حلم قديم حلم بهِ اليهود، غزوها في زمن العموريين وفقًا للكتاب المقدس، كانت المنطقة متنازعا عليها بين مملكة إسرائيل الشمالية والمملكة الآرامية من القرن التاسع قبل الميلاد، حتي هُزم ملك إسرائيل أخاب (حكم 874 – 852 ق.م). وفي التاريخ الحديث وتحديدًا في اليوم الخامس من حرب الأيام الستة أو نكسة 1967 احتلت إسرائيل هضبة الجولان، قد يظن الكثيرون أن هذا التاريخ هو بداية دخول إسرائيل لمنطقة الجولان، لكنها عملت قبل ذلك علي شراء الأراضي من سكان الجولان عبر شركة للتنمية الزراعية في أوروبا لكن سرعان ما أعلنت هذه الشركة تحويل ملكيتها إلي دولة إسرائيل، حاول اليهود بشتي الطرق السيطرة علي هذه الهضبة نظرًا لأنها تتحكم في الجزء الشرقي لبحيرة طبرية التي تعد مصدرًا للمياه لدولتهم اليهودية حديثة النشأة آنذاك، والشيء الثاني هو أن هضبة الجولان تكشف إسرائيل بأكملها نظرًا لارتفاعها عن مستوي سطح البحر. في البداية وقبل احتلالها حاول اليهود فصلها عن الأراضي السورية من خلال إثارة نزعة قومية داخل دروز الجولان فشجعتهم علي إقامة دولة لهم مستقلة عن سوريا بدعم أمريكي، لكن سرعان ما أدرك الدروز المخطط فأفشلوه. وعندما دخلت إسرائيل الجولان واحتلتها في عام 1967 حاولوا أن يعطوا سكان هذه المنطقة الجنسية الإسرائيلية، لكن الطائفة الدرزية وسكان الجولان وزعوا منشورًا يحرم الجنسية الإسرائيلية علي المواطنين، فعملت إسرائيل علي إصدار قانون يسمي بقانون الجولان عام 1981 الذي بموجبه فرضت القانون والإدارة الإسرائيلية علي هضبة الجولان. عارضه أغلب سكان الجولان ورفضوا الجنسية الإسرائيلية مرة أخري، فعملت إسرائيل علي تطهير عرقي. يعيش في الجولان الآن 40 ألف شخص منهم 20 ألف سوري رفض معظمهم الجنسية الإسرائيلية، فهم يتجولون داخل الجولان بورقة ثبوتية فقط تثبت أنهم يسكنون هذه المنطقة، وإذا غادر أحدهم لمدة طويلة هذه المنطقة يُحرَم من دخولها مرة أخري من جانب إسرائيل. عاني سكان الجولان مثلما عاني سكان فلسطين، قاوموا الاحتلال الإسرائيلي واستشهدوا واعتقلوا ورفضوا سياسة الأمر الواقع حتي أعلن ترامب في 25 مارس الماضي سيادة إسرائيل علي الجولان. هنا تذكرت محمود درويش وهو يقول: وأمريكا وراء الباب، تُهدي كل طفلٍ لُعبةً للموت، عنقوديةً يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعونُ والطاعونُ أمريكا وأمريكا، لأمريكا! نعسنا، أيقظتنا الطائراتُ وصوتُ أمريكا. لأمريكا سنحفرُ ظلّنا و نصبُّ مزيكا علي تمثال أمريكا! وصفت الروائية سلوي بكر هذا القرار بأنه منحط، لأنه مخالف لكل الشرائع الدولية، فلا يمكن أن نقول سوي إنها أرض محتلة من جانب عصابات اليهود، وهذا القرار مناف لما تروجه أمريكا من شعارات مثل »السلام» وقبول الآخر. وأضافت: نحن كمثقفين وكتاب لا نملك حلاً سوي المقاطعة الثقافية لهذا الكيان الصهيوني. ومن جانبه قال الدكتور عمرو الشوبكي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: من البديهي أن أكون ضد هذا القرار، ليس فقط لأنها أرض عربية محتلة، بل لأن هذا القرار يعد استهانة بقرارات الأممالمتحدة التي ترفض ضم أراض بالقوة المسلحة، واستهانة كذلك بالعرب، نتيجة لضعفهم في الوقت الراهن. مضيفًا: أعتقد أن هذا القرار لن يلقي صدي في المجتمع الدولي، لذلك نجد أن الاتحاد الأوروبي رفضه، لأنه فاقد للشرعية، فلا أحد يختلف أن إسرائيل احتلت الجولان بالقوة المسلحة. وحول الحلول التي من الممكن أن يقوم بها الجانب السوري قال إنها للأسف في وضع ضعيف لا يسمح لها بالمواجهة، وإن كان هذا لا يمنع أن تنسق من أجل مواجهة سياسية ودبلوماسية لهذا القرار. وفي تحليل للأزمة قال الدكتور محمد عز العرب المختص في الشئون العربية والإقليمية والباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية »إن قرار ترامب الأخير يختلف عن قراره السابق بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس، وذلك لأن هذا القرار لم يكن مدرجًا في الشعارات الانتخابية أثناء حملته