سيناء الجزء الأغلى من أرض مصر، والجسر الإستراتيجى الذى يربطها وأشقاءها العرب فى شمال إفريقيا بالمشرق العربى، وهى البوابة الشرقية التى كانت خط الدفاع الأول والأخير عن قلب المحروسة، سيناء معبر الأنبياء، ومثوى الشهداء، وسجل معارك الشرفاء من أبناء الجيش المصرى على مدار تاريخ العسكرية المصرية منذ عصر ما قبل الأسرات حتى الآن. ولأن مصر تدفع الآن ثمنا فادحا لغياب التنمية الشاملة لسيناء بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، برغم أنها الرئة الأولى التى يمكن أن يتنفس منها الشعب المصرى حاضرا أفضل ومستقبلا أزهى، ما تمتلكه من فرص تنموية ضخمة تستطيع أن تحقق نقلة نوعية لمصر كلها فى شتى المجالات.. من هنا يستمد كتاب سيناء.. معالم حضارية وفرص استثمارية - الذى صدر حديثا عن الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لمؤسسة الرئاسة - أهمية خاصة فى هذا التوقيت الذى تخوض فيه مصر على أرض سيناء معركة مزدوجة لدحر الإرهاب، وتحقيق التنمية، وقد جاء الكتاب فى ثمانية فصول وعدة ملاحق، تضمن الفصل الأول إشارات تاريخية لنصر أكتوبر وتحرير سيناء بالكامل فى 25 إبريل، واختيار مصر لطريق السلام الذى جاء ثمرة نضال شاق وكفاح طويل، تحملت فيه مصر وشعبها النصيب الأكبر من تضحيات مادية ومعنوية وبشرية، وقد تمت استعادة كامل الأراضى فى سيناء بعد الانتصار فى معركة التحكيم فى قضية «طابا» فى التاسع والعشرين من سبتمبر 1988 فى انتصار للعدالة والخبرات المصرية.
وجاء الفصل الثانى مشيرا إلى جغرافية سيناء التى تبلغ 61 ألف كم2، بما يوازى 6 ٪ من مساحة مصر، إضافة إلى 30 ٪ من السواحل المصرية على كل من البحرين الأحمر والمتوسط، فضلا عن الثروات المعدنية والموارد الطبيعية الهائلة فى مناطق سيناء الرئيسية الثلاث، الشمال والوسط والجنوب، وإن جاء هذا الجزء خاليا من أية خرائط جغرافية أو طبيعية، أو إدارية، ربما إيثارا من القائمين على إعداد الكتاب بهيئة الاستعلامات للسلامة من الدخول فى مأزق تيران وصنافير، وربما مجرد تقصير أو سهو، يجب تداركه مع أشياء أخرى فى الطبعات المقبلة، وربما لأسباب لا نعلمها. لكن يبقى الجزء الأهم من كتاب سيناء معالم حضارية وفرص استثمارية هو الفصلان الثالث والرابع، واللذان تناولا مقاصد سيناء السياحية من سياحة ترفيهية وشاطئية وسياحة رياضات بحرية وفى مقدمتها رياضة الغوص وسياحة تاريخية ثقافية ممثلة فى المناطق الأثرية شمالا وجنوبا والسياحة العلاجية، والسياحة الدينية، وسياحة المحميات الطبيعية، وسياحة السفارى، إضافة إلى سياحة المؤتمرات والمهرجانات والسباقات، فيما أفرد الكتاب مساحة كبيرة لمقومات وركائز التنمية فى سيناء باعتباره الهدف الأساسى من هذا المطبوع، وتناول مشروعات البنية الأساسية سواء من حيث الموانئ أو الطرق والأنفاق والكبارى أم المنافذ البرية والمطارات، كما بحث هذا المحور التنمية الزراعية وركائزها وأهمها مشروع ترعة السلام بمراحله المتعددة. كذلك مقومات التنمية الصناعية فى الشمال والوسط والجنوب، حيث تتوافر 13 خامة معدنية باحتياطيات كبيرة تصلح لإقامة صناعات عديدة ومتنوعة تعزز فرص التنمية، إضافة إلى الاكتشافات الجديدة من البترول والغاز. أيضا تناول الكتاب بعض ملامح التنمية الاجتماعية فى سيناء من خلال الوجود الفاعل للهيئة العامة للاستعلامات ممثلة فى مجمعات النيل للإعلام، وكذلك فروع هيئة قصور الثقافة، ومراكز وأندية الشباب، وجانبا من المدارس والمؤسسات التعليمية.
وأشار الفصل السادس إلى محور قناة السويس ودوره فى ربط سيناء بالدلتا عبر سلسلة من الأنفاق، والكبارى العائمة وغيرها، فضلا عن استعراض لأهم مقومات التنمية فى المحافظات المطلة على المحور والمتصلة به فى شتى المجالات.
وجاء الفصل السابع عن إنجازات التنمية والتعمير فى سيناء، بينما جاء الفصل الثامن موضحا معارك وبطولات الجيش المصرى لتطهير سيناء من الجماعات والتجمعات والبؤر الإرهابية، والمواجهات الحاسمة التى حققت نتائج مبهرة على الأرض وكان أبرزها سقوط أسطورة جبل الحلال، واستعادة السيطرة الأمنية عليه، وتضمن ختام الكتاب ثلاثة ملاحق شملت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى بمناسبة ذكرى تحريرسيناء، والملحق الثانى قرار بقانون خاص بالتنمية المتكاملة فى سيناء، وجاء الملحق الثالث خاص بقرار رئيس الجمهورية بإنشاء منطقة منتجع الجلالة الشاطئ. تبقى الإشارة إلى أن الكتاب خطوة مبدئية جيدة من هيئة الاستعلامات لإلقاء الضوء على سيناء، وإن كنا نأمل فى الطبعات المقبلة أن يخصص الجزء الأكبر لمحور التنمية بتفاصيلها، مع وضع خريطة واقعية لفرص الاستثمار لكل الفئات بداية من الصناعات الصغيرة والمتوسطة إلى المشروعات العملاقة، وتوضيح الرؤية الاستثمارية القائمة على دراسات جدوى علمية دقيقة، ولو استدعى الأمر تخصيص مطبوع خاص بهذا المحور وبعدة لغات، فضلا عن ضرورة الاهتمام بالإخراج الفنى وجودة الصور المرفقة، التى جاءت دون المستوى شكلا ومضمونا، مع الاهتمام بتنقية الكتاب من ارتباكات الصياغة والحد من الجمل الاعتراضية، واللجوء إلى العرض السهل القادر على الجذب والإقناع معا. كذلك يفتقد الكتاب لأسئلة المستقبل التى هى الأهم، وتبقى التحية لهيئة الاستعلامات ورئيسها السفير صلاح الدين عبد الصادق على هذا الجهد الذى نأمل له المزيد من الاكتمال سعيا للكمال بما يليق بأرض الفيروز وجوهرة الوطن سيناء.