لجنة المناقشة المكونة من د. إبراهيم عبد المجيد، د.خلف الميري، د.جاد محمد طه، د.إلهام ذهنى شهدت القارة الأفريقية صراعات وحركات استعمارية وتوازنات في القوي أنتجت مفاهيم مختلفة وأحداثا تاريخية وسياسات علي مر التاريخ، والحديث عنها يتطلب منا معرفة الدور الذي لعبته الدول الأوروبية الكبري في شرق أفريقيا. حظي تاريخ أفريقيا الحديث باهتمام العديد من الباحثين والمؤرخين، ونحن بصدد دراسة تفصيلية عن التنافس الأوروبي علي زنجبار (1856-1890) للباحث وليد كامل إبراهيم المعموري، مُنح عنها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولي في قسم التاريخ كلية البنات جامعة عين شمس، وقد تكونت لجنة المناقشة من: د.خلف عبد العظيم الميري رئيس قسم التاريخ السابق بكلية البنات، ود.إبراهيم عبد المجيد محمد (مشرفين)، د.جاد محمد طه (مناقشاً) ود.إلهام محمد ذهني (مناقشاً). لا شك أن أثر التنافس الأوروبي علي زنجبار في الفترة الزمنية من 1856 حتي عام 1890، شكّل جانباً مهما من جوانب تاريخها، ومازال في حاجة إلي البحث والدراسة في ضوء ما كُشف عنه من وثائق جديدة ألقت الضوء علي الكثير من الجوانب الخفية لهذه الحقبة التاريخية المهمة في التاريخ الحديث لقارة أفريقيا. الأمر الذي دفع الباحث إلي دراسة وتحليل أبعاد ذلك التنافس من الناحية السياسية والاقتصادية. ومن اللافت للانتباه أن الباحث وليد المعموري اتخذ فترة زمنية مليئة بالأحداث في تاريخ زنجبار تبدأ بعام 1856، ذلك العام الذي شهد وفاة السيد سعيد بن سلطان وتولي أولاده من بعده في كل من شرق أفريقيا ومسقط، وانتهت بعام 1890 وهو العام الذي عُقدت فيه معاهدة هليجولاند بين ألمانياوبريطانيا، وبمقتضاها قُسمت شرق أفريقيا وتم وضع زنجبار تحت الحماية البريطانية. اعتمدت الدراسة علي رصد وتتبع الأحداث التي دارت في تلك الفترة واستخلاص المعلومات التي أبرزت الدور الأوروبي في زنجبار والدور الكبير الذي لعبه الصراع علي الحكم بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان وظهور القوة الألمانية الكبري وعدم استطاعة حكام زنجبار التصدي له. اتبعت الدراسة المنهج التاريخي والوصفي والتحليلي، وتكوّنت من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة، بالإضافة إلي قائمة ثرية بالمصادر والمراجع، كالوثائق العربية ومنها أرشيف زنجبار، ووثائق تاريخية وجغرافية وتجارية، فضلَا عن الوثائق الأجنبية والتي تحتوي علي قدر كبير من المعلومات ودقائق وتفاصيل الأحداث، بينما ساهمت المراجع العربية والأجنبية في إكمال جوانب النقص التي لم تف بها الوثائق. استعرض الباحث في التمهيد والذي يعتبر مدخلا مهما للموضوع، عنوان الرسالة؛ كيف كانت زنجبار قبل وصول قوات السيد سعيد بن سلطان إليها، وكيف كانت التجارة فيها، كما ناقش طبيعة العلاقات التجارية ومعاهد 1833 التي عقدت بين السيد سعيد والولايات المتحدةالأمريكية والتي تعد أول معاهدة صداقة تعقد بين دولة عربية متمثلة في زنجبار ودولة أجنبية كالولايات المتحدةالأمريكية، بالإضافة إلي معاهدة 1839، التي عقدت بين السيد سعيد بن سلطان وبريطانيا العظمي وبموجبها حصلت بريطانيا علي امتيازات عديدة في زنجبار، كما يقف الباحث علي طبيعة الوجود الفرنسي في زنجبار وعقد معاهد 1844 لتكون ثالث معاهدة صداقة بين زنجبار ودولة أوروبية كبري. جاء الفصل الأول عن الوجود الأوروبي في زنجبار بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان عام 1856، ودخول زنجبار مرحلة جديدة اتسمت بالضعف والانهيار السياسي والاقتصادي نتيجة الصراع الذي وقع بين ولديه ثويني والسيد ماجد علي مقاليد الحكم، وتدخل بريطانياوفرنسا من أجل النزاع بينهما، واستعرض الباحث موقف بريطانيا من النشاط الفرنسي في زنجبار والوقوف بوجه التوسع الفرنسي الذي كان مساندًا للسيد ثويني والسيد برغش من أجل قلب نظام الحكم في زنجبار، ويختتم الفصل بتحكيم كاننج الذي حصل في زنجبار علي مسقط، وأن يحكم الجانب الأفريقي السيد ماجد، وأن يحكم الجانب الآسيوي السيد ثويني، وأن تدفع زنجبار معونة مالية إلي حكومة مسقط وبموجب هذا التحكيم انقسمت الامبراطورية العمانية إلي قسمين. وعن بدايات الحكم الجديد بزنجبار تضمن الفصل الثاني، التصريح البريطاني الفرنسي عام 1862 مع سرد تفصيلي لبداية حكم السيد ماجد بن سعيد وبسط النفوذ البريطاني في شرق أفريقيا خلال تلك الفترة، بالإضافة إلي الصراع البريطاني الفرنسي علي شرق أفريقيا بسبب مسألة حمل السفن العربية للأعلام الفرنسية، حيث برزت هذه المسألة بعد إلغاء تجارة الرقيق في شرق أفريقيا ومنع السفن العربية التجارة فيه. ويتطرق الباحث في بداية الفصل الثالث إلي الحركات الاستكشافية التنصيرية في شرق أفريقيا وأثرها علي التغلغل الاستعماري إلي داخل القارة الأفريقية، بالإضافة إلي اكتشاف كل من الرحالة ديفيد ليفنجستون وجون كيرك 1871 لنهر الزامبيزي بشرق أفريقيا، كما أوضح الباحث أثر معاهدة عام 1873 لإلغاء تجارة الرقيق علي زنجبار وشرق أفريقيا وكيف أثرت تلك المعاهدة علي الاقتصاد العماني، حيث عملت بريطانيا علي تدمير الكثير من السفن العربية العمانية بحجة محاربة تجارة الرقيق، ويختتم الباحث الفصل بالسياسة الاقتصادية والمالية التي اتبعها حكام زنجبار والتي منها توسيع التجارة وتخفيض الرسوم الجمركية، وشق الطرق بين زنجبار والمناطق الواقعة علي الساحل لتسهيل عملية التبادل التجاري، فضلاً عن النظام المالي الذي عمل علي إدخال عملات جديدة إلي زنجبار منها الريال النمساوي والبيسة العمانية وغيرها من العملات الصغيرة. وعن التكالب الاستعماري وتقسيم زنجبار 1890 استفاض الباحث في عملية التوسع المصري في شرق أفريقيا وحملة الجب المصرية بقيادة غوردون Gordon وحملة مايكلوب وموقف الحكومة البريطانية من الحملة والتصدي لها وإبعاد النفوذ المصري عن شرق أفريقيا، وتضمن الفصل ذاته مشروع ماكينونMcKinnon الاستعماري من أجل بسط النفوذ البريطاني علي أملاك السيد برغش والحصول علي امتيازات كبيرة علي حساب سيادة زنجبار، بالإضافة إلي أسباب فشل المشروع، كما تطرق الفصل إلي ظهور القوة الألمانية علي مناطق أفريقيا فضلاً عن معاهدة عام 1886 التي بموجبها تم تقسيم زنجبار إلي ثلاث مناطق بين كل من السيد برغش، وألمانياوبريطانيا، واختتم الفصل بمعاهدة هليجولاند التي عقدت عام 1890 وبموجبها سيطرت بريطانيا علي شئون زنجبار بشكل كامل واعترفت الدول الأوروبية بالحماية البريطانية علي زنجبار، وبعد توقيع هذه الاتفاقية انتهت مرحلة مهمة من تاريخ زنجبار التي تعرضت فيها ممتلكاتها للتقسيم والشتات بين كل من فرنساوألمانياوبريطانيا. وتمضي الدراسة في تطور مستمر وتصل في سياقها إلي نتائج معينة ومحددة وهي أن الدول الأوروبية الاستعمارية اتخذت كافة الأساليب لفرض سيطرتها علي شرق أفريقيا والمناطق التي تتمتع بمواقع استراتيجية مهمة، بالإضافة إلي الموقع الجغرافي المتميز لزنجبار ومناخها الطيب، الأمر الذي شجع الكيانات السياسية البريطانية والفرنسية والأمريكية والهندية والعربية لتتواجد علي طول الساحل الشرقي لأفريقيا مما أسهم في انتعاش الحياة الاقتصادية لشرق أفريقيا. كما أن الصراعات المستمرة بين أفراد الأسرة الحاكمة علي عرش الامبراطورية العمانية فتحت الباب أمام الدول الاستعمارية لتتدخل في شئون الامبراطورية الداخلية، وسعت الدول الأوروبية من أجل تثبيت الحاكم الذي يطيع جميع تعليماتها وأوامرها، بالإضافة إلي أن الدول الأوروبية اتخذت من المعاهدات والاتفاقيات ذريعة لفرض سيطرتها علي المناطق كما حدث مع بريطانيا في مكافحة تجارة الرقيق التي كانت هي الأخري سببا قويا لفرض سيطرتها الاستعمارية علي شرق أفريقيا وزنجبار. ويذكر الباحث أن كل ما حدث في سلطنة زنجبار العربية من تقسيم وتجريد للممتلكات لم يكن يرجع إلي السياسة البريطانية في تلك المناطق، بل يعود جزء منه إلي العديد من سلاطين زنجبار الذين استغلت بريطانيا نزاعهم وصراعهم في تحقيق مصالحها. وهكذا قضت السياسة الاستعمارية علي الحضارة العربية العظيمة التي أُنشِئت في تلك المنطقة، وأزالتها من الساحل الشرقي لأفريقيا وكثير من المناطق الأفريقية، وأعطت صورة سيئة عن أفريقيا حتي أصبحت في نظرهم القارة السوداء المظلمة.