مثل قراره السابق». وأضاف عز العرب: هناك العديد من المحددات التي غيرت من الموقف الأمريكي تجاه الجولان؛ أولها رغبة ترامب في الحصول علي الصوت اليهودي في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وبالتالي يعطيه ذلك فرصة كسب صوت يهودي بارز، كذلك توجيه رسالة ضمنية للمجتمع الدولي، بأن أمريكا لن تتراجع عن دعمها الموجه لإسرائيل. كما أن القرار يعد نوعًا من الاستجابة المباشرة للضغوط التي تمارسها منظمة إيباك علي نواب الكونجرس لحسم مسألة الاعتراف الأمريكي بالسيادة علي الجولان. وكذلك رغبة ترامب في أن يحقق إنجازًا فيما يتعلق بالتسوية العربية الإسرائيلية، بغض النظر عن انحيازه الكامل لإسرائيل. واستطرد: الشيء الأخير هو أن هناك تحسباً من جانب إدارة ترامب لاحتمال إقبال تركيا وإيران لإدخال ملف الجولان في جزء من المحداثات فيما يخص تعقيدات الأزمة السورية. أما الكاتب والشاعر أحمد سراج فقال إن أمريكا تدعم الكيان الصهيوني لأسباب عدة، منها اللوبي الصهيوني، ومنها أن هذه صورة من صور الاستعمار »الاستعمار بالوكالة» ومنها »عزل الساحل العربي عن داخله». واستكمل: يجب الاعتراف بما نحن فيه، ومحاولة فهم ما سيترتب عليه، لدينا لاجئون يساوي عددهم عدد سكان الخليج العربي، لدينا نزاعات بين الدول العربية، إن كنت تريد حلا فهو الحرية، وإن كنت تريد طريقًا فهو الديمقراطية. وأشار سراج: حين توسع محمد علي دمرته بريطانيا لأسباب استعمارية، لكن بالمرستون قال: »نحارب رجلا دمر شعبه». وهذا دور المثقف؛ إعادة الناس إلي أوطانهم.. رد مواطنتهم. وفي محاولة لفهم الأزمة قال الدكتور محمد الكحلاوي الأمين العام لاتحاد الآثاريين العرب إن القرار يعد تحدياً واضحاً، حيث كان يتصور أن الإعلام العربي سيقف ضده بشكل صارخ، لكن ذلك لم يحدث. وأشار إلي أنه من الطبيعي أن يدعم ترامب إسرائيل، فجميع أفراد عائلته من اليهود، لكن الغير طبيعي هو أن يصمت العرب هكذا. أمريكا تتعامل مع الأراضي العربية باعتبارها أرض تمتلكها ومن ثم تعطيها لمن تريد أن يسكنها. وسوريا باتت مستباحة من جانب دول العالم، فتركيا وضعت يدها علي بعض المناطق وكذلك إسرائيل هي الأخري، لذلك يجب أن يدرك العرب حجم الفاجعة التي أصابتهم لأن أراضيهم باتت مستباحة. أما الدكتور حسام إسماعيل أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة عين شمس فأوضح أن الوحدة العربية أصبحنا نسمعها فقط في الأغاني، لكن علي أرض الواقع لا توجد وحدة عربية حقيقية. مشددًا علي أن الوضع في سوريا أصبح صعبًا وهذا ليس وليد اللحظة لكن مشكلتهم كانت منذ زمن، وذلك عندما رفضوا أن يجلسوا مع السادات علي طاولة المفاوضات، حيث أننا خلال الحرب فزنا بالخداع الاستراتيجي وهذا لم يفعله الجانب السوري الذي فضل المواجهة المباشرة، كذلك فإن وضع هضبة الجولان غير وضع سيناء وذلك بسبب أن الجولان تقع في منطقة مرتفعة لذلك فالقوات السورية وجدت صعوبة في السيطرة عليها. واتفق معه في الرأي الدكتور أنور إبراهيم، قائلًا: هذا القرار هو قرار القوة، وقد اتخذه ترامب بسبب اختفاء القطبية الثنائية التي فتحت الساحة لأمريكا باعتبارها القطب الأوحد، وبناء علي ذلك فهي تتصرف لصالح إسرائيل من أجل تحقيق رغبتها وطموحها. كما أن صعود اليمين في الآونة الأخيرة ليس وليد الصدفة، لكنه بجهود من أمريكا للتصرف في العالم وتشكله كما تشاء، وهي بالفعل لديها هدف، وهدفها الأساسي هو حماية إسرائيل. وأخيرًا قال القاص سعيد الكفراوي إن القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، هي علي ما يبدو تمهيد لاتفاقية ما تعرف باسم صفقة القرن التي يحاولون فرضها علي الشعوب العربية. تاريخ خلافتهم مع العرب، غالبًا ما يأتي بحروب لمصلحة إسرائيل، فمنذ عام 1948 وأرض فلسطين يقسمونها حتي تقلصت الطلبات وأصبحنا نتحدث عن الضفة الغربية فقط، كذلك فالجولان هي الأخري فجميع المواثيق الدولية تعترف بأنها أرض سورية إلا أن ذلك لم يحظ باعتراف أمريكا مؤخرًا لأن ذلك لا يخدم مصالحها.