استعادة الخطاب الديني من خاطفيه مهمة تساهم فيها دار الإفتاء بنصيب وافر علي الصعيد المحلي والدولي. حول هذه الجهود،إضافة إلي عدد من القضايا المهمة علي مستوي الأسرة والظواهر اللافتة في المجتمع كان اللقاء مع العالم الكبير الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في ظلال الشهرر الفضيل شهر القرآن حيث أكد أن المؤسسات الدينية لم تدخر جهدًا - رغم اتهامها بالتقصير - فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني،ويعرج المفتي إلي مهمة الدار في التعامل مع ظاهرة ارتفاع معدل الطلاق،وكذلك جهودها لحماية الشباب من التشدد بكافة أشكاله سواء تطرفا أو إلحادا وإلي نص الحوار.. نفي تهمة الإرهاب عن الإسلام مهمة ثقيلة جاء حادث نيوزيلندا ليؤكد أن الأديان بريئة من هذه التهم الباطلة. نعم هذا الحادث الإرهابي الأليم يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأن إلصاق التطرف والإرهاب بدين ما أمر خاطئ تمامًا،وقد نادينا مرارا بضرورة أن يكون هناك تعاون دولي علي كافة المستويات من أجل مواجهة هذا الفكر المتطرف والجرائم الإرهابية التي تنبذها كافة الأديان وترفضها الفطرة الإنسانية السليمة،ونحن لا نيأس في أن نؤكد أن الإسلام دين رَحْب يدعو إلي التعرف علي الآخر ومحبته والتعاون معه فيما ينفع البشر ويؤدي إلي عمارة الكون ونشر السلام، ونتخذ من تجربتنا المصرية بيانا عمليا للعالم علي أن الإسلام دين محبة وتعاون وتعايش فقد كانت التجربة المصرية تطبيقًا عمليًّا لهذه المبادئ الإسلامية التي دعت إلي قبول الآخر والعيش المشترك، وكانت الدساتير والقوانين المصرية منذ نشأتها تعمل علي تعزيز هذه القيم والمبادئ ولا تفرق بين مسلم أو مسيحي في الحقوق والواجبات، فالكل سواسية تحت راية الوطن. بعد التعديلات الدستورية الأخيرة أصبح للمرأة تمثيل كبير في مجلس النواب، فكيف تري فضيلتكم دلالة ذلك؟ المرأة شريك أساسي في تحقيق البناء والتنمية في الدولة باعتبارها تمثل نصف المجتمع، وعلي كل المؤسسات وضعها في دورها التنويري الصحيح، لما تقوم به من دور كبير في تربية النشء وإخراج أجيال نافعة للمجتمع قادرة علي العمل والبناء وجميعنا نجل هذا الدور ولا يمكن لأحد أن ينكره، والشريعة الإسلامية تحتفي بالمرأة وتمنحها كافة حقوقها المشروعة، كما أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وكرمتها وعلّت من شأنها بعدما كانت تتعرض للكثير من الظلم والمهانة قبل الإسلام وكرمتها خير تكريم ومنحتها كافة حقوقها المشروعة، ويكفي أن إكرام المرأة واتقاء الله فيها من خواتيم وصايا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، حيث قال: »استَوْصُوا بالنساء خيرًا». القدرة علي التجديد البعض يتهم المؤسسات الدينية بأنها غير قادرة علي تجديد الخطاب الديني فما هو ردكم؟ المؤسسات الدينية لم تدخر جهدًا في هذه القضية فجميعنا يعمل وفق منهج ورسالة واحدة هي تجديد الخطاب الديني والقضاء علي فوضي الفتاوي، وتوصيل رسالة الأزهر الشريف للجميع في الوطن وفي كل بقاع الأرض..ومؤسسة الأزهر الشريف تتقدم الركب في مواجهة جميع أفكار الظلام وتحصين المجتمع والشباب، إلا أن هناك بعض العقبات التي تواجهنا من بينها أن البعض لا يقبلون فكر التجديد، كما أن هناك أناسًا اختطفوا الخطاب الديني، ورسخوا مفاهيم خاصة بهم لتحقيق أغراض سياسية بدعم جهات خفية وعلنية، ونحن نريد إعادة الخطاب الديني المختطف إلي حضن المؤسسات الدينية العريقة التي تقدم صحيح الدين، وجميع المؤسسات الدينية في الدولة تعمل في تكامل وتناغم مع بعضها البعض في نشر صحيح الدين. هل استطاعت جماعات الإرهاب والتطرف تزوير التاريخ وتزييف الحقائق؟ بالطبع كان هذا هو شغلها الشاغل، واستطاعت الجماعات الإرهابية قلب الحقائق بصورةٍ معاكسةٍ مغايرةٍ تمامًا لما في كتابِ الله تعالي وسنةِ رسولِ الله صلي الله عليه وسلم، فضَمَّنَتْ مناهجَها العلميةَ والتربويةَ مفاهيمَ العدوانِ والصدامِ وعقيدةَ وجوبِ قَتْلِ مَنْ لم يؤمنْ بالإسلامِ عندَ أتباعِهم وأنصارِهِم ممن لم يستنِرْ عقلُه بالمنهجِ النبويِّ الصحيحِ، ومن هنا تأتي أهميةُ التعليمِ بكلِّ ما يحمِلُه ويعنِيهِ مصطلحُ التعليمِ من شمولٍ وسَعَةٍ في محاربةِ التطرفِ والإرهابِ، ونعني بالشمولِ التعليميِّ هنا كلَّ مصدرٍ يَتلقَّي الإنسانُ منه علمًا أو قِيَمًا أو أخلاقًا، ابتداءً منَ الأسرةِ والوالدَيْنِ مرورًا بالمدرسةِ ثم المسجدِ ثم النادي ثم مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، إلي آخرِ ما يصلحُ أن يكونَ مصدرًا للتلَقِّي والمعرفةِ وتَكْوِينِ العقولِ الواعيةِ الناضجة. وكيف عالجت دار الإفتاء المصرية هذا الخطر المحدق؟ معالجات قضايا التطرف والعنف في العقود الماضية قد شاب بعضَها خللٌ في الطرح والتناول، حيث ركز العديد منها علي الجوانب الاقتصادية وحدها كدافع للانضمام للتنظيمات الإرهابية، وهي الأمور التي تفاقمت مع الوقت وخلفت ظاهرة نحاول مجابهتها ليل نهار، ولأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر فقد انتهجت دار الإفتاء استراتيجة لتفكيك الفكر المتطرف، اتبعت خلالها عددًا من الآليات الحديثة والوسائط المتعددة لإيصال رسالة الدار لكافة الفئات والأعمار في الداخل والخارج كان علي رأسها مراكز الدار البحثية والرصدية التي تنتهج في عملها مجموعة من الأدوات الرصدية، كذلك دشنت الدار مؤخرًا مجموعة مشروعات تصب جميعها في صالح تفكيك الفكر المتطرف ورصد الجماعات المتطرفة ومعاقلها وأفكارها، من بينها المؤشر العالمي للفتوي وهو أول مؤشر من نوعه في هذا المجال، تنفذه وحدة الدراسات الاستراتيجية بالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والمنصة الإلكترونية التابعة للأمانة والتي تضم 2000 ساعة صوتية ومرئية بهدف المشاركة الفاعلة في تجديد الخطاب الديني، وذلك عبر تقديم نماذج واقعية في التجديد والتطوير وتأسيس المناهج والأفكار، مع تقديم البدائل العصرية لمشكلاتنا الدينية والثقافية.