سألت نفسي اليوم، كما أسألها كل يوم: تري ما الذي يشغلني عنك؟ أردت أن تعرف أن أمواج البحر، إن هدأت هي أو ثارت وعلت بيضاء تلاحق بعضها بعضاً كما الغيوم الهاربة في السماء الصيفية. هذه لا تشغلني عنك. وأن هموم الوطن الصغير ومفازات الوطن الكبير بكل ما تحمله من عذابات وقلق وأحلام لا تشغلني عنك. وأن صوت الرعد، وكم يذكرني بك، وصوت البرق الذي يخطف البصر بضوئه الخلاب. وأن صراخ الأولاد والحفدة، يلعبون في حديقة الدار أو ينهبون بعض الورد فيها، أو يتنادون إلي الألعاب الذكية في غرفة مدوزنة بموسيقي الكمبيوتر. كل هذا لا يشغلني عنك. قراءة الصحف، الموسيقي، السفر، هموم العمل، وهموم الناس التي أحمل علي كتفي يوماً بعد يوم، فتجعل الإرهاق صديقاً دائماً لروحي، والبحث عن لحظة فرح حلماً، أو ما يشبه الحلم. كل هذا لا يشغلني عنك. هل تعرف يا سيدي إذن ما الذي عنك يشغلني كل ساعة عمر. أنت وحدك تشغلني عنك فتابع رحلتك في الدورة الدموية وحين تتوقف عند القلب، نادني لأعرف أنك وصلت إليه، للمرة الألف بعد الألف، بعد الألف. برقية شيماء... ابنتي.. يا خلاصة كل العصور لو لم أكن أمك لبعثت برقية إليها تتألف من كلمتين فقط: »أحسنت يا مبدعة..« والحقيقة، أنني لا أعرف، رغم كثرة المبدعين، امرأة ولدت شمساً إلا أنا.. ولا أعرف امرأة أطلعت ياقوتاً.. وعنباً وأشجار عدل وفكر.. وسنابل حرية إلا أنا.. فهل كنت أعرف، حين وضعتك، أنني لم ألد بنتاً كملايين البنات.. وإنما ولدت »قضية« بكل ما تحمل القضية من وهج النبوءة، ونار التحولات؟ فهل كنت أعرف أنني أؤرخ لتاريخ المطر.. وتاريخ الورد.. وتاريخ الحضارات التي سوف تأتي.. وتاريخ الشعر الذي سوف يُكتب. فكل عام وأنت مضيئة كالمنارات.. وعادلة كالمطر، ومتحدية كالعاصفة، وجميلة كنشيد الأناشيد.. كل عام وأنا أتغطي بشراشف حنانك.. واختبئ كالعصافير في سواد عينيك..