين