«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان المعمري: أستعين بصديقي عبدالعزيز الفارسي لإقناع أبي بدواء يرفضه
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 06 - 2019

الصديق أول من يخطر في بالك عندما تنشب فى حلقك شوكة سمك
صداقة الكاتبين العمانيين سليمان المعمري وعبدالعزيز الفارسي فريدة وجميلة، وهي دليل علي إمكانية أن تجمع الصداقة مهنتين لا علاقة بينهما، سليمان إعلامي، والفارسي طبيب، ليس هذا فقط، فتلك الصداقة انتقلت من الواقع إلي رواية مشتركة لهما هي »‬شهادة وفاة كلب» وبطلها كذلك إعلامي وطبيبة، ولا يمكن، بهذا الشكل، أن تكون صداقتهما عادية، فأنت لا تسمع كل يوم عن كاتبين صديقين أصدرا عملاً مشتركاً.
أعرف أن سليمان ساخر، سخريته بدت لي جلية في مقابلة جمعتنا بالقاهرة، وكذلك تبدو في كل كتاباته، بما فيها مقالاته و»‬بوستاته» علي »‬فيسبوك» التي يلاحق فيها لصوص الأدب والصحافة، منتحلي أعمال غيرهم، مواجهاً تهديداتهم بمزيد من الضحك، وهو يقول إن الفارسي بدوره ساخر، ساخر في نفسه، وفي كتابته، ثم إن أول لقاء جمع بين الاثنين يشكل في حد ذاته قصة طريفة، كان يمكن أن تنتهي بشكل درامي، لكن لحسن الحظ أن الأمر برمته تحول إلي موقف ضاحك..
هذا اللقاء الأول كان في ملتقي أدبي شبابي في مدينة »‬نزوي» عام 1998، كان الفارسي متحمساً، بينما بدا الفتور علي ملامح المعمري، لا ليس الفتور فقط، يقول المعمري بسخرية ويضيف: »‬كنت تمثالاً بارداً في تلك المقابلة، وعندما أنظر لصداقتنا اليوم أشبهها برواية جيدة ولكنْ بمفتتح رديء، وقد أعدنا كتابة هذا المشهد الافتتاحي للرواية المشتركة بعد عامين من اللقاء الأول لتتوطد صداقتنا إلي اليوم». كان عمر المعمري في هذا اللقاء 24 عاماً وقد بدأ منذ عام ونصف وظيفته كمحرر أخبار بإذاعة سلطنة عُمان، أما الفارسي فيصغره بعامين، وكان وقتها طالباً بكلية الطب في جامعة السلطان قابوس. كان هذا الملتقي الأدبي سنوياً ويتضمن مسابقة في الشعر والقصة، ويُعقد كل عام في مدينة عُمانية. عام 1997 عُقِد في صحار وفازت فيه قصة المعمري »‬الكلب الأبيض» بالمركز الأول. يقول عبدالعزيز إنه أُعجِب بتلك القصة بعد نشرها في الصحافة العُمانية وتمني التعرف علي المعمري، وكان فرِحاً بأنه سيلقاه في نزوي.
يحكي المعمري: »‬تأخرتُ في الوصول إلي نزوي عدة أيام بسبب ارتباطي بالوظيفة في مسقط. خلال تلك الأيام التي تأخرتُ فيها ادعي أحد المشاركين في الملتقي من زملائي السابقين في الجامعة أنه صديقي، وشرع يلفق الحكايات الكاذبة عن صداقتنا المزعومة، في حين أنني علي النقيض من ذلك كنتُ لا أستلطفه منذ أيام الجامعة وأعتبره سمجاً واستعراضياً وثقيل دم. بمجرد وصولي إلي نزوي قابلني عبدالعزيز بترحاب شديد وعرفني بنفسه قائلاً: أنا عبدالعزيز الفارسي صديق صديقك فلان، وذكر اسم الرجل السمج الذي لا أطيقه. كانتْ هذه بداية غير موفقة من عبدالعزيز جعلتني أنفر منه علي الفور. فما دام صديقاً لسمِج فهو بالضرورة سمج مثله»، ويضيف: »‬المضحك أن عبدالعزيز اعترف لي، بعد ذلك اللقاء بسنوات، أنه لم يكن صديقه ولا يحزنون، وإنما أراد بذلك الادعاء تقريب المسافة إليّ فكانت النتيجة عكسية. بعدها بعام، أي عام 1999، التقينا في ملتقي أدبي بمدينة صور الساحلية، وهو الملتقي الذي سيفوز فيه عبدالعزيز بالمركز الأول في القصة. وفي الفترة ما بين العامين قرأتُ لعبدالعزيز قصة أخري فازت بجائزة جامعة السلطان قابوس عنوانها (حتي إشعار آخر) فأعجبتني كثيراً وكلمته عنها في ملتقي صور، وساهم ذلك في كسر بعض الجليد بيننا، ولكن ليس إلي درجة الصداقة، فما يزال شبح (صديقه) و(صديقي) المزعوم يقف حاجزاً بيني وبينه. الصداقة الحقيقية بعبدالعزيز بدأتْ عام 2000 عندما تم ترشيحنا هو وأنا والشاعر علي الرواحي لتمثيل عُمان في ملتقي أدبي شبابي عربي في الشارقة. يقال إذا أردت أن تعرف صديقاً فجربه في سفر. وهذا ما حصل لي مع عبدالعزيز، بل وعلي الرواحي أيضا. فقد شكلنا-بسبب هذا السفر إلي الشارقة الذي لم يتجاوز أسبوعا- ثلاثيَّ صداقة استمر لسنوات بعد ذلك. في الطائرة جلسنا – عبدالعزيز وأنا- في مقعدين متجاورين، كنتُ أنظر للنافذة وأشاهد جناح الطائرة وأقول له: تخيّل رجلاً معلقاً في الجناح! كان شاهداً علي ولادة واحدة من قصصي التي أحبها وفازت بجائزة بعد ذلك عن رجل معلق بجناح طائرة عنوانها (لماذا لأن). في تلك الرحلة انكسرتْ كل الحواجز بيننا وتحدثنا كثيراً في كل شيء تقريباً، وشَعَر كلانا أنه يعرف الآخر منذ فترة طويلة».
في ذلك العام (2000) صدرت مجموعة المعمري القصصية الأولي »‬ربما لأنه رجل مهزوم»، ولم يقرأها قبل النشر إلا عبدالعزيز الذي ستصدر مجموعته القصصية الأولي »‬جروح منفضة السجائر» سنة 2003 وكان المعمري قد قرأها بدوره قبل النشر. يعلق: »‬باختصار، لم يصدر لي ولا لعبدالعزيز أي كتاب إبداعي سواء كان قصة أو رواية أو سيرة إلا وكنتُ قارئه الأول كمخطوطة، وكان هو قارئي الأول، حتي وإن كنا أضفنا في السنوات الأخيرة قراء آخرين لأعمالنا الأدبية من باب استمزاج آراء متعددة حولها. ومن جميل المُصادفة أن عملينا اللذين يشكلان نقلة نوعية في كتابة القصة لكلينا (وهما »‬الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة» لي، و»‬العابرون فوق شظاياهم» له) صدرا في السنة ذاتها (2005) ومن نفس دار النشر (الانتشار العربي)، وكنا قد أرسلناهما معاً في رسالة واحدة لتلك الدار، وقبلها كنا قد أرسلناهما معا في رسالة واحدة لدار رياض الريس ولكن لم يعجبنا عرضها للنشر فقررنا النشر في »‬الانتشار»).
عام 2010 سافر عبدالعزيز إلي كندا لإكمال دراساته العليا في الطب، وكان طبيعياً أن يقل تواصلهما، ناهيك عن لقاءاتهما. ولكن صداقتهما مع ذلك لم تتأثر. يقول المعمري: »‬يحدث ألا يكون بيننا تواصل لعدة أشهر، ثم بمجرد لقاء أو مكالمة هاتفية بيننا نبدو وكأننا نواصل حواراً بدأناه في اليوم السابق، لا شيء تغيّر في عمق الصداقة أو الثقة بيننا».
لم تمض مدة قصيرة علي صداقته بعبدالعزيز حتي بات صديق العائلة أيضاً. وتحديداً أبوه، الذي كان يحبه كثيراً، وخاصة بعد أن أصبح طبيب العائلة كذلك، وكان المعمري، كما يحكي، يستعين به أحياناً ليُقنع أباه بأهمية علاج ما أو دواء يرفضه. والمفارقة هنا أن الأب يثق بكل ما يقوله الطبيب عبدالعزيز، ولكنْ له رأي آخر فيما يكتبه الأديب عبدالعزيز: »‬كان أبي ولا يزال يؤمن أن القاص أو الروائي ليس سوي كاتب أكاذيب منمّقة. ولذلك كان يُطلق عليّ وعلي الفارسي وعلي صديقنا المشترك في بداية الألفية –القاص المصري عصام حسين عبدالرحمن الذي كان يعمل حينها طبيباً في مستشفي صحار (شلة الكذابين)! كان أبي يستقبل الفارسي والدكتور عصام عندما كانا يزوراننا في البيت مازحاً بهذا السؤال: بعدكم تكذبوا؟ [هل ما زلتم تكذبون؟]. أما ما يتعلق بالاستشارات الطبية فقد كان أبي يستجيب لها علي الفور. مرة كان أبي بحاجة إلي عملية جراحية ضرورية من المفترض أن تُجري له في الهند، كان رافضاً بشدة، وكنتُ وأخي محمود نحاول جاهدين إقناعه بإجرائها بدون جدوي، وعندما يئست طلبتُ من عبدالعزيز إقناعه، ففعل ذلك ببراعة وأزال كل مخاوفه منها. وعندما أصيب عمّار ابن أختي بالسرطان قبل عدة سنوات كان أول شخص ألجأ له هو عبدالعزيز، الذي لم يكتف بالإجابة علي أسئلتي المستفهِمة حول العلاج، بل كان موجوداً أيضاً مع عمّار في المستشفي».
كان عبدالعزيز الفارسي هو صاحب فكرة أن يكتبا عملاً مشتركاً، انطلاقاً من اختلافهما. يقول المعمري إن هناك نقطة مهمة يجب التوقف عندها قليلاً: »‬نحن لا نختار أصدقاءنا وإن بدا أننا نفعل ذلك. ثمة ما يجذبنا في إنسان ما فنقترب منه ونعتمده صديقاً. كثيرون يكون سبب انجذابهم لهذا الصديق أنه يشبههم في طريقة التفكير وطرائق النظر للحياة، غير أن وجهة نظري المتواضعة هي أن الصديق الجيد ليس فقط الذي يشبهك، بل أيضاً ذلك الذي يختلف عنك ويسمح لك بهذا الاختلاف دون أن يؤثر ذلك علي صداقتكما. وأعتقد أن هذه نقطة مدهشة في صداقتي لاثنين من أعز أصدقائي اليوم: عبدالعزيز الفارسي، وعبدالله حبيب. نختلف كثيراً في عُمق إيماننا بأشياء كثيرة، وفي رؤيتنا تجاه الكون والخالق والوجود، ومع ذلك لم يؤثر هذا الاختلاف في صداقتنا، بل علي العكس أغناها، وسمح لكلّ منا بتعدد زوايا النظر في الرؤية للموضوع الواحد».
يعود لتذكر ما يتعلق بالرواية المشتركة، حيث اتفقا أن يبدأَ أحدُهما الكتابة بدون أي خطة مُسبقة أو موضوع معين ولا يتوقف إلا عندما يشعر أنه لا يستطيع المواصلة: »‬بدأتُ أنا سنة 2008، ثم واصل هو، ثم أكملتُ أنا علي ما كُتب، وهكذا، حتي تجاوزت الرواية أربعين ألف كلمة. بعد أن فرغنا منها عرضناها علي ثلاثة قراء نثق في رأيهم فكان رأيهم مخيباً لآمالنا، باختصار: لم تعجبهم الرواية، فكان أن أُحبِطنا وركنّاها جانباً، والتفتَ كلّ منا إلي مشاريعه الأخري. كان ذلك إن لم تخني الذاكرة سنة 2010. بعد ثلاث سنوات، أي 2013 عدنا لقراءة الرواية من جديد بعد أن نسينا تفاصيلها تماماً. توصّلنا إلي قناعة أن بها ما يمكن أن يجذب القراء لكنها تحتاج إلي إعادة اشتغال من جديد. أكثر ما كان بارزاً فيها طغيان الحسّ الساخر الذي هو أحد المشتركات بيني وبين عبدالعزيز في الكتابة والحياة. أحيانا كان بارزاً بشكل غير فني ويحتاج إلي (تشذيب)، كما كانت الرواية بحاجة إلي تعميق بعض الشخصيات الثانوية وتجاهل شخصيات وأحداث أخري هي فائضة عن الحاجة. وضعنا خطة لهذه التعديلات التي استغرقت منا حوالي سنتين، فأنجزناها، ثم عرضنا الرواية علي سبعة قراء ممن نثق في آرائهم. خمسة منهم أعجبوا بها وشجعونا علي نشرها، وهو ما حدث سنة 2016».
ويضيف: »‬أما بالنسبة لشخصيتَي الطبيبة والممرضة من جهة، وشخصية المذيعة أوبرا وينفري وبعض الشخصيات الصحفية من جهة أخري، فقد يظن البعض أننا تعمدناها من واقع وظيفتينا ليكتب كلٌّ منا ما يعرفه أو يجيده، لكنها في الحقيقة شخصيات جاءت بشكل غير مخطط له، علي الأقل في الجانب الواعي من الكتابة، بل إنني لا أتورع الآن عن الاعتراف أنني أنا أول من أدخل الطبيبة في الرواية وليس عبدالعزيز، لكنه –بخبرة المهنة- أضفي عليها كثيراً من العمق بحيث جعلها شخصية مُصَدَّقة، والأمر نفسه ينطبق علي بعض الشخصيات الإعلامية التي أري أن حضورها كان جوهرياً في الرواية، وليس فقط لأن أحد كاتبَيْها إعلامي».
يقول المعمري إنه طوال أكثر من عشرين عاماً ظلت صداقته بعبدالعزيز صامدة، لا يضايقها الابتعاد ولا الانشغال الحياتي أو الوظيفي، صداقة اثنين منسجمين يفهمان ما يريده أحدهما من الآخر. ولكن المفارقة أنه كل عدة سنوات يدخل بينهما صديق ثالث يشكّل معهما ثلاثياً منسجماً. في الفترة من 2000 إلي حوالي 2003 وربما 2004 كان ثالثهما الشاعر علي الرواحي الذي بدأتْ صداقتهما به برحلة الشارقة واستمرت سنوات بعد ذلك. وتجمعهما به ذكريات طريفة لا تُنسي.
يحكي المعمري: »‬من ضمن تلك الذكريات أننا كنا نلتقي بصفة شبه يومية في مقهي نسميه (مقهي الحمقي)، ليس لأن مرتاديه حمقي، وإن كنتُ لا أستطيع الجزم بعكس ذلك أيضاً، بل لأن نادليه هم حمقي. فإذا أردتَ مثلا شاياً فعليك أن تطلب قهوة، وإذا أردت ساندويتش فلافل فعليك أن تطلب عصير رمان! وهكذا. في إحدي الليالي، كنا، ثلاثتنا، خارجين من هذا المقهي في سيارة عبدالعزيز، وكانت فيروز تصدح بأغنيتها: حبيبي بدو القمر. كنتُ أنا بجانب السائق عبدالعزيز، وكان الرواحي في المقعد الخلفيّ يطلق تنظيراً ما عن أغنية فيروز وما تعنيه. أنا وعلي نشاهد سيارة تقتحم علينا الطريق من الجانب المعاكس لكننا لا نتكلم ظنّا منا أن عبدالعزيز منتبه لها. سنعرف بعد قليل من الضربة القوية التي رنّحتْ سيارتنا وجعلتها تدور حول نفسها أنه غير منتبه. لا أدري أي شيطان ركبني لحظتها فقررتُ معاقبة عبدالعزيز. كان الفارسي يسأل بعد أن توقفت سيارته عن الدوران : انتوا بخير يا جماعة؟ ورد الرواحي: أنا بخير ، وأنتم؟ أما أنا فتصنعتُ فقدان الذاكرة هاتفاً: أنا مين؟ أنا وين؟ أنا فقدتُ الذاكرة. كنت أمثل، ولأن المقام لم يكن مقام مزاح فقد انطلي ذلك علي الفارسي والرواحي وأخذا يحاولان إنعاش ذاكرتي بما قلناه في المقهي قبل قليل، وأنا أرد علي كلام كل منهما مصطنعاً الدهشة: أنت مين؟ وبعد مرور نحو خمس دقائق فقط، وعندما لاحظتُ قلقهما الشديد اعترفتُ لهما بأنني أمثّل».
بعد ذلك ابتعد علي الرواحي بدون مقدمات. لم يعودوا يلتقون كالسابق، وبحسب المعمري يبدو أن الوظيفة ابتلعته، فقد ابتعد أيضاً عن الشعر. وإذا بشاب عُماني متخرّج حديثاً من أمريكاً ويتصادف أيضاً أنه قاص موهوب يدخل حياة الاثنين، المعمري وعبدالعزيز، ويُصبح صديقهما الحميم، كأنه بديل جاء في الوقت المناسب ليسد فراغ الرواحي، وهو القاص مازن حبيب: »‬بدأنا التعرف عليه حوالي عام 2004 واستمرتْ صداقتنا به عدة سنوات، قرأنا نحن الثلاثة معاً أعمال تشيخوف وأحببناها وكتبنا عنها، وكذلك أحببنا رواية (حفلة القنبلة) لجراهام جرين وكتبنا عنها ثلاثتنا في عدد واحد من ملحق شرفات الثقافي، لكن الكتاب الأكثر تأثيراً عليّ أنا وعبدالعزيز خلال مسيرتنا الكتابية، هو رواية »‬كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك» للروائي الجزائري عمارة لخّوص. فقد أحببنا هذه الرواية كثيراً وأحببنا طريقة لخّوص في السخرية وفي تعدد الشخصيات، وفي طرق موضوع جاد وهو معاناة المهاجرين العرب والأفارقة في الدول الأوروبية بتناول ساخر يجعلك تضحك من عمق المأساة. وعندما أقرأ اليوم رواية (تبكي الأرض يضحك زحل) لعبدالعزيز الفارسي، أو روايتي (الذي لا يحب جمال عبدالناصر) أجد فيهما تأثراً ما بهذه الرواية».
والحكاية الأخيرة يمكنها أن تلخص معني الصداقة العظيمة التي تجمع الاثنين. ذات مرة نشبت في حلق المعمري شوكة سمك طويلة خلال وجبة دسمة في أحد المطاعم، حاول إخراجها بالطرق التقليدية فلم يستطع. أحد النادلين أحضر له إصبع موز وطلب منه أكله قائلاً إنه سيزحلق الشوكة إلي معدتك. أكل الموز ولم تتزحلق الشوكة بل أعادت تموضعها في مكان أكثر إيلاماً، فكان أن توجه إلي أقرب مستشفي. وهناك حاولوا إخراجها بالطرق التقليدية فلم يتمكنوا لأنه لم يستطع فتح فمه إلي آخره بدون أن تخزه الشوكة في وريده، صوروا عنقه بالأشعة السينية لكن تعذرت رؤية الشوكة، وفي النهاية قرر الطبيب إخراجها بعملية منظار، ولأنه يرتعب من مجرد كلمة »‬عمليّة» كان أول أمر يفكّر فيه الاتصال بعبد العزيز. اتصل به ليسأله عن مدي سهولة أو صعوبة مثل هذه العمليات، فكان جوابه: »‬عشر دقائق وأكون معاك». وبالفعل لم تمض الدقائق العشر حتي كان معه، وساعد وجوده ليس في طمأنته فحسب ولكن أيضاً في الدخول معه في غرفة العمليات عندما عرف الأطباء أنه طبيب، ولم يتركه إلا بعد أن أُجريتْ العملية ونجحتْ، بل وصوّر له الشوكة التي أُخرجت من بلعومه وأراه إياها بمجرد إفاقته من التخدير. يعلق المعمري: »‬من هذه القصة أستطيع أن أعرّف الصديق أنه أول من يخطر في بالك عندما تنشب في حلقك شوكة سمك».
نحن لا نختار أصدقاءنا وإن بدا أننا نفعل ذلك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.