فؤاد حجازي وفرج مجاهد ملامح أساسية يكشف عنها هذا الحوار، مع الأديب الكبير فؤاد حجازي، فهو يستعرض رؤاه الأساسية من الإبداع والحياة، ويتوقف عند تجاربه في نشر الإبداع، له ولغيره، مثل تجربة الماستر، التي كان من أوائل من لجأ إليها، وكذلك يسرد قصته مع سلسلة »أدب الجماهير» التي لعبت دورا كبيرا في النشر لأسماء شابة موهوبة وقتها، وقد أثبت الزمن صدق إحساسه بهذه المواهب وضرورة إعطائها الفرصة للنشر، كما أعلن عن عدم ندمه من مكوثه بالدقهلية، وبعده عن العاصمة ببريقها، فهو يري أن مسيرته تعتمد علي موهبته فقط. لديك علاقة قوية بمؤتمرات أدباء الأقاليم..كيف تبدو هذه المؤتمرات في منظورك؟ هل تخصب المشهد الثقافي بما هو مفيد؟ أم أنها إهدار للمال العام؟ لا شك أن هذه المؤتمرات تساهم في تحريك الماء الآسن في الواقع الثقافي.. فهي تلقي الضوء علي أدباء المدينة والمحافظة التي تعقد فيها، إضافة إلي الأبحاث النظرية.. وكثير منها يكون مرتبطا بأحداث الساعة وقت انعقادها.. ولاتنس أن كثيرا من التوصيات المهمة صدرت عنها.. وكان لي شرف اقتراح توصية مقاطعة العدو الصهيوني في مؤتمر المنيا عام 1984م.. وتبعتنا بعد ذلك النقابات المهنية الأخري ومنظمات المجتمع المدني.. كما صدرت توصيات كان لها أثر في دفع الحراك الثقافي في مصر كلها.. مثل إصدار مجلة »الثقافة الجديدة» شهريا وكانت تصدر مرة في العام أو كلما تيسر، كما صدرت توصية تحويل الثقافة الجماهيرية إلي هيئة عامة.. وكذا ساهمت في زيادة ميزانية النشر. لكنها – هذه المؤتمرات - في حاجة إلي تطوير. فلابد من تخصيص ميزانية خاصة بها من وزارة الثقافة حتي لا تضطر للشحاذة من أحد المحافظين كل عام وهذا يقبل وهذا يرفض، ولا يخفي عليك أن أغلبهم لا يهتمون بالثقافة ويعدونها شيئا زائدا لا داعي له..! كما لابد من تمثيل وزارة الشباب والشئون الاجتماعية والتعليم العالي والتربية والتعليم والحكم المحلي في أمانة المؤتمر لنستفيد بإمكانياتها وكل هذه الوزارات لديها ميزانيات لهذا الغرض وأماكن ونواد للشباب غير مستغلة للشأن الثقافي. ماذا لو كنت من أبناء القاهرة.. هل كانت مسيرتك الأدبية ستشهد تغييرات جوهرية؟ لا أعتقد فمسيرتي الأدبية لا تعتمد علي الجغرافيا، ولكن تعتمد علي ما أود أن أحققه وعلي القضايا التي تلح علي سواء جماليا أو اجتماعيا، ومقدرتي في التعبير عنها. أمضيت في سجون بلدك عدة سنوات.. وفي الأسر أكثر من 8 أشهر.. هل ثمة أوجه للمقارنة؟ في سجن بلدك أنت آمن لحد كبير، فإذا حدث تجاوز فنستطيع إبلاغ النيابة العامة، وفي سجن بلدك لا يطلقون عليك النار مهما حدث. حقا حدثت تجاوزات كثيرة أيام عبد الناصر.. مثل التضييق علي السجناء السياسيين وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة كالذهاب مثلا إلي دورة المياه متي أرادوا.. أو مطالعة الجرائد.. أو النوم علي فرش بدلا من أرض الزنزانات المسفلتة. لكن، هذا استثناء في تاريخنا ثم تعود الأمور إلي طبيعتها. أما في سجن العدو الصهيوني فأنت لست آمنا لحظة واحدة. كانوا يطلقون علينا النار في عنابرنا الخشبية عند مطالبتنا بأي شيء- مثل معالجة مريض.. أو الحصول علي ماء للشرب، أو المطالبة بالاستحمام، أو تحسين الطعام. وكانوا يمنعون اتصال الصليب الأحمر بنا.. وقد أدي ذلك إلي موت الكثيرين دون محاسبة القتلة.. كما أصيب الكثيرون بأمراض عضوية ونفسية مزمنة. تري أن أدباء الجيل الثالث الذي تنتمي إليه اخترعوا طرق نشر شعبية كالماستر.. وأيضا النشر علي نفقتهم الخاصة.. هل أدي هذا إلي اختزال المسافة بينهم وبين القارئ؟ لقد أدي النشر بطريقة الماستر إلي إلغاء الرقابة من الناحية العملية.. فلم يعد الأمن يتمكن من مداهمة المطابع.. لأن الكتاب يمكن أن تطبعه في عدة ساعات وتفوز بغنيمتك بدلا من عدة أشهر في السابق.. كما أدي النشر علي نفقتنا إلي عدم خضوعنا لشروط النشر في الدور الحكومية لأنها محافظة بطبيعتها.. أما دور النشر الخاصة فتبحث عن الربح وهو ليس متوافرا هنا. وذلك النشر أدي إلي وصولك مباشرة إلي القارئ دون وسيط كما خلق قارئا جديدا، لأننا كنا نبيع الكتاب قبل صدوره عن طريق طبع إيصالات للناس.. كل في عمله كما شجعت هذه الطريقة في النشر الكتاب أن يقولوا ما يريدون وأن يلجأوا إلي طرق جديدة في التعبير والتجريب. خلال مؤتمر اتحاد كتاب الدقهلية ودمياط قلت إننا نعاني أزمة تلق حادة لأن القارئ انقرض بفعل وسائل التعليم العقيمة وقلت أنت إن المتلقي موجود .. لكن المشكلة أننا لا نملك وسائل الوصول إليه.. كيف؟ هناك نقابات.. وهناك أندية اجتماعية.. وأحزاب سياسية.. ومنظمات للمجتمع المدني بالآلاف..وهناك مكتبات وزارة الشباب وكذا الحكم المحلي في القري والمدن الصغيرة... وهناك الجامعات.. لابد من القائمين علي النشر والتوزيع الاتصال بكل هذه الجهات.. وإيجاد آلية لذلك..ولقد التقيت كثيرا بالشباب في هذه الأماكن وهم متعطشون جدا للثقافة وللكتاب..فندوة في أحد هذه التجمعات يحضرها مئات، وفي الجامعة المدرج يعم بآلاف الطلبة والطالبات..في حين أن ندوة في أتيليه القاهرة في قلب العاصمة لا يحضرها سوي خمسة أشخاص، ومع ذلك يضخم من شأنها الإعلام وكأنها حدث ثقافي، ويتجاهل مايحدث في أقاليم مصر طولا وعرضا. زمن الأسر هل يبدو الآن بعد مضي نصف قرن تقريباً باهتا علي جدران الذاكرة؟ أم مازالت الذاكرة محتقنة بتلك الفترة؟ هذه ياسيدي تجربة لاتنسي وقد وفقت لكتابة رواية عنها »الأسري يقيمون المتاريس» وقد طبعت سبع طبعات حتي الآن آخرها عن دار »الشروق» ..فكيف أنسي أو ينسي كثيرا من أبناء مصر ما لاقوه من تعذيب وقتل في معسكرات الأسري الإسرائيلية والعدو مازال يجثم علي أنفاس أهلنا في فلسطينالمحتلة. أنت قريب للغاية من تجربة قصور الثقافة وقبل ذلك الثقافة الجماهيرية..هل تري أن رسالة هذه الهيئة وصلت إلي الناس ..ولعبت دورا ملحوظا في عملية تنوير العقول بالقري والنجوع المحافظة؟ الحقيقة أن مشكلة الثقافة الجماهيرية ذات شقين: 1- الأول الكوادر المؤهلة للعمل في الثقافة.. كرسالة وليس كوظيفة يرتزق منها .. 2- والثاني الميزانية..التي تبتلعها أجور العاملين ولا يتبقي للصرف علي الثقافة شيء يذكر..إن نصيب الفرد في مصر من الثقافة لا يتعدي ثلاثة مليمات.. وهي عملة لم تعد موجودة..وهل تعلم أن أجر المحاضر 68جنيها، لا يكفي لشراء نصف كيلو من اللحم!. في سلسلة أدب الجماهير، هل كانت نزعة الكاتب الأيديولوجية والمتن الفكري للكتاب المعيار الأساسي للنشر أم أن الفنيات هي المحك الوحيد ؟ كما سبق وأوضحت المعيار الفني أولا دون إغفال الجوانب الأخري.. ولقد طبعت »أدب الجماهير» خلال ما يقرب من نصف قرن أكثر من ألف كتاب في مختلف فروع الأدب والثقافة، ووزعت في مصر والعالم العربي والجامعات الأوربية والأمريكية وذلك دون أي دعم من أحد أو مؤسسة أو دولة.