تحتفل الشقيقة مصر اليوم بذكري عزيزة علي قلب كل العرب، وهي ذكري استرداد ترابها الوطني المبارك في سيناء، والذي جاء تتويجا لنضال متواصل علي مدار سنوات وسنوات ، بُذلت من أجله الكثير من الدماء والتضحيات حتي عاد الجزء إلي الكل، واكتملت وحدة أراضي الوطن ، ورفرف علمها البازغ علي كامل أرجائها. كان تحرير سيناء.. أرض الرسالات ومجلي الوحي المقدس التي يفوح عبق التاريخ في كل ذرة من رمالها المباركة ذروة الانتصارات العربية، بعد أن خاضت مصر معركة السلام بنفس القوة والجسارة التي خاضت بها معركة الحرب، وسطرت في سبيل تحريرها اروع ملاحم التفاوض استنادا إلي النصر الكبير في اكتوبر 1973، لثبت أنها تمتلك مقومات السلام جنبا إلي جنب مع متطلبات المواجهة والنزال. تأتي ذكري هذا العام وسط أجواء غاية في الإيجابية حققتها الشقيقة مصر علي كافة الأصعدة، فقد عادت مظاهر الأمن والاستقرار واستقرت في كافة ربوع سيناء، ونجحت جهود مواجهة الإرهاب في التصدي لمنابع التطرف التي افرزت علي مدار السنوات الماضية تداعيات سلبية كادت تعصف بالأخضر واليابس ، فجاءت إرادة المقاتل المصري العظيم لتبرهن من جديد علي أن الزبد يذهب جفاء ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس. تحولت سيناء - التي عادت إلي حضن الوطن قبل 37 عاما ارضا جرداء وصحراء تمتد علي مرمي البصر- إلي رمز للتنمية والبناء ، ومظهر لقوة الإرادة وبراعة التخطيط والإصرار علي مواجهة التحديات والمخاطر ، ونموذج لما تحقق في شتي ربوع البلاد من إنجازات مشهودة ومشروعات قومية كبري في كافة قطاعات الإنتاج. نحتفل بذكري تحرير سيناء هذا العام وسط اجواء مفعمة بالأمل في مستقبل اكثر اشراقا بعد ان ضرب الأشقاء في مصر المثل والقدوة في الالتفاف حول قيادتهم الرشيدة عبر التدفق جماعات وفرادي علي صناديق الاقتراع في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية ، ملبين نداء الواجب ومشاركين بفعالية في بناء بلدهم، وتكريس الأمن والاستقرار والنهضة الشاملة التي تشهدها مصر الحبيبة في الآونة الاخيرة لتأتي نتائج الاستفتاء صارخة ب »نعم » في وجه كل من راهن بسوء حاضر ومستقبل هذا البلد الطيب. كما يأتي الاحتفال في ظل مؤشرات اقتصادية مبشرة تتناهي إلي أسماعنا عبر تقارير المؤسسات الدولية المتخصصة، لتؤكد ان مصر قطعت المرحلة الاصعب في مسيرة الإصلاح استعدادا لانطلاقة كبيرة نأملها جميعا ، وندعمها بكل قوة ، لأن نهضة مصر وتقدمها يصبان في صالح أمتها العربية ويدعم قضاياها. يأتي احتفالنا ايضا في ظل ما تشهده مصر من فعاليات سياسية ودبلوماسية متعددة تنبئ بالمدي الواسع الذي خطت إليه في سبيل استعادة دورها المحوري عربيا وأفريقيا ودوليا، ولعل النجاح في عقد القمة الأفريقية الأخيرة لبحث اوضاع كل من ليبيا والسودان ما يؤكد ان مصر عندما تدعو فإن الجميع لا يملك إلا ان يلبي النداء ، ويسارع إلي الاستجابة إيمانا ويقينا بانها لا تدعو إلا لما هو خير ونفع للجميع. إن مرور 37 عاما علي ذكري تحرير سيناء، لا يمكن أن ينسينا قيمة ذلك الحدث التاريخي الهام الذي شكل علامة فارقة بين مرحلتين ، الأولي تسخر كافة الموارد والإمكانيات من اجل هدف واحد يتمثل في استعادة الأرض المحتلة ، والأخري تتجه بكل قوة نحو افق غير محدود ، وتمضي بخطوات واثقة ، مقتحمة الصعاب والتحديات لتعويض سنوات ثقيلة من فقدان الثقة وانكسار النفس ، حتي تحقق الهدف المنشود ، واكتملت سيادة مصر علي اراضيها ، وعاد إليها كبرياؤها وقدرتها علي الحلم بغد مشرق ، ومكانة مرموقة تستحقها بكل جدارة بين دول العالم. ولا شك ان تحرير سيناء عن طريق المفاوضات ما كان ليتم الا عقب النصر الكبير في معركة اكتوبر المجيدة ، والتي خاضتها مصر جنبا إلي جنب مع اشقائها العرب في ملحمة خالدة سجلها التاريخ باحرف من نور، ونحن في الكويت لا نزال نتذكر بكل الفخر مشاركتنا الغالية والعزيزة في ذلك الانتصار الكبير ، فالكويت لم تكتف فقط بالمساندة المعنوية والسياسية في الإعداد للمعركة ، بل شاركت فعليا في صنعه من خلال ملحمة كبيرة أداها لواء كامل من الجيش الكويتي هو لواء اليرموك الذي استشهد من رجاله البواسل 42 شهيدا، امتزجت دماؤهم الطاهرة بدماء أشقائهم المصريين لتروي رمال سيناء وتختلط بمياه قناة السويس. وها نحن اليوم نلمس ثمرة هذا الإنجاز عبر المشروعات العملاقة التي تبشر بتحول سيناء إلي قاطرة للتنمية في مصر ، فلم تعد سيناء مقصدا للسائحين ومزارا للوافدين من شتي بقاع العالم فقط ، بل تحولت إلي مصدر للفرص الواعدة في مجالات الصناعة والتعدين والخدمات ، وملتقي للباحثين عن الاستثمار الآمن في قطاع التجارة والخدمات ، فهي بموقعها الاستراتيجي الهام ، ومقوماتها الطبيعية الفريدة تعد محور الالتقاء بين قارتي أسيا وأفريقيا ، وبين المشرق العربي والمغرب العربي. خالص التهاني للشقيقة مصر بعيد تحريرسيناء مع تمنياتنا الدائمة لشعبها الطيب بكل تقدم وازدهار